تركت الجامعة.. لأن نفسيتي لم تعد تتقبل شيئاً.. وكان يأتي إلى الشقة مرتين بالأسبوع كي يحضر لي بعض الأغراض والأطعمة التي تكفيني طوال الأسبوع، لأنه لم يكن يترك لي مفتاح الباب أبداً.. بعد أن أخذه مني.. خوفاً من هربي.. ولا حتى جهازي المحمول.. إلا في حضرته كان يعطيني إياه ويأخذه عندما يغادر.. لقد كان سجناً بكل ما تعنيه الكلمة.. لولا التلفاز الذي لا يوجد به سوى قنوات قليلة.. معظمها قنوات دين وشعر، بالإضافة إلى القنوات الحكومية المحلية، لكنت قد انتحرت من الضيق والملل.. ما يستفزني أنه كان يتواصل أمامي مع خديجة بخصوص العمل على إقناع بعض الفتيات وتجنيدهن بالذهاب إلى أراضي القتال بسورية والعراق!
وبين كل هذه الأمور، وكل ما يدور حولي، مازالت فكرة النجاة والحصول على الأدلة التي يهدداني بها حاضرة في تفكيري..
كان يقترب مني كثيراً بشكل مستفز، فأنا لا أطيق النظر إليه فكيف بالجلوس بقربه! يتحدث معي دائماً بثقة غريبة، ويخبرني عن نشاطاته بمواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً على تويتر..
أفشى لي سراً جعلني مصدومة لساعات!
لم يكن ليخبرني بسر هكذا، لولا أنه لم يتأكد كلياً بتمكنه من رقبتي تماماً..
وبأنني لا أشكل عليه أي خطر يذكر.. لذلك كان يتحدث بثقة وأمان.. لديه حساب على تويتر يحمل اسماً مستعاراً (أبو الدرداء)، يتجاوز متابعوه أكثر من مليوني متابع!
يغرد بتغريدات دينية.. وأحاديث ومقتطفات مبطنة تقدم على أنها إيمانيات!
سألته وأنا مستغربة:
- كيف ذلك؟ لماذا يتابعك كل هذا العدد الضخم؟
- استطعت من جمعهم خلال سنتين فقط.
- كيف ذلك؟ ما المغري بالحساب؟ ثم ما الفائدة من جمع هذه الأعداد؟
قال ضاحكاً:
- هذا الحساب وغيره من الحسابات بمثابة الكنز يا غبية!
- كنز!.. كيف؟
- هذه الحسابات التي تجعلنا نستطيع بكل سهولة أن نبث أفكارنا بين أفراد المجتمع بكل سهولة.. من دون أن نتحرك من أماكننا.. لا نحتاج للسفر ولا لمجهود خارق.. فقط نغرد بأفكارنا بغلاف ديني تعود عليه عامة الشعب، وذلك بعد أن نضعها برفقة هاشتاقات سعودية اجتماعية ورياضية يتواجد بها مئات الآلاف من الشباب والفتيات أغلبهم سعوديين، وعندها ستنطلي عليهم التغريدات وسيتقبلونها وسوف تدخل إلى كل منزل.. وبتكثيفها ستصبح مستساغة عند الغالبية، وإن لن تنجح بعضها، المؤكد بأنها ستحدث انقساماً وحوارات تنتهي بردود فعل متطرفة.
- وصل خبثكم لهذه الدرجة؟!
- احذري.. واختاري كلماتك.
نسيت بأني تجاوزت حدودي.. معه صحيح أني لا أطيق وجهه أو حتى طبقة صوته المستفزة.. ولكني وجدت نفسي استمع إلى حديثه بفضول.. ربما لغرابة ما كان يخبرني به.. لذلك.. حاولت أن أكون حذرة وأن أتعرف أكثر على ما يحمله هذا المجنون من أفكار..
تداركت غضبه ثم قلت له:
- حسناً.. حسناً.. لكن كل ما ذكرته ليس مبرر بحصولك على هذه القابلية لدرجة أنك جمعت أكثر من مليوني متابع!! كيف حصل ذلك؟
- بفضل العديد من المشاهير.
- مشاهير!! مشاهير ماذا؟
- مشاهير الدين بمواقع التواصل الاجتماعي من الذين يؤمنون بفكرنا، أو حتى من قد يخالفونه.. تكون لديهم مصالح مشتركة معنا لصالح حزبهم الذي ينتمون إليه.. لذلك هم يختبئون خلف شخصيات متلونة لمصالحهم الشخصية، وكذلك حتى يجذبون الشباب إليهم بواسطة هذا المظهر المحبب.. يتم التنسيق بيننا وبين بعضهم بسرية تامة، بحيث يقومون بعمل إعادة تغريد (ريتويت) لتغريدات من حسابي مثلاً.. تحمل أحاديث ونصائح دينية جميلة، وعليه يرونها كل متابعيه الذين قد يصلون بحساب هذا الشيخ إلى أكثر من عشرة ملايين! وغالبيتهم من الشباب.. عندها يقومون بمتابعة حسابي الذي ظهر بحساب الشيخ الذي يثقون فيه ثقة عمياء.. لشهرته وصلاحه كما يرونه بالظاهر!
- مستحيييل!!! أيعقل ذلك؟ مشايخ من مشاهير تويتر يقومون بهكذا أمور.. أنت تكذب علي.. إن كنت صادقاً أعطني أمثلة؟
- ما الفائدة من أن أكذب عليك؟ هذه الحقيقة، ولن أذكر لك أسراراً خطيرة كهذه.. هيا اذهبي وحضري العشاء من المواد الغذائية التي أحضرتها آخر مرة.
يارب.. ما الذي أسمعه من هذا المجنون.. وما الذي يقوله؟ أيعقل أن يكون صادقاً؟
كيف تنطلي هذه الحيل على هذه الأعداد المليونية من الشباب والبنات؟
ولماذا أمثال هؤلاء المشايخ أصحاب الشعبية الكبيرة، يستغلون طهر الدين بتمرير قذاراتهم وأفكارهم المتطرفة إلى شباب بسيط.. وثق بهم وبمظهرهم الخارجي المتدين؟
لماذا المظاهر هي من تجذب الآخرين؟
كل من تنكر بأدوات التدين.. يستطيع أن يتصدر؟
وكل من حاول تنوير الآخرين وبث بهم روح الإنسانية، ولم يحمل تلك الأدوات على شكله الخارجي، لا يلقى قبولاً إلا من القلة! بل إنهم قد ينساقون خلف تكفيره لو نشر أمثال هؤلاء من مدعي التدين، الاتهامات على مخالفهم!
شاهدت ذلك كثيراً من خلال تصفحي على موقع "تويتر".
ظلت هذه التساؤلات تدور برأسي.. ولم أجد إجابة عنها!
بعد فترة من هذا الزواج الناقص شكلاً وطعماً ومضموناً..
أتى أخي أحمد لزيارتي للاطمئنان علي.
فتح الباب بواسطة مفتاح، أخبرني بأنه يحتفظ بنسخة من الباب معه!
في البداية ظننت أنه ضياء، لكنه كان أحمد..
تساءلت: لماذا لم يطرق الباب؟ لقد فتحه من دون أي مقدمات!
علمت من هذا التصرف أنه على معرفة بما يفعله معي ضياء بعدم إعطائي مفتاح المنزل.. وكأنه يخشى هروبي.. لذلك اتفقا على ذلك.
وعلى الرغم ما كنت أحمله من كره بداخلي تجاهه، إلا أنني بكيت عند رؤيته..
كنت وحيدة بالشقة.. سألني عن ضياء.. فأخبرته بأنني لم أشاهده منذ أربعة أيام..
وأخبرته بأنني تركت الجامعة من التعب النفسي الذي أمر فيه.. لم يبد أي ردة فعل، وكأنه كان يعلم بحدوث ذلك.. مسكت يديه وفي لحظة بكاء هستيرية لا أعرف لماذا حلت علي فجأة.. طلبته متوسلة:
- أرجوك أخي أحمد.. لا أريد أن أبقى هنا دقيقة واحدة مع هذا الحيوان..
ترك يدي بقوة ثم هددني قائلاً: لو كررت هذا الطلب ثانية سوف أقطع زياراتي لك! وطلب مني أن أتكيف مع هذه الحياة!
فالمرأة ليس لها سوى منزلها وهذا قدري كما يقول!
ثم غادر غاضباً وسط قهري ودموعي..
كرهت نفسي تلك الليلة.. تمنيت لو لم أفتح قلبي وأظهر له حقيقتي من الداخل..
تمنيت حقاً لو كنت قوية.. على الأقل أمامه..
لكن هذا هو العجز الداخلي.. مهما كتمنا بداخلنا أو حاولنا التصنع بالقوة..
لابد أن تأتي لحظة ونخر مستسلمين.. نبكي ونخرج كل ما بداخلنا دفعة واحدة..
مرت الأيام، وعلمت من ضياء أنه وبعض أفراد الجماعة.. قد اقتربوا من تجنيد خمسة شباب وفتاتين، جميعهم من بلدان عربية كالمغرب ومصر، للذهاب إلى تركيا!
ومن ثم إلى سورية للانخراط في القتال هناك!
فتيات! وفي ساحات القتال؟!
هذا المجنون أكاد أجزم بأنه يعاني من مرض لا أعلم ما هو!
ألم تكفهم الفتيات اللاتي يقعن تحت أيديهم من تلك المعارك الدموية، تحت مسمى السبايا!
ثم واصل:
- لكل شاب أجنده لهم أقبض ألفي دولار.. ولكل فتاة أربعة آلاف دولار..
- أليس ذلك مغرياً يا جميلتي؟ ما رأيك أن تذهبين.. فتاة جميلة وفاتنة مثلك قد يصل سعرها ستة آلاف دولار.. والأهم من هذا كله.. أنك سعودية!
قالها وهو يضحك ضحكة بشعة كوجهه البشع..
أردت أن أصفعه على وجهه.. لكنني فكرت بردة فعله قبل أن أقوم بفعلتي هذه..
لذلك قررت الصمت وعدم المبالاة.. وسألته سؤالاً حيرني:
- من الذي يدفع لك هذه المبالغ؟
فأجابني ببرود:
- ليس ذلك من شأنك.
بعد مرور شهرين تقريباً، لاحظت تغييراً جذرياً في علاقتنا معاً.. ويرجع ذلك من كثرة أحاديثه معي..
كنت ألاحظ على شخصيته وضوح التناقض والتغيير المفاجئ!
كما لو أنه مصاب بانفصام..
أصبح يلاطفني من حين إلى آخر.. بخلاف السابق!
حتى أن مفرداته ليست كسابق عهده.. خصوصاً عندما يسألني قبل خروجه..
إن كنت أرغب بشيء معين! وفي كل مرة يخرج من عندي.. كان يصر على أن يودعني بقبلة على يدي.. لم يكن يروق ذلك لي أبداً.. وما أقلقني أكثر.. هو زياراته المتزايدة..
حتى وصل به الأمر إلى أن يزورني خمسة أيام بالأسبوع على غير عادته!
وعلى غير ما نص عليه هذا الزواج..
الصراحة.. لقد تعودت على وجوده.. لكنني لم أكن أسعد برؤيته..
ربما الخوف الذي تسببه وحدتي بشقة في حي يكتظ أغلبه بالعازبين وبالعمالة الوافدة، خصوصاً أصوات القطط التي تتعارك ليلاً بين ممرات البنايات الخلفية. مواء خفيف بطريقة مرعبة يصدر منهم كل ليل.. عراك لا ينتهي.. يجعلني أرتعش.. ربما هذا ما يجعلني أتقبل وجوده قليلاً..
أصبح في كل مرة يأتي بها.. يثرثر كثيراً..
يفتح معي مواضيع من أجل الحديث فقط.. وبين كل قصة وأخرى.. يرميني بكلمات غزل!
وكأنه يريد أن يتقرب مني.. أصبحت أقلق كثيراً من تقلباته..
لذلك، كنت أتقبل غزله وأنا مضطرة!
أتقبل غزله السطحي الذي لا يثيرني أبداً.. وأستمع كذلك إلى حديثه الذي يتخلل غزله لي.. عن أمور الأمة والقتال بالشام والعراق وكيف تدار الأمور هناك..
حقاً حالتي يرثى لها.. ونعم الغزل!
كم كنت أكره خرفشة شعر لحيته المجعدة.. كلما لامسني، أو أراد تقبيلي..
ويغضب دائماً من ردة فعلي، كلما أحس بالقشعريرة التي تنتابني منه، وابتعادي الذي يحدث لا إرادياً عنه.. فيحدق بي بنظرات مخيفة تحمل إشارات لي مفادها.. لماذا لا تريدينني؟
وفي الوقت نفسه، لا أقوى على أن أخبره السبب.. لأنني أعلم جيداً كيف سيكون تعامله الغليظ معي..
في كل ليلة، كنت أشعر بأن معي شخصاً آخر!
شخصية مختلفة عن اليوم الذي قبله!
كان يطلب مني أشياء غريبة على غير العادة.. يطلب مني أن أرقص!
وأرفض.. يهددني بالضرب ويصرخ علي.. ثم يتردد ويطلب العفو وهو الذي يقوم بالرقص من دون موسيقى!
كان يأتي لي بملابس نادلات مطعم أو راقصات وحتى غجريات.. ويطلب مني أن أرتديها!
وكنت أرفض طبعاً وأصرخ عليه.. فيثور غضباً.. مكرراً: أنت حلالي..
لقد تعبت نفسيتي كثيراً.. وما أتعبني معه أنه أحياناً يصمت قليلاً.. ثم يهجم علي من دون سبب..
يشقق ملابسي. يحاول أن يغتصب جسدي.. وأقاومه.. ثم يتوسل إلي معتذراً.. وأنا لا أملك سوى البكاء.. والاستمرار بلعن إخواني.. وحالتي التي وصلت إليها.
تقلباته كانت تخيفني كثيراً.. حتى عندما ينام.. أسمع منه كلمات مخيفة وأحاديث تخص جرائم قتل وتوسلات لأناس مجهولة بأن يتركوه وشأنه..
وعندما يستيقظ مذعوراً من نومه كان يحتضنني ويصرخ اقتربي.. اقتربي..
وأنا أتصبب عرقاً من الخوف.. ونبضات قلبي تتسارع.. تنتظر أن يعتقني..
لا أنسى ذلك اليوم.. الذي تهجم علي فيه وشقق قميصي الذي كنت أرتديه..
ثم اختفى بعدها ثلاثة أيام كاملة.. ثم أتى إلي والشوق يتطاير من وجهه..
قدم لي هدية!
قال لي إنها بداية طرح لثقة متبادلة بين الطرفين..
قدم لي هاتفاً محمولاً جديداً!
ثم قال:
- صحيح أن زواجنا مسيار.. زواج منفعة جسدية.. لكن يبدو أنه أصبح أكثر من ذلك!
- أكثر من ذلك! ماذا تقصد؟
- سيأتي الوقت الذي أخبرك بما يدور بداخلي!
- لا أريد منك شيئاً.. سوى أن تبتعد عني إلى تنتهي المدة التي بيننا كما اتفقنا..
اشتاط غضباً فجأة.. ثم أمسك بشعري بقوة.. وقال بصوت منخفض بعدما اقترب من أذني:
- إياك أن تكرري هذا الحديث معي!
علمت بعدها أنه يخطط للغدر بالاتفاق الذي بيننا..
ابتعد قليلاً، ثم هذب شعري.. وقال مبتسماً:
- بهذا الهاتف يوجد برنامج تويتر.. أنشأت لك حساباً جديداً، أسميته بعد تفكير بـ "الشيخة روان"! سأدعمه لك بالنشر من خلال حسابي وحسابات بعض المشايخ الذين نثق بهم.. أريدك أن تفعلي مثلي.. وعندما يصبح عدد المتابعين لك بمئات الآلاف.. تستطيعين أن تبدئين بقبول الإعلانات عن حسابات أخرى تحتاج إلى تزكية أمام متابعي حساباتنا، وذلك بمقابل مادي جيد.. ستنشرين الخير.. وستستفيدين أيضاً من المال..
- يا سلام.. ومنذ متى كان الخير بمقابل مادي؟!
- الكل يفعل ذلك.. حتى المشايخ الذين أخبرتك عنهم.. يقبضون آلاف الريالات لنشر إعلانات بطرق غير مباشرة ولتزكية شخصيات بالمتابعة..
- لا أحتاج هديتك.. لن أتاجر بالدين أبداً.. ولن أنشر الضلال الذي تعتنقه.
- ما رأيك بنشر مقاطع جسدك إذاً؟ (قالها غاضباً).
صممت.. ثم بلعت لعابي الذي تجمع تحت لساني أثناء صمتي.. ثم قال متداركاً:
- أمزح.. أمزح معك يا جميلتي، لكنك تستفزينني أحياناً..
تمتمت بداخلي بعد أن أزحت نظري عنه.. أيها الأحمق.. فالملوث فكرياً.. يبقى ملوثاً فكرياً.. حتى وإن تظهر من الخارج.
أيقنت أنه من الصعب التعامل معه.. كلما ناقشته أو عاندته أو رفضت شيئاً..
تخلى عن طيبته المتقلبة وعاد يهددني من جديد بالفضيحة التي يمسكها علي..
مشكلتي أنني أخاف الفضيحة.. لدرجة أنني أرفض رفضاً تاماً مجرد التفكير من التوجه لإبلاغ الجهات الرسمية.. وهذا كان خطأ فادحاً متى كلفني الكثير.. كنت أحدث نفسي بأنني لا أملك إلا الصبر.. وسأصبر حتى أتخلص من هذه الأثقال التي أتعبت ظهري..
قبلت منه الهدية على مضض.. كي يغلق الموضوع ويبتعد عني.. رائحة المسك التي تفوح منه باستمرار، أصابتني بالغثيان والصداع..
ابتعد.. ثم تمدد وأغمض عينيه كي ينام قليلاً..
فتحت هاتفي الجديد.. ودخلت إلى تويتر الذي يقول.. كي استكشف وآخذ فكرة عما ذكره لي.. بالفعل كان الحساب تحت اسمي المستعار.. "الشيخة روان"!
شيخة ماذا؟ يا للخيبة.. ولكن.. لفت نظري شيء غريب.. وهو أن المتابعين قرابة الستين ألفاً! ولا يوجد فقط سوى عشر تغريدات، كلها تحتوي على أذكار الصباح والمساء!
أصبح لديّ شغف لمعرفة دهاليز هذه التجارة المتسترة خلف رداء الدين..
تجارة فكر.. ومال.. وبشر!
يبدو أنه الجهاد نفسه الذي أخبرتني عنه سابقاً سيئة الذكر خديجة.. قرابة الشهرين فقط.. اكتمل عدد المتابعين لديّ لخمسمائة ألف متابع.. نصف مليون!
لم تصدق عيناي أبداً.. حساب متفاعل لأبعد درجة!
أخبرني في أحد الأيام بالمشاركة الضرورية بالهاشتاقات التي تخص مجتمعنا بالتحديد.. وبأنه سيدخل من هاتفه ويغرد من خلال حسابي.. وأن أكتفي فقط بمراقبته كي أتعلم منه، وأكون مسؤولة على استقبال الإعلانات وتبادل التغريدات مع الحسابات المتعاونة ذات الشعبية الكبيرة.. المؤمنة بدولة الخلافة كما يقول!
حملة منظمة وخطيرة ودقيقة تجاه الشعوب الخليجية، خصوصاً الشعب السعودي!
شعرت بدوار.. بلوعة تجتاح بلعومي ومعدتي.. هل أنا أحلم؟ أم أنني أعيش حقيقة مرة؟ هل فعلاً سيتركونني؟ أم أنني غرقت أكثر من قبل؟
أعلم أنني كنت أغرق.. لكنني أتجاهل واقعي كي لا أفقد قوتي الهشة..
الحساب يدس السم بالعسل.. والقطيع الذي يتابعني ينساق خلف التغريدات من دون تفكير! أذكار.. أدعية.. قصص صحابة.. وبينها فتاوى مبتورة تنصب في مصلحتهم.. أحاديث ضعيفة تتصدر.. وآيات تفسر في غير موضعها!
والمتابعون يعيدون التغريد ويضعون التفضيل.. ويغردون بالدعاء للشيخة روان!
كل يوم يزداد الحساب قذارة.. ويزداد ضياء تقرباً.. بالغزل والعطف بشكل مريب!
كلما سألته:
- هل أنت داعشي حقاً؟
كان يرفض هذا الوصف ويغضب! ويقول:
- لا.. أنا سمسار.. أدعمهم بما يعود عليّ بالمنفعة.. حتى وإن وافقتهم فكرياً، إلا أنني لست أحمق وغبياً كي أنضم إلى ساحات القتال! أنا موقعي خلف الكواليس.. حيث الأمان.. والمال.. والعلاقات.. حالياً كونت تجارتي الخاصة.. لديّ العديد من المحلات التجارية والمال وبعض العقارات، كل هذا من وراء السمسرة فقط..
- إذا أنت شخصية نافذة لديهم كما تريد أن توضح لي؟!
- لا.. أنا مجهول بينهم.. وليس هناك ما يدينني معهم.. فقط أجمع المال.. وهم يجمعون القتلى.. هذه الصفة تنطبق على خديجة وغيرها.. عند حدوث هذه الأزمات.. الكل يستفيد من الكل! كل التجارة تنتعش.. التجارة القذرة! سوق النفط السوداء، المتاجرة بالبشر، حتى بالنساء والأطفال وكذلك المتاجرة بالأعضاء.. بالأسلحة.. وبكل شيء.. أصبحت سمساراً لديهم من أجل كسب الدولارات التي تكفيني مدى الحياة! قبل أن يظهروا، كنت عاطلاً عن العمل.. وبعد ظهورهم، أصبحت أملك رأس مال لا يملكه موظف حكومي قضى ثلاثين سنة من عمره في وظيفته!
قلت له من غير إرادة وأنا غاضبة بعدما شعرت بالغيرة:
- لكنك يا ضياء تخون الوطن!
- وطن.. هاااا! لا توجد كلمة وطن في منهجنا الذي نتبعه.. كلها مصطلحات غريبة جلبها المستعمر.. أمثالي وطنهم الدولار.. أين الوطن الذي تقولين؟ أين الوطن عني عندما كنت عاطلاً؟! أم أنها شعارات فقط؟!
- لا بالطبع.. الوطن هو الذي ولدت والدتك على ترابه، ومن ثم عاشت وترعرعت إلى أن كبرت، ومن ثم ولدتك على نفس الأرض.. وسمعت أول صرخاتك عليه.. الوطن الذي تغذت أراضيه بدماء أجدادنا دفاعاً عنه.. مهما حصل من منعطفات.. الفقر ليس مبرراً لخيانة الوطن.. فكم من ثري قد خان وطنه.. هي طباع من لا قلب له.. من لا ضمير له ولا نخوة..
نظر إلي وظننت من نظراته أنه تأثر من حديثي.. ثم قال ببرود:
- اصمتي.. كي تنامين الليلة من دون كدمات.
علمت من رده أنه أحمق ومكابر ومتقلب المزاج، وأن المال قد أعمى بصيرته..
لذلك سأصمت.. كي أنام دون كدمات كما هددني.. وسأسعى للخلاص مهما حاول معي..
فكرت بيني وبين نفسي.. أنا أنثى وهو شاب كبقية معظم الشباب.. ينساق وراء دلع كل أنثى.. ليس لدي ما أخسره!
لماذا لا أجاريه الحديث.. وأظهر له بعض المودة! كي أستميل قلبه وأكسب تعاطفه وثقته.. ومن ثم أحصل على ما أريد.. حريتي؟!
لم أصدق ما بدأت التفكير به! هل سأتقرب عاطفياً من داعشي؟
حتى وإن ادعى أنه ليس كذلك.. مجرد التعامل معهم ودعمهم ضد وطنه يجعله أمام الوطن والقانون شخصاً مذنباً.. وقد يلقى الجزاء نفسه الذي يستحقونه، لأنه أيدهم ودعمهم.. إذاً هو مثلهم تماماً.
حاولت أن أهتم بشكلي قليلاً.. لكنني لم أستطع أن أفعل ذلك أمامه..
لم أسرح شعري وألقي خصلة ناعمة على جهة اليمين كما تعودت سابقاً..
ولم أضع الروج الأحمر منذ أن وقعت بينهم.. رغم أن هذا اللون كفيل بأن يخضع كل رجل أحمق.. حتى وإن كان متشدداً!
لم أهتم بالملابس التي أرتديها.. فقط مشطت شعري قليلاً وارتديت قميصاً لم أرتده من قبل، ووضعت بعض العطر من أجل نفسي وليس من أجل ذلك النذل..
رائحة العطر الجميلة.. لقد نسيت رائحتها منذ فترة.. حتى الاستحمام.. بعدما كنت أقوم به يومياً.. أصبح مرة في الأسبوع.. لقد كرهت كل شيء.. لم يعد يهمني أي شيء.. حتى أذكر أنني اقتربت من نسيان معنى أن أكون أنثى!
عندما نظر إلي في المرة الأولى.. لاحظ التغيير الذي طرأ علي..
ابتسم وكأنه شاهد فتاة جديدة.. قال لي وهو مرتبك قليلاً.. أنت جميلة..
وتصنعت بملامحي ابتسامة.. وكأنني أخبره بأنني ممتنة لكلامه..
الأحمق خر مسرعاً..
مرت الأيام على هذه الحال.. واستمر بالتقرب كثيراً.. حتى شعرت بتعلقه بي!
نعم.. تعلق كثيراً.. حتى قال لي يوماً:
- أعتقد أنني أصبحت أحبك! بل أنا متأكد.. لقد وقعت بحبك روان!
لقد صدمني.. وعلى الرغم من أنني كرهتها من فمه.. إلا أنني فرحت كثيراً بنجاحي في ذلك.. لقد نجحت من خلال الخطة الشهيرة التي تقول:
(خير وسيلة للدفاع هي الهجوم).
لقد هجمت عليه من خلال نقطة ضعفه.. من خلال ملذاته القذرة التي دفعته بأن يغتصبني ويدمر عذريتي.. ويصورني.. ويتجرأ بعد ذلك بالزواج مني بطريقة غير محترمة..
لم أتردد أبداً بإكمال ما وصلت إليه من مرحلة..
بل إنني أصبحت من أبادر بالاقتراب منه! كنت أعاني كثيراً وأضغط على نفسي وعلى قلبي المقهور وأخفي كل هذا ببعض الكلمات الغزلية..
مر شهر تقريباً وخلال هذا الشهر فقط.. كنت أشاهده وهو يجمع المال من خلال إعلانات حسابي في تويتر.. ويعدني بأنه سيعطيني حصة من هذا المال قريباً..
أصبح لي محبون ومتابعون ومتأثرون.. لأنني في نظرهم.. المرأة الصالحة..
فهمت من كل هذه الترتيبات..
بأن ما أقوم به هو نوع جديد وحديث من أنواع الجهاد!
نعم جهاد.. يسمى الجهاد الإلكتروني!
معظم من يقف خلف هذه المغرفات في تويتر هم نساء! والقليل منهم رجال..
حتى أن بعض الرجال يفضل التخفي وراء أسماء نساء..
كنوع من التمويه والتحفظ الأمني..
هدفهم واضح من هذا كله، هم يستهدفون الفتيات من أجل تجنيدهم في أعمال لوجستية وأعمال قد تصل إلى عمليات انتحارية!
الفتيات العراقيات والسوريات أسهل الأهداف لديهن.. كما أخبرني ضياء..
سألته متعجبة:
- لماذا بالذات؟
أجابني وهو يقضم أظافر يده بفمه منهمكاً:
- أولاً: لأنهن بداخل ساحات القتال، فلا نواجه صعوبة تهريبهن من دول خارجية، كما يحدث مع الفتيات التونسيات مثلاً، وثانياً والأهم أنهن نساء مقهورات! ومدمرات نفسياً!
- مقهورات؟ ماذا تقصد وما المفرح في ذلك؟
- غبية.. هذه القهر نابع إما بفقد زوج أو ابن أو عائلة بأكملها من جراء الحروب الدائرة في بلدانهم.. وعليه نستغل حاجاتهم المادية أو حالاتهم النفسية من أجل إغرائهن بالانضمام إلى صفوف المقاتلين.. مشعلين في قلوبهم نار الانتقام.
- يا ساتر.. وما المهمات التي تنتظرهن معكم وهن نساء؟
- الرجال المقاتلون هناك يحتاجون إلى من يطبخ لهم الطعام ومن ينظف لهم المكان ويحتاجون إلى الجنس!
- إذاً تكذبون! تستدرجونهن ثم تستعبدونهن!
- ماذا تنتظر المرأة في معركة ذكورية؟ هذا نوع من الجهاد.. ليس شرطاً أن يحملن السلاح.. هن لديهن أعمال أرقى وأسمى.. تجهيز المجاهدين نفسياً.
- قلت قبل قليل الجنس! كيف ذلك؟
- بالزواج طبعاً.. جهاد النكاح يا حلوتي.. أشبه بزواجنا.. لكنه أسمى وأكثر أجراً!
السافل.. لذتهم في استعباد المرأة.. ولذلك ابتكروا اختراعاتهم العصرية وأحضروها من تحت أنقاض موروثهم الديني وبدأوا بتطبيقها إشباعاً لرغباتهم!
الحقيقة.. لا أعلم كيف يستطيعون فعل كل هذا!
فهم يسعون لدمار وطنهم.. من أجل فكرة دينية! من أجل اختلافات معظمها بالمتغيرات لا بالثوابت.. هم يرددون دائماً أن ما يقومون به هو نصرة الدين!
والحقيقة أنه نصرة لمعتقداتهم فقط.. وإن كان صحيحاً ما يقولونه.. لماذا هذا التعلق السافر بملذات الدنيا؟ لماذا يلهثون وراء المال؟
لماذا كلما قاموا بغزو قرية وفرغوا من تدميرها.. يبحثون عن المرأة كمكافأة؟
وإن كانوا يؤمنون بأن الحوريات في انتظارهم بالجنة.. فلماذا يبحثون عن جسدها بهذه الشراهة في الدنيا؟ تحت مسمى السبايا..
أين نصرة الدين الذي يدعون من هذا كله.. عجزت أن أفهمهم..
أخبرني بأن بعضاً من الفتيات يعرضن أنفسهن للانضمام إلى المقاتلين..
حباً في الجهاد، ومعظم الفتيات يوافقن مجبورات.. خوفاً من التحرش أو الاغتصاب أو حتى القتل.. على الأقل فإنها بهذا الزواج الشرعي في شكله طبعاً، تجد من تحتمي بظهره في وجوه الذكور هناك..
ما أدهشني هو عندما أخبرني والحماس يتطاير من عينيه.. بأن الهدف الأقوى لهم هو جذب الفتيات الخليجيات خصوصاً السعوديات!
يرى ضياء ومن خلفه أن الفتاة السعودية هي الأكثر تأثيراً شكلاً ومضموناً في حال الإعلان بانضمامها إلى جماعتهم الإرهابية!
تماماً كما هي كتيبة الخنساء الشهيرة على حد قوله!
سألته بعدما أحسست بالألم في رأسي من عجزي على الفهم:
- كيف ذلك:
- المقاتل السعودي أكبر دعاية للجماعة.. فمجرد أن تذكري الجنسية السعودية فسوف يتبادر إلى ذهن المسلم البسيط الحرمين المكي والمدني.. سوف يحضر في ذهنه قبر الرسول وكذلك الكعبة.. تلك أمور مقدسة لها وقعها العاطفي على نفسية المسلم.. وفي قلوب المسلمين المتابعين للحرب.. هذا مع الشاب.. فكيف لو كانت فتاة سعودية وتظهر أمامهم منتقبة وحاملة السلاح؟ أعتقد أنها أكثر تأثيراً من غيرها.. ومن مناظر كهذه.. سنكسب المزيد.. أفهمت ما أقصده؟
- للأسف فهمت.. تستغلون هذه المظاهر من أجل مكاسبكم الشخصية؟
- في الأخير كله لصالح الإسلام.. نحن نرفع راية الله هناك.. ولا مانع من التكسب المادي..
كعادتي صمت.. فماذا عساي أن أرد على هذا المريض فكرياً وفطرياً..
هو بالأخير، لا يريد سوى حصته من وراء تجنيد الأبرياء لأهداف جماعته التي يرفض مجرد التفكير بالانضمام إليهم كمقاتل.
بعد أن أصبح حسابي بتويتر نشطاً و"تقياً" في نظر مئات الآلاف..
وصل إلى المليون متابع! من وراء دعمهم المستمر للحساب!
عندها.. قرر ضياء أن أبدأ في مهمتي الجديدة.. المهمة التي كانت كالصاعقة علي!
وهي بأن أقوم بنشر روابط فيديو لمقاطع جرائم تقوم بها جماعة داعش..
اغتيالات.. قطع رؤوس.. رجم فتيات.. وقطع أيادي وما إلى ذلك من جنون!
مرفقة بكلمات دينية في ظاهرها.. تستعطف مشاعرهم وتجذبهم للمشاهدة!
رفضت طبعاً بقوة.. وهددني كعادته أنه سيضطر لنشر فضيحتي بالمواقع الاجتماعية وإرسال أدلة تورطني معهم إلى الجهات الأمنية بمعرفته..
لا إرادياً.. صرخت بوجهه وقلت له أفعل ما تريد أن تفعله.. لن انصاع لك ولن أكون شريكة في جرائمكم بحق الوطن والبشرية.
تطاير الشرار من عينيه، ثم قال والغضب قد تشكل على ملامح وجهه البشع:
- وطن؟! لهجة جديدة يا روان.. وأمامي!
- أي لهجة؟
- لا وطن ولا دولة في قاموسنا الإسلامي.. احتفظي بتخلفك لنفسك وكوني فتاة مطيعة.. أنت زوجتي.. لا تنسين ذلك أبداً..
أردت أن أستغل عاطفته التي طرأت على شخصيته معي في الفترة الأخيرة، فتداركت الحديث:
- ضياء، أعلم أنك زوجي.. وقد أخبرتني بأنك تحبني.. فهل هناك شخص يجبر شخصاً يحبه على فعل ما لا يريد فعله؟ هل تقوى على كدري؟
تحولت ملامحه إلى الهدوء.. وانخفض حاجباه.. في الحقيقة كدت أضحك على منظره.. أيقنت وقتها بقدرة النساء على ترويض الذكور والسيطرة على طغيانهم.. بكلمات رقيقة فقط.. قال متلعثماً:
- هااا.. نعم أحبك.. وبالطبع لا أقبل.. حسناً.. حسناً.. سأوكل لك مهمة أخرى.. كي تصمت مطالبات الرفاق الذين ينتظرون تفاعل حسابك الذي دعموه منذ البداية.
- موافقة زوجي موافقة..
- حسناً.. سأعطيك حسابات معينة لفتيات سعوديات، أريد منك التواصل معهن على الخاص بتويتر.. وترسلين لهن بعض الأحاديث والآيات ومقاطع تعذيب لشباب وساء قامت بها الجهات الأمنية للأنظمة بالعراق وسورية.. وكذلك العديد من صور شهدائنا مبتسمين ورافعين السبابة مستشهدين.. حصلنا عليها بطريقتنا.. كي تتأثر مشاعرهن.. وتخبرينني بكل التفاصيل وما مدى تجاوبهن ورغبتهن بالانضمام معنا من عدمه..
وافقت فوراً.. على الأقل كانت هذه المهمة أخف بكثير من تلك المصيبة التي كان يريد إشراكي بها.. ظننت أنها مهمة سهلة ومجرد أحاديث مع فتيات مراهقات.. ستنتهي مسرعاً.. لكنه كان غير ذلك تماماً..
للأسف أقولها بكل ألم..
إن هناك فتاتين من أصل عشر فتيات حددهم لي.. استجابتا لي.. وأكمل هو معهما الحوار بطريقته الخبيثة.. متظاهراً أمامهما بأنه أنا.. الشيخة روان..
تعلق بي أكثر، وأصبح يراني بأنني ذراعه اليمنى في كل ما يقوم به..
ظل يتواصل معهن من خلال هاتفي.. وبعد أسبوعين تقريباً.. جاءني مبشراً بعد أن ضمني بقوة وكأنه حصل على براءة اختراع سيغير البشرية:
- رواااان حبيبتي.. نجحت.. لقد أقنعت واحدة من الفتاتين بالالتحاق بأبطالنا في الشام.. سوف يسعدون كثيراً بهذا الخبر وسوف نكبر في أعينهم حتماً وسنحصل على المكافأة..
دفعته بيدي ببطء ثم ابتسمت له.. كي يبعد ثم باركت له.. وأنا أعتصر ألماً من الداخل..
شعرت وقتها بتأنيب الضمير.. لقد ساهمت بتدمير مستقبل فتاة! وسوف أكون المتسببة في سحق قلب أب أو أم أو إخوة.. أو عائلة بأكملها..
سألته ببرود، سؤال ظل يحيرني كثيراً عن الفتاة، ولماذا قبلت عرضاً كهذا.. فقال:
- لماذا تسألين؟
- كي أستفيد من طريقتك في إقناعهن.
ابتسم مسرعاً الأحمق.. ثم أخبرني:
- أخبرتني بأنها من عائلة متدينة، ومتوسطة الدخل، وبأنها مهتمة كثيراً بالقضية السورية، ومستاءة على حد وصفها من تخاذل الحكومات العربية كما كتبت لي.. الشيء الذي شجعني على عرض طلبي عليها بكل شجاعة.. هو استعراضها للفتاوي الشهيرة لقادة تنظيم القاعدة، التي تنص على تكفير حكام الخليج وعلى رأسهم حكام السعودية..
- يا سااتر.. تكفيرهم! ما الذي تقوله أنت وأي عقلية تملك هذه؟
- لا تقفين عند كل جملة أقولها.. ستحتاجين لبعض الوقت كي تفهمي.. العرض الذي عرضته كان مغرياً لها.. أخبرتها بأن فتاة متدينة ومحتشمة مثلها وذات خلفية دينية عميقة.. تستحق أن تكون زوجة لأحد المجاهدين هناك.. وسوف يكون لها شأن كبير في دولة الخلافة.. على الرغم من أنها أخبرتني بأنها متزوجة.. إلا أنها وافقت لأنها لا تريد أن تستمر مع زوجها الحالي الذي لا يتوافق مع طريقة تفكيرها.
- لكن كيف ستذهب إلى هناك من غير محرم؟ لن تستطيع ذلك..
- تستطيع بالتهريب.. لكن أخبرتني بأنها قريباً سترافق أخاها لقضاء أسبوع في تركيا بقصد الترفيه وحضوره لمؤتمر للطب النفسي هناك.. هذا سيختصر علينا عقبات كثيرة! لذلك سوف نلتقي بها.
لم استوعب جديته بالحديث.. ولم أصدق ما يقول.. قلت له وأنا مندهشة:
- تركيا!1 وما دخل تركيا في الذهاب إلى الشام؟ ولماذا نذهب نحن إلى هناك؟
- أسهل طريق إلى ساحات القتال بالشام.. هي الحدود التركية أو اللبنانية الملاصقة لسورية.. لكن بتركيا أفضل وأكثر أماناً لقوة علاقاتنا بالقرب من الحدود هناك.. سواء من المعبر الحدودي أو غيره من الممرات.. سنلتقي بها هناك من دون أن يعلم أخوها وسنوصلها فوراً إلى المكان المقصود.. وسأحصل فوراً على المبلغ المتفق عليه وبالدولار يا حبيبتي.. (قالها ضاحكاً).
أقولها وبكل أسى.. تعرفت على العديد من المجاهدات جهاداً إلكترونياً عبر أصدقاء ضياء الذين لا أعرف سوى أسمائهم المستعارة..
صعقت من حسابات الفتيات بتويتر!
فبدل من أن يضعن في صورة العرض لحسابهن صورة قطة ناعمة..
أو صورة مستعارة لممثلة شهيرة.. أو حتى لاعب كرة قدم.. كما يفعل معظم الفتيات اللاتي يقضين وقتهن بالترفيه والتسلية البسيطة.. كن يضعن صور نساء يحملن أسلحة! وبعضهن يضع شعار دولة الخلافة كما يزعمون (داعش) وأشياء كهذه!
لم أستوعب حتى الآن ما الطريقة التي تمكنت من تحويل أنوثة فتاة يكسوها الغنج والدلع.. إلى فتاة متعطشة للدماء كما يفعل مصاصو الدماء!؟
يتناقلن صور قطع الرؤوس وكما لو أنهن يتناقلن صوراً لأصناف حلويات فاخرة، أو كعك صنع من بسكويت اللوتس!
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا