25)
كانت رغد جالسة في غرفتها تتحدث مع إحدى صديقتها عن يوم غد، غداً سيتم فتح باب التسجيل بالجامعة، وكانت رغد تقول لصديقتها إنها ستضع كلية الهندسة الرغبة الأولى عند تحديد الرغبات.. فهي تريد أن تكون بجوار أحمد في الجامعة وأن تلتقي به يومياً، لم تخبر صديقتها عن أحمد لكنا اتفقت معها أن يذهبا غداً معاً للتسجيل وأغلقت الهاتف، فسمعت طرقاً على باب غرفتها فتحت الباب فإذا بوالدها أمامها وقد انهارت ملامح وجهه، جزعت رغد وهي تراه على هذه الحال وهتفت: أبي! خير إن شاء الله ماذا حدث؟ وفجأة وجدت والدها الحبيب القوي يجهش بالبكاء أمامها!
كانت رغد تشعر وهي ترى أباها يبكي أنها ترى جبلاً يتصدع، وشعرت بقلبها يلتاع لأجله وضمته إليها بحنان وقالت: أبي ماذا حدث؟ أرجوك أخبرني، هل حدث شيء لجدتي؟
رد الأب: لا، حدث شيء رهيب يا ابنتي، وقص عليها والدها ما حدث مع السيد عامر.. يا إلهي السدي عامر يسرق أباها ويغشه يا للمصيبة يا للكارثة إنه والد أحمد حبيب عمرها، ماذا سيحدث بعد؟ ما مصيرها مع أحمد؟ وما أن هدأ والدها وخرج من غرفتها حتى رفعت رغد سماعة الهاتف واتصلت بأحمد وصرخت بمجرد أن سمعت صوته: أحمد ماذا نفعل ماذا سيحدث لنا؟ هل عرفت بما حدث؟
رد أحمد والألم واضح في صوته: لقد أخطأ أبي يا رغد، لقد اعترف في بما فعل وأنا جد آسف لكنه أبي يا رغد لا أستطيع معاقبته إنه منهار يا رغد.
رغد: اوعدني يا أحمد أنك لن تتخلى عني، اوعدني أننا سوف نصمد ولن نتأثر بما حدث.
أحمد: رغد تعرفين كم أحبك، لكن أبي خيرني بينه وبينك يا رغد.
صرخت رغد بألم: أحمد نحن لا ذنب لنا نحن..
قاطعها أحمد وقال: نحن انتهينا يا رغد انتهينا.
توالت الأحداث بعد ذلك بسرعة فقد قام عبد الله بشراء حصة عامر، وقد كان طيباً منه أنه لم يفضحه أو يشتكيه وعمل اعتباراً للعشرة بينهما، وبدأ الفصل الدراسي الجديد ودخلت رغد كلية الحقوق، فقد طلب منها والدها أن تختار كلية الحقوق، كان يخاف عليها أن تكون مع أحمد في كلة واحدة وكم حاول إفهامها أنه لن يزوجها لابن الرجل الذي سرقه وخانه، وكانت رغد تكاد تجن وهي تحاول إقناع أحمد بالتمسك بها، كانت تبحه.. تعشقه ولا تتخيل نفسها بدونه وكان هو يبكي معها ولا يعدها بشيء وشعر أحمد بارتياح أنها اختارت كلية الحقوق حتى لا يراها ويتعذب بوجودها أمام عينيه.
أما دلال فقد حولت أوراقها إلى كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية وخسرت الكثير من المواد التي درستها في كليتها السابقة، ومازالت محرومة من استعمال هاتفها النقال ومن قيادة سيارتها، والعجيب أنها لم تستطع الاتصال بصلاح ولا مرة واحدة وحتى عندما غافلت عيون أبيها وحاولت الاتصال بهاتفه النقال من تلفون منزلها وجدت أن رقمه تغير وهي لا تعرف رقمه الجديد، وكلما اتصلت به على البيت كانت زوجته هي التي ترد، فتلقي السماعة بيأس وقنوط، ومع الوقت بدأت دلال تستلم لبعدها عن صلاح، كانت تشعر بغصة كلما تذكرت ما حدث لها لكنها لا تملك سوى أن تستلم وتحاول أن تنسى وكان والدها يشفق عليها وهو يرى هزالها والسواد تحت عينيها لكنه كان يريد مصلحتها وحفاظاً على ماء وجهها أخبر جميع العائلة أن تغيير مجال دراستها كان رغبتها وأنها لا ترغب في استعمال السيارة في الجامعة نظراً لازدحام مقر كليتها الجديدة، وقد أصيب الأب بمرض السكر بعد الذي حدث له مع عامر، فقد كانت صدمته كبيرة، وكان الأب يشعر بالحزن بسبب الازمات التي تكالبت عليه بدءاً من مشكلة دلال وقبلها شاهين ثم عامر ثم رغد التي تبدو كأنها تحتضر من الحزن والألم، كان والدها حزيناً لأجلها فهو يعلم كم تحب أحمد لكن ما باليد حيلة، صحيح أن أحمد لا ذنب له بتصرفات أبيه لكنه لن يزوجه ابنته مهما حصل.
(26)
خرجت سمر من مختبر التحاليل الطبية وهي تكاد تطير من الفرح.. إنها حامل.. كم هي سعيدة لقد مضى عليها بعض الوقت وهي تشعر بأعراض الحمل واليوم قررت أن تتأكد وقد صدق ظنها، كانت تريد أن تقول الخبر لعادل وجهاً لوجه، يا إلهي بقي الكثير على موعد عودته من العمل وهي تكاد لا تطيق صبراً حتى تراه، ووصلت إلى المنزل فوجدت هديل جالسة وحدها في الصالة فتجاهلتها كما تفعل دائماً، إنها تتجاهلها منذ عادت من شهر العسل، لا توجه لها حديثاً ولا تعلق على كلامها وإذا رأتها لا تسلم عليها وإذا جلست معها في الصالة الرئيسية تشاغلت عنها بمشاهدة التلفزيون أو تصفح إحدى المجلات، وعبرت سمر أمام هديل لتصعد إلى جناحها الخاص وفجأة سمعت هديل تقول: سمر هل تسمحين لي بكلمة؟
نظرت سمر نحوها باستعلاء وقالت: أظن أنه لا يوجد كلام بيننا.
ردت هديل بانكسار: إذا قلت لكِ إنني أخطأت في حقك وأنني أسأت إليك وأنني شعرت بهذا الخطأ، وإذا قلت لك إنني نادمة على كل ما بدر مني، وإذا قلت لك إن حياتي لا طعم لها بدونك وأنني أشعر بالوحدة منذ أن افترقنا.. سمر أرجوك سامحيني.
وفجأة أجهشت هديل بالبكاء وأخذ جسدها يرتجف وجاء صوتها متقطعاً بنحيبها: أنا وحيدة لا أخت لي ولا أحد أشكو له همي.. أحتاج إليك يا سمر أنت أختي وصديقتي لقد أخطأت بل أجرمت وأنا أعترف وأقر بما فعلت أرجوك سامحيني أرجوك.
شعرت سمر بقلبها يرتجف بين ضلوعها ولانت قسمات وجهها، وقالت لنفسها من يدري وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، لقد تألمت من غدر هديل وزواجها من هاني لكن الله تعالى عوضها بعادل الذي أغرقها بعطفه وحبه، واليوم عندما عرفت أنها حامل.. وقتها فقط عرفت أنها تحب عادل حباً عميقاً ناضجاً ننتج عن عشرته الطيبة ومعاملته الحسنة لها، لقد كان خيراً لها ما حدث، من يدري أين الصالح له في هذه الدنيا غير الله مدبر الأمور.
والتفتت سمر إلى هديل وفتحت لها ذراعيها وهي صامتة وارتمت هديل على صدر سمر باكية وتعانقتا وبكت سمر معها إنها تسامحها لأنها تقدر على ذلك، فالعفو عند المقدرة، تسامحها لأن سمر كبيرة المقام طيبة القلب ولأنها قوية استطاعت التغلب على جرحها، تسامحها لأنها نست الإساءة وقررت أن تقابلها بالإحسان، وخلال دموعها همست هديل: سمر.. لقد اكتشفت البارحة أن هاني يخونني، لقد سمعته يحادث امرأة أخرى.. وارتجفت سمر وهديل لا تزال على صدرها.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا