رواية الجزار 8 للكاتب حسن الجندي

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2022-05-09

الخميس 16/12/2007 (الساعة 5 مساءً)
— "أعتقد أنك هدأت الآن يا (حسن).
رفع (حسن) رأسه من الأوراق التي كان يطالعها على مكتبه إلى المتحدث، ليجده العميد (عمر) يدخل من باب المكتب وهو يبتسم، فنهض (حسن) من مقعده مبتسماً، وهو يصافح (عمر) قائلاً: 
— "البركة فيما فعلت يا سيادة العميد."
جلس (عمر) على المقعد أمام المكتب: 
— "هذا أقل ما يمكن فعله لشاب ناجح مثلك يا بني، فتلك الحادثة كانت ستنهى مستقبلك، ولكن الحمد لله قمنا باللازم."
— "بالفعل تصرفك كان غاية في العبقرية يا سيادة العميد حينما جعلت أحد المسجلين إرهاب يعترف بأنه هو المنفذ الحقيقي للعملية، وأن اسم (آدم محمد عبد الرحمن) هو اسم مزيف انتحله وزوره في بعض الأوراق. وبالفعل عندما عرضت وسائل الإعلام أمس أن التحقيقات وصلت لمن يدعى (آدم) قمنا نحن بإظهار هذا الشخص، الذي اعترف بالتخطيط، وتم غلق القضية."
— "ولكن أعتقد أنه لا فائدة من هذا الشاب الموجود في الحجز أليس كذلك؟"
قالها (عمر) مستفسراً، فرد عليه (حسن) وقد تغيرت تعبيرات وجهه: 
— "نعم لا فائدة ولا خوف منه حتى .. فيبدو أنه فقد عقله أيضاً بعدما حدث."
تبع (حسن) عبارته بأن رفع سماعة أحد الهواتف على مكتبه، وضغط رقم ثنائي وقال: 
— "أرسل لي (محمد) بسرعة."
لم تمر دقيقة حتى سمعا دقات على باب الغرفة، ثم دلف المخبر (صابر) الذي كان أحد الذي حضروا التحقيق مع (آدم), فقال (حسن) له مستفسراً: 
— "ما أخبار (آدم) الآن؟"
— "لم يذق طعام منذ ما حدث، كل ما كان يفعله أن يشرب بعض الماء من الطعام الذي كنا نضعه له، ويعود ليجلس في ركن القاعة، وعلى وجهه النظرة الشاردة .. جروحه قد أصابها شيئاً لأنها تعفنت وتقرحت، ويبدو أنه سيدخل في حمى قريباً يا (باشا)"
هرش (عمر) في ذقنه، ثم قال له: 
— "اسمع .. الليلة تأخذونه في سيارة بدون أرقام إلى أقرب مكان لمنزله، وترمونه هناك، وأنتم تعرفون عملكم جيداً يا رجال."
نظر (صابر) ل (عمر) باحترام وقال: 
— "تحت أمرك، ولكن هل سنتركه بقطعة ملابسه الداخلية التي كان يرتديها؟"
هنا ارتفع صوت (عمر) بغضب مخاطباً إياه: 
— "وهل تريدنا أن نختار له ملابس سهرة وعطر وساعة يد .. اذهب، وأفعل كما قلت."
بعد أن انتهى (عمر) من العبارة، نظر إلى (حسن), وقال له بابتسامة: 
— "الآن انتهت تلك القضية للأبد يا بني، أليس كذلك؟"
نظر له (حسن), وشبح ابتسامة يرتسم على وجهه، ولكن كأن هناك شيئاً ما يمنعه من الابتسام، ويجبره على تنكيس رأسه .. 
* * * 
اّلخميس 16/12/2007 (الساعة 11:30 مساءً)
في أحد الشوارع الجانبية بمنطقة (الخصوص)، توقفت سيارة حمراء اللون. كان الشارع مظلماً، وفي آخره مقهى صغير، لا يجلس أحد عليه، أما الإضاءة في الشارع فكانت خافته تماماً. بعد أن توقفت السيارة، انفتح الباب الخلفي لها، وخرج رجل ضخم وهو يحمل شيئاً ما مألوفاً، والشيء يتحرك .. يبدو أن هناك شخصاً آخراً في السيارة يساعده على إخراج هذا الشيء، الذي اتضح أنه (آدم)، ولكنه مكمم الفم، ومعصوب العينين، ويدان مكبلتان خلف ظهره، وقد لف جسده في شيء يشبه الخيش.
بعد محاولات بسيطة، استطاع الرجل الضخم أن يخرج هذا الجسد من السيارة، ويلقيه على الأرض، ثم أخرج الرجل الضخم من جيبه مطواة، وقام بقطع الحبل الذي يربط يد (آدم)، ثم دخل السيارة بسرعة، وانطلقت السيارة بهدوء.
كان (آدم) قد حرر يديه، ثم أزال العصابة من على عينيه، والكمامة التي ربطت فمه، لم يرَ جيداً في البداية، ولكنه نهض مترنحاً من مكانه، وهو ينظر حوله محاولاً أن يعرف أين هو.
في تلك اللحظة، خرج رجل عجوز من المقهى يرتب المقاعد، التي خرجت عن حدود المقهى، ويمسح المناضد. لقد توقف العجوز وهو يشاهد (آدم) بتلك القطعة السفلية من الملابس الداخلية، وجذعه العاري المليء بالجروح والتقرحات، وشعره المنكوش، وحالته المزرية. حاول العجوز التدقيق أكثر وهو يشاهده يمشي مترنحاً زائغ العينين ناحية المقهى .. كان يتعثر وينهض مرة أخرى، ثم يتعثر وينهض .. يبدو أنه غير واع أفعاله، ولا يشعر بما حوله. بمجرد أن اقترب (آدم) من المقهى بدرجة كافية، اتسعت عين العجوز وهو يصرخ بدهشة:
- "أستاذ (آدم)!!!!!!"
جرى العجوز وهو يمسك به كي لا يتعثر مرة أخرى، و(آدم) ينظر إليه بعينين خاويتين، والعجوز يجلسه على أحد المقاعد، ثم هرول لداخل المقهى، وقد أحضر جلباباً قديماً، ألبسه لـ (آدم) –بسبب البرد- الذي ترك نفسه له، والعجوز يلبسه الجلباب، وهو يسأله عما حدث له، لكن (آدم) لم يجب وظل كما هو، ينظر أمامه بشرود .. 
كان العجوز يعرف (آدم) شكلاً واسماً فقط .. فهو يعلم عنه أنه يسكن بعد المقهى بمسافة قريبة، يعمل موظفاً بشركة ما، وهو طيب يلقي عليه التحية صباحاً وهو ذاهب إلى عمله، ومساءً عندما يعود مرة أخرى. ولكن صورته ظلت في رأسه، لأنه يراه تقريباً كل يوم.
بعد أن ألبسه العجوز الجلباب قال له بلهفة: 
- "انتظر هنا يا بني، سأحضر لك شيئاً دافئاً"
دخل العجوز للداخل بسرعة، ولكن (آدم) نهض من مكانه، وسار بعيداً عن المقهى بدون أن يشعر العجوز.
سار بدون وعي في الشارع، والناس تتجاهله بسبب مظهره المركزي، والذي يميز المتسولين، حتى وصل أمام العمارة التي يسكن داخلها، فصعد السلم وهو يرتكز بيده على الحائط، كي لا يسقط. وقف أمام باب الشقة لاهثاً من مجهود الصعود .. هنا وجد أن الباب ليس مغلقاً، بل هو مفتوح، ولكن الباب يظهر أنه مغلق، لكن لسان المزلاج لا يدخل في الحائط لأن اللسان متدلٍ من جراء كسره.
دفعه بيده، فانفتح الباب، ودخل (آدم) وهو ينظر لداخل الشقة، ويقف وهو يغمض عينيه، والدموع تنساب منها.
 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا