بؤس 1 و2 لستيفن كينغ

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2022-04-03

1
رقممم واااحد
أنت المعجبة رقممم واااحد
أصوات: تأتي حتى في حالة من التشوش.

2
بيد أن الأصوات - مثل الألم - تتلاشى في بعض الأحيان، ولا يبقى بعدها سوى التشوش. تذكر الظلمة، ظلمة حالكة داهمته قبل وقوعه في هذه الحالة. هل يعني ذلك بأنه كان يحرز بعض التقدم؟ هل كان ثمة ضوء ما (حتى لو كان من النوع المشوش)؟ هل كانت تلك الأصوات تأتيه في الظلمة؟ لم تكن لديه إجابة عن أي من هذه الأسئلة. وهل كان لطرح هذه الأسئلة أي معنى؟ لم يكن يملك إجابة عن هذا السؤال أيضاً.
كان الألم يقبع في مكان ما تحت الأصوات، ذلك هو فقط كل ما كان يعرفه.
المدة من الزمن بدت طويلة جداً (وكانت كذلك بالفعل، لأن الألم والتشوش العارم كانا. الشيئين الوحيدين الموجودين آنذاك) كانت تلك الأصوات تمثل الحقيقة الخارجية الوحيدة بالنسبة له. لم تكن لديه أية فكرة عمن كان، وعن مكان تواجده، ولم يكن يهتم بمعرفة ذلك أيضاً. كان يتمنى أن يكون ميتاً، لكنه في خضم التشوش المشبع بالألم الذي ملأ عقله مثل غيمة رعدية صيفية، لم يكن يعرف بأنه تمنى ذلك.
مع مرور الوقت، أصبح يدرك بأنه كانت هناك مراحل من انقطاع الألم، وأن هذه المراحل كانت ذات صفة دورية. وللمرة الأولى منذ خروجه من السواد الكلي الذي أطال من أمد التشوش، برزت لديه فكرة، فكرة كانت متواجدة بمعزل عن أي وضع كان فيه. وكانت هذه الفكرة تتعلق بوتد مكسور وبارز من الرمل على شاطئ ريفير بيتش. غالباً ما كان أبواه يأخذانه إلى تلك المنطقة عندما كان طفلاً، وكان دائماً يصر على أن يبسطوا بطانيتهم حيث يمكنه مراقبة ذلك الوتد الذي كان يبدو له مثل ناب بارز من وحش مدفون تحت الرمل. كان يحب أن يجلس ويراقب الماء وهو يقترب شيئاً فشيئاً إلى أن يغمر الوتد تماماً. وبعد ساعات، بعد التهام كل الشطائر وسلطة البطاطا، ونجاحه في الحصول على القطرات القليلة الأخيرة من مشروب كوول إيد من ترمس والده الكبير، وبالكاد قبل أن تقول أمه إن الوقت قد حان لحزم أغراضهم والعودة إلى البيت، كان رأس الوتد يبدأ بالظهور ثانية. في البداية، كان يسترق النظر لومضة قصيرة بين الموجات القادمة، لكنه ما يلبث أن يبدأ بالبروز أكثر فأكثر. ولم يكونوا يشرعون بجمع ألعاب بولي الشاطئية إلا عندما ينتهون من وضع نفاياتهم في البرميل الضخم المكتوب عليه حافظوا على شاطئكم نظيفاً.
("بولي هو اسمي. أنا بولي والليلة ستضع أمي زيت الأطفال جونسون على جلدي المحترق من جراء تعرضي للشمس". قال في نفسه داخل الرأس الذي كان يعيش فيه الآن والذي كان يشبه الغيمة الرعدية الداكنة).
هكذا طويت البطانية ثانية، وكان الوتد قد عاد إلى الظهور بشكل كامل تقريباً، وجوانبه المسودة اللزجة محاطة بزبد كثيف من الفقاعات. إنه المد، حاول أبواه أن يشرحا له ذلك، لكنه لطالما عرف بأنه الوتد. المد كان يأتي ويروح، لكن الوتد كان دائماً يبقى حيث هو. ببساطة، بدون الوتد لم يكن ثمة مد.
كانت هذه الذكرى لا تفتأ تدور وتدور في رأسه، وتدفعه إلى الجنون، مثل ذبابة عنيدة. كان يحاول جاهداً معرفة ما يمكن أن تعنيه هذه الذكرى، لكن الأصوات كانت تقطع عليه سعيه هذا.
معععجبة
قرأت كللل ششيء
رقم وااااحد
في بعض الأحيان كانت الأصوات تتوقف. وفي أحيان أخرى، كان هو من يتوقف.
أول ذكرى واضحة فعلاً له لهذا الواقع، الواقع الذي يقع خارج تشوشه العاصف، كانت تتمثل في إدراكه فجأة بأنه لم يعد يستطيع أخذ نفس آخر، وكان ذلك أمراً جيداً. في الحقيقة، كان ذلك رائعاً، فقد كان باستطاعته تحمل درجة معينة من الألم. لكن السيل كان قد بلغ الذبى، وهو كان سعيداً لأنه أخيراً سيخرج من اللعبة.
إلى أن أطبق فم على فمه؛ من المؤكد أنه كان لامرأة بالرغم من الشفتين القاسيتين الجافتين. واندفعت الريح من فم هذه المرأة داخل فمه وعبر حنجرته، نافخة رئتيه. وعندما أفلتت تلك الشفتان شفتيه شم رائحة حارسته لأول مرة، شم رائحتها من اندفاع النفس الذي أدخلته عنوة فيه، مزيج كريه الرائحة من كعك بنكهة الفانيليا، وآيس كريم الشوكولاته، ومرق الدجاج، وحلوى زبدة الفول السوداني.
سمع صوتاً يصرخ، "تنفس، اللعنة! تنفس يا بول!"
ثم أطبقت الشفتان ثانية. واندفع النفس داخل حنجرته مرة أخرى، اندفع مثل هبة الريح الرطبة التي تلي مرور قطار سريع في النفق، وهي تجر أوراق الصحف وأغلفة السكاكر وراءها. ثم ارتدت الشفتان، ففكر في نفسه، "حباً بالله لا تسمح لأي جزء منه بالمرور من خلال أنفك". لكنه لم يستطع. اللعنة! يا للقرف، يا للقرف.
"تنفس، عليك اللعنة" زعق الصوت غير المرئي، ففكر في نفسه، "سأفعل أي شيء، رجاءً، لا تقومي بذلك مرة أخرى، لا تلوثيني بعد الآن، وحاول ولكن قبل أن يبدأ بالفعل، أطبقت شفتاها على شفتيه مرة أخرى، شفتان جافتان وميتتان كقطعتين من الجلد المملح، واغتصبته بنفسها مجدداً.
عندما أبعدت شفتيها هذه المرة لم يخرج نفسها بل دفعه داخلاً، وأخذ شهيقاً كبيراً صافراً من نفسه هو، ثم زفره إلى الخارج بقوة. انتظر صدره لكي يعمل ثانية بنفسه كما كان يفعل طوال عمره بدون مساعدة منه، وعندما لم يستجب، أخذ شهقة كبيرة صافرة أخرى. وأخيراً، عاد يتنفس بشكل تلقائي، وكان يفعل ذلك بأسرع ما يمكن كي يتخلص من رائحتها ومذاقها ويخرجهما من داخله.
لم يكن لمذاق الهواء الطبيعي طعم أطيب من ذاك الطعم على الإطلاق.
بدأ بالعودة إلى حالة التشوش ثانية، ولكن، قبل أن يذهب العالم المعتم الباهت تماماً، سمع صوت المرأة يدمم: "واو! كان قاب قوسين أو أدنى".
"ليس بما يكفي". فكر في نفسه، ثم غط في النوم.
حلم بالوتد، وكان الحلم حقيقياً إلى درجة أنه أحس أن باستطاعته أن يمد يده، ويزلق راحته على منحناه الأسود المخضر المتشقق.
عندما عاد إلى حالته السابقة نصف الواعية، استطاع أن يقيم رابطاً بين الوتد ووضعه الحالي. لم يكن الألم ذا طبيعة مدية وجذرية؛ هذا هو المقصود من ذاك الحلم، بل في الواقع لم يكن حلماً وإنما كان ذكرى. فالألم كان يبدو - من الناحية الظاهرية فقط - كأنه يأتي ويختفي، لكنه، في حقيقة الأمر، كان أشبه بالوتد الذي يكون مرئياً في بعض الأحيان ومغطى في أحيان أخرى، بيد أنه موجود على الدوام. كان يشعر بالامتنان الغبي في الأوقات التي لم يكن يغزوه فيها الألم وهو مغمور بسحابته الرمادية الباهتة، لكنه لم يعد مخدوعاً ومضللاً بعد الآن، فهو يعرف بأن الألم ما يزال موجوداً، يستعد للعودة من جديد.
ولم يكن هناك وتد واحد فقط، بل اثنان - الألم هو الوتدان - وجزء منه كان يعلم أن الوتدين المتكسرين هما ساقاه المكسورتان بالذات، وذلك قبل فترة طويلة من تمكن معظم دماغه من معرفة ذلك.
لكن ذلك حدث قبل فترة طويلة من تمكنه من تكسير زبد لعابه المتجفف الذي ألصق شفتيه ببعضهما، وقوله بصوت متهدج إلى المرأة التي تجلس بجانب سريره وتحمل كتاباً بيدها: "أين أنا؟" كان اسم مؤلف الكتاب هو بول شيلدون، وقد أدرك دون أي استغراب بأن هذا الاسم هو اسمه هو بالذات.
قالت عندما أصبح أخيراً قادراً على الكلام: "سايدويندر، كولورادو. اسمي آني ويلكس. وأنا ..".
قال: "أعلم، أنت معجبتي الأولى".
أجابت مبتسمة. "أجل، هذا بالضبط ما أنا عليه".
 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا