رواية الجزار 3 للكاتب حسن الجندي

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2022-03-09

وقف (آدم) يتأمل الخاتم الذهبي في صندوق عرض إحدى محلات الذهب وهو يبتسم، فقد كان ينوى شراء هذا الخاتم لزوجته بعد أن يقبض مرتبه في آخر هذا الشهر، أي بعد أسبوعين، وقد علم أن سعره لا يزيد عن ستمائة جنيهاً؛ ولكن الوضع سيختلف، فيمكنه أن يشتري هذا الخاتم الآن، والخمسمائة جنيهاً —الزيادة في مرتبه من الشهر القادم— ستعوضه عن النقود التي سيدفعها الآن.
ارتفعت عيناه لأعلى وهو يتخيل تلك اللحظة التي سيعطي فيها لزوجته الخاتم، وكيف سيرى السعادة على وجهها .. خفض عينيه، وزادت ابتسامته، ولم يفكر كثيراً، وفتح باب المحل ليدخل .. 
الثلاثاء 14/12/2007 (الساعة 6:36 مساءً)
- "لا وقت لدي لأضيعه يا حضرة الرائد، قل لي سريعاً ما حدث مع المتهم"
تطق اللواء (حمدي) العبارة، وتبعها بأن أراح ظهره للوراء وهو ينظر للرائد (حسن)، الذي يقف أمامه منتصباً، والذي قال بثبات: 
- "بعد أن تم اكتشاف وجود قنبلة زمنية في فندق (....) بالجيزة الساعة العاشرة والنصف مساء يوم السبت الماضي، وتم وقف عملها، راجعنا شرائط المراقبة لآخر اثنتي عشرة ساعة، وعثرنا على الشخص الذي قام بوضع القنبلة في الملهى الملحق بالفندق. تم القبض عليه يوم الأحد الساعة السادسة مساءً في أحد المقاهي التي تردد عليها، وقد اعترف أنه –عن طريق الاتصال الهاتفي- قد تلقى عرضاً بإيصال تلك القنبلة، والدخول بها من بوابة الفندق، حيث يستحيل كشفها لأنها صنعت من رقائق بلاستيكية ومواد كيميائية .. ثم قام المتهم بتثبيتها تحت أحد المقاعد، وتشغيلها ليبدأ التفاعل، حيث كان مقرراً انفجارها الساعة الثانية عشر، وكل هذا مقابل مبلغ خمسين ألف جنيها. وعن طريق هذا المتهم توصلنا للمهندس الذي قام بتركيب القنبلة، واعترف أنه لا يعلم أي شيء سوى أن هناك ثلاث قطع يجب تركيبهم، وقد دخلوا مصر عن طريق ثلاث بلدان، والمواد الكيميائية التي استخدمها أيضاً تم جلبها من الخارج، وكل هذا وجده في داخل شقة مجهزة بمدينة نصر، وتم إبلاغه أيضاً عن طريق الهاتف، مقابل وضع ثلاثمائة ألف جنيهاً في حساب شخصي باسمه.
تم الذهاب لعنوان تلك الشقة، وبعد التحريات، قادتنا الشقة لعدة أسماء وأرقام هواتف وحسابات بنوك، وكل هذا في النهاية قادنا إلى اسم شخص واحد، هو نهاية طرف الخيط .." 
- "من هو؟"
- "لا نعرف سوى اسمه الثلاثي (آدم محمد عبد الرحمن)"
* * * 
الثلاثاء 14/12/2007 (الساعة 6:38 مساءً)
وقف (آدم) أمام العمارة حديثة الإنشاء، والتي لم يتم تجهيز ولا شقة بها إلا شقته. دخل من باب العمارة، وأخذ يصعد درجات السلم بلهفة وشوق، كي يصل للطابق الرابع، التي تكمن شقته به.
وقف أمام الباب يلتقط أنفاسه، ثم وضع المفتاح في ثقب الباب بهدوء، كي يفاجئ زوجته الحبيبة بدخوله. فتح الباب ببطء كي لا يحدث صريراً، ثم دلف إلى الشقة على أطراف أصابعه، وهو يغلق الباب بلا صوت، ثم يسير ليبحث عن زوجته في الغرف.
فجأة شعر بمن يطوقه من الخلف بحنان، فانتفض لحظة من الفزع، ليسمع صوت (بتول) زوجته وهي تضحك بمرح من فعل زوجها. حاول أن يتحرر من يدها، لينظر لها، لكنها احتضنته بشدة، وأراحت رأسها على كتفيه من خلفه، فهدأت حركته وهو يقول بحب: 
- "اشتقت إلى هذه اللحظات طوال اليوم"
أغمضت (بتول) عينيها وهي مازالت تريح رأسها، وقالت برومانسية: 
- "وأنا اشتقت لك طوال اليوم يا حبيبي. لماذا تأخرت نصف ساعة كاملة عن موعدك؟ كدت أموت من اللهفة عليك."
هنا تحرر (آدم) من يدها التي تحيط بخصره بلطف، ثم اعتدل ليصبح أمامها، وقرب وجهه من وجهها ليقبلها على خديها بحنان، ثم يُقَبِل يدها، وتبع ذلك بأن أخذها في أحضانه للحظات.
- "هل تسمح أميرتي بأن تغمض عينيها الجميلتين للحظات؟"
ابتسمت (بتول) وهي تضحك له، ثم أغلقت عينيها، فنظر هو لها، ثم أخرج من جيبه العلبة التي تحتوى على الخاتم، وفتحها، وقربها من وجهها، ثم طبع خديها قُبلة أخرى، ففتحت هي عينيها، ورات الخاتم، ففرحت، واحتضنته سريعاً وهي تقبله وهو يقول: 
- "لقد منحتني الإدارة من الشهر القادم زيادة في مرتبي خمسمائة جنيهاً، غير نسبة 2% من أرباح أي صفقة أقوم بها منفرداً، فقلت في نفسي إن أحق إنسان في هذا العالم بتلك المكافأة هو أنت. واليوم، تلك الهدية تعبير بسيط عن شكري لك."
* * * 
الثلاثاء 14/12/2007 (الساعة 7 مساءً)
رشف (حسن) آخر رشفة من كوب الشاي الساخن، الذي وضع أمامه، ثم نظر للرائد (صبري) ليستمع لباقي كلامه، فأكمل (صبري) قائلاً: 
- "وبعد أن انتهينا –كما قلت لك- من تشابه الاسم الثلاثي مه طفلان، ورجل تعدى السبعين فاقد البصر، وشخص ميت من ست سنوات يحمل نفس الاسم، بقى أمامنا شخصان يحملان (آدم محمد عبد الرحمن) الأول يعمل في شركة (n.m group) لاستيراد أجهزة الحاسب الآلي وقطع غيارها، وقد تزوج منذ عامين ونصف، وأنجب طفلة صغيرة منذ عام .. السن خمسة وعشرون عاماً، يسكن في إحدى ضواحي المرج (الخصوص) في منطقة منعزلة نوعاً ما، تدرج في عمله في وقت قياسي من محاسب صغير في الشركة بعد تخرجه إلى أن قدم دراسة لإدارة الشركة عن تطوير نظام المحاسبات بطريقة تجعلها تنفق نصف التكاليف في المراجعات والتنظيم، وبعد موافقة الإدارة على المشروع وتطبيقه، نجح (آدم) في إثبات نفسه، وتمت ترقيته بسرعة غير عادية بسبب تقديمه مروعين آخرين، في العام الذي يليه، لتطوير نظام الحسابات بطريقة عبقرية، مما جعل (آدم) يصل لمنصب مدير حسابات الشركة في وقت قياسي من بداية عمله. تزوج بعد تخرجه مباشرةً من بنت عمه، التي ارتبطت معها بقصة حب منذ الصغر، ليس له سجلات في أقسام الشرطة، اشتهر بحُسن السير والسلوك".
أخرج (حسن) علبه سجائره، ثم أخرج سيجارة وأشعلها، وهو يدعو (صبري) لأن يكمل: 
- "الثاني لا نعلم عنه شيئاً إلا أنه يبلغ من العمر ثمان وعشرين عاماً، وأنه سافر الإمارات مع والده بعد وفاة والدته، منذ أن كان في السادسة، ثم عاد مرة أخرى لمصر وحيداً في العشرين من عمره، واعتمد على ميراث تركه له والده في الإنفاق على نفسه. وقد تميز في إجادة مجموعة لغات أوربية، لحبه الشديد لتعلم اللغات. وهذا حالياً ما أمكننا العثور عليه، فلا نعلم مكان إقامته الحالي، بعد أن انتقل من محل إقامته، ولكننا نحاول تتبعه."
في تلك اللحظة، سمع الاثنان صوت دقات على باب الغرفة، ثم دخل شاب متوسط الطول، ممتلئ قليلاً، وهو يقول بانفعال: 
- "هل توصلتم لهذا الذي يدعى (آدم)؟ هناك أوامر عُليا بأن يكون داخل الإدارة الليلة بأي شكل."
نظر (حسن) و(صبري) إلى بعضهما، ثم تكلم (صبري) بخيبة أمل قائلاً: 
- "عثرنا على اثنين .. الأول بعيد تماماً عن الشبهات، والثاني أعتقد أنه هو هدفنا؛ ولكننا سنحتاج إلى يوم آخر، لنكمل تحرياتنا عنه، كي نجده."
ارتفع صوت الذي دخل الغرفة وهو يقول بغضب: 
- "قلت لكم إنه يجب أن يكون هنا الليلة، ألم تفهموا؟ أقول أوامر عُليا"
كاد (صبري) أن يرد عليه بغضب مماثل، ولكن (حسن) أخرسه بإشارة من يده، وقال بهدوء: 
- "الليلة سيكون عندك المدعو (آدم محمد عبد الرحمن) .. لا تشغل بالك"
قالها بهدوء، وشبح ابتسامة يرتسم على وجهه.
 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا