الثلاثاء 14/12/2007 (الساعة 10:40 مساءً)
المرآة تعكس مظهره المهيب، والذي يفتخر به أمام الناس .. طوله الفارع، قسمات وجهه الحادة والوسيمة في ذات الوقت، عينيه الزرقاوتين، شعره المصفف بعناية أسود اللون، الذي ورث نعومته من والدته .. كان مثالاً للرجل في مخيلة النساء اللاتي قابلهن. لم ترفض أي فتاة قابلها في صغره أن تصادفه؛ بل كانت تتمنى أن يتعطف عليها بنظرة، وخاصة بعد دخوله كلية الشرطة، زادت هيبته، وزاد تعلق الفتيات به، فهو العريس المصالي، والرحل المطلوب لأي فتاة. لكن في داخله لم يشعر بالأمان لأي فتاة .. فكل فتاة قابلها لم ترفضه، حتى ولو طلب منها ما يخدش الحياء كانت توافق برضا .. هنا بدأ تفكيره يقوده إلى أن أي فتاة قابلها من الممكن أن تسلم له نفسها طواعية، فماذا سيحدث لو تزوج، وجاء رجل أخر وسلمت زوجته نفسها له طواعية؟
ربما لذلك رفض الزواج حتى الآن، بالرغم من سهولة التكاليف المادية، وإمكانية موافقة أهل أي فتاة عليه، فهو حالياً ضابط بإدارة مباحث أمن الدولة، متيسر الحال، يمتلك شقته الخاصة، والتي ورثها عن والده المتوفى، لا يعيش معه أحد —باستثناء أمه التي انتقلت إلى الفريق الأعلى منذ سنين فأصبح يعيش وحيداً— وسيم، لكن مع كل هذا وصل إلى سن الثلاثين بدون زواج، وكل هذا بسبب شكوكه في أخلاق أي فتاة يقابلها.
أفاق الرائد (حسن) من شروده أمام المرآة ثم نظر نظرة أخيرة إلى القميص والسروال اللذان يرتديهما، وذلك المسدس المعلق في الحزام الجلدي تحت إبطه .. ارتدى (جاكيت) البذلة وتأكد من مظهره مرة أخيرة، ثم غادر الشقة وهو يتصل بزميله من هاتفه المحمول، كي يتأكد منه أنه سيقابله في الإدارة الآن، كي يتحركا الليلة للقبض على الشخص المطلوب من داخل منزله.
* * *
الثلاثاء 14/12/2007 (الساعة 11:50 مساءً)
دفعة قوية لباب الشقة لم يتأثر .. دفعة أخرى أقوى بدأ مصراع الباب في التأثر، والتحرك من مكانه .. دفعة قوية جعلت جزء من خشب الباب يتحطم من ناحية المصراع، وأصبح المصراع على وشك الخروج من الباب.
هذه المرة أتت دفعة قدم من خارج الشقة، لينكسر الباب، ويفتح بعنف و(حسن) يدخل الشقة، وخلفه ضابطان يرتديان الملابس العادية، ولكنهما أقل منه رتبة. نظر (حسن) يميناً ويساراً بملل، ومن خلفه ظهر ستة رجال ضخام يدخلون من باب الشقة المحطم، وينتشرون في الشقة بسرعة.
مد (حسن) يده في جيبه، وأخرج علبة السجائر، وتناول سيجارة منها، وهم بإشعالها، لكنه سمع صوت صراخ امرأة، يأتي في إحدى الغرف، ثم صوت رجل يتكلم بعنف، فأكمل إشعال السيجارة، وتوجه بخطوات بطيئة إلى الغرفة حتى دخلها، لتقع عيناه على فتاة شابة، ترتدي قميص نوم، وتحاول أن تغطى جسدها بغطاء الفراش، وشاب يرتدي سروال نوم، وجذعه مكشوف، وهو يقف يحاول أن يدفع أحد رجال الذين يمسكون به، وبيده الأخرى يضع يده أما زوجته، في مجاولة يائسة منه لحمايتهم من أيديهم.
كانت صرخات (بتول) مستمرة، اختلطت بصرخات طفلة أتت من مكان ما، و(بتول) مازالت تحاول أن تغطي جسدها، و(آدم) لا يكف عن محاولة فهم ما يحدث، وهو يصيح في الجميع بأن يبتعدوا عن زوجته، حتى تكلم (حسن) بعدم اهتمام قائلاً لآدم:
- "أنت المدعو (آدم محمد عبد الرحمن)؟"
- "نعم أنا!!!"
أشار (حسن) لأحد الرجال الذين قد دخلوا الغرفة بيده إشارة ما، فاقترب بسرعة من (آدم)، ثم كال له كلمة عنيفة، أطاحت به ليقع على الأرض.
هنا بدون وعي صرخت (بتول)، وقفزت من على الفراش متناسية الغطاء الذي يلف جسدها، والذي وقع وهي تحاول الوصول لآدم الذي وقع على الأرض، ولكن (حسن) تجمد في مكانه وهو ينظر إليها وهي تهرع لزوجها.
لقد اشتعلت في داخله رغبة في تلك الفتاة، شعرها الأصفر الطويل الناعم، وجيدها المنمق، وعينيها الخضراء، ووجهها الذي حمل جمالاً لم يره من قبل، كل هذا مع ظهور أجزاء من جسدها بدون قصد جعله يأخذ قراراً ..
- "خذوه"
كانت 0بتول) تجلس على الأرض بجانبه تحتضنه، وتكلمه كي يفيق من إغمائه، ولكن سبقتها أيادي الرجال، الذين تكاتفوا عليه وأخذوه منها، وهي تحاول اتشبث به ومقاومتهم، حتى خرجوا به خارج الغرفة وهي تحاول أن تتبعه ولكن (حسن) قال لأحد الرجال الباقيين سريعاً:
- "خذوها هي الأخرى، فإنا لن أقدر على حرمان حبيبين من بعضهما"
أمسكها أحد الرجال أثناء اندفاعها وراء زوجها، وآخر لفها بغطاء أخذه من على الفراش، وهي تحاول إبعاد أيديهم عنها.
أخذ (حسن) نفساً ضخماً من السيجارة التي يحملها، ثم خرج بهدوء وهو يحدث أحد الضباط بجانبه، و(بتول) مازالت تصرخ، وفجأة كأنها تذكرت شيئاً، والرجال يجرونها جراً، فأخذت تنادى بحرقة، محاولة الإفلات منهم:
— "نوررررررررررررررررر"
ولكنهم لم يستمعوا لها، وجروها حتى خرجوا خارج الشقة، وأغلقوها .. ولم يبق في الشقة سوى صوت صراخ الطفلة.
غرفة صغيرة هي، تشبه غرفة النوم الصغيرة، ولكنها بلا أثاث تقريباً سوى مقعدين من الخشب، يجلس على أحدهما (حسن), وعلى الآخر الرائد (علي), ويقف خلفهما ثلاثة رجال ضخام، يرتدون ملابس مختلفة، وعلى الأرض (آدم) ملقى، وأنفه محطم، وهناك آثار دماء قد جفت على وجهه، ويبدو أنه يفيق من غيبوبته. بالفعل عندما فتح عينيه، وتأوه، نظر بدهشة في البداية لحسن و(علي), ثم تحولت الدهشة إلى رعب، عندما تذكر الموقف وهو يقول:
- "ماذا يحدث وأين أنا ومن أنتم؟"
قال (علي) بنبرات حادة:
- "لا تسال أسئلة أيها الكلب، أنت هنا لترد على أسئلتنا نحن."
في حين ابتسم (حسن) لآدم، وقال بطريقة ودودة:
- "صديقي العزيز أنت هنا داخل مباحث أمن الدولة، وصدقني لو فعلت ما أقوله لك بهدوء، فسنكون أصدقاء في المستقبل، وسنرى كل الحب والعطف مني .. وإذا اخترت الطريق الصعب، وأردت أن تمارس دور البطل، فدعني أقول لك شيئاً بسيطاً."
اقتر برأسه للأمام قليلاً، وابتسامته تزداد، ونبرات صوته تخرج صافية وهو يقول:
- "كل الأفلام التي شاهدتها، وكل الأساطير التي سمعتها عما يحدث هنا لا تظهر سوى 1% مما يمكننا فعله يا صديقي .. يمكنني في خلال ساعة واحدة أن أرغمك على أن تكفر بوجود الله ببساطة، أو أجعلك تُقَبِل قدمي كي تعترف بأي جريمة أطلبها .. كي أكون صريحاً معك، أقول لك إن تقطيع الأطراف، وهتك الأعراض هو لعب أطفال بالنسبة لما يمكن أن تراه هنا. فأنا بالذات رجل فنان، أحب الاستمتاع بعملي أثناء تأديته، ويمكنك أن تتأكد الآن من ذلك."
بعد أن سمع (آدم) تلك الكلمات، بدأت يتمالك أعصابه مرة أخرى وهو ينظر إلى (حين)، ثم قال محاولاً أن تخرج الكلمات من فمه بهدوء:
- "تريديني أن أعترف بجريمة ما؟ ولما أنا؟"
أرجع (حسن) رأسه إلى الوراء وقال بارتياح:
- "نعم هذه هي طريقة الحديث التي أحبها بحق، يبدو أننا سنتعاون بلا مشاكل."
نهض (حسن)، واقترب من (آدم) وهو يشير بيده قائلاً بطريقته الودودة:
- "بيني وبينك يا صديقي لقد وقعت في مشكلة، حادثة صغيرة في أحد الملاهي الليلية ؤ قنبلة من المفروض أن تنفجر، وضعها حاقدون على الأمن المصري، ولكن عين الأمن الساهرة أوقفت القنبلة قبل ميعاد انفجارها، وقبضنا على من وضع القنبلة في الملهى، وقد دلتنا التحريات إلى أشخاص كثيرين، القنبلة في الملهى، وقد دلتنا التحريات إلى أشخاص كثيرين، ولكن المتحكم الأول بالعملية هو شاب مجهول الهوية، لا نعرف سوى اسمه، وبعض المعلومات البسيطة عنه، والتي لن تمكنا من القبض عليه إلا بعد مدة، يا ترى هل خمنت اسم هذا الرجل؟"
ظهرت على عين (آدم) نظرة تساؤل، فأكمل (حسن) قائلاً:
- "اسمه هو (آدم محمد عبد الرحمن)، أليس شيئاً مميزاً يا (آدم)"
اتسعت عين (آدم) وقد فهم اللعبة، في حين قال (علي) الذي كان مازال يجلس على المقعد:
- "اسمع أيها القذر .. سيتم تسجيل أقوالك في محضر رسمي، وستعترف بأنك أدرت شبكة من تحتك –سنخبرك بأسمائهم- لوضع قنبلة في أحد الملاهي الليلة، وأنك فعلت ذلك من وازع ديني"
تكلم (آدم) مفزوعاً وهو ينظر إلى (علي):
- "هناك الكثير من الأخطاء في القضية بهذا الشكل، وحتى لو قلت تلك الشهادة، فستصبح القضية ناقصة للكثير من الأدلة، ثم لماذا أعترف بشيء لم أفعله؟"
طقطق (حسن) بفمه في ضيق، ونظر إلى الرجال الواقفين، فتحرك اثنان منهم بسرعة، وكبل أحدهما يد (آدم)، والآخر كال لكلمة عنيفة إلى بطنه، جعلته يصرخ من الألم، ثم لكمتين في وجهه، كل هذا وهو مازال على الأرض، حتى قام الرجل الذي كبل يديه من خلفه، ورفعه ليقف وقد تراخى جسده تماماً.
سار (حسن) حتى وقف أمامه وقال:
- "هل عرفت لماذا ستعترف بشيء لم تفعله؟"
بعد أن قال (حسن) تلك العبارة، أعطاه ظهره، ثم أخرج سيجارة وأشعلها، وأخذ منها بضعة أنفاس وهو يفكر، حتى نظر لآدم مرة أخرى وقال:
- "أنا أحببتك، ولذلك سأعطيك فرصة لتفكر قليلاً، قبل أن أتصرف بنفسي .. سأخرج الآن لساعة، ثم أعود إليك .. أرجو أن تفكر جيداً، وخاصة وأنني سأجعل الرجال يهتمون بك طوال تلك الساعة."
ألقى السيجارة على الأرض، في حين نهض (علي) من مكانه وهو يغادر الغرفة، وتبعه (حسن)، ولكن قبل أن يغلق الباب خلفه، وقف ونظر للرجال، وقال لهم بابتسامة:
- "لا تنسوا واجب الضيافة .."
بمجرد أن انغلق الباب، تحرك الثلاثة رجال بانتظام، فظل أولهم ممسكاً بآدم، الذي ظل يحاول الإفلات منهم، أما الآخر، فقد أخرج من جيبه مطواة صغير، كان (آدم) كما أخذوه من غرفة نومه، عاري الجذع، لا يرتدي سوى سروال للنوم فقط. قرب الرجل المطواة من كتف (آدم)، وأحدث جرحاً لا يزيد عن اثنين سنتيمتر به، بهدوء وبحرفية شديدة، و(آدم) يصرخ ويتلوى، ولكن الآخر كان يكبله بإحكام. ثم قرب الرجل المطواة من موضع آخر في كتفه، وأحدث نفسي طول الجرح السابق، ويبدو أنه جرح سطحي.
فعل الرجل الممسك بالمطواة ذلك ما يقرب من عشرون مرة في يده وأكتافه وبطنه وضلوعه و(آدم) يكاد يموت من الألم الذي يحرق خلاياه العصبية وهو يتأوه في كل جرح يحدثه.
فجأة ابتعد الرجل الممسك بالمطواة، ليتقدم الرجل الثالث وهو يحمل في يده زجاجة عطر من المسماة بالعامية (كولونيا), كانت زجاجة ضخمة، فتح الرجل سدادتها، وبدأ يغرق جسد (آدم) بها، شعر (آدم) أن هناك ناراً تشتعل في جروحه، فأخذ يصرخ ويتلوى، وعيناه مغرقتان بالدموع مما يشعر. كان الرجل يتفنن في تعذيبه، فيصب العطر على بعض الجروح، وينتظر حتى يهدأ (آدم) من صراخه، ليصب فجأة على مجموعة أخرى من الجروح.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا