15)
نظرت سمر إلى نفسها في المرآة وشعرت بالفرح.. كانت تبدو فاتنة رائعة وقد ارتدت ثوباً أبيضاً رائعاً مرصعاً بالكريستال اللامع وكانت تسريحة شعرها رائعة وقد انتثرت ورود بيضاء بين طيات شعرها المصفف وكان مكياجها رائعاً وقد وضعته لها أشهر خبيرة تجميل في البلد.. وارتدت شبكة ضخمة رائعة تخطف الأبصار.. وكانت جالسة في جناح الفندق الفخم الذي يقام به عرسها، كان شرط سمر أن يقام لها فرح كبير في فندق وقد وافق عمها على شرطها وها هي الآن تستعد للنزول لملاقاة المعازيم، وكانت أختاها تصعدان إليها من حين إلى حين وتخبراها عن أحداث الحفل قبل نزولها وانبهار المعازيم بالكوشة الفاخرة التي اختارتها سمر بنفسها... وقد حضر العرس جميع زميلات سمر وصديقاتها وكان عدد المعازيم كبيراً جداً وجميعهم مبهورين بما حولهم... وأخيراً نزلت العروس وشهق الحضور لفرط جمالها.. وفخامة ثوبها إنه نوع جديد من الجمال... جمال أشبه بجمال عارضات الأزياء.. القامة الفارعة، الشعر الجميل، العينان المشروطتان وقد تألق بينهما أنفها الدقيق.. كانت جميلة على نحو غريب مختلف متميز عن الجمال المعتاد حولها، وخطت بخطوات ثابتة.. كان قلب سمر مليئاً بالتحدي والاعتزاز، فها هي تتزوج ابن عمها أخو هاني الذي رفضها وفضل هديل عليها، أخوه الذي لا يقل عنه في شيء وها هي تقيم فرحاً ضخماً أجمل من فرح هديل المتحفظ المقام في منزل العائلة وها هي تخطو بكامل قوتها وتدوس على جرحها لتبدأ من جديد لقد قررت سمر أن تهزم هاني وهديل وأن تكون حياتها أفضل من حياتهما في كل شيء... لن تسمح لهما بالتغلب عليها أبداً ولن تسمح لهديل الغادرة أن تكون أفضل منها، ستعيش معها في نفس البيت وستجعل حياتها جحيماً وسوف تسقيها المر ومن نفس الكأس التي تجرعتها سمر بسببها... جلست سمر على الكوشة وبدت كأنها إحدى ملكات الجمال المتوجات..
وبدأ البنات بالرقص أمامها وفجأة لمحت هديل الجالسة في مكان منزو وقد ارتدت ثوباً أحمر يكشف عن ذراعيها وتركت شعرها الأحمر منسدلاً على كتفيها، رفعت سمر رأسها بكبرياء ووضعت عينيها بعيني هديل وباحتقار أشاحت بوجهها عنها كأنها لا تستحق أن تنظر إليها أما هديل فقد بدت مهزوزة كانت تتحرك كثيراً في جلستها كأنها لا تطيق البقاء بمكان واحد، وجاءت دلال إليها لتشدها لترقص حاولت الاعتذار لكنها لم تجد عذراً لعدم الرقص في عرس سمر فقامت متثاقلة وهي تشعر أن ساقيها لا تقويان على حملها وبدأت ترقص بخطوات غير متناغمة مع الموسيقى وبالكاد أنهت الرقصة وكادت تعود مكانها عندما بدأ الجميع بالتقاط الصور بجوار سمر واضطرت للصعود إلى الكوشة للتصوير.. فقد نادتها أمها أمام الجميع، والتقت عيناها بسمر من جديد ورأت في عينيها التحدي ورأت نظرة جديدة عليها.. رأت الكراهية والبغض في عينيها فارتعشت ركبتاها ووقفت بعيداً عنها بجوار والدتها العمة مريم وبعد أن التقطت الصورة نزلت مسرعة واتجهت إلى حمام السيدات ودخلت مسرعة وهي بالكاد تخفي دموعها تحت جفنيها..
صعدت سمر مع عادل إلى جناحهما في الفندق بعد انتهاء العرس.. كانت زفة العريس رائعة أحياها أشهر مطرب في الكويت.. وقد بهر عادل بجمال عروسه وعندما اقترب هاني من سمر وقد بدا انبهاره بها واضحاً وقال مبروك نظرت إليه بتعال وسخرية وازدراء.. ولم تكلف نفسها الرد عليه بل التفتت إلى عادل وابتسمت في وجهه بعذوبة.. وها هي الآن أصبحت زوجته وتضمهما غرفة واحدة...
قال لها عادل: تبدرين رائعة كم أنا سعيد بك كم أنا محظوظ يا سمر.
نظرت إليه سمر وابتسمت ولم ترد بشيء،
قال لها عادل: أعدك يا سمر أن أسعدك وأن أفعل كل ما يرضيك.
سمر: عادل هل تحبني كثيراً؟
عادل: أنت نبض قلبي وروحي التي بين جنباتي...
ومضى الليل ليشرق بعده الصباح ليركبا الطائرة إلى فرنسا ليقضيا شهر العسل.
(16)
كان شاهين يعيش أتعس أيامه كان محطماً محبطاً وقد أتعبته محاولة نسيان بسمة.. كان كل ما حوله يذكره بها وكأن النسيان يأبى أن يرحمه، وكأن بسمة سكنت قلبه وترفض الخروج منه، ومع مرور الوقت كان شاهين قد سامحها على كذبتها وعذرها لكنه كان لا يتخيل نفسه زوجاً لها.. زوجاً لامرأة لا تمت للجمال بصلة لم يستطع أبداً أن يتقبل شكلها وقد كان يتمنى أن يراها ثانية عسى أن يرى ما يعجبه فيها.. كان بوده أن يجلس أمامها بالساعات ليدقق في وجهها عله يتقبله إن تعود عليه... لكن كيف يفعل ذلك هل يتصل بها ويقول لها أرسلي لي صورتك الحقيقية أم يطلب لقاءها ويقول لها أريد أن أراك حتى أبحث عن شيء جميل فيك، ماذا يفعل.. كان يتعذب.. وقد لاحظ أصدقاؤه أنه يعاني من شيء ما لكنه لم يرد البوح بمشكلته لأحد.. وكانت رغد تحاول التخفيف عنه لكنه كان يعرف أن القرار له وحده كما قالت له رغد سابقاً وكان حقاً لا يعرف كيف يتخذ هذا القرار.. وخرج هذا الصباح إلى العمل متأخراً بعد أن ذهب مع العائلة في الصباح الباكر لتوصيل سمر وعادل إلى المطار لقضاء شهر العسل.. كم بدت سمر رائعة البارحة وأخذ يتخيل بسمة ويقارن بينها وبين أخواته، يا للفرق إنه يحس بالضيق كلما تذكر شكلها.. وصل شاهين مكتبه وجلس يفكر في بسمة لقد أهمل عمله كثيراً في الفترة الأخيرة.. فقرر أن يعوض الأيام الماضية بالاهتمام بالعمل وتعويض تقصيره بواجبه فبدأ يعمل بجد طوال اليوم وعندما خرج من العمل كالمعتاد... ركب سيارته وفي الطريق شاهد سيارة متوقفة على جانب الشارع وفتاة جالسة بالداخل وبجوارها ولد صغير.. نزل شاهين لمساعدتها فإذا بها شيماء ابنة عمته مها.. فرحت شيماء بقائه فعرف أن سيارتها تعطلت وهما خارجان من السوق هي وأخيها فعرض عليها توصيلهما إلى منزلهم على أن يعود السائق لتصليح السيارة فيما بعد... فوافقت وهي فرحة بل تكاد تطير من الفرح، جلست شيماء بجواره وأخيها في المقعد الخلفي واتصلت بأمها لتبلغها بما حدث.. اختلس شاهين النظر إليها باهتمام كأنه يراها لأول مرة كانت طويلة القامة بيضاء البشرة ووجها مليح جميل، عيناها بنيتان داكنتان وأسنانها مرتبة رائعة تبرز بروزاً خفيفاً محبباً زادها جاذبية وحسناً وفكر شاهين.. لماذا لا يخطب شيماء؟ إنها ابنة عمته وهو يعرفها ويعرف تربيتها ثم إنها جميلة تليق به ووالده سيفرح بها كثيراً، وهي تناسبه بالعمر وعلى وشك دخول الجامعة كأخته رغد.. صحيح أن رغد لا تحبها لكن الغيرة طبيعية بين الفتيات.. سألها شاهين: أين تنوين الدراسة يا شيماء؟
ردت عليه: كلية العلوم الإدارية، وبدأت شيماء تتحدث طوال الطريق.. كان حديثهما تافهاً حول كلية العلوم الإدارية وأنها مسرح لآخر صيحات الموضة وأنها تلح على والديها للسفر إلى باريس للتجهيز للجامعة حتى تكون الأكثر أناقة بين بنات الجامعة وكلاماً كثيراً لم يسمع شاهين أغلبه، وبعد أن أوصلها وأخيها الصغير، عاد إلى المنزل ودخل مكتب أبيه الذي كان جالساً يقرأ كتاباً فقال له: أبي أريد أن أتزوج، أريد أن أخطب شيماء! وبدأ شاهين رحلته بهذا القرار... رحلة النسيان
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا