الراعي والعصا..
وقصة اكتشاف المغناطيس!!
حجز المغناطيس هو خام الحديد المغناطيسي، ومكون أولي في الصخور النارية. وقد لعبت الصدفة دوراً كبيراً في اكتشاف المغناطيس في العصور القديمة، وتقديم هذا المعدن العبقري الذي سيعتمد عليه العلماء فيما بعد ليقدموا للبشرية اختراعات عبقرية في شتى الميادين.
فمنذ حوالي 2500 سنة اكتشف أحد الرعاة الإغريق في منطقة تسمى "مغنيسيا" بآسيا الصغرى والمسماة الآن بـ "تركيا" أن عصاه الحديدية انجذبت نحو حجر أسود اللون كما أنه يجذب القطع الصغيرة من الحديد.. وأطلق على قوة الجذب لفظ "المغناطيسية" وعلى الحجر الذي له هذه الخاصية اسم "مغناطيس".
وقد كان لعلماء المسلمين دور في اكتشاف خصائص المغناطيس: وقد اهتم به العلماء المسلمين ويبنوا كثيراً من خواصه وأهمها جذبه لقطعة من الحديد إذا قربت منه، وخصص البيروني في كتابه: "الجماهير في معرفة الجواهر" فصلاً عن المغناطيس، وأشار إلى الصفة المشتركة بين المغناطيس، والكهرباء وهي جذبهما للأشياء، وأشار البيروني إلى أن أكثر خامات المغناطيس موجودة في بلاد الأناضول وكانت تصنع منها المسامير التي تستخدم في صناعة السفن في تلك البلاد.
وبين العلماء المسلمون أن حجر المغناطيس يجذب برادة الحديد حتى لو كان هناك فاصل بينمهما، بل إنه يجذب إبرة الحديد إليه، وهذه الإبرة تجذب بدورها إبرة أخرى إذا قربت منها وهكذا حتى لترى إبر الحديد مرتبطة مع بعضها بقوة غير محسوسة. وبجانب القوة الجاذبة للمغناطيس فإن له قوة طاردة أيضاً، فإذا وضع مغناطيس فوق ربوة يسكنها النمل، هجرها النمل على الفور.
وقد ذكر العلماء المسلمون ومنهم القزويني وشيخ حطين بعض عوامل فقدان المغناطيس لقوته الجاذبة ويكون ذلك إذا دلك بقطعة من الثوم أو البصل، وعندما ينظف المغناطيس من رائحة الثوم أو البصل، ويغمر في دم ماعز وهو دافئ عادت إليه خاصيته.
وبين العلماء المسلمون أن السكين أو السيف يكتسبان صفة المغناطيس إذا حكا في حجر المغناطيس. ويحتفظ كل من السيف والسكين بخواصه المغناطيسية لحجر المغناطيس في الفراغ ومنهم الرازي الذي كتب رسالة بعنوان: علة جذب حجر المغناطيس للحديد، وبين التيفاشي أن سبب انجذاب الحديد للمغناطيس هو اتحادهما في الجوهر، (أي أن لهما تركيباً كيميائياً واحداً بلغة هذا العصر).
وتحدث العرب عن القوة الجاذبة وأوضحوا أن هناك علاقة بين بعض المعادن وبعضها الآخر فمثلاً ذكر شيخ حطين في نخبة الدهر أن الذهب هو مغناطيس الزئبق. ولم يكن غريباً أن ينسج الإنسان في العصور القديمة بعض الأساطير حول حجر المغناطيس.
واستخدم المغناطيس في الطب القديم لإزالة البلغم ومنع التشنج، وأشار الأطباء المسلمون إلى أنه إذا أمسك المريض حجر المغناطيس زالت التقلصات العضلية من أطرافه، وكانوا يستخدمون حجر المغناطيس في تخليص الجسم من قطع الحديد التي تدخل فيه بطريق الخطأ وذلك بإمرار المغناطيس فوق جسم المصاب، وذكروا أن حجر المغناطيس يسكن أوجاع المفاصل والنقرس إذا وضع فوق مواضع الألم.
ومن الأساطير القديمة المتعلقة بالمغناطيس أسطورة التمثال الحديدي المعلق في الفراغ في داخل قبة مصنوعة من حجر المغناطيس في "دير الصنم" بالهند، وسبب تعلق هذا التمثال في الفضاء هو انجذابه لقبة المغناطيس وقد عرف سر ذلك حينما زار السلطان محمود بين سبكتين ذلك المعبد واقتلع أحد مرافقي السلطان حجراً من القبة المغناطيسية فاختل توازن التمثال المعلق وهوى إلى أرض القبة.
ويعود تاريخ استخدام المغناطيس في المجالات المختلفة إلى أزمان سحيقة ضاربة في القدم، حيث تم استخدامه من قبل الحضارات الصينية، والهندية، والفرعونية. وقد كان المغناطيس في تلك الفترات يستخدم في علاج آلام المفاصل والعظام، واندمال الجروح، وزيادة طاقة الجسم (بوضع المغناطيس على الجسم في مناطق الآلام والجروح ولبسه مثل الحلي), ومغنطة مياه الشرب (بوضع المغناطيس داخل الماء، أو بالقرب منه لفترة زمنية محددة).
وقد أطلق حكماء الصين القدماء على المغناطيس اسم "حجر الجاذبية". وكان الفراعنة يعتقدون بأن الجسم البشري يعتمد أساساً في تنظيم عملياته الداخلية على أسس مغناطيسية بحتة.
وحتى منتصف القرن العشرين لم تكن هنالك أسس علمية واضحة المعالم بحيث يتم تدريسها لتفسير قدرة المغناطيس على علاج الكثير من الأمراض.
ولكن ما هي أشكال الظواهر المغناطيسية في حياتنا؟ وكيف يمكن الاقتناع بأن المغناطيس يلعب دوراً مهماً في حياتنا، وهل يمكن أن يساعد في علاج الأمراض المختلفة؟
- يلعب المجال المغنطيسي دور الدرع الذي يقوم بحماية كوكب الأرض من الأشعة الكونية المدمرة كالأشعة السنينة وأشعة غاما وغيرها.
- ظاهرة المد والجزر وارتباطه بدورات الشمس والقمر. والملاحظ أن بعض النباتات مثل الكاكتس (نوع من أنواع أشجار الصبار) تتجه دائماً نحو الجنوب.
- أن هيموغلوبين وميوغلوبين الجسم يسلكان سلوكاً مغناطيسياً، ويكون الإنسان في أحسن حالاته عندما يصل قياس الطاقة المغناطيسية للهيموجلوبين 5,5 وحدة، وبالعكس يكون في أشد حالات الإعياء عندما يفقد طاقته المغناطيسية.
- يعتمد الدماغ في تنفيذ أوامره على إرسال إشارات كهرومغناطيسية إلى غدد وأعضاء الجسم المختلفة للتحكم في إفراز المواد الحيوية التي يحتاج إليها الجسم كالبروتينات والهرمونات والمواد البيولوجية الأخرى.
- يدخل في تكوين الجسم البسري ما لا يقل عن 64 عنصراً كيميائياً تتأثر معظمها إن لم يكن جميعها بالمجالات المغناطيسية الخارجية بما فيها الحديد طبعاً (6-8 ملغرام تدخل في تكوين الجسم وبشكل أساسي في هيموغلوبين الدم).
- اكتشف مؤخراً أن الغدة النخامية بها مواد من الكرستال الممغنط، والتي فيما يبدو أنها تلعب دوراً محورياً في نشاط هذه الغدة التي تتحكم في إفراز ما لا يقل عن 40 هرموناً. ومن ناحية أخرى نعتقد بأن هذه المواد من الكرستال الممغنط تلعب دوراً مهماً في تنظيم ما يسمى "بالساعة البيولوجية" (التحكم الزمني في عمليات: النوم، الصحو، بالمزاج.. الخ).
- يرى علماء المغناطيسية بأن كل خلية من خلايا أجسامنا هي عبارة عن دينمو (مولد) من المغناطيسيات الصغيرة على اعتبار أن نشاط الخلية يعتمد على حركة دخول وخروج الأيونات الموجبة والسالبة منها وإليها.
- يعتبر جهاز MRI (جهاز التشخيص بالرنين المغناطيسي) أحد أهم وأدق الأجهزة المستخدمة في مجالات التشخيص الطبية، ويعتمد نظام عمله على أسس مغناطيسية بحتة، بالإضافة إلى عمل الكثير من الأجهزة الحديثة الأخرى.
ويعتبر الطبيب النمساوي الشهير فرانتس مسمر أول طبيب أوربي حاول العلاج بالمغناطيس على أسس علمية وكان ذلك في منتصف القرن الثامن عشر. وكان مسمر يقوم بمغنطة كل شيء كالماء والدواء، والخبز. وقد كان أسلوبه فريداً إلى درجة أنه لا يزال يستخدم حتى وقتنا الحالي.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا