رواية إختلال 3 للكاتب سعد البدر

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2022-03-09

7-5-2015
امقاهي البحار الشعبية
أصوات أطفال يلعبون، رجل كبير في السن يجر حصاناً عليه طفل وبجانب الحصان امرأة تبدو بأنها أمه إذ تحاول أن تخفف من خوف اعتلاه، صوت شاب يتجول بين الكراسي، ويردد "كوكتيل بارد.. برتقال بارد"، يتمشى هاشم في هذا المكان يلتفت يميناً ويساراً قبل أن يصل إلى كرسي يكفي لشخصين، جلس بكل هدوء، أنتظر لدقائق قبل أن يشعر أن يداً وضعت على كتفه، كان ذلك الرجل هو "أبو توماس" الذي يعمل بالمقهى القريب، عاجله بسؤاله: 
- هل أحضر طلبك المعتاد.. قهوة تركيبة وشاياً مغربياً؟
يهز رأسه هاشم بالموافقة، يتركه أبو توماس ويذهب بعيداً، وبعد دقيقتين، يسمع صوت من خلفه
- من صفاتك الحسنة أنك تحترم مواعيدك.
نظر خلفه ..
— "الجلندي".. أين أنت يا رجل، في كل مرة أجدك قبلي، شككت أنك لن تأتي!
- لم أتأخر.. لكنني قررت أن أتجول في المكان.
يجلس هذا الشاب صاحب الشعر الأشقر والعينان العسليتان، مرتدياً قميصاً أبيض كُتب عليه عبارة إنجليزية وجينز.
-.. كل مرة أجلس في هذا المكان دون الحراك.. هذه المرة جلست هنا بين ضحكات الأطفال.. وضوضاء الناس.
نظرواً معاً للأمام، قبل أن يلتفت الجلندي لـ "هاشم" ويسأل: 
- إذاً ما تفاصيل القضية؟
التفت هاشم بارتياب وأجاب: 
- ما أدراك ... أنا لم أخبرك؟
الجلندي ضاحكاً: "لماذا تعتقد بأنني معزول عن البشرية.. نعم أنا ليت من هذا البلد.. لكنني أقرأ وأسمع وأعلم كل ما يدور هنا.. لم تعثر على الجناة حتى الآن؟. يا لخيبة الأمل!
ضحك هاشم باستهزاء وقال: 
- أنا هنا من أجل أن تخفف عليّ.. لا أن تزيد أوجاعي.. نعم أنا فاشل.. فاشل.. فاشل.. لا فائدة مني.. كان الأجدر أن استمع لنصيحة أمي، أن أعمل موظفاً في أي مكان.. بائس.. يجلس بين الملفات.. ينتظر أن يحين موعد خروجه.
قاطعه: 
- اهدأ.. ما بالك؟، ما حدث خيبة أمل لي ولك أيضاً، أنت صديقي.. لا قيمة لصديق إن لم يشعر بصديقه ويسانده ويقف معه.. ولماذا حكمت عليّ من فورك أنني معهم ضدك، اهدأ. 
عمّ الصمت، أخرج هاشم سيجارة من جيبه، أشعلها وطأطأ رأسه وقال: 
- ألا ترى يا صديقي أنني غير محظوظ.. لم أنجح في فك لغز حياتي ولا لغز أي قضية أكلف بها في العمل، لم أحصل على فتاة أحلامي ولم أحظ بحنان أب قتل غدراً.. حتى زوجتي.. كلما رايتها، شعرت بمدى سوء الحظ الذي يلازمني.. أحياناً الحياة تُعرض عنك وكأنها تثأر لمواقف سابقة بينك وبينها! 
يقترب منه الجلندي ليهمس له وكأنه يخبره سراً. 
- يا صديقي.. هي الحياة، فيها من الشفاء ومن الفرح، فيها من كل شيء.. لا توجد حياة مرة للأبد ولا توجد حياة حلوة للأبد لا تعرف.. ما الذي يحدث بعد هذه اللحظة، لا شيء يبقى على حالٍ واحد.. وقضيتك مع الحياة ومع العمل ستجد لها حلاً بإذن الله.
يرفع رأسه هاشم وينفث دخان السيجارة.. 
- الأمور تزداد سوء مع أبو سالم، يطلب مني أن أحلها في أسبوعين فقط.. جعفر وحزام ينتظران الفرصة لخطف القضية مني لتصدر عناوين الصحف.. وأعود أنا.. كما كنت في الصفوف الخلفية.. لا قيمة لي ولا معنى.
يسحب الجلندي السيجارة من فم هاشم مظهراً انزعاجه وهو يقول: 
- في البداية.. أنا لا أستطيع الحديث ودخان سيجارتك يلتهم رئتي.. يجب أن تسمعني جيداً. 
يعدل هاشم من جلسته قليلاً ينظر للجلندي الذي قام بسحق السيجارة.. 
- قل يا الجلندي.. فأنا لم أحضر إليك إلا لتساعدني.. ربما لم تتعود مني تلك الكلمة، لكنها الحقيقة.. أحتاج مساعدتك.
ينظر الجلندي بعيني هاشم، قبل أن يقترب من أذنه ليقول بهمس 
- عليك أن تقوم بدور القتيل!
ينظر إليه هاشم وبنبرة ساخرة.. 
- لا أستطيع أن أفتح قبورهم وأجلس إلى جانبهم وأكون صداقات معهم حتى أعرف من ارتكب بحقهم تلك الجريمة.
يضحك الجلندي وهو يعلق:
- لديك روح النكتة إذا.. لكن أنا اعتذر فما قصدته ليس من باب المزاح.
يكمل هاشم الحديث بنبرته الساخرة 
- أخبرنا يا "محضر الأرواح"
يهز الجلندي رأسه مبتسماً وهو يردد
- لن أغضب منك.. لأنك ستشكرني لاحقاً وتعتذر على لهجتك تلك.. الحل يا صديقي أن تذهب إلى مكان قريب من موقع الجريمة.. توقف سيارتك كأنها لا تعمل.. لتراقب تحركات الناس.. ومن يتوقف لك.. فلربما توقف القاتل.. وما أعرفه هو أن القاتل دائماً يدور حول مكان جرائمه.
يتحدث هاشم بلهجة جادة: 
- وإذا قرر أن يبتعد عن مكان جريمتك ولا يعود إليها مجدداً؟
يرد الجلندي بثقة: 
- شرف المحاولة يكفي.. أفضل من أن تجلس في مكتبك تنتظر انتهاء الأسبوعين وتكليف أحد زملائك في القضية.. لتحصى مرات خيبتك وفشلك في حل من القضايا.
يهز هاشم رأيه باقتناع.. 
- يبدو أن هذا هو خياري الوحيد.. لا أمتلك سواه.
يقف الجلندي وينظر إلى جهة مجهولة 
- يكن يجب عليك الحذر.. يجب أن تؤمن لك سلاحاً.. فلربما كانوا هم مسلحين أيضاً.. الاحتياط واجب.
يغرق هاشم في تفكير عميق، يفكر في تفاصيل ما سيحدث، ومن أين سيأتي بالسلاح؟! قبل أن يتذكر أن لدى أحد أصدقائه سلاحاً وجده بحوزته في أحد المناسبات، يرفع رأسه، ليجد بأن الجلندي يهم بالرحيل، يدخل بين جموع الناس.. يراقبه بصمت وكأنه اعتاد أن يراه يبتعد بتلك الطريقة.

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا