5. قرار صعب...
كان لهذه الإشارة وقع مختلف تماما في مكان آخر من أرض جمهورية مصر العربية، فقد تلقاها رجل بدين أصلع، رفيع الحاجبين يطلق عليه زملاؤه اسم (البرميل)، ولكنه يسمى في الأوساط الرسمية باسم حسان.. تلقاها ذلك البدين بفزع هائل، وقرأها وهو يجفف العرق الغزير الذي يتصبب على وجهه، ثم صاح بزميله الطويل النحيل في ذعر:
ما الذي فعله هذا الأحمق؟ ألا يدري ماذا يمكن أن يحدث لو نجحوا في تتبع هذه الإشارة؟
كان الطويل يقف في ركن الحجرة الصغيرة، وكانت ملامحه حادة، يمتلك أنفا طويلا بأسفله شارب غزير، وذقن مدببة حادة، كان يدعي باسم حماد.. أجاب زميله البدين مباشرة من يده وبهدوء:
مستحيل.. لا يمكن تعقب مثل هذه الإشارة، إن الزعيم بحق عبقري.
ثم اعتدل وقد ظهرت ملامح الجد على وجهه:
ولكن، ما الذي يدعوه إلى إرسال إشارة كهذه؟ لقد اتفقنا على عدم إرسال أية إشارات إلا في حالة الضرورة القصوى.
قال حسان بتوتر بالغ:
هل تعتقد أنه قد وقع في أيديهم؟
صاح حماد وهو يهز ذراعيه بقوة علامة النفي:
لا.. لا.. إنه أذكى من ذلك بكثير.. إن ما يقلقني هو فحوى الرسالة.
جفف حسان العرق الذي يسيل على وجهه بغزارة، وقال بارتباك:
هل تعتقد أنهم فعلا سيصلون إلى مكاننا؟
صمت حماد برهة مفكراً، ثم أشاح بيده نافيا، وقال:
مستحيل.. إن هذا المكان لا يمكن أن يخطر بعقل أذكى أذكياهم.. تذكر.. كم من الوقت استغرقتاه نحن لنحدد هذا المكان.. بل كم من الوقت مضى ونحن نعد الخطة المحكمة للدخول إليه.. أنت تعلم بالطبع أن دخول هذا المكان ممنوع منذ الهزة الأرضية عام ألف وتسعمائة وثمانية وتسعين، أؤكد لك بكل ثقة أن الوصول إلينا مستحيل.
ابتلع حسان ريقه، وجفف العرق عن وجهه، وقال:
هل نرد على إشارته إذن؟
تردد حماد لحظة، ثم قال:
لقد أكد الزعيم استحالة تعقب هذا النوع من الإشارات، ولكنني لا أريد أن أجازف، لا .. لن أرسل أية ردود.
اهتز حسان بقلق، ثم قال:
ولكن.. ربما ظن من عدم ردنا أن الرسالة لم تصلنا، وربما عاود إرسالها، أو ربما ظن أن ما يقولونه صحيح.. أعتقد أننا لابد أن نرسل الرد.
قام الطويل واقفا، وأخذ يسير بتوتر في أنحاء الغرفة الحجرية الضيقة بادي التفكير، ثم توقف بغتة وضرب الجدار بقبضته، وصاح:
إن رطوبة هذا المكان تخنقني، إنها تحطم أعصابي.
جفف حسان عرقه الغزير، وقال:
الحرارة!! الحرارة تكاد تقتلني، مع أننا في آخر أيام ديسمبر.
قال حماد مخففا حدة التوتر:
بل هي بدانتك التي ستقتلك.
صاح حسان معترضا:
لست أدرى لماذا وقع اختيار الرفاق علينا بالذات؟ إن هذه الحجرة الضيقة تقتلني.. إنهم يعلمون أنني لا أتحمل الحرارة أبداً. لماذا لم..؟
قاطعه حماد بصرخة حادة:
اصمت ودعني أفكر.. تبا لك!
ثم نظر إلى ساعته، وقال:
من المستحيل أن يعلم أحد مكاننا، وحتى لو علموا فمعنا أشعة الموت، ولو حاول أحدهم اقتحام المكان – وهذا مستحيل – فسنبكر بموعد الدمار.
سأل حسان بتوتر:
هل نرسل الإشارة إذن؟ هل نرد على إشارته؟
أمسك حماد بذقنه مفكراً، وصمت برهة قبل أن يجيب:
دعني أفكر قليلا قبل أن أقرر الأمر.
6. مفاجأة مثيرة...
نظرت سلوى إلى ساعتها ثم تثاءبت، وسألت نور:
هل تعتقد أنهم سيردون على الرسالة أيها القائد؟
ابتسم نر وقال وهو يشير بيده إلى رمزي:
وجهي سؤالك إلى طبيبنا النفسي.
ضحك رمزي وهو يجيب:
ينبغي أولا أن أدرس نفسيتهم، ولكن!
لو وضعنا في الاعتبار أنهم يقومون بعمل غير مشروع، ولو طبقنا على كل منهم نفسية المجرم المثالي، لقلنا إنه من الطبيعي أن يقوموا بالرد على رسالة زعيمهم، أو عميلهم..
فالمجرم بطبعه يميل إلى الشك والتوتر، لأنه يعلم أن عمله يستحق العقاب، فهو يخشى دائما وقوعه تحت طائلة العدالة، وهذا التوتر بداخله يدفعه دائما إلى إتيان أعمال مخالفة لمبدأ المنطقية أو الحذر.
قالت سلوى بملل:
لا أستطيع استيعاب هذه العبارات، ولكنني أعلم جيداً أمرين: أولهما: أنه لم يعد باقيا على الموعد المحدد سوى خمس وثلاثين ساعة، والثاني: أن النعاس والملل قد استحوذا على.
نظر إليها الثلاثة بقلق، فضحكت وقال:
وأعلم أيضاً أنني خبيرة الاتصالات الوحيدة هنا، ولذلك سأقاوم النعاس حتى أتلقى الإشارة، هذا إذا أرسلوها.
التفت محمود إلى نور، وقال:
دعنا نتحدث حتى لا يتملكنا النعاس، اقرأ لي ثانية فحوى الرسالة بعد أن حللها كمبيوتر الشفرة.
اعتدل نور ومد يده إلى منضدة صغيرة بجواره، والتقط من فوقها ورقة أخذ يقرأ ما بها:
معلومات هامة مشكوك في صحتها، يقولون: إنهم كادوا يتوصلون إلى المخبأ، خذوا حذركم.
ضحك محمود، وقال لـ نور:
رسالة صغيرة فيها الشك واليقين معا.
قالت سلوى بتفاخر:
حرف واحد منها كان يكفيني لتعقبها.
ضحك الرجال الثلاثة، وأغضب ذلك سلوى، فانبرت تقول:
يا لكم من رجال مغرورين! إنني أعظم خبيرة في الـ.
وتوقفت فجأة على صوت أزيز انبعث من جهازها، وقفز الثلاثة إلى جوارها، والتفتت هي إلى الجهاز وضبطته بدقة وأنصتت.. كتم نور صيحة انتصار، وانتظر حتى انتهى الجهاز من أزيزه بعد ثلاث دقائق فقط، وقفز في الهواء صارخا من الفرحة، وهلل الجميع بفرح، وقال رمزي:
لقد نجحت الخطة.. رائع!
وأسرع نور إلى سلوى، وقال:
حددي الإحداثيات بسرعة.
ثم التفت إلى محمود ورمزي وصاح فخوراً.
نجحنا صاح رمزي وعيناه تنطقان بالإعجاب:
إنك عبقري أيها القائد.
وهتف محمود بسعادة:
إنني لا أحسد هؤلاء الأشقياء عندما يحاربهم رجل مثلك.
تخضب وجه نور خجلا من هذا الثناء، وأنقذته سلوى من الخجل عندما قالت بصوت مرتبك:
لقد حصلت على الإحداثيات أيها القائد، ولكنها!!
سال نور بلهفة:
ولكنها ماذا؟
أجابت وهي تمد يدها إليه بالورقة:
ولكنها غريبة، إنهم أذكياء فعلا!
تناول منها نور الورقة وقرأ الإحداثيات، تم رفع رأسه في دهشة، وتوجه إلى خريطة معلقة على الحائط وتأملها، ثم قال بعجب:
يا له من ذكاء!
أسرع إليه محمود ورمزي، فأشار إلى إحداثيات المكان على الخريطة، وظهرت الدهشة جلبة على ملامحها، وقد انسل نور إلى الشاشة التلفزيونية المعلقة على الحائط، وضغط زراً أحمر منفرداً بجوارها، وسرعان ما ظهرت على الشاشة صورة القائد الأعلى للمخابرات العلمية، وقف نور وقفته العسكرية، وقال باحترام:
سيدي.. لقد نجحت الخطة، وتوصلنا إلى مخبأ المدمرين.
هتف القائد الأعلى متخليا عن وقاره:
رائع!! رائع أيها الملازم!! قل لي: هل أنت واثق من هذه النتيجة؟
رد نور في الحال وبلهجة واثقة:
تمام الثقة يا سيدي.
ظهرت نظرة إعجاب واضحة في عيني القائد الأعلى، وهتف بـ نور:
رائع!! إنك فعلا من كنا نحتاج إليه أيها الملازم، والآن ماذا تنتظر؟ دمر المخبأ في الحال.
ابتلع نور ريقه، وقال بتردد:
لا أعتقد أن تدمير هذا المخبأ بهذه البساطة يا سيدي.
صاح القائد الأعلى غاضبا:
ماذا؟ سأدمره ولو كان على القمر أيها الملازم.
أجاب نور بتوتر:
ربما كانت لدى خطة أفضل يا سيدي.
صاح القائد الأعلى بغضب بالغ:
قل لي أيها الملازم: كيف ترفض تدمير مخبأ عصابة تريد تدمير كل منشآتنا الحديثة؟
أجاب نور بسرعة:
بسبب طبيعة المخبأ يا سيدي.
صرخ القائد الأعلى:
قلت لك دمره أيها الملازم، حتى لو كان مبنى القيادة العامة نفسه.
أسرع نور يخبره بالمخبأ، ولم ينجح القائد الأعلى في إخفاء ذهوله عند ما أخبره نور بمخبأ العصابة، ولكنه صمت قليلا، ثم قال:
حسنا، سأمنحك ثقتي حتى النهاية أيها الملازم، عليك بإعداد ما تراه مناسبا من الخطط، ولكن تذكر.. لم يعد باقيا أمامك سوي أربع وثلاثين ساعة فقط.
أدى نور التحية العسكرية، وقال قبل أن يختفي وجه القائد الأعلى من الشاشة:
أعلم ذلك يا سيدي.
ثم تحرك بهدوء إلى نافذة الغرفة، وأزاح ستائرها، وأخذ يتطلع إلى النصب الشامخ الذي يقع على مقربة من المكان، ثم قال لنفسه بصوت مسموع:
سبعة آلاف عام وما زلت شامخا.. عجبا لك!
واقترب منه محمود ورمزي وسلوى،، وقالت سلوى:
لقد كان من المستحيل فعلا أن أفكر في هذا المكان.
واستطرد محمود:
إذن فقد كانوا هنا طول الوقت؟
قال نور وهو يشير بيده إلى النصب الهائل:
نعم هنا طوال الوقت، في هرم خوفو الهرم الأكبر.
7. إعداد دقيق...
كانت الاستعدادات تجري على قدم وسائق في مبنى الأبحاث العلمية التابع لإدارة المخابرات.
في طرف من البهو الضخم كان نور يقف مع أحد رؤساء المبنى، وكان رجلا ضخم الجثة عريض الوجه، يرتدي منظاراً طبيا، ومعطفا أبيض ويدعي الدكتور عبد الله. كانا صامتين يتأملان الأسلاك الوردية الغريبة وهي تشحن داخل عربات النقل الهوائية الضخمة. ونظر نور إلى ساعته وكانت تشير إلى الواحدة من ظهر آخر أيام شهر ديسمبر، وما زال أمامهم عشرون ساعة على الموعد المحدد، وسأله الدكتور عبد الله:
ألست ترى يا عزيزي الملازم أن رجال هذه العصابة من الذكاء، حتى أنهم يختارون الهرم الأكبر مخبأ لهم؟
أجاب نور بهدوء:
بالطبع يا سيدي.. فإنهم يهددون بتدمير المنشآت الحديثة في أنحاء الشرق الأوسط، ولكن من يجرؤ على محاولة تدمير الهرم الأكبر للقضاء عليهم؟
أجاب رئيس الأبحاث بإعجاب:
بالضبط أيها الملازم، أضف إلى ذلك أن الهرم الأكبر من المستحيل تدميره إلا باستخدام قنبلة ذرية على الأقل.
ضحك نور وقال للدكتور عبد الله:
إن لك ذاكرة قوية جدا يا سيدي، فمازلت تذكر القنابل الذرية.
ابتسم الرئيس بفخر قائلا:
لقد قرأت عنها في كتاب تاريخ العلوم أيها الملازم، كما أنني درستها كمثال للقنابل البدائية التي تعتمد على انشطار النواة، إنها لا تقارن بالطبع بالقنبلة الجينية الحديثة ولكنها وقت كشفها.
قاطعه نور متجهما، وهو يقول:
آسف لمقاطعتك يا سيدي، ولكنني لا أطيق سماع قصص الحروب والدمار.
قهقهة الدكتور عبد الله ضاحكا، وربت على كتف نور، وقال:
إنك تتبدل بسرعة أيها الملازم من المرح إلى التجهم.. ألم يكن من الأفضل لك أن تلتحق بأكاديمية التمثيل؟
ابتسم نور وهو يتابع ببصره آخر حزمه من الأسلاك الوردية، وهي توضع في آخر العربات الهوائية:
بعد الأيام الأخيرة أعتقد أنني أتمنى ذلك يا سيدي.
ضحك الرئيس وعاد يربت على كتف نور، ويقول:
كثيراً ما تمنيت أنا أيضاً ذلك، هيا بنا.. لقد تم شحن الهدية، وعلينا إعداد طريقة تسليمها. سار الرئيس في الممر الطويل الذي ينتهي بغرفته، وسار نور بجواره وسأله الرئيس.
ولكنك لم تخبرني حتى الآن أيها الملازم. لماذا لم يتم القبض على الخائن، برغم معرفتكم لشخصيته؟
أجاب نور:
لقد خشيت يا سيدي احتمال أن يكون قد اتفق مع رجاله على إرسال إشارة خاصة مثلا بصورة منتظمة، ولو تم القبض عليه فربما علم رجاله بذلك من عدم وصول الإشارة، فيبدأ التدمير قبل أن نستعد تماما لمجابهته.
تأمل الرئيس نور بإعجاب، وقال له مداعبا:
ممتاز أيها الملازم، كنت أتعجب في البداية من قدرتك الفائقة في مقاومة النعاس، فبينما استغل رفاقك إعدادنا للأسلاك للتمتع بفترة من النوم كنت أنت متيقظا تتابع إعدادها، وهأنذا أجد فيك الجديد.. ألم تفكر في الانضمام يوما إلى زمرة علمائنا؟ أنا واثق أنك تمتلك عقلية علمية تحليلية ممتازة.
ضحك نور وقال:
لا تتسرع يا سيدي في هذا العرض، فلو فشلت هذه الخطة سأجد نفسي مضطراً لقبول هذا العرض السخي.
ربت الدكتور عبد الله على كتف نور وهو يقهقه ضاحكا، وقد كان من يراهما معا لا يتصور أبداً أنهما بصدد إعداد خطة لإنقاذ دول الشرق الأوسط بأكمله.
8. الخطة...
كان الضوء الأحمر مضاء على باب غرفة رئيس جهاز الإنتاج بمبنى إدارة الأبحاث، وهذا يعني أنه يعقد اجتماعا سريا للغاية، وفي داخل الغرفة كان نور يتطلع إلى ساعته، كانت تشير إلى الرابعة بعد الظهر، لم يعد أمامهم سوى ست عشرة ساعة، وقال نور وهو يوجه حديثه إلى الدكتور عبد الله:
فلنسترجع أركان الخطة يا سيدي.. فالساعة الآن تشير إلى الرابعة، وبعد ساعة ودقيقتين بالضبط تغرب الشمس، وبذلك نستطيع العمل من الساعة السادسة تماما كالخطة الموضوعة.
تنحنح الرئيس وألقى نظرة على سلوى ومحمود ورمزي قبل أن يقول:
سيبدأ تنفيذ الخطة في الساعة السادسة تماما، وتتلخص في الآتي:
سيتم إخلاء المنطقة المحيطة بالهرم في دائرة النصف قطرها كيلومتر، ثم يبدأ الرجال في إحاطة منطقة نصف قطرها خمسمائة متر بأسلاك خاصة تتصل بجهاز ذري دقيق، ويمكن للرجال إقامة هذه الشبكة في حوالي ساعتين، مع وضع كل الاحتمالات الممكنة وحتى الشاذة في الاعتبار.. وفي الساعة الثامنة تقريبا أو قبل ذلك أو بعده بقليل ويتوقف ذلك على سرعة إقامة الشبكة – سيتم سريان الطاقة في الأسلاك، وهنا ينشأ عندنا مجال كهرومغناطيسي قوي يحيط بالهرم، ولقد صممت هذه الشبكة بحيث تكون شحنتها الموجبة إلى الداخل أي باتجاه الهرم، وشحنتها السالبة إلى الخارج، وبحيث تكون الشحنة بأقصى قوة، حتى تجتذب أشعة الموت إلى جدران الشبكة الداخلية وتمنع عبورها إلى خارجها، لوجود الشحنة السالبة القوية التي ستتنافر بالطبع مع الإشعاع مما يمنع خروجه.. المهم أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر لأكثر من أربعين دقيقة، وإلا فإن التنافر الحادث بين الجدران الداخلية للشبكة والتي تحمل شحنة موجبة متماثلة سوف يطيح بالأسلاك، وأيضاً لأن التعادل الذي ستحدثه (أشعة الموت) السالبة مع الجدران الموجبة سوف يؤدي إلى ضعف الشحنة الموجبة.. باختصار ليس أماكم سوى هذه المدة فقط.
قال نور موجها حديثة إلى فرقته الصغيرة:
أي أن أمامنا أربعين دقيقة فقط للوصول إلى المخربين، وإلقاء القبض عليهم، وإلا فشلت الخطة تماما.
ثم أشار إلى سلوى وسألها:
ما الذي أسفر عنه التحليل الحراري للهرم؟
أجابت سلوى وهي تقرأ ورقة بيدها:
نظرا لعدم وجود مخلوقات حية بداخل الهرم، باستثناء الحشرات والزواحف والمدمرين بالطبع، فالمفروض أن يعطي التحليل الحراري صورة سالبة، ولما كانت الأجسام الحية تشع حرارة بالطبع بخلاف أحجار الهرم الباردة، فإن الإشعاع الحراري المنبعث منها يبدو واضحا في الصورة المأخوذة، ونظراً لأن.
وهنا قاطعها نور بحزم:
ليس هذا وقتا للشرح أو استعراض المعلومات، أريد النتيجة فقط.
قطبت سلوى حاجبيها، وقالت باقتضاب:
أسفر التحليل الحراري عن وجود شخصين فقط بداخل الهرم، ويدل موقع الإشعاع المنبعث منهما على وجودهما في الغرفة العلوية منه.
أطلق محمود صفيراً حاداً وقال:
شخصان فقط؟ يا لها من جرأة!! إذن فهذه العصابة التي تهدد بتدمير الشرق الأوسط كله، مكونة من ثلاثة أفراد فقط.
قال الدكتور عبد الله معقبا:
هؤلاء الثلاثة يشغلون المراكز الحيوية فقط أيها الشاب، وما يدرينا عن عدد أفراد هذه العصابة خارج هذه المراكز؟
قال رمزي:
لا أعتقد أنه سيزيد كثيراً، فليست قوتهم في كثرتهم، وإنما في هذا الجهاز الخطير الذي يمتلكونه.
قالت سلوى:
ولكنني أراهن أنه هناك ثلاثة على الأقل يراقبون الهرم خشية مفاجأة رفاقهم.
قاطعها نور مشيراً إلى رمزي:
ما رأيك يا طبيبنا النفسي؟
أجاب رمزي:
أعتقد أن هذا معقول، فطبيعة المجرم تحتم عليه اتخاذ جانب الحذر دائما، وربما بصورة مبالغ فيها في بعض الأحيان، وكثيراً ما كان هذا الحذر الزائد هو الخطأ الذي يؤدي إلى وقوع المجرم في يد العدالة.
استمع إليه نور باهتمام، ثم التفت إلى سلوى وسألها:
منذ الإشارة الأخيرة التي علمنا منها مخبأ المدمرين، هل تم إرسال أية إشارات أخرى منهم أو إليهم؟
أجابت سلوى بثقة:
حتى الآن.. لا.
أشار نور إلى محمود وسأله:
تقول إن الإشارات محمولة على أشعة ألفا، هل يمكنك منع وصولها إلى الهرم؟
فكر محمود قليلا ثم أجاب:
أعتقد أنني أستطيع.
وقبل أن ينطق نور ضحك محمود، وقال:
أقص. أجزم أنني أستطيع، ببساطة سأستخدم جسيمات بيتا فهي مخالفة من حيث الشحنة لجسيمات ألفا.. نعم، أستطيع أيها القائد.
قال نور باهتمام:
هذا مهم للغاية، فينبغي منع وصول أي إشارة إلى المدمرين اللذين بداخل الهرم قبل بدء إقامة الشبكة، وإلا عجلوا بإطلاق أشعة الموت قبل أن نستعد بالقدر الكافي لمنعها.
كان الدكتور عبد الله يتابع نور ونظرات الإعجاب تطل من عينيه، وقال:
ألم أقل لك أيها الملازم أنك تمتلك عقلية علمية تحليلية ممتازة؟
قال نور وكأنه لم يسمع العبارة الأخيرة:
هذا يعني أن تتعدل الخطة قليلا يا سيدي، فسيسبقنا محمود إلى هناك ليعمل على مع وصول أي إشارات، ثم نتبعه نحن مع الأسلاك.
ثم نظر في ساعته وقال لـ محمود:
هل تستطيع إعداد جهاز الشوشرة قبل الساعة السادسة؟
أجاب محمود:
بالطبع إنني أمتلك واحداً.
ابتسم نور، وهو يقول:
عليك بالتحرك الآن إذن، وتأكد من نجاح خطتك، وستعاونك سلوى.
ثم التفت إلى رمزي وسأله:
أي رد فعل تتوقع يا طبيبنا النفسي؟
أجاب رمزي:
لو وضعنا في الاعتبار الحالة النفسية التي سيكون عليها المخربان، وخاصة من تأثير مفاجأة الإشعاع، فأعتقد أنهما يمكن أن يستسلما فور إنذارهما.
فكر نور برهة، ثم قال:
لا أستطيع الاعتماد على هذا الاحتمال، فبمجرد بث الطاقة في الشبكة الواقية ستتوهج أسلاكها، وكأن الصبح قد انبلج، وأنا أتوقع أن يبدأ المدمران أن استخدام جهاز أشعة الموت فور شعرهما بذلك، ثم إنهما لن يستلما، ومصيرهما معلوم.
قالت سلوى بتساؤل وهي تعد عدتها للذهاب مع محمود:
ولكن الممر المؤدي إلى هذه الغرفة من الضيق بحيث لن يستوعب سوى رجل واحد، من يقبل أن يضع نفسه في هذه المصيدة؟
قاطعها الرئيس قائلا:
أستطيع الحصول على متطوع في عشر دقائق فقط أيتها الشابة.
أشار إليه نور وقال:
لست بحاجة إلى متطوع يا سيدي.
قالت سلوى:
ولكن من يمكن أن..
ثم صمتت فجأة وهي تتطلع بدهشة كالآخرين إلى نور، الذي قال وقد رفع رأسه:
نعم، أنا.. لقد كلفني القائد الأعلى بهذه المهمة، وعلى وحدي عبء إكمالها حتى النهاية.
وسقطت قطرة دمع م عين سلوى، وأسرعت خارجة خشي أن يرى أحدهم دموعها.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا