14—5—2015
قسم التحقيقات في مبنى الأمن الجنائي
مرت ثلاثة أيام، هاشم يحاول أن يأخذ أي إفادة من حسام بأنه وراء ما حدث لكن الأخير يرفض الحديث ويكرر كلمة
- (أنا بريء ..لم أفعل شيئاً)
يرد عليه هاشم بكل هدوء:
- لا تحاول أن تظهر غير الحقيقة، أنت لست مع محقق مغفل، أنا كنت معك وأنت تحاول قتلي من أجل أن تمارس هوايتك أنت والعصابة، لماذا تحاول الإطالة ما الذي تريد الوصول إليه؟!
يضحك حسام بينما بفقد هاشم أعصابه ويقول!
- ماذا يضحك هنا.. هل اقترابك من حبل الإعدام جعلك مجنوناً!!
يستمر بالضحك ثم يصمت وهلة ليقول له:
- بل أنا أمام شخص مجنون.
يقترب منه هاشم ويمسكه من قميصه ويشده بقوة، شعر حسام الاختناق.
- سأقتلك إن لم تعترف.. سأقتلك أقسم بذلك.
يترك قميصه؛ ليستعيد أنفاسه قبل أن يغادر المكان غاضباً بينما يراقبه الشرطة الواقفين عند الباب.. مردداً كلمات "محتال.. سأقضي عليه.. لن أدعه يفلت بفعلته" وفي أثناء انشغاله بما سيفعل وجد أمامه أبو سالم الذي طلب منه أن يلحق به إلى مكتبه، يدخل هاشم، جلس أبو سالم على المكتب وكأنه يفكر في شيء آخر، متحدثاً في الوقت نفسه:
- محتمي حسام وحسام نفسه يرفضان التعامل أو الحديث معك، هما يعتقدان بأنك طرف في القضية.
نعجب هاشم من كلام أبو سالم وسأل:
- طرف.. كيف ذلك؟
ينظر أبو سالم للوراق التي أمامه:
- يقول إنك تشكل خطراً عليه، وحاولت أن تجبره على الاعتراف.
بنظراتٍ حائرة أجابه:
- لقد حاول الاعتداء عليّ بآلة حادة.. وبصماته حاضرة يوجه أبو سالم نظرات باردة:
- إنه يعمل في الكراج ومن الطبيعي أن يمسك مثل تلك الآلات.. هاشم هل هناك ما تخفيه عني؟
ينظر هاشم بحدة إلى عيني أبو سالم ويسأل:
- هل تتهمني بأنني ألفق القضية.. ليست تلك أخلاقي.. ولو أردت أن أختار ذلك الطريق.. لفعلته في القضيتين السابقتين.. أبو سالم يجب أن تقف معي وليس ضدي.
يضرب أبو سالم بقوة على المكتب وقد انفجر غضبه:
- لقد وقفت معك وأهملت قصة السلاح غير المرخص الذي لا أعرف من أين جلبته.. يجب أن تساعد الآن نفسك.. وتعرف الحقيقة.. لن أصبر أكثر.. الإعلام وصلته الأخبار بأن لدينا مشتبهاً به.. ويحاول أن يعرف المزيد من التفاصيل.. ماذا سنخبرهم.. ما دليلنا؟ شخص يمتلك كراج غير مرخص!! أم أنه حمل بيده آلة حادة من أجل عمله.. ماذا لديك أخبرني؟
يصمت هاشم ويغرق في ضمتٍ كبير قبل أن يجلس بكرسي مجاور ويضع يديه على رأسه كمن فقد القدرة على التفكير حتى.. يهدأ أبو سالم، ويخاطبه بصوت منخفض:
- يجب أن تدرك بأنك الآن متهم ولست محققاً.. لم يشهد أحد الواقعة سواك أنت وهو.. لكن أنت من سترمى عليه التهم.. سلاح غير مرخص.. إطلاق نار.. يجب عليك أن تتصرف بسرعة وأن تغلق ملف ذلك الشاب وتدعه يرحل.. قبل ذلك يجب عليك أن تقنعه بالتنازل.. أعرض عليه مبلغاً مالياً.. أي شيء.. يجب أن تتصرف حالاً!
يشعر هاشم أنه في ورطة، يتلاشى منه كل شعور سعيد أنتابه.. يردد أمام أبو سالم
- بعد أن شعرت أنني قريب من فك اللغز، أجد نفسي أمام ملف أكثر تعقيداً
يخرج هاشم من المكتب بصمت، يردد أبو سالم خلفه على مسمع منه:
- يجب أن تحلها من فورك وتخرجنا من عنق الزجاجة.. وبسرعة لقد سئمت من أفعالك السيئة.. كلما انتظرت منك شيء مفرحاً.. تصدمني بأشياء لا تخطر على البال!
يمشي هاشم بين الممرات، يشعر بالحيرة وبأن أنظار الموظفين تطارده همساتٌ تهزأ به، تنتظر "نهايته" على أحر من الجمر وآخرون تعمدون ترديد أسماء "جعفر.. حزام.. جعفر هما الأجدران بل حزام.. سيحلها بسهولة" يدخل مكتبه ويغلق الباب بقوة، يغلق أذنيه ويتكور قبل أن يسقط في نوبة بكاء مردداً!
- أمي.. أين أنتِ.. انجديني!
مرت ساعة وهاشم في هذه الوضعية قبل أن يعدل جلسته، يأخذ شهيقاً طويلاً
يرفع هاتفه ليتصل:
- الجلندي.. هناك مستجدات لا أعرف إلى أين ستقودنا!
شرح له ما حدث، أغلق الهاتف، خرج بعد ذلك مسرعاً من مكانه، دون أن يتحدث مع كل من أستوقفه محاولاً معرفة ما جديد تلك القضية الشائكة!
في المكان ذاته الذي يلتقيان به دائماً، وصل هاشم متأخراً بسبب الازدحام المروري، وجد الجلندي جالساً في الكرسي، مبتسماً وهو يتمتم بأغنية، اقترب وجلس بالقرب منه
- لقد أصبحت متهماً.. بكل سهولة.. بعد أن وصلت إلى خط النهاية.. اكتشفت أنها سراب.. لقد أستطاع هذا القذر أن يرمي التهمة بعيداً عنه.. لتلتصق بي أنا!!
لم يرد عليه الجلندي، مر أمامهما أبو توماس الذي خاطب هاشم "الطلب المعتاد نفسه" يرد هاشم بعصبية:
لا نريد شيئاً أرجوك.. اتركني وشأني.
ينسحب أبو توماس من المكان، يوجه هاشم نظرة حادة إلى الجلندي.
- ماذا أفعل.. أخبرني.
ينظر له الجلندي "مبتسماً"
- الحل سهلٌ جداً.. وبيدك.. لكن يحتاج إلى أن تفكر جيداً.. ويحتاج أن أكون معك هذه المرة وأساندك من قلب الحدث!
يضحك هاشم.. يقف على قدميه ويصفق:
- أهلاً، أهلاً يا صديقي.. أخبرني ماذا لديك.. مصيبة وورطة أخرى!
تتحول ابتسامة الجلندي إلى غيظ خفي وبصوت متزن لكنه مليءٌ بالغضب
- اسمع يا هذا.. هل هذا ما يجب أن تقوله لشخص ساعدك ويستمع إليك دائماً.. الورطة التي تتحدث عنها جعلتك على بُعد خطوةٍ من القاتل.. بعد أن كنت على بُعد خطوة من أن تكون مجرد مشاهد لمجريات تلك القضية من بعيد وهي في يد محققين آخرين أو بالأحرى بيدي جعفر وحزام.. اللذين يتفوقان عليك بكل شيء.
يصمت برهة قبل أن يُكمل حديثه بالنبرة ذاتها
- إذا كنت ترى أن نصائحي تقودك إلى منحنى خاطئ.. لماذا تتصل عليّ إذاً؟!!
يضع هاشم يديه على وجهه قبل أن ينزل رأسه للأسفل..
- أعتذر.. أنا مرتبك للغاية.. لا أعرف ماذا أفعل!
يكمل الجلندي كلامه دون تعقيب:
- يجب أن يخرج ذلك القاتل من الحجز.. ستعتذر منه.. ستقله أنت بسيارتك إلى الكراج.. سأكون بانتظارك هناك!
ينظر هاشم صوبه:
- لماذا تنتظرني هناك؟!
يأخذ الجلندي شهيقاً طويلاً ويجيبه:
- قبل أن أجاوبك.. هل لا يزال السلاح بحوزتك؟
تتغير نظرات هاشم إلى التساؤل والاستغراب
- نعم.. لماذا؟!
يقترب منه الجلندي قليلاً وكأنه يريد أن يخبره سراً خطيراً
- سأختبئ داخل الكراج.. وهنا.. سنبدأ بفك اللغز وإرغامه على الاعتراف بما اقترفت يداه.
يقف هاشم، يهز إصبعه بنفي.
- لا لا لا.. هذا مخالفٌ للقانون.. هذا الأمر يُعد اعترافاُ بالإكراه.. ليس من أخلاق المهنة، ثم إنه ما من دليل واضح على أنه القاتل حتى الآن!!
يصفق الجلندي وهو يضحك:
- أخلاق.. أخلاق.. ماذا ستفيدك الأخلاق يا رجل.. وهل من حولك امتلكوا تلك الأخلاق وهم ينتظرون سقوطك للنيل منك.. فكر بنفسك فقط.. وفكر بالنهاية.. وأنت ترى أبو سالم يأتي إلى مكتبك ومعه باقة ورد.. يُهديها لك وكذلك ستشعر بسعادة كبيرة عندما تأخذ بثأرك ممن "يتلاعب بك"!
فَهِمَ هاشم ما يرمي إليه.. يكمل الجلندي:
- سأنتظرك هناك غداً في الساعة الحادية عشرة والنصف ظهراً..
حاول أن تكون عملية الإفراج عنه في ذلك الوقت.. سنضمن أنه لن يتواجد أحد هناك.
يهز رأسه بالموافقة؛ ليجد الجلندي يهم بالرحيل مسرعاً ويدخل بين جموع الناس ليختفي كعادته وترك هاشم المكان بعده بدقائق عائداً إلى منزله، كانت ضحى مشغولة بالتنظيف، يناديها ويطلب منها إعداد الشاي ثم يجلس أمام التلفزيون، برنامج سياسي يتحدث عن التطورات في كوريا الشمالية، لم يكن يسمع أو يرى ما يحدث، حواسه كانت منشغلة بالقضية وما سيحدث بالغد، كيف سيقوم بكل هذا؟! ثوانٍ حتى شعر بيد تضع على كتفه، ينظر، كانت ضحى وبيدها الشاي.
- لقد قمت بمناداتك مراراً.
ينظر هاشم لجهة أخرى ويجيب:
كان جل تركيزي على الشاشة.. ماذا تريدين؟!
تغيرت ملامح وجه ضحى مرددة:
- لقد طلبت مني الشاي قبل دقائق.. هل نسيت؟
يقوم من مكانه ويأخذ الشاي منها
- لا.. كان تركيزي منصباً على التلفزيون.
تقرّب الطاولة منه وتسأل:
- هل تريد دواءك؟
يضع عليها الشاي.. مردداً:
- سأتناوله بعد قليل..
ابتعدت ضحى بكنها كانت تنظر إليه.. محملة بابتسامة، تراقب نظراته، فكره المنشغل، تراهن أن القضية هي من وضعته بهذا الوضع المرزي؟
هاشم عاد مجدداً للتفكير بما يحدث، يفكر بالتراجع والاعتراف بالهزيمة والانسحاب لكنه يستعيد الذكريات القديمة، فجأة يصرخ بصوتٍ مسموع..
- لن أدع هذا الفاشل يحصل على مكتبي.. يجب أن أنفذ خطة الجلندي.
كان يتحدث بصوتٍ عالٍ، تقترب منه ضحى وتسأل:
- هاشم.. ماذا بك؟
يشير بإصبعه ليبعدها:
- لا شيء.. لا تهتمي.. تذكرت شيئاً فقط.
تجلس ضحى بالقرب منه وتقول:
- أعتقد أنني أخطأن بالضغط عليك مؤخراً لكن أنا أثق أنك تمتلك الذكاء الكافي لحل تفاصيل تلك القضية.. والخروج منها.
تتغير ملامح وجهه.. يوجه النظر إليها:
- إن كان لديك أمرٌ مصيريٌ.. ولديك حلان.. كلاهما مُر.. ماذا ستختارين؟
تشعر ضحى بالفرح فهي المرة الأولى التي يستشيرها في أمر ما..
- دعني أسألك أنا سؤالاً.. هل هناك حل خسائره أقل من الآخر؟
يغوص بتفكيره لثوانٍ ثم يجيب:
- نعم.. هناك حل سأجني منه بعض الربح.
تأخذ أبرق الشاي وتسكب له وهي تقول:
- سأختاره دون تردد.
يهز هاشم رأسه ثم يسرح بعيداً بينما تراقبه ضحى دون أن تعلق أو تسأل عن سر السؤال واكتفت بالذهاب إلى فراشها للنوم بينما استمر هو ساهراً حتى ساعات الفجر الأولى يفكر بما ينتظره.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا