رواية الجزار 4 للكاتب حسن الجندي

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2022-03-15

الثلاثاء 14/12/2007 (الساعة 7:2 مساءً)
— "ها أكمل ماذا حدث بعد أن قال لك المدير إن لك 2% من أرباح الصفقات، ولكن أكمل كلامك وأنت تأكل يا حبيبي"
كانت الفرحة بادية على وجه (بتول) وهي تقول تلك العبارة في حين أنها في نفس اللحظة كانت تجلس (آدم) على المقعد وهو يبتسم لها مما تفعله، ثم جلست بجانبه، وأمسكت المعلقة، ووضعتها في طبق الأرز، لتطعمه إياها .. 
- "كفى يا (بتول) كفى"
قال (آدم) تلك الكلمات بصعوبة، وهو يضحك و(بتول) مصممة أن يأكل ملعقة الأرز من يديها، وفي النهاية تركها تضع الملعقة بفمه ليمضغها وهو مازال يضحك، ولكن (بتول) وضعت قطعة من اللحم في فمه بسرعة، وهي تكاد تقفز من مكانها من الفرح قائلة: 
 - "هيا هيا أكمل كلامك"
بصعوبة تكلم (آدم) والطعام مازال في فمه: 
- "قال لي بأن الإدارة ستصدر قراراً يمكنني من الخروج من الشركة قبل انتهاء ساعات العمل عن طريق تقديم طلب إذا كان الأمر يتعلق بصفقة أقوم بمتابعتها أو أعقدها، وبعد شهرين ستصرف في شهر أغسطس من كل عام."
وضعت (بتول) في فمه قطعة من اللحم مرة أخرى، وهو يضحك محاولاً الرفض وهي تصر وتقول: 
- "ألم أقل لك منذ زمن إنك عبقري يا عمري"
كانت (بتول) تمسك بملعقة الأرز وتقربها من فمه، ولكنه أمسك يدها الممسكة بالملعقة بيده بلطف، ثم نظر إلى عينيها، وانحنى برأسه، وقَبَّل يدها، في حين أنها أمسكت يده الممسكة بيدها، وانحنت وقبلت يده هي الأخرى، مرت لحظات صمت قطعها صوت (آدم) الحاني قائلاً: 
- "لم أكن سأصل لشيء لولا وقوفك بجانبي كل تلك السنوات، منذ فتحت عيني على الدنيا وأنت أمامي .. بجانبي .. أشعر بدفء حنانك وبعطر أنفاسك .. أمتع لحظات حياتي كانت يوم أن تلمس يدي يدك ونحن ذاهبان للمدرسة، وأتعس لحظاتها عندما كنا نفترق في نهاية اليوم."
فجأة تركت (بتول) الملعقة، وهي تقفز من مقعدها بخفة ظل، قائلة: 
- "انتظر هنا ولا تتحرك، فقد وجدت مفاجأة جميلة وأنا أنظف الشقة اليوم."
لم تكد تنهى عبارتها، حتى جرت ناحية غرفة النوم للحظات، ثم عادت وهي تحمل مجموعة ضخمة من الأوراق وألبومات صور كثيرة، وضعتها جميعاً امامه، بعد أن قامت بإزاحة أطباق الطعام من أمامه على المنضدة.
- "وأنا أنظف ما فوق دولاب الملابس، وجدت صندوقاً قديماً مغلقاً، وتذكرت أننا أحضرناه معنا إلى الشقة عندما انتقلنا، ونسينا أن نفتحه، فقمت بفتحه، ووجدت جميع الخطابات والكروت التي كنت ترسلها لي منذ كنا أطفالاً، وألبومات الصور التي جمعتنا."
كان (آدم) متشوقاً حقاً ليرى الألبومات، فأمسك أحد الألبومات وفتحه، فوجد في أوله صورة لمجموعة أطفال لم يتعدوا سن الرابعة وخلفهم آباؤهم يضحكون.
- "هل تتذكر أيام المرحلة الابتدائية يا ابن العم"
شرد (آدم) لثوان وهو يقول:
- "نعم أتذكر حتى قبل أن تدخل المدرسة، عندما كنا نلعب جنباً إلى جنب."
أراحت (بتول) رأسها للوراء، ونظرت باتجاه السقف وهي تقول: 
- "وأنا أيضاً أتذكر عندما كان والدي يوصيك أن لا تحرك عينيك من عليَّ ونحن نلعب صغاراً. هل تتذكر ونحن في السادسة، عندما قام (عادل)، الطفل الذي كنا نلعب معه بقذفي بحجر في وجهي؟"
ضحك (آدم) وهو يتذكر الموقف قائلاً: 
- "لحظتها لم تذهبي لوالدك، بل أتيت لي: ودخلت غرفة نومي وأنت تبكين، وتروين لي ما حدث. قمت أنا من على الفراش، ونزلت إلى الشارع بسرعة: حتى وصلت لمنزل (عادل)، ووجدته يلعب تحت المنزل، فقفزت عليه وأنا أكيل له اللكمات والركلات، وهو مذهول لا يفهم ماذا يحدث."
أكملت (بتول):
- "بالرغم من أن عمرك لم يتعد السادسة؛ ولكن بسبب ما فعلته فإن (عادل) قد شحت رأسه، وظلت الكدمات ظاهرة أسابيع، والألم لا يفارقه."
ضحك الاثنان، في حين نظرت له (بتول) وهي تقول: 
- "لن تصدقني لو قلت لك إنني اعتبرتك والدي منذ ذلك اليوم، كنت أنظر لك كأنك كائن خرافي، قد جاء من الحكايات، التي ترويها لي أمي، ليحميني."
- "وأنا كنت أنظر إليك كابنتي، التي أخاف عليها .. ثم تحول ذلك إلى شعور بالحب عند ذهابنا للمدرسة الابتدائية، وأنا أسير كل يوم بجانبك كي نصل للمدرسة، ثم نعود مرة أخرى لمنزل العائلة كي نأكل سوياً."
- "كنت أرفض أن أتناول الطعام بدونك، وكثيراً ما كنت أبكى عند غيابك مع والدك في أي مكان، وأنتظرك كي أتناول الطعام معك."
أمسك (آدم) بأحد الخطابات التي على المنضدة وهو يقول: 
- "وفي السنة الرابعة تجرأت وأعطيتك أول رسالة حب، صارحتك فيها بمشاعري، وفي اليوم التالي انتظرت ردك أثناء سيرنا إلى المدرسة، ولكنك ظللت صامتة طول الطريق، وأنت تسيرين بجانبي، حتى وصلنا إلى باب المدرسة. وتوقفت فجأة، وأحمر وجهك، ونظرتِ إلى الأرض، وقلت (أحبك)، ثم جريت فجأة إلى فصلك قبل أن ألحقك."
قالت (بتول) بعتاب: 
- "كنت في قمة الخجل وأنا أقول هذه الكلمة يا (آدم)."
- "ولكن هل تعرفين .. وجهك لحظتها كأنه وجه ملاك يبتسم في خجل."
ابتسمت (بتول) ثم قالت: 
- "هل تصدق أننا تربينا في منزل واحد، كنت لا آكل إلا في حضورك، لا أبتسم إلا لك، لا أتحدق إلا معك، كنا نعامل بعضنا كأننا أزواج منذ الصغر، وكان الجميع يعرف أننا سنتزوج في يوم من الأيام."
قال (آدم) لها بسرعة:
- "وكان الزواج منك هو أمنيتي الوحيدة في الكون."
انحنت رأس (بتول) في حزن وهي تقول: 
- "حتى بعد أن أنجبنا (نور)، واكتشفنا أنني أعاني من ضيق بالشريان التاجي، وضعف في عضلة القلب، وأنني لن أنجب ثانية، مازلت تحبني؟"
- "مازلت أعشقك أيتها الطفلة، ثم أنت تضخمين الموقف، فلقد تحسنت حالة قلبك بعد أن انتظمنا في أخذ الأدوية. لا تفتحي هذه الموضع مرة أخرى أيتها الطفلة الشقية، كي لا أعاقبك."
قال (آدم) العبارة السابقة بمرح، فقالت هي بمرح متحدية:
- "لن تقدر."
هنا ارتفع صوت يأتي من غرفة النوم لصراخ طفل صغير، فقال (آدم) بلهفة: 
- "هل استيقظت (نور)؟؟"
نهضت (بتول) لتذهب إلى غرفة النوم، ثم خرجت وهي تحمل طفلة صغيرة تبكي، و(بتول) تحاول أن تضحكها، بالرغم من بكاء الطفلة إلا أنها بمجرد أن رأت (آدم) سكتت فجأة، فأخذ (آدم) يقوم بحركات بوجهه وهو يخاطبها، فأخذت الطفلة تضحك له، وهي تشير بيديها الصغيرتين نحوه، وتصدر أصواتاً تختلط بضحكاتها، فأخذها (آدم) من (بتول)، وحملها وأخذ يلاعبها ويلاطفها وهي تضحك له.
كانت (نور) تحمل ملامح أمها، بالرغم من صغرها، فشعرها الخفيف كان بلون أصفر ذهبي، وعيناها بلون أخضر صافي، وذات وجه أبيض يمتلئ بحمرة الصحة.
جلس (آدم) وأجلس (نور) على قدمه، ثم نظر إلى (بتول) قائلاً: 
- "بإذن الله بعد أن أتسلم المكافأة، سأقوم بدفع مقدم سيارة صغيرة لنا، وعند تسليم الأرباح سنحاول أن ننتقل لشقة أخرى في مكان أفضل من هذا المكان الموحش"
اقتربت (بتول) منه وهي تضع يدها على كتفه بحنان قائلة: 
- "أفعل ما شئت يا عزيزي .. المهم أن أكون معك في أي مكان تذهب إليه"

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا