البوصلة المعطوبة
صباح اليوم التالي كان أول الواصلين للمطار هو الشيخ (عادل) الذي قرر بعد انتظار بسيط إنهاء إجراءات سفره الأولية فسار حاملاً حقيبته نحو منصة الشحن وأصدر تذكرة ركوب الطائرة وخلال ذلك التفت خلفه محدثاً نفسه: "أين هؤلاء الحمقى؟"
(موظف الطيران): هل معك حقيبة أخرى؟
(عادل) معيداً نظره أمامه: لا.. فقط هذه
وضع الموظف الحقيبة على الميزان لحساب وزنها لكن وبعد ما استقرت على سطحه أخذت بالاهتزاز بطريقة غريبة وكأن هناك شيئاً حياً يتحرك بداخلها ويحاول الخروج فنظر الموظف لـ (عادل) وقال: ما الذي يوجد في الحقيبة؟
(عادل) بتوتر وعيناه على حقيبته التي توقفت عن الاهتزاز: لا شيء غير عادي.. مجرد بعض الملابس والحاجيات البسيطة
(موظف الطيران) وهو يشير بسبابته للحقيبة: افتحها لو سمحت فتح (عادل) الحقيبة بحذر فقام الموظف بإخراج محتوياتها وتفتيشها بعناية ولم يجد شيئاً مريباً أو خارجاً عن المألوف فقام بإغلاقها وإكمال إجراءات الشحن.
(عادل): هل كل شيء على ما يرام؟
(موظف الطيران) يمد له تذكرة صعود الطائرة مبتسماً: رافقتك السلامة
أخذ (عادل) التذكرة وسار بضع خطوات مبتعداً عن منصة الشحن سارحاً في بهو المطار المكتظ باحثاً بأعينه عن الباقين لكنه لم ير أحداً فبدأ الشك يساوره لكنه في النهاية قرر التوجه لنقطة التفتيش التي ستقوده لصالات الانتظار لركوب الطائرة على أمل أنهم قد سبقوه وبانتظاره هناك.
قبل أن يصل (عادل) للمدخل المؤدي لمنطقة التفتيش أحس بيد تربت على كتفه فالتفت ليرى (عمر) يبتسم له قائلاً: إلى أين أنت ذاهب؟.. هل كنت تنوي الرحيل قبلنا؟.. الطائرة لن تقلع بدون الجميع كما تعلم
(عادل) بعبوس: لم تأخرتم؟.. وأين (ماجد)؟
(عمر) يشد على حقيبة صغيرة على كتفه: قادم خلفي.. ثم إننا لم نتأخر ما زال هناك وقت لإنهاء إجراءات السفر.. أنت فقط متحمس وأتيت باكراً.. كل هذا شوق للنيل؟
(عادل): لن أتوقع من شخص مثلك أن يفهم معنى الالتزام بالمواعيد
(ماجد) يصل ويشارك بالحديث مبتسماً: هل أنتما جاهزان؟
(عمر) بتهكم: الشيخ جاهز لجعل هذه الرحلة متعبة كالعادة
(ماجد) ضاحكاً: بل سيكون فاكهة رحلتنا.. أليس كذلك يا شيخ؟
(عادل): ستكون رحلة متعبة بلا شك بما أنكما سترافقانني
(عمر): شكراً بالمناسبة لرفع حظر السفر عنا
(عادل): لم أقم بذلك لأجلكما بل لأتخلص من هذا المأزق الذي وضعتماني فيه
(ماجد): بالرغم من أن لا علاقة لنا بما أنت فيه لكن شكراً على أي حال.
(عمر) لـ (عادل): هل تعرضت لشيء غير طبيعي بالأمس؟
(عادل): ماذا تقصد؟.. كل ما تعرضت له اليومين الفائتين غريب وغير طبيعي
وجه (عمر) نظره بوجه قلق لـ (ماجد) ثم قال: لا شيء انس الأمر..
(عادل) بسخرية: أين عصفور الحب؟.. لم لم يحضرا حتى الآن؟
(عمر) ينظر لساعة معصمه: من المفترض أنهما وصلا
(ماجد): أليسا معنا على الرحلة نفسها؟
(عمر) يجول بأعينه على حشود الناس في بهو المطار من خلفه: بلى.. لقد نسقت مع (طارق) وقمنا بالحجوزات معاً
(عادل): إذا لم يحضرا فلن أسافر
(ماجد): سيأتيان لا تقلق.. ما زال هناك وقت
(عمر) يشير أمامه: ها هي (نورة) قادمة!
وصلت (نورة) حيث كان يقف الثلاثة ومعها حقيبة صغيرة حملتها على كتفها وقد كانت وحدها فقال (عمر): أين (طارق)؟.. لم لم يأت معك؟
(نورة) بشيء من الإحباط: اتصل بي صباحاً وطلب مني أن أسبقه للمطار وأخبرني بأنه سيلحق بي
(عادل) بتهكم: بداية زواج موفقة
(ماجد): هذا ليس وقتك يا (عادل)
(عادل) يسير نحو مدخل منطقة التفتيش: أنا سوف أنهي إجراءات التفتيش النهائية وأنتظر في منطقة الانتظار
بعد ابتعاد (عادل) عنهم قال (عمر) لـ (نورة): ما الأمر؟.. هل حدث شيء؟
(نورة): لا أعرف لكن صوت (طارق) لم يعجبني عندما تحدث معي اليوم
(ماجد): هل تشاجرتما؟
(نورة): لا لكن نبرة صوته أخافتني
(عمر): هل تظنين أنه تراجع عن فكرة السفر معنا؟
(نورة): لا أعرف
في ذلك الوقت ظهر (طارق) من بعيد وكان يسير نحوهم قادماً من منصات الشحن بعد ما أنهى إجراءات استخراج تذكرة ركوب الطائرة فابتهج (عمر) وقال: لقد وصل
لم تعلق (نورة) وبقيت تراقب زوجها وهو يسير بطريقة غريبة وكأنه متعب أو مريض وعند وقوفه أمامها قالت: ما الأمر؟ لم طلبت مني القدوم وحدي؟.. ولم تبدو مصاباً بالإعياء؟
(طارق) مبتسماً والإرهاق بادٍ عليه: أعتذر عما حدث لكن طرأ شيء عاجل صباح اليوم ولم أكن أعرف إذا كنت سأتمكن من اللحاق بالطائرة أم لا
(نورة) بشيء من الغضب: ومن قال لك إني أستطيع السفر بدونك؟!
(ماجد): انتهى الأمر الآن.. لنذهب وننه إجراءات التفتيش الأخيرة لدخول صالة الانتظار فالطائرة ستقلع بعد ساعة
أنهى المجموعة الإجراءات ودخلوا لمنطقة الانتظار التي قسمت إلى فئتين فئة مخصصة لركاب الدرجة الأولى والأعمال والفئة الأخرى لركاب الدرجة السياحية ورأى (عمر) أن (عادل) كان يجلس في الصالة المخصصة لركاب الدرجة الأولى فقال مبتسماً: يبدو أن الشيخ لن ينتظر معنا..
(طارق): وهو يسير نحو صالة الانتظار المخصصة للدرجة الأولى: ولا نحن كذلك.. هيا يا (نورة).. أحتاج أن أرتاح قليلاً
(نورة) لـ (عمر) و(ماجد) قبل أن تلحق بـ (طارق): نلتقي على الطائرة إذاً
(ماجد) يسير ويجلس عند أقرب مقعد: كنت أظن أننا جميعاً سنكون معاً
(عمر) يجلس بجانبه ضاحكاً: هل تظن نفسك في رحلة مدرسية؟
(ماجد): لا فرق بكل الأحوال.. أخبرني.. هل تمكنت من الحصول على عنوان الدكتور (محمود)؟
(عمر): ليس لدينا معلومات عنه سوى ما أخبرنا به الباحث وهو أنه محاضر في كلية الآثار بجامعة القاهرة لذا سنسأل عنه هناك
(ماجد): هل تظن حقاً أنه سيتمكن من مساعدتنا؟
(عمر): هو الخيار الوحيد أمامنا الآن ثم إن الوقت قد فات على مثل هذا السؤال
(ماجد) متفكراً: نحن ذاهبون إلى "مصر" إذاً.. أرض الكنوز والشواهد على عظمة ما يستطيع الإنسان القيام به وتحقيقه.. هل زرتها من قبل يا (عمر)؟
(عمر): لا.. هذه أول مرة لي أيضاً
(ماجد): الشيخ (عادل) متيم بها
(عمر): أعانها الله عليه
ضحك (ماجد) ثم أتبع ضحكاته بصمت مفاجئ تلاه تساؤل بنبرة قلقة وقال: "هل لاحظت ما لاحظته على (طارق)؟"
(عمر): تقصد شعوره بالإعياء؟.. نعم.. لعله لم ينم جيداً
(ماجد): أعتقد أن الأمر أكبر من ذلك
(عمر): وما الذي دفعك لهذا الاعتقاد؟
(ماجد) وهو يشير للأرض حيث كان (طارق) يقف: انظر..
شاهد (عمر) بعض قطرات الدم الحديثة ومن الواضح أن الأثر قد خلفه (طارق) خلفه فقال بعجب خالطه التوتر: ما هذا؟
(ماجد): دم.. الرجل مصاب.. وأخشى أن أفكر بسبب إصابته نهض (عمر) من مكانه فأمسكه (ماجد) من معصمه قائلاً: إلى أين؟
(عمر): سأسأله عن سبب إصابته
(ماجد) مجلساً صاحبه: إذا كان لا يريد القول فلا تكن متطفلاً!
(عمر) وهو يجلس عنوة: ولكن هذا قد يكون له علاقة بـ (ديموس)!
(ماجد): لا تحرجه أمام عروسه.. إذا كان الأمر يستدعي فسيخبرنا وربما نحن نبالغ في ملاحظاتنا
بدأ النداء الأول لركوب الطائرة المتوجهة لمطار القاهرة الدولي وان الوقت قد اقترب من الظهر فنهض الاثنان وأعينهما على صالة الانتظار للدرجة الأولى تراقب رفاقهم وهم يهمون بالخروج والتوجه لصعود الطائرة. لم يدر أي حديث بينهم لكن (ماجد) و(عمر) لاحظا ازدياد حالة التعب على (طارق)وقلق( نورة) المتزايد عليه وبعد أن صعدوا إلى الطائرة وتوجه الجميع لمقاعدهم المخصصة لهم حسب فئاتهم وقبل أن يقلعوا وضع (ماجد) يده على جبينه بعد ما أنزل رأسه للأمام قليلاً مغمضاً عينيه فلاحظ (عمر) ذلك وسأله: ما بك؟
(ماجد) وهو يفرك جبينه: لا أعرف صداع مفاجئ
(عمر): هل ترغب بمسكن؟
(ماجد): لا سأكون بخير
أقلعت الطائرة واستقرت فوق الغيوم لتبدأ رحلتها باتجاه القاهرة.. بعد مضي جزء من وقت الرحلة وخلال جولة المضيفات لتوزيع وجبات خفيفة على الركاب كان (عمر) يتصفح إحدى المجلات المتوفرة للتسوق في الجو و(ماجد) مسنداً رأسه للخلف مغطياً وجهه بفوطة صغيرة وغارقاً في نوم عميق. همت المضيفة بإيقاظه لإعطائه وجبته لكن (عمر) أشار لها بأن تتركه ولا تقوم بإزعاجه لأنه متعب وأخذ هو وجبته وبدأ يتناولها بصمت. بعد فترة أعلن قبطان الطائرة بدء الهبوط التدريجي وطلب من الركاب ربط أحزمتهم استعداداً للهبوط في مطار القاهرة فقام (عمر) بمحاولة ربط حزام (ماجد) دون أن يوقظه وخلال قيامه بذلك سقطت الفوطة التي كانت تغطي وجهه فكشفت عن عينيه المفتوحتين وأنفه الذي سال منه نقطة دم استقرت عند شفته العلوية وجفت. صرخ (عمر) مستنجداً بطاقم الطائرة طالباً النجدة والإسعاف لصاحبه مما تسبب في إرباك وفوضى جزئية على متن الطائرة في وقت حساس وهو خلال الهبوط. قدمت المضيفات بعض الإسعافات الأولية على عجالة وعلى قدر معرفتهن واستطاعتهن لكنهن اضطررن في النهاية للعودة لأماكنهن بعد ما أقنعن (عمر) بأن الهبوط بسلاسة وبأسرع وقت هو أفضل حل ليتمكنوا من نقل صاحبه للمستشفى في الحال.
هبطت الطائرة تمام الساعة الثانية ظهراً بتوقيت القاهرة ونزل جميع الركاب عدا (عمر) الذي بقي مع (ماجد) حتى أتى طاقم طبي ووضعه في الحال على سرير متنقل وأبلغوه باسم المستشفى الذي سيتوجهون إليه. أحداث الاضطراب وصلت لركاب الدرجة الأولى لكن (عادل) ومن معه لم يعتقدوا أن الأمر يخص رفيقهم ولم يدركوا ذلك إلا بعد ما أنهى الجميع إجراءات التفتيش والتقوا في بهو صالة الواصلين.
(نورة) بنبرة باردة: إنه (ديموس).. هو من فعل ذلك
(عادل): لا يوجد دليل على ذلك.. قد يكون تأثر من ضغط الجو أو..
(عمر) مقاطعاً بصوت مرتفع وعيناه غارقتان بالدموع: هل تخدعنا أم تخدع نفسك؟!
(طارق): سيكون بخير بإذن الله.. ألم تقل بأن فريق الإسعاف أخبرك بأنه لا يزال يتنفس؟
(عمر): بلى لكنهم قالوا أيضاً إنه قد دخل في غيبوبة عميقة
(عادل): هذا ليس رأي طبيب مختص.. لنذهب للمستشفى لنتحقق
(عمر) ماسحاً دموعه وبحزم: لا!.. سنذهب لجامعة القاهرة فوراً.. لن نضيع ثانية واحدة!
هز الجميع رؤوسهم في اتفاق على كلام (عمر) ثم قال (عادل): هيا لنخرج.. مساعدي (حسن) لا بد وأنه بانتظارنا بالسيارة لقد تواصلت معه من المطار قبل أن نقلع
خرج الجميع ووجدوا مدير أعمال الشيخ (عادل) في انتظارهم بسيارته الخاصة وبعد أن رحب بهم وركبوا معه وجهه (عادل) للذهاب للجامعة فقال (حسن) ممازحاً: بالعدة أول وجهة لنا تكون المحلات يا شيخ ما الذي استجد؟
(عادل): هذه رحلة مختلفة.. هيا تحرك بسرعة
خلال ساعة في شوارع "القاهرة" المزدحمة وصل الجميع لحرم الجامعة وبعد السؤال علموا بأن الدكتور (محمود) يلقى محاضرة الآن فقرروا انتظاره خارج مكتبه وخلال انتظارهم دار بينهم حوار: (نورة) لـ (عمر) السارح بحزن خلال جلوسه على الكرسي الوحيد بالممر: لا تقلق سيكون بخير
هز (عمر) رأسه دون أن يلتفت إليها..
(عادل): هل أنت واثق من أن هذا الدكتور سيكون ذا فائدة لنا؟
(عمر) بتبلد ووجه مكتئب: لا أعرف
(طارق): ولو لم يستطع مساعدتنا.. فما الخطوة التالية؟
(عمر) وقد بدأ بالتحدث بغضب: أنا مثلكم لا أعرف جميع الأجوبة! أنا في ظلمة مثلكم!
(نورة) تشير لـ (عادل) و(طارق) بعدم الحديث معه..
بعد نصف ساعة تقريباً من الانتظار ظهر في نهاية الرواق رجل عليه مظاهر التقدم في السن فلم تكن هناك شعرة سوداء على وجهه أو رأسه وكان يسير حاملاً حقيبة جلدية بنية اللون وتوجه مباشرة للباب الذي قيل للمجموعة إنه مدخل مكتب الدكتور (محمود) وما أن رأوه يحاول إدخال مفاتيحه في القفل حتى نهض (عمر) بسرعة وقال بتوتر: الدكتور (محمود)؟!
فأجابه الرجل بهدوء: نعم تفضل
زفر (عمر) زفرة قوية أتبعها بمجموعة من الكلمات والعبارات المتشابكة والتي لم يفهم منها الدكتور شيئاً لكنه جال بنظره على الجميع ثم قال:
"أنتم لستم من هنا؟.. أليس كذلك؟"
(طارق): لا.. لكننا قطعنا مسافة طويلة للقائك
(د. محمود): لأي غرض؟
(عادل): نريد التخلص من شيطان
تغيرت معالم وجه (د. محمود) من الجدية لنظرة تهكمية وقال: المشعوذون تجدونهم في منطقة أخرى وليس الجامعة
هم بعدها بفتح قفل مكتبة مديراً ظهره لهم فقالت (نورة) وهي ترفع ظهر كفها كاشفة الخاتم الأخضر: ألق نظرة أخرى يا دكتور..
أخذ الدكتور (محمود) نظرة خاطفة خلفه وما أن وقعت عينه على فص الخاتم الأخضر حتى فتح فمه وانتصبت قامته وأخذ بالسير ببطء نحو (نورة) وعندما استقر أمامها بسط يده وفمه لا يزال مفتوحاً فخلعت الخاتم من بنصرها ووضعته على كفه وفي الحال تفحص الخاتم بحثاً عن النحت وبمجرد رؤيته اتسعت عيناه وقال بصوت يرتجف حماساً ورهبة: "هنان"..
(عادل) متهكماً: هل ستتحدث معنا الآن أم نبحث عن مشعوذ غيرك؟
التفت الدكتور يميناً وشمالاً ثم فتح مكتبه وقال: ادخلوا بسرعة! دخل الجميع وجلس (طارق) مع (نورة) على كنبة أمام مكتب الدكتور أما (عمر) و(عادل) فجلسا على كرسيين متقابلين ملتصقين بالمكتب أما (د. محمود) فبقي واقفاً يتفحص الخاتم بذهول والجميع يراقبونه بصمت حتى قال وأعينه لم تحد عن فص الخاتم: أين وجدتموه؟.. كيف حصلتم عليه؟
(عمر): لا يهم كيف حصلنا عليه.. المهم صاحبي الذي يصارع بين الحياة والموت
(د. محمود) ملتفتاً على (عمر): هل تعرض صاحبك لهجوم من (ديموس)؟
(عمر) بتوتر وقلق شديد: نعم!.. ويجب أن تساعده!
خلع (د. محمود) نظارته ووضعها على سطح مكتبه قبل أن يجلس والخاتم لا يزال في قبضته وسرح أمامه يفكر.
(عادل): الوقت يداهمنا.. هل تستطيع مساعدتنا أم لا؟
وجه (د. محمود) نظره لـ (نورة) وقال: ما اسمك؟
(نورة):.. (نورة). وهذا زوجي (طارق) وذاك (عمر) و(عادل)
(د. محمود) بنظرة حادة: كما توقعت.. اسمك اشتقاق لـ (نوارة).. إذاً أنت المحارة
(عادل): محارة؟
(د. محمود) لـ (نورة): كيف تمكنت من الزواج؟ وكيف لا يزال زوجك على قيد الحياة؟
(نورة): ماذا تقصد؟
(د. محمود) لـ (طارق): منذ متى وأنتما متزوجان.
(طارق): لقد عقدنا القران بالأمس
(د. محمود) وهو يسحب مطفأة سجائر كانت أمامه ويخرج علبة تبغ من جيبه: آها فهمت الآن..
(عمر) بقلق: فهمت ماذا؟.. أرجوك تحدث معنا بوضوح
(د. محمود) مشعلاً سيجارة بعود ثقاب: الحديث سيطول
(عمر): خذ كل الوقت الذي تريد لكن تحدث
(طارق) واضعاً يده على بطنه بوجه متوجع: هل يمكننا أن نرتاح من السفر على الأقل؟
(د. محمود) نافخاً سحابة من الدخان: ارفع ثوبك
(طارق): بتعجب: ماذا؟
(د. محمود): أرفع ثوبك وأرني الرمز
وجه الجميع أنظارهم نحو (طارق) الذي بدت عليه علامات التحرج فقالت له (نورة): ما الأمر يا (طارق)؟
(طارق) ينهض بتحرج كاشفاً عن بطنه مظهراً حفراً حديثاً على صدره بشكل نجمة خماسية: لم أكن أريد إخبارك كي لا تقلقي على فزع الجميع من المنظر عدا الدكتور (محمود) الذي قال بهدوء وهو ينفخ سحابة أخرى من الدخان: لقد وسمه (ديموس).. زوجك سيموت قريباً يا مدام (نورة)
(نورة) بصوت مرتفع: ماذا؟!
(د. محمود) وهو يطفئ السيجارة: سوف ألغي جميع محاضراتي لنهاية اليوم.. وسنبقى هنا إلى وقت متأخر.. هل لديكم أي ارتباطات؟
(عمر): أخبرتك سابقاً أننا قطعنا كل هذه المسافة لطلب العون منك
(د. محمود) وهو ينهض ويهم بالخروج بعد أن أعاد الخاتم لـ (نورة):
سأنهي أمراً على عجالة وأعود في الحال.. لن يستغرق الأمر أكثر من عشر دقائق بعدها سأعود لنبدأ
خرج الدكتور من مكتبه تاركاً المجموعة يتحدثون فيما بينهم..
(عادل) لـ (عمر): ماذا كان يقصد بـ "نبدأ"؟
(عمر): نبدأ بالحديث على ما أظن
(نورة) لـ (طارق) بقلق: إذا كنت لا تستطيع البقاء معنا يمكنك الرحيل وأخذ قسط من الراحة وأنا سأبقى مع البقية
(عادل): يمكنك الإقامة في إحدى الشقق بالعمارة التي أملكها و(حسن) يمكنه أن يقلك إلى هناك ويعود لنا
(طارق): لا لا.. أنا بخير
(عمر): لا تحاول أن تضغط على نفسك.. سوف نخبرك بكل شيء عندما نعود
(طارق) مشوحاً بيده بوجه مبتسم ومتعب: لا، أنا بخير
عاد الدكتور (محمود) حاملاً معه مجموعة من الكتب ووضعها على سطح مكتبه ثم جلس وفتح أحدها بعد ما لبس نظارته وبدأ يقرأ والباقون يراقبونه بصمت بعدها أغلق الكتاب ووجه كلامه للمجموعة قائلاً: "تفضلوا .. أحكوا لي الحكاية من أولها"
بدأ (عمر) بسرد الأحداث التي حدثت له مع (ماجد) منذ أول يوم التقيا فيه بـ (نورة) وتناوب الباقون على الحديث من وقت لآخر مشاركين بقصصهم والأمور التي وقعت معهم وكان (د. محمود)
منصتاً لهم باهتمام دون أن يقاطعهم إلا في مواضع بسيطة. استمر ذلك قرابة الساعتين انتهت فيهما القصة عند وصولهم لباب مكتبه فقال الدكتور: الباحث الذي نصحكما بزيارتي هو الدكتور (غالب) وهو صديق قديم التقيت بيه في أحد المؤتمرات العلمية.. رحمه الله
(عمر): الرجل لا يزال على قيد الحياة
(د. محمود): الدكتور (غالب) مات بمجرد خروجكما من منزله أو بالأصح قتل
(عمر) يفزع: ماذا؟.. من قتله؟.. وكيف علمت بذلك؟
(د. محمود): (ديموس) يتخلص من كل من يحاول التحدث مع من يطاردهم عن أسطورته وذكر حقيقته لهم.. أنتم لا تدركون المشكلة التي وقعتم فيها وفي الوقت نفسه كم أنتم محظوظون نوعاً ما
(عادل): محظوظون؟.. ألم تسمع ما قلناه لك؟.. نحن مطاردون من شيطان يريد قتلنا
(د. محمود): لو كان يريد قتلكم لفعل.. الطائرة التي هبطت بكم في مطار القاهرة كانت ستنام في قاع البحر الأحمر بكل سهولة لو أن (ديموس) قرر ذلك.
(نورة): انتابني إحساس بأنه يتلاعب بنا
(عمر): هذا الإحساس راودنا جميعاً لكن لم نستطع تحديد السبب.. كنا في متناول يده أكثر من مرة لكنه لم يقتلنا حتى الآن
(د. محمود): الإجابة تكمن في علاقتكم بـ (نورة)
(عادل): لا يوجد بيننا وبينها علاقة من أي نوع عدا هذا الشخص الذي تحمس وتزوجها
(د. محمود): لا أقصد علاقة مباشرة (ديموس) لا يتردد بقتل أحد يحتك بمعشوقته إلا في حالة واحدة فقط
(طارق): وهي؟
(د. محمود): عندما يرى في بقائه فائدة
(عمر): كل ما قمنا به حتى الآن هو محاولة إنقاذها منه وليس العكس
(د. محمود) رافعاً سبابته: هذا ما تظنه أنت
(عادل): وضح أكثر
(د. محمود): لقد قدمتم خدمة كبيرة لـ (ديموس) بإحضار (نورة) لـ "مصر" بموافقة وطيب خاطر منها وهذا الأمر لم يكن يستطيع القيام به وحده ولا بد وأنه سمع تخطيطكم لذلك وانتظر حتى تحط أقدامكم هنا وبما أن ذلك قد حدث فلقد انتهت فائدتكم وسيبدأ من الآن تصفيتكم واحداً بعد الآخر
(نورة): ولم يريد أن يحضرني إلى "مصر"؟
(د. محمود): هذا الشيطان يريد إنهاء مهمته في المكان الذي تم استدعاؤه فيه.. سوف يقتلكم جميعاً في أقرب فرصة ستسنح له ويستحوذ على (نورة) بالكامل حتى يذبل جسدها وتموت هي الأخرى وبذلك تغلق الدائرة نحن في ملعبه الآن وستكون مواجهته أصعب
(نورة): كلامك بدأ يخيفني..
(عمر): عن أي دائرة تتحدث؟
(د. محمود): الدائرة التي يدور فيها ذلك الشيطان المعلق لآلاف السنين..
(طارق): وما الحل؟
(د. محمود): الحل هو أن يحبس مرة أخرى في الخاتم كما حدث في الماضي ولن يستطيع أحد القيام بذلك سواكم أنتم.. مجتمعين وليس فرادي
(عادل): ولم نحن بالذات؟
(د. محمود) مديراً نظره لـ (عادل): لأنكم تمثلون "الدوائر الخمس"
(طارق): الدوائر الخمس؟
(د. محمود): نعم.. الخمسة الذين تخلصوا منه أول مرة بعد ما استدعاه كاهن الفرعون
(عادل): كنت أظن أن (الساحر السندي) هو من تخلص منه؟
(د. محمود): لا.. (الساحر السندي) أراد السيطرة عليه فقط ليحتفظ به لنفسه لذلك صنع "تميمة الجعران" التي حبس من خلالها شيطان الهرم في الخاتم لكن وبعد ما تعنت الفرعون معه وأمر بقتله تخلي عن الفكرة وحرر (ديموس) من الخاتم وسمح له بقتل الفرعون وكهنته وعاد لبلاده
(عادل): كنت دائماً أتساءل.. لم استعان الفرعون بساحر من خارج مصر وهم الأشهر في هذا المجال ذلك الوقت وموسى عليه السلام كانت معجزاته تتحداهم في أكثر ما أتقنوه وهو السحر؟
(د. محمود):.. السحر كان حصرياً بين فئات محددة ومختارة من الكهنة وكان علماً محرماً على عامة الناس لذا وبعد ما عجز كل السحرة المشهورين في مصر آنذاك عن التعامل مع شيطان الهرم اقترح أحدهم الاستعانة بـ (الساحر السندي) والذي نهل من الكهنة الأوائل في مصر القديمة وبرع في هذا العلم وتفوق على الكثير منهم فيه بالرغم من أنه كان غريباً عن البلاد.
(عمر): وكيف انتشر السحر بين عامة الناس؟
(د. محمود): انتشر بعد غزوات الفرس عام 525 قبل الميلاد
(طارق): هل حقاً تؤمن بأن السحر موجود وأنه يمكن تصنيفه كعلم؟
(د. محمود): أعتقد أننا تجاوزنا هذا السؤال أستاذ (طارق) والوسم على صدرك يجيب عن هذا السؤال
(عمر): والجعران؟.. ماذا حل به؟
(د. محمود): التاريخ يشير إلى أن التميمة لم ترحل عن أرض "مصر" مع الساحر السندي عندما صنعها وهذا أمر أنه أعطاها لأحد الكهنة الموالين له لأنه كان ساحراً مبجلاً عند الكثير هنا وقتها.. وما يؤكد هذه النظرية هو أن من تخلصوا من (ديموس) بعدها بعدة سنوات وحبسوه في الخاتم مرة أخرى كانوا مصريين وقد حدث ذلك جنوب حوض النيل عند حدود النوبة
(طارق): بما أنهم تخلصوا منه بحبسه في الخاتم فكيف ظهر مرة أخرى؟
(عمر): أذكر أن الدكتور (غالب) أخبرني أنا و(ماجد) عن فجوة تاريخية بين فترة ظهور (ديموس) أول مرة قبل عدة قرون في عهد الفرعون وأول ظهور موثق له بعدها في بعدها في عهد الدولة الرومانية.
(د. محمود): بالضبط.. هي تقريباً بين سنة ألف قبل الميلاد إلى سنة مائة قبل الميلاد وخلال هذه الفجوة الزمنية وقعت حادثة (ساقي النيل) التي حبس فيها (ديموس) بواسطة "الدوائر الخمس" الذين ذكرتهم آنفاً
(عادل): هل أنا الوحيد الذي تشتت ذهنه؟
(د. محمود): شيطان الهرم تم حبسه بعد موت الفرعون بعدة سنوات عن طريق مجموعة سميت بـ "الدوائر الخمس" وبقى محبوساً في الخاتم لقرون طويلة ليتحرر بعدها في الفترة ما بين خمسائة وثلاثمائة قبل الميلاد تقريباً حسب تقدير المؤرخين وهي الفترة التي انتقل فيها الخاتم للجزيرة العربية وتداوله السحرة هناك
(نورة): وفي الفترة نفسها وقع بيد تلك الساحرة التي نحت اسمها على الخاتم..
(د. محمود): نعم.. (هنان).. وبقى هذا أحد أكبر الألغاز التي لم نستطع حلها.. لم هي بالذات نحت اسمها على الخاتم؟.. ما نحن متيقنون منه إلى حد كبير أن (ديموس) هو من نحت الاسم.. لكن لماذا؟.. لا أحد يعرف يقيناً
(عمر): الدكتور (غالب) قال إن البعض يعتقد أنه نحت اسمها لأنه أحبها سراً لكنه لا يتفق مع تلك النظرية
(د. محمود): نعم.. أعتقد أن الساحرة العربية قدمت له شيئاً لم يقدمه له أحد من قبل.. قدمته طواعية دون أن تضطر لذلك وبدون ضغط من أحد وهذا كان محل تقدير عند شيطان الهرم
(نورة): ماذا قدمت له؟
(د. محمود): حريته.. (ديموس) أمضى سنوات عمره التي تجاوزت الآن ثلاثة آلاف سنة إما أسيراً أو مطارداً.. تلك العربية هي أول من حرره من الجعران وقدمته له مع الخاتم دون مقاومة بالرغم من أنها كانت تستطيع ألا تقوم بذلك وتستمر في أسره وتسخيره لمصلحتها.. تضحيتها بإرادتها وجدت تقديراً عند شيطان الهرم
(نورة): لم تقول "تضحية"؟
(د. محمود): الساحرة ماتت مقتولة في أرض المعركة وكان يمكنها الاستعانة بـ (ديموس) لمساعدتها وإجباره على ذلك لكنها لم تفعل لأنه لم يكن راغباً بذلك.
(طارق): من أين أتيت بهذه المعلومات؟.. هذه تفاصيل دقيقة
(د. محمود): لا يهم من أين أتيت بها.. المهم الآن أن تتخلصوا من شيطان الهرم قبل أن يكسر الدائرة
(عادل): أعتقد حان الوقت أن تخبرنا عمن أسميتهم بـ "الدوائر الخمس" كي نفهم أكثر
(د. محمود): حسناً.. (ديموس) شيطان يتأثر بالمصادفات وعقله المختل لا يستطيع التمييز بين الحقيقة والوهم أحياناً لأنه عاش وعاصر أزمنة كثيرة وطويلة لذا تجده يتعلق بأي فتاة تلبس الخاتم ويكون بها صفات مشابهة للفتاة الأولى التي وعد بحمايتها وفشل وهي الخادمة (نوارة) والربط نفسه حدث بينكم وبين مجموعة "الدوائر الخمس" الذين تمكنوا من حبسه في الخاتم بواسطة الجعران
(عمر): إذاً فنحن بالنسبة له كابوس قديم عاد ليطارده..
(د. محمود) مشعلاً سيجارة: كابوس قد ينقلب عليكم لو لم تتحركوا بسرعة.. لقد سقط واحد منكم بالفعل وساعتكم الرملية أوشكت على النفاد.. أنصتوا للحكاية التي سأرويها لكم جيداً لأنكم أبطالها في زمن ولي..
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا