9-1-2015..
الطريق الصحراوي..
في ظهيرة أحد أيام يناير "البائسة"، كان العامل الآسيوي عبد القادر الهارب من كفيله يجلس بالقرب من الشارع في المنطقة الصحراوية، ينتظر أن يتوقف أحد ليخبره أنه بحاجة لنصب خيمة أو أن يكون في ضيافةٍ لوليمة عشاءٍ، طال انتظاره بينما ضرب البرد به يميناً وشمالاً، حتى جاءه نداء الطبيعة، التفت في كل مكان بحثاً عن دورة مياه قريبة، مشى مسافة في عمق الصحراء؛ ليجد نفسه واقفاً أمام بقايا منزلٍ لم تكتمل عملية هدمه؛ فاقترب منه محاولاً الدخول، حاول أن يفتح الباب الموصد بإحكام، تكررت محاولاته وفشلت قبل أن يندفع بقوة في المرة الثالثة ليجد نفسه وقد دخل الغرفة وتعثر بشيء صلب؛ فسقط من فوره.
الظلام منعه من رؤية ما تعثر به، تمالك نفسه ووقف وابتعد عن فتحةٍ كان يتسرب منها ضوء الشمس إلى تلك الغرفة، فسقطت أشعتها على رأي مقطوعةٍ لتكشف ملامحها أمام عينيه، سقط في مكانه مرتعباً وارتجفت قدماه، عينا ذلك الرأس المقطوع تنظر إليه! حاول الصراخ لكن أحباله الصوتية خانته فانتفض وراح يحرك رأسه يميناً وشمالاً تمالك قواه وركل برجله ذلك الرأس بعيداً عنه، ثم شرع بالزحف استعداد للخروج من هذا المكان لكنه شعر بشيء يلامس رجله فجأةً فنظر خلفه مستعطفاً، فوجد جسداً ممداً بلا رأس وفوقه كومةٌ من الذباب وكأنه يمارس طقوسه فوقه!! وهنا دوّت منه صرخةٌ عاليةٌ "لا أريد أن أموت.. لا أريد أن أموت ..".
ثم بدأ يشعر برائحة المكان المتعفن، أحس بالاختناق، راودته أفكاراً سوداوية بأن سفاحاً سيدخل من هذا الباب أمامه ليجهز عليه ويتركه بجانب تلك الجثة، حدث نفسه
- لن أجعل نهايتي هنا.. سأهرب، سأهرب.
تمالك قواه ووقف ثم أطلق ساقيه للريح وخرج من المكان يركض دون هدى، ينظر خلفه كلما ابتعد أكثر، يتعثر، ويقف ليكمل، ذهب إلى الشارع أوقف السيارات التي كادت على وشك أن تدهسه وهو يردد بصوتٍ غلبه الهلع والتشتت
- رأس.. جثة.. هناك.. هناك..
بعد ساعتين مما حدث، كان المكان محاطاً بالدوريات ورجال الإسعاف والأمن الجنائي بينما كان يقف على بُعد أمتار منهم شخصٌ بيده سيجارةٌ يدخنها بيد وباليد الأخرى يسدد حصاةً صغيرةً على الأرض قبل أن يقترب منه رجل آخر ليحدثه دون أن ينظر إليه:
- سيدي.. هناك أربع جثثٍ وليس جثة واحدة فقط.
التفت إليه والصدمة تعلو وجهه وقال:
- يا الله.. ماذا تقول؟ أربع جثث دفعة واحدة.. العامل الآسيوي أخبرنا أنها جثةٌ مقطوعة الرأس.. جثة فقط!
- لا، لقد وجدنا جثتين في الفناء الخلفي وجثة مدفونةً في الغرفة ذاتها!
المحقق هاشم ذلك الشاب الثلاثيني صاحب البشرة السمراء ذو أنفٍ كبيرٍ وعينين جاحظتين كأنهما اعتادا السهر، يرتدي دشداشة دون غترة يرفع كمّيه حتى كوعه وينتعل حذاءً رياضياً، يضع خلف أذنه سيجارةً وكأنه يحاول أن ينساها؛ فهي الأخيرة التي بقيت له بعد أن قضى على علبتين خلال ساعة أو بالتحديد بعد إبلاغه بأنه المسؤول عن تلك القضية "المثيرة للجدل".
- قضيتي الأهم.. القضية التي ستجعلني فوق الجميع.
يخاطب هاشم نفسه وهو ينظر للأرض.
يقاطع حديثه الشرطي عبد السلام، صاحب القامة الطويلة والجسد الهزيل يعلو وجهه شاربٌ كثيفٌ يكاد أن يغطي فمه، ليأتي بخبر جديد
- سيدي.. وجوه تلك الجثث تشوهت تماماً.. حتى أجسادهم.. تم التمثيل بها بشكل مقزز للغاية!
أطلق هاشم مجموعةً من السباب.. لم يعرف عبد السلام إلى مَن كان يوجهها بالتحديد ومع ذلك تركه دون رد؛ فهاشم معتاد على الصراح، اتجه نحو مكان الجريمة ليرى بنفسه أربع حمالات تنقل الجثث، اقترب من هاشم الشرطي الآخر جاسمٌ قصير القامة ذو شامة كبيرة تتوسط خده الأيمن.
- سيدي.. الجثث الأربع لأشخاص تم الإبلاغ عن اختفاء ثلاث منهم بين شهري نوفمبر وديسمبر.
- من هم؟
أخرج الأوراق من حقيبة صغيرة كان يحملها بيده وقرأ:
- عذبي عوّاد العمر 37 عاماً، موظف، متزوج، تم الإبلاغ عن اختفائه مساء يوم 27 نوفمبر وعثر على مركبته في الدوار الرابع بالمنطقة الصحراوية.
- علي سمير، العمر 32 عاماً، مندوب مبيعات، غير متزوج، تم الإبلاغ عن اختفائه يوم 4 ديسمبر، وعثر على مركبته في الدائري السادس القريب من الطريق الصحراوي وبالتحديد بالقرب من جامعة النور.
قاطعه هاشم..
- أيضاً سيارة معطلة
نظر إليه جاسم قبل أن يعود للنظر في أوراقه ويتابع:
- فيصل ناصر، العمر 28 عاماً، عاطل، غير متزوج، لم يتم الإبلاغ عن احتفائه.
نظر هاشم لورقة فيصل وسأل:
- هل أبلغتم أسرته؟
- نعم، لكنهم لم يهتموا بما قلته لهم وكأن الميت لا يعنيهم!
- يبدو أن العلاقة بينهم "ما صنع الحداد".
أكمل الشرطي:
يوسف محمود، العمر 30 عاماً، أعمال حرة، متزوج، تم الإبلاغ عن فقدانه يوم 31 ديسمبر، وجدت مركبته في الدائري السادس أيضاً يوم 30 ديسمبر، وقال شهود بعد ذلك أنهم رأوا برفقة سيارة أجرة!
يهز هاشم رأسه بالموافقة..
- سيارة أجرة، إذا يبدو بأن من هنا سنبدأ فك اللغز!
حدّق بوجهه جاسم مستغرباً..
- كيف؟
نظر هاشم للشرطي مبتسماً، قبل أن يُخرج هاتفه ويتصل:
- مرحباً، سيدي أتمنى وضع نقاط أمنية في مداخل المنطقة الصحراوية ومخارجها وتفتيش أي سيارة أجرة في هذا المكان، يبدو أننا أمسكنا خيطاً في تلك القضية.
نظر هاشم للشرطي مجدداً، أومأ برأسه وكأنه يقول "لقد فهمت قصدك
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا