(19)
خطب شاهين شيماء على أن يتم عقد القران بعد ستة شهور، وكان ذلك بناء على رغبة شاهين فهو لا يعرف شيماء جيداً واشترط على عمته مها أن تسمح له بالتحدث معها على الهاتف فهو شاب ناضج وابن خالها وأكثر من يخاف عليها ثم إنه من حقه أن يعرفها أكثر وعن قرب قبل عقد القران وقد واقت عمته على ذلك بسهولة، رغم اعتراض والده لكنه بالنهاية رضخ لرغبة شاهين.
كانت شيماء تتصل بشاهين على مدار اليوم وكانت لا تكترث بكونه يعمل أو مشغولاً وعندما يخبرها أنه مشغول كانت تغضب منه وتقول له: أنت لا تحبني! وحاول شاهين أن يفهمها أنه لا يستطيع أن يحادثها أثناء دوامه هو مشغول بعمله ولديه ارتباطات وأعمال يجب عليه أن يؤديها.. وكان شاهين كلما حادثها شعر بضحالة تفكيرها.. فكل أحاديثها تدور حول آخر صيحات الموضة والملابس وحول أخبار نجوم السينما وآخر الأفلام والمطاعم الجديدة.. كانت شيماء فتاة غير ناضجة محدودة الأفق وقد مضى على خطبتهما شهر كأنه دهر وحاول شاهين أن يجتذبها إليه وإلى الحديث الجاد لكنها لا تسمعه ولا تصغي إليه فهو عندما يتحدث في أمر يجدها تفكر في أمر آخر بعيد عما يقول تماماً، لم تكن لها آراء في الحياة وطريق وهدف واضح مثل بسمة.. آه هذه هي المشكلة فهو دائماً يقارنها ببسمة.. بسمة التي لا تريد ذكراها أن تفارقه حتى بعد خطبته، كان شاهين عندما يحادث بسمة يشعر أن الوقت يمضي سريعاً فكانت الساعات كأنها دقائق من حلاوة حديثها وسعة أفقها، لكنه عندما يحادث شيماء يشعر بالساعات كأنها أيام بل شهور لفرط سخافة حديثها وتفاهته.. كانت تافهة فارغة سألها شاهين مرة عن حكمتها بالحياة فقالت له إنها تفكر بشراء سيارة رياضية حمراء ذات بابين! يا للتفاهة... وتذكر بسمة وهي تقول له حكمتها بالحياة: إن الله لا يضيع عمل عامل ولا يخيب أمل آمل...
ما أجمل حديث بسمة كانت حقاً فتاة متميزة.. صحيح أنها غير جميلة وغير جامعية، لكنها حكيمة مثقفة طيبة أنه لا يزال يحبها.. رن جرس الهاتف، فنظر إلى ساعته.. إنها الحادية عشرة مساء كان هذا موعد حديثه مع بسمة لكنه الآن يعرف أنها شيماء، رفع السماعة بلا حماس: ألو...
شيماء: كيف حالك.. لقد كنت في السوق واشتريت ثوباً حريرياً غالياً وقالت البائعة إنني أشبه إحدى المطربات لم تتذكر اسمها و...
شاهين: شيماء أنا متعب وأريد أن أنام.
شيماء: أنا لست متعبة بل في قمة النشاط ما رأيك أن تستمع إلى نغمات جهازي النقال الجديد..
اسمع...
شاهين: أرجوك.. دعيها للغد،
شيماء: حسناً.. شاهين أريد صوتك وعليها إهداء منك حتى أريها صديقاتي،
اكتب عليها: إلى أجمل بنات الكويت إلى...
شاهين: غداً يا شيماء نتحدث وأفعل كل ما تريدين... تصبحين على خير.
شيماء: وأنت من أهله!
وألقى شاهين سماعة الهاتف بسرعة وكأنه يخشى أن تغير رأيها وتسترسل في أحاديثها التافهة...
وبقي شاهين مستيقظاً، إنه لا يشعر بالنعاس وهو يشعر بالملل، ولم يعد يطيق حديث شيماء وثرثرتها التي لا تنتهي.
نهض شاهين وجلس أمام جهاز الكمبيوتر لقد مضى وقت طويل منذ فتح جهازه، كان ذلك منذ قرأ رسالة بسمة وهي تطلب منه الغفران بعد أن كذبت عليه.. فتح الجهاز ودخل ليرى رسائل البريد الإلكتروني كان في أعماقه يرغب أن يرى رسالة جديدة من بسمة لكن لا شيء هناك.. ففكر، ثم دخل منتدى المحادثة.. إنه المنتدى الذي تعرف فيه على بسمة.. وخفق قلبه بعنف. إنها موجودة على قائمة المتحدثين. ها هو لقبها الخاص بالإنترنت أمامه كان لقبها (آهات) آه يا بسمة كم اشتقت إليك.. وتجرأ شاهين وكأن الشوق غلبه وبعث لها رسالة: مساء الخير، وبعد دقيقتين ردت بسمة عليه: مساء النور.. شاهين؟
فرد شاهين: نعم يا بسمة إنه أنا شاهين.. وبدأ حديث القلب النابض بالأمل.
(20)
نهض شاهين في اليوم التالي متأخراً لقد نام في الخامسة صباحاً، فقد قضى ساعتين يحادث بسمة على الإنترنت ثم قضى بقية الليل يفكر فيها وفي مصيره بينها وبين شيماء.. لحسن الحظ أن اليوم هو يوم إجازته.. كان هاتفه النقال مغلقاً وما إن قام بفتحه حتى رن فإذا هي شيماء، امتعض شاهين وقال: ألو.. شيماء: اسمع لقد أهديتك إهداء على الإذاعة.. اسمع، وأسمعته شيماء صوت المذيع وهو يقول اسمه، وشعر بالغثيان وقال: شكراً شيماء عن إذنك أريد أن أستحم فأنا صحوت للتو من نومي.
شيماء: شاهين ما رأيك أن تأتي إلى المركز التجاري؟ أنا سأذهب هناك.
شاهين: شيماء ما هذه الأفعال؟ لماذا ألحق بك؟ إذا أردت أن أراك سآتي إلى منزل العائلة.. أنا لا أحب حركات المراهقين الصيبيانية، أنا رجل ناضج حاولي أن تكبري قليلاً.
شيماء: هل ستأتي؟
شعر شاهين أنه مهما تحدث معها فلا فائدة من أن تفهمه وشعر أنه سينفجر فقال في جفاء: لا.. عن إذنك.. وأقفل الهاتف.
واستحم على عجل ولم يتناول إفطاره وخرج من المنزل وذهب إلى شركة أبيه، وكان والده في مكتبه يقرأ البريد عندما دخل عليه شاهين قائلاً: أبي سأفسخ خطبتي من شيماء وهذا قرار نهائي لا رجعة فيه، وشعر الأب بمصيبة كبيرة حلت على رأسه.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا