13)
دخلت سمر إلى المنزل وقد عادت من العمل.. ياه كم تغيرت سمر.. بدت شاحبة الوجه وازدادت سمرتها دكونا وخلا وجهها من المساحيق وقد شدت شعرها إلى الخلف بإهمال وبدت في عينيها نظرة حزينة معذبة وازداد نحول جسمها كأنها أصيبت بالهزال...
مضى شهران على زواج هديل وهاني وقد عادا من شهر العسل واستقرا في منزل عمها عبد العزيز الذي كان مصمماً على وجود شقتين لأولاده فسكن هاني وهديل هناك وقد أقامت عمتها مريم استقبالاً لهديل وأصرت سمر على عدم الحضور واستغرب الجميع موقفها وكانت تصرخ في وجه كل من يسألها عن هديل.. وأصبحت سمر عصبية حتى مع طالباتها الصغيرات في المدرسة أصبحت لا تطيقهن وتتهمهن بالغباء وتضيق بأسئلتهن وأصبحت ترمي الورود التي يهدونها إياها في سلة المهملات وتحمد الله أن اليوم كان آخر يوم في المدرسة فقد بدأت العطلة الصيفية أخيراً، حتى زميلاتها اللاتي كن ينتظرنها للتحدث معها عن آخر صيحات الموضة والأزياء أصبحت تتجنبهن وابتعدت عن الجميع حتى أهلها لم تعد تجلس معهم أو تأكل معهم بل أصبحت تضيق بالجميع وتحس أنها تكاد تختنق في نومها وكثيراً ما بكت في سريرها قهراً وكمداً وأكثر ما كان يضايقها أن هناك شعوراً كان يراودها رغماً عنها ويعذبها وهو أنها افتقدت هديل في حياتها.. نعم كانت هذه الحقيقة تزعجها.. فقد تعودت على وجود هديل بجوارها تحادثها وتخرج معها وتحكي لها وتستمع إليها وكثيراً ما كان يرن صوت هديل المحبب في أذنها.. ربما لو كان هاني قد تزوج فتاة أخرى غير هديل لكان وقع الصدمة أخف على سمر ولكانت بالتأكيد تخطتها، لكن الصدمة التي حطمت سمر بحق وأثرت فيها إلى هذا الحد كانت صدمة أن هديل غدرت بها وتركتها تعاني هذا الجرح وحدها هذا الجرح الذي هزها من الأعماق ويكاد يقضي عليها... كانت الأم جالسة في البهو وقد تهللت أساريرها بدخول سمر وما إن شاهدتها حتى قالت: لدي خبر سعيد يا سمر، ردت سمر وكأن الدنيا لم يعد فيها ما يسعدها: خير؟
قالت الأم: تقدم لك عريس رائع اليوم، احزري من؟
سمر: من؟
الأم: عادل ابن عمك عبد العزيز، برقت عينا سمر وظهر الاهتمام على وجهها والمفاجأة على محياها: من؟
كررت الأم: عادل ابن عمك أخو هاني وبزواجك منه تكونين قرب هديل.. أنا أعلم مدى تأثرك بزواجها.. لقد اتصلت نبيلة وطلبت يدك هذا الصباح وقد أخبرت والدك وكاد يطير من الفرح.. ما رأيك يا ابنتي؟
صمتت سمر ثم ظهر الحزم والتحدي في عينيها الذابلتين وقالت بصوت قوي: نعم قولي لأبي إنني موافقة، سأتزوج من عادل، وصعدت مسرعة إلى غرفتها وتذكرت حديثها مع هديل أن أم هاني سألت عنها إذن كانت تسأل لأجل عادل... هل استعجلت بالموافقة؟
إنها لا تعرف لكنها تشعر بوميض من الأمل ينبض في صدرها، الأمل أن تسترد كرامتها من جديد...
(14)
أحدث خبر خطبة سمر وعادل ضجة كبيرة في العائلة... وفرح الجميع لها وكان أكثرهم سعادة وفرحة عمتها مريم.. الجميع كان مستبشراً سعيداً بخبر الخطبة إلا هديل.. كانت هديل منذ ليلة عقد قرانها لم تر سمر وكانت طوال أيام شهر العسل تتذكر منظر سمر وهي تبكي وتنظر إليها وهي في الكوشة نظرات تساؤل وعتاب.. لم تغب صورة سمر عن ذهنها أبداً وقد نغصت عليها فرحتها بهاني وكان هاني رفيقاً طيباً لطيفاً وطوال الأيام الماضية لم يذكر اسم سمر أمامها.. كانت هديل تتساءل إن كان هاني يعرف أن سمر تحبه أم لا.. وهل لاحظ أنها وسمر تخاصمتا بعد زواجهما وانقطعت علاقتهما إن كليهما يتجاهل وجود سمر وكأنهما يخافان أن يذكرا اسمها.. ولكن هذا اليوم مختلف فبعد أسبوع من اليوم سيكون يوم زواج سمر وعادل وبعد شهر سيعودان ليعيشان معهما بنفس البيت... كانت هديل متوترة..
دخل هاني عليها وابتسم في وجهها كان قد عاد للتو من منزل عمه فقد كان اليوم هو الخطبة الرسمية لعادل وسمر.
وقال: ما رأيك أن نخرج للعشاء؟
هديل: لم تتعش في منزل خالي عبد الله؟
هاني: لا... قلت لنفسي آخذك ونخرج نتعشى معاً ما رأيك؟
وفعلاً ارتدت هديل ثوباً رمادياً أنيقاً وخرجت مع هاني للعشاء وبعد أن جلسا وطلبا الطعام تحدثت هديل فجأة وسألت هاني وكأن السؤال قد انطلق رغماً عنها: هاني هل تعرف أن سمر كانت تحبك؟
وجم هاني وصمت قليلاً ثم أطرق برأسه وقال: نعم، كنت أعرف... نظراتها كانت تفضحها.
هديل: ولماذا لم تتقدم لخطبتها وخطبتني أنا؟
هاني: لأن عادل كان يحبها..
هديل: ماذا تعني؟ هتفت هديل بخوف...
هاني: اسمعي يا هديل... كنت أعلم أن سمر تحبني وتنتظرني وكنت أحس بهذا الحب منذ كنا صغاراً وكنت أميل إليها كثيراً.. لكن عادل أخي صارحني بعد عودتنا من الدراسة أنه يحب سمر ويهواها.. أشفقت عليه فهو أخي الوحيد ويستحق كل خير وقد أعماه حبها عن ملاحظة شغفها بي وقد أخبر عادل والدي عن رغبته بالزواج من سمر ولأمنع سمر من رفض عادل لأجلي قررت الزواج ولأنني الأخل الأكبر رأى والدي أن أتزوج أولاً ثم يتقدم عادل لخطبة سمر، وخيرني والدي بينك وبين دلال ورغد وشيماء وأنا اخترتك أنت، فأنت تناسبني أكثر وبصراحة يا هديل يا أحسب حساب أنك وسمر صديقتان وعندما كنا على الكوشة يوم زفافنا، أدركت أن زواجنا حطم سمر...
هديل: لاحظتها؟
هاني: لم تغب صورتها عني طوال شهر العسل. ثم أردف هاني بسؤال اختزنه في صدره مدة طويلة:
لماذا وافقت على الزواج بي؟ أنا لم أدرك أنها أحبتني لهذه الدرجة ظننته إعجاباً أو حباً سطحياً ولم أتوقع أن تتأثر لهذا الحد..
لماذا حطمتها وأنت تعرفين ما بداخلها؟ كيف خذلتها وأنتِ أقرب الناس إليها؟
في هذه اللحظة أدركت هديل أن هاني يلومها على ما فعلته بسمر.. وأخبرت هاني عن دوافعها للزواج به.. أخبرته كل شيء خطر في بالها.. اليوم فقط عرفا بعضهما على حقيقتهما.. وسقطت الأقنعة.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا