قلب للبيع للكاتبة علياء الكاظمي

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2022-06-16

 

 

قلب للبيع

في منزل أخي أعيش أنا وأمي عيشة مهينة... فبعد وفاة أبي رحمه الله، أقنعنا أخي بالانتقال إلى منزله الواسع الكبير كي يبيع منزل أبي ويحصل كل منا على نصيبه... وافقت أمي ووافقت أنا أيضاً وانتقلت معها إلى منزل أخي... كانت زوجته تعملنا بترحيب ورقة في البداية فاستقرت أمورنا في سكننا الجديد لاسيما وأن أمي تحب أولاد أخي كل الحب ووجدت في قربها منهم نعمة كبيرة أسعدتها... لمن نكن ميسوري الحال... كنا من ذوي الدخل المتوسط لكن أخي تاجر عقار مشهور ولديه أموال كثيرة لكن رغم ذلك كان دائما ًيتذمر من مصاريف المعيشة ويحاول إقناعنا بأنه بحاجة للمال وللمزيد منه على الدوام.

تم بيع منزل والدنا المتوفي وحصل كل منا على نصيبه لنفاجأ بأخي يطلب منا أنا وأمي الانتقال إلى ملحق المنزل! كان طلبه صدمه كبيرة لنا، تعذر أن أولاده تضايقوا من وجودنا وأننا ضيقنا عليهم المكان... وفجأة تحولت طيبة زوجته ورقتها إلى صلابة وقاحة ويعجز اللسان عن وصفها!

وافقت أمي على الانتقال إلى الملحق ورفضت أنا وبشدة وطلبت منها أن ننتقل لشقة مستأجرة أو نشتري لنا بيتا! صغيراً يضمنا مع كرامتنا فرفضت وقالت أن بقاءنا مع أخي أفضل خاصة أننا نساء ومن الأفضل أن نعيش بكنف رجل يحمينا ويظللنا بظله!

في الحقيقة لم أقتنع كثيراً بكلامها لكنني لاحقاً عرفت السبب الحقيقي الذي جعل أمي القوية بطبعها تقبل هذا الذل علي وعلى نفسها...

كان المنزل المجاور لمنزل أخي يضم عائلة رجل مشهور في الكويت... رجل له منصب حكومي مهم جداً... رجل فاحش الثراء في الأربعينيات من عمره... وسيم ووجيه وله صيت طيب ويعيش مع زوجته الأربعينية الجميلة ولديه ثلاثة أولاد اثنين منهما يدرسان في الولايات المتحدة والثالث لا يزال في المرحلة المتوسطة... أخبرتني أمي بهذه المعلومات عنهم بعد أن ذهبت لزيارة زوجة جارنا فقد أصرت على التعرف عليها... أخبرتني أمي أن منزلهم الأشبه بالقصر رائع وأنها لم ترى في حياتها بذخاً كالذي تعيش به أسرة جارنا... كانت أمي تتحدث بإسهاب عن الحياة الجميلة التي تعيشها زوجة جارنا وأنها تملك كل شيء... زوج ثري ذو منصب مهم وأولاد رائعون وحياة اجتماعية راقية... تنهدت أمي وقالت: حرام أن تستمتع امرأة واحدة فقط بكل هذا الخير! لم أفهم تلميحات أمي وقتها فقد كنت مشغولة بامتحانات المعهد الذي أدرس به حيث كنت في سنة التخرج... مرت الأيام وأم تزور جارتنا باستمرار وتوطد علاقتها بها حتى أن جارتنا دعتها إلى عدة مناسبات أقامتها في بيتها... رفضت الذهاب مع أمي التي لم تلح كثيراً لاصطحابي معها...

تخرجت من المعهد بامتياز... فأخبرتني أمي أنها ستكلم زوجة جارنا لتتوسط لي عند زوجها لأعمل في مكان محترم... أخذت أمي أوراقي كاملة إليها وأخبرتها أنني بحاجة لمساعدة زوجها فأنا فتاة يتيمة يستبد بها أخيها – كما قالت أمي – ويتركها تعيش في ملحق المنزل ومثلي بحاجة على العمل لأتخلص من الذل أنا وأمي!

اهتمت الزوجة الطيبة بالموضوع وخلال عشرة أيام اتصلت وطلب من أمي اصطحابي إلى مكتب زوجها حيث وجد لي وظيفة هناك... فرحت أمي وانهالت بالشكر والدعوات الطيبة لجارتنا ولأسرتها... وفي اليوم التالي أصرت أمي أن ارتدي أجمل ثيابي وأن أترك شعري الطويل منسدلاً على ظهري... كنت متعجبة من اهتمامها بأن أبدو بصورة جميلة! لكنني لاحقاً فهمت كل مخططاتها!

وقتها كنت قد أتممت العشرين من عمري لتوي... وبلا مبالغة كنت جميلة كالدمية ببشرتي البيضاء الصافية كبشرة الأطفال وعيناي السوداوان الواسعتان وشعري الأبنوسي الطويل الذي يغطي كامل ظهري.

دخلنا إلى مكتب الجار حيث استقبلها سكرتيره الخاص وطلب منا الجلوس... أخبرنا أن توظيفي سيتم عن طريقه وطلب من تعبئة طلب الالتحاق بالعمل، في هذه الأثناء خرج جارنا من مكتبه وكانت المرة الأولى التي أراه فيها على الطبيعة... ووقفت أمي تسلم عليه... قالت أمي: هذه ابنتي منى.

فنظر إلي ورحب بي ففوجئت بأمي تقول: كما ترى ابنتي شابة وهي يتيمة ولا أحد لها غيري وأنت تعرف أن أخيها لا يهتم لها... لذا أرجوك وظفها في مكتبك فأنا أخاف عليها ولا اثق بأحد غيرك... لا ترد طلبي ودعها تحت رعايتك فهي مثل أختك الصغيرة!

أحرج الرجل ولم تتوقف أمي عن الإلحاح حتى وعدها بتعيين كمساعدة لسكرتيره الخاص!

في ذلك المساء أفصحت أمي عن نواياها أخيراً، أخبرتني أن هذا الرجل هو فرصة عمري الذهبية التي يجب علي اغتنامها... فهي لن تعيش لي العمر كله... وأخي غير مؤتمن علي وعلى حياتي وسيسعى – إن حدث لأمي شيء – للاستيلاء على مالي القليل الذي ورثته وقد يزوجني زيجة لا تليق بي وبجمالي ليتخلص مني... أخبرتني أنني سأعيش في عز ونعيم لم أحلم بمثلهما في حياتي... أخبرتني أن هذه الزيجة هي فرصة عمري وإن ضيعتها سأبقى فقيرة طوال حياتي... أخذت تغريني بالملابس والمجوهرات والسيارات الفارهة والحياة الجميلة التي تنعم فيها زوجته... قالت لي أن المنافسة بيني وبين زوجته خاسرة فمهما كانت زوجته جميلة وأنيقة فهي في ضعف عمري... لن تصمد أبداً أمام شبابي أنا ابنة العشرين الفاتنة التي سأهزمها سريعاً وأسرق قلب زوجها ومشاعره... سألت أمي بقلق: لكنه يكبرني بأكثر من عشرين عاماً! قالت وهي تنهرني: وما المشكلة؟ لا يزال وسيماً وبصحة جيدة... وحتى إن مات قبلك وقتها ترثين أمواله وتتمتعين بها... ويمكنك الزواج ثانية أيضاً!

أخذت أمي تزين لي فكرتها التي أخذت أقتنع بها شيئاً فشيئاً خاصة وأنا ألمح زوجة جارنا أحياناً وهي تخرج من بيتها في كامل أناقتها وهي ترتدي أفخم الملابس والمجوهرات ويحيط بها الخدم والحشم... كنت أكتفي بتحيتها من بعيد فتبتسم لي بلطف وتذهب... لم تكن تتخيل أنني وأمي التي تزورها بانتظام نخطط لتدمير حياتها.

أخبرتني أمي أن دورها المهم قد انتهى بتوظيفي وأنا علي أن أقوم باستمالة قلب جارنا بذكائي وجمالي... وبدأت أولا بمعرفة أسرار المكتب وخبايا العمل كي يثق بي ويقربني منه ثم بدأت أحيك بعض المكائد الصغيرة لسكرتيره الخاص دون أن يشعر مثل إلغاء موعد مهم دون علمه فيقع في مشكلة مع مديرنا... أو إفساد كتاب قام بطباعته بتغيير عنوان المرسل إليه فينهره المدير لقلة تركيزه... عدم التغطية عليه إذا تأخر صباحاً... كانت كلها أمور صغيرة لكنها مؤثرة جداً وبالتدريج بدأ مديرنا يطلب مني حضور الاجتماعات معه لكتابة محاضر الاجتماع بدقة... قرأت تلك المحاضر عشرات المرات لأتأكد من خلوها من أية أخطاء... كان الأمر بالنسبة لي إثبات وجود كامل وتحد عظيم لأنال فرصتي في الحياة التي أريدها وأحلم بها أنا وأمي.

خلال الأشهر القليلة التالية أثبت جدارتي في إدارة المكتب وأصبح المدير يعتمد علي في كل أعماله المهمة في حين أصبح دور سكرتيره هامشياً والأعمال التي يكلف فيها لا تكاد تذكر، في الحقيقة كان السكرتير رجل محترم لم ينافسني ولم يحاول الوقوف في طريقي وكأنه قد عرف بحدسه أنني لن أطيل البقاء في العمل... لقد عرف بفطنته أن لي مآرب أخرى غير المنصب الوظيفي وقد بدا ذلك جلياً من طريقة لبسي وكلامي مع المدير!

أثار جمالي الهمسات حولي وتعرضت إلى الكثير من الغزل... سواء من الموظفين أو من المرتادين على المكتب... فوجود فتاة مثلي كان يلفت الأنظار أينما ذهبت... فازدادت ثقتي بنفسي واختفت تلك الفتاة المكسورة المتضعضعة لتحل محلها فتاة واثقة من نفسها ومما تريد.

بدأت أتحدث كثيراً مع مديري عن اضطهاد أخي لي ولأمي... خبرته وأنا أكاد أبكي عن رميه لنا في ملحق المنزل واستيلائه على نصيبنا من منزل والدنا حيث كذب علينا وأعطانا الفتات من سعر بيعه... أخبرته أنني وحيدة مسكينة ولا أحد لي بعد أمي وأنني افتقد العطف والحنان بعد وفاة أبي وأنه الوحيد الذي أثق به في هذه الدنيا والذي عوضني الحنان الذي فقدته.

وبدأت خطتي تأتي بثمارها... ففي كل صباح أرتدي أجمل الثياب وأتزين بعناية رغم أنني لم أكن بحاجة للكثير من الزينة فجمالي كان يزهر ويتألق يوماً بعد يوم... أذهب باكراً إلى المكتب وأبخره بأجود أنواع الطيب والبخور... ثم أعد قهوة مديري بنفسي عندما يصل... أدخل لأقدم له قهوته وأجلس أتحدث معه خلال شربه لها وعيناه تكادان تلتهمان جمالي... أحدثه عن يومي الطويل والكئيب في البيت... أتنهد بحسرة وأنا أخبره أنني لا أحس بطعم الحياة ولا بالسعادة إلى خلال ساعاتي في العمل حيث أراه فأشعر بالأمان... يبتسم لي برقة وقد بدأ قلبه يميل لي... جاءت زوجته لزيارته في المكتب ذات يوم... فجريت مسرعة إلى الحمام وربطت شعري خلف رأسي وأزلت زينتي كلها... أردت أن أبتعد عن شكوكها وأن أتجنب إثارة غيرتها... ارتديت قناع الفتاة المسكينة مرة أخرى وقبل أن تخرج أوصلتها إلى الباب... قالت وهي تتفحصني: ما شاء الله لقد كبرت ونضجت... أصبحت عروساً... ادعيت الخجل وأنا أقول لها أنني تقريباً مخطوبة لزميل لي لكننا بانتظار أن يكون نفسه كي نتزوج في أقرب فرصة.

لمحت ارتياحاً في عينيها وقالت بحرارة: أنت وأمك لكما معزة كبيرة عندي لا تترددي في طلب أي شيء تريدينه في حال بدأت بتحضيرات زواجك... شكرتها ببراءة مصطنعة وقد ارتحت أنني لم اثر أية شكوك في نفسها...

لم أكن أعلم كم خدمتني هذه الكذبة الصغيرة ففي اليوم التالي ناداني ميري وسألني مباشرة عن الكلام الذي نقلته له زوجته عن ارتباطي بذلك الشاب المزعوم... بدلال وخبث أخبرته أنني كذبت عليها خوفاً من أن تكره وجودي بقربه... قلت له: خفت أن تطلب منك زوجتك نقلي أو طردي لأنني لو كنت مكانها لشعرت بالغيرة عليك من سكرتيرة شابة تحوم حولك طوال الوقت.

ضحك هو سعيداً وبغرور الرجل المهم قال: أنتِ على حق... ومن يومها أصبحت أكثر جرأة عليه من أي وقت مضى... مرت أيام أخرى فتقدم لي أحد الزملاء بالعمل وعندما عرف مديري جن جنونه واتهمه بالوقاحة أمامي... فلمحت له أن الكثيرون يحومون حولي...  وأنني قد ضقت بالحياة في كنف أخي... وقد اضطر للزواج لأهرب من الجحيم الذي أعيش فيه... هنا انهارت مقاومته وعرض علي الزواج بالسر... أخبرني أنه سيشتري لي بيتاً لأعيش فيه مع أمي وأنه سيسجل هذا البيت باسمي كي أطمئن على مستقبلي كما سيقدم لي مهراً كبيراً... أكد علي برغبته بعدم إعلان زواجنا فهو يريد أن يعيش معي بسلام بعيداً عن زوجته وأولاده الذين لا يريد خسارتهم... فهو رجل مهم وله سمعة طيبة وزوجته رفيقة مشواره الطويل ولا يريد خسارتها أو جرحها... وافقت على جميع شروطه والفرحة لا تكاد تسعني...

زغردت أمي فرحة بالخير السعيد فما خططت له قد حدث... وصارحت أخي برغبة جارنا بالزواج مني... سال لعاب أخي للخبر ولم يهتم لكوني سأتزوج من رجل بضعف عمري ولا لكوني زوجة سرية أشبه بالعشيقة... فمصاهرة رجل مثل جارنا كانت مغرية في نظره وسيأتيه من وراءها خير كثير... لوت زوجة أخي شفتيها وهي تقول: يا لك من داهية!!! كيف استطعت خطف الرجل!!!

ابتسمت لها بدهاء وقلت لها باحتقار: أنت تبخسين قدري... ولا تعرفين مدى ذكائي... أوصاها أخي بكتمان الخبر وانصاعت هي لأمره ففي النهاية من مصلحتها التكتم على الأمر لاسيما وأن أخي لديه أطماع كبيرة خلف هذه الزيجة.

قالت أمي أنها ستبلغ جارتنا أنني سأتزوج من زميل لي وسأنتقل معه لبيته البعيد عن بيت أخي وأنه وجد لي عمل آخر بقرب مسكني الجديد وأنها ستنتقل لتعيش معي... أخبرتني أنها ستغير رقم هاتفها فور زواجي كي تقطع صلتها بها تماماً فمن الأفضل أن ننسحب من حياتها بهدوء رغم أننا تسللنا إلى حياتها من جهة أخرى لم تحسب لها حساباً.

أخبرتني أمي أن الأيام التي سأقضيها بجوار زوجي القادم أيام ثمينة... فعندما تصبح المرأة زوجة ثانية فإن بقائها في حياة زوجها أمر غير مضمون... فقد يتعرض الزوج لضغوط أسرية سواء من زوجته الأولى أو من أهله لتطليقها... أو قد يندم الرجل نفسه على إقدامه على هذه الخطوة فيتخلى عنها ويعود لأم أولاده، لذلك فعلي أن أكرس كل ذكائي لأحصل منه على الضمانات الكافية لأعيش حياة كريمة في حال تخلى عني... أخبرتني أنني يجب أن أحصل منه على أكبر قدر ممكن من المال سواء عن طريق الهدايا أو إقناعه بشراء أصول لي كالمنزل الذي وعدني بشرائه وأيضاً سيارة فارهة تضاهي سيارة زوجته وأولاده... الأمر الآخر الذي سيربطني به هو الإنجاب... فإن أصبح له ولد أو بنت مني سأضمن ارتباطه بي إلى الأبد.

كان زواجي أشبه بخطة مدروسة منه إلى فرحة العمر... بالحقيقة كنت فرحة لأنني سأتزوج برجل ثري ينتشلني من حياة العوز والحاجة إلى حياة الرخاء والرفاهية... هل أحببته؟ أظن أنني كنت منبهرة به لدرجة أنني لم أهتم أصلا إن كنت أحبه أم لا... كنت أحب ثروته واسمه اللامع الكبير والجاه الذي يحيط به... أحببت هذه الأشياء أكثر من حبي لشخصه... لأنني أصلا لولاها لما تقربت منه أساساً.

وتزوجت... اختار لي زوجي فيلا صغيرة في إحدى المناطق القريبة من مقر المكتب ليسهل عليه المرور بي كل صباح ليشرب قهوته الصباحية التي اعتاد على شربها معي في المكتب قبل أن أترك العمل دون رجعة... كما اعتاد على المرور بي خلال أوقات متفرقة من النهار... لكنه لم يمض الليل عندي أبداً كي لا تشك به زوجته.

وتغيرت حياتي... أصبح لي بيت يخصني وأنا سيدته... وأصبحت أمي ترفل بالخير والنعيم حيث يسلمني زوجي مبلغاً مالياً محترماً كل شهر لتغطية مصاريف المنزل... استقدمت خادمة وطباخ ليعملا في المنزل... تحت إشراف أمي... اشترى لي زوجي سيارة فارهة كما وعدني واشترى للسائق سيارة أخرى حيث تستخدم أمي السائق في كل مشاويرها... أصبحت كل حياتي مكرسة للاهتمام بنفسي لأجل زوجي... أقوم يومياً باكراً لأتزين وأنتظره ليشرب معي قهوته... أعود للنوم عندما يخرج ثم أصحوا قرابة الظهر لأتزين من جديد... تمتلأ خزانة ثيابي بالثياب الغالية التي أرتديها لزوجي في المنزل فقد كان يرفض الخروج معي في العلن خوفاً من تسرب خبر زواجنا إلى زوجته وأولاده، كانت الأيام الأولى لزواجنا جميلة فقد ملأتني روح المغامرة وانشغلت بالحياة الجديدة التي انتقلت غليها بعد تخطيط طويل.

لكن بعد ذلك غزا حياتي شعور جديد علي لم أحسب له حساباً.. لقد غزاني الملل... نعم... فبعد أن كنت موظفة نشيطة أعيش يومي أعمل وأتحرك أصبحت مجرد أسيرة في البيت بانتظار زوج لا أعرف متى يصبح لي وجوداً حقيقاً في حياته... زوج لا يعترف بوجودي ولا يعرف أهله بي ولا يريد للمجتمع أن يعرفني...

الأمر الأقسى أن زوجي كان يتخذ كل احتياطاته كي لا أنجب منه... كادت أمي أن تجن عندما عرفت بالأمر وطلبت مني مناقشته بالموضوع فمن حقي أن أصبح أما... وعندها سأنشغل بالطفل كما أن وجود هذا الطفل ضمان مهم لاستمرارية هذا الزواج...

فتحت الموضوع معه فأخبرني أنه رجل كبير أولاده يدرسون في الجامعة وأنه لا يرغب بإنجاب طفل صغير في هذا العمر خاصة وأنه يخطو نحو الخمسين من عمره... أخبرته أنني أحب أن يكون لي طفل منه... طفل يملأ الفراغ الكبير الذي يحاصر حياتي ويجعلني مشغولة بالعناية به فقال أن هذا الموضوع غير قابل للنقاش وأنه لا يريد المزيد من الأولاد...

أشعرني رده بأنني بلا قيمة... أنني مجرد امرأة يقضي معها وقتاً ممتعاً لا أكثر... كان رجلاً ناضجاً يعرف ما يريد وعندما أرادني... أرادني فقط في الخفاء لم يكن أبداً على استعداد لبناء حياة كاملة معي... لم تكن هذه نيته من الأساس...

ولأول مرة شعرت بالجفاء نحوه، زارني بعد ذلك النقاش بعدة أيام فوجدني غاضبة فقد غاب عني دون مبرر بالإضافة إلى أنني لم أخطئ في حقه... فوجئت به يطلب مني الجلوس بصوت حازم وقال: أريدك أن تعرفي أ، كلينا له غايات محددة من هذا الزواج... وكي نستمر معاً عليك التقيد بشروطي... أنا لا أريد أولاداً منك ولا أريد أن يعرف أحد بزواجنا فإن حدث ما يخل بهذين الشرطين عندها تنتهي علاقتنا...

بكيت وقلت بصوت جريح: ماذا عن وضعي معك؟ أنا أيضاً زوجتك وعليك أن تعدل بيني وبين زوجتك الأخرى... أم أنني الملامة لأنني أحببتك؟

ابتسم وقال: أنت أذكى من أن تحبيني... وأنا أذكى من أن أصدق هذا الحب... فتاة مثلك وبجمالك وعمرك لا تريد من الزواج بي سوى المادة... إنها معادلة واضحة، أنت تقدمين لي شبابك مقابل المال... وبالحلال... لكن بدون أية التزامات اجتماعية أخرى... هل فهمت؟ وهذه ليست المرة الأولى التي أقيم علاقة زواج كهذه أنا الآن أنبهك، إن خالفت شروطي تخرجين من حياتي.

قال جملته الأخيرة تلك ببساطة عجيبة... وكأنني مجرد تحفة اشتراها... كأنني لست إنسانة تمتلك أحاسيس ومشاعر... لقد توقعت وقع في حبائلي... واستشعرت دائماً انتصاري بالفوز به لكنني هذه المرة عرفت أنني أنا التي وقعت في حبائله... إنه رجل ذو علاقات سرية... واعتاد الزواج بالسر، لكن زوجته الأولى هي الوحيدة التي يتمسك بها والتي يجاهر بزواجه بها... غريبة! أتكون غافلة عن أفعاله؟ أم أنها تتغافل عنها كي تسير بها سفينة الحياة؟

ماذا سيحدث لي! وماذا سيكون مصيري! هل سأبقى طوال حياتي زوجة بالسر أم أن مصيري المحتم هو الطلاق بعد أن حصلت على بيت وسيارة وبعض المجوهرات.

بكيت ليلتها أمام أمي، تعاملت أمي مع الوضع بطريقة عملية وقالت: الأفضل أن تغيري أسلوبك معه يجب أن تجعليه يتعلق بك أنت... يجب أن يحبك!

قلت بحزن: إنه رجل عملي... عرف نساء كثيرات... يعرف أنني سعيت وراء المال... وليس رجل غرير لأخدعه... وهو يحب نفسه أكثر من أي شخص آخر...

قالت: إذن حاولي أن تحصلي منه على أكبر قدر ممكن من المال... فالمال هو المكسب الوحيد الذي ستجنينه من وراء هذه الزيجة. لن أطيل في التفاصيل... لقد سئمت حياتي وشعرت أنني بعت نفسي لذلك الرجل... واكتشفت كم هو أناني... عرف معنى كلمة جبروت... استفاد أخيمن زيجتي بأن أوكل إليه زوجي بعض الأعمال التي ربح من ورائها أموالاً كثيرة... واستفادت أمي من الرفاهية التي سعت لتقحمني فيها... أما أنا فقد فقدت روحي... فقدت كرامتي وسعادتي... صحيح لدي منزل باسمي ورصيد لا بأس به بالبنك وسيارة فارهة أقودها فتلفت الأنظار إلي... لكنني  فقدت إنسانيتي... فقدت الأمان... منحت نفسي لرجل ليس من عمري ولا من جيلي... فقدت احترامي لنفسي وأنا أعيش على هامش الحياة... عرفت أن الزواج كيان كامل... إنه ليس مجرد علاقة بين شخصين... إنه كيان اجتماعي لذلك كان الإشهار أهم شروطه.

بعد عامين أخبرني زوجي أنه يريد الانفصال عني... كتمت طعنته لي... وكتمت دموعي التي كادت تنهمر رغماً عني... عندما سألته عن السبب ابتسم وقال: هكذا كفاية... لا أريد أن تعرف زوجتي بأمر زواجنا... قلت له وكأنني أشتمه: يبدو أنك مللت مني؟

فقال: مصير زواجنا كان محتوماً من البداية... لننفصل بهدوء ويمكنك أن تعيشي حياتك كما تشائين... ستصلك ورقة الطلاق خلال يومين... ولا أريد أن أرك مرة أخرى لا أنت ولا أخاك... ولا أمك!

خرج يومها بعد أن أشعل النار في روحي... حرقني قهرا ًوكمداً... وعندما وصلتني ورقة طلاقي جللني الخزي الذي شعرت به لدرجة أنني تمنيت لو استطعت قتله في تلك اللحظة...

قررت أن أنتقم لنفسي... فاتصلت بزوجته... ردت علي على عجل فكما عرفت أنها ستسافر مع زوجها لحضور حفلة تخرج ولدها بالولايات المتحدة... قلت لها بصوت مليء بالتشفي: أردت أن أخبرك أن زوجك كان زوجي... وخدعك لعامين...

صمتت قليلاً ثم قالت: وماذا بعد؟

قلت لها: لا شيء أردت فقط إبلاغك...

قالت باحتقار: لا تتصلي بي مرة أخرى...

أغلقت الخط بوجهي... ولا أظنها صدقتني... فزوجة رجل مهم مثلها لن تهزها نزو عابرة مثلي.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا