الكرسي للروائي عبدالوهاب السيد الرفاعي

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2022-01-15

الكرسي

مقدمة

بعض القضايا معقدة جداً.. تكون خلالها على ثقة بوجود شبهة جنائية.. وتكون متأكداً من الجاني بسبب خبرتك وبصيرتك في هذا المجال.. أو بسبب ثقتك الشديدة بالمصدر الذي نقل لك القصة.. لكنك - وفي نفس الوقت - لا تملك أي دليل يقبل به القانون للتحرك واتخاذ الإجراءات اللازمة.. وهنا تكمن مأساة العمل في السلك الأمني.. فالقضاء يعتمد دوماً على الأدلة لإصدار أحكامه.. ولن يفيد أي شيء آخر.

ولعل قصتنا القادمة واحدة من القصص التي ينطبق عليها هذا الوصف.. فرغم أنني سمعت تفاصيلها على لسان أحد أصدقاء الجاني - وهو صديق لي أيضاً بالمناسبة وأثق به كثيراً - إلا أنني لم أملك ما أستطيع فعله تجاه كلام مرسل لا يؤيده أي دليل. 

ربما سيظن البعض أنه من غير الأخلاقي أن يشي أحدهم بصديقه.. لكن الصديق المشترك هذا كان يعلم أن كلامه لن يغير شيئاً، طالما ينقصه الدليل وينقصه اعتراف الجاني الرسمي.. وهذا ما جعلني أصرف النظر تماماً عن الأمر.. وأكتفي بسرد القصة لكم، على أن تكون – افتراضياً - بلسان الجاني؛ لأمنحها متعة درامية قد لا تتوفر لو سردتها على لساني. 

أجلس في صالة شقتي التي استأجرتها منذ بضع سنوات خصيصاً لممارسة هوايتي في صنع الأجهزة الإلكترونية.. في حين تجلس زوجتي بالقرب مني وهي تعبث بهاتفها.. ثم تتوقف عن ذلك فجأة.. لتتأفف وتسألني:

- إنك ترفض الإجابة على سؤالي، رغم أنني كررته كثيراً.. وها أنا أكرره للمرة العاشرة ربما.. لماذا طلبت مني المجيء معك إلى شقتك هذه؟!.. إنها متهالكة.. بل إن العمارة بأكملها متهالكة.. أنا لا أحب هذا المكان.. أريد الخروج من هنا والعودة إلى البيت.

نظرت إليها مبتسماً دون رد.. لتكمل بحنق:

- لقد أخبرتك مراراً أنك تستطيع ممارسة هوايتك هذه في البيت.. بإمكاننا تجهيز غرفة لك كي تفعل فيها ما تشاء مع أجهزتك الإلكترونية.. إلا أنني في النهاية احترمت رغبتك بتأجير هذه الشقة.. كونك تريد الخروج تماماً من أجواء البيت أثناء عملك على حد قولك.. لكن لا أجد حتى الآن سبباً لإصرارك على أن آتي معك اليوم إلى هنا.

ظللت صامتاً وأنا أنظر إلى الساعة في هاتفي.. لتستطرد هي في حدة: 

- إلى متى ستظل صامتاً هكذا وترفض الإجابة؟!.. هل أردت أن تأتي بي إلى شقتك لتثبت لي أنها تقع في عمارة سكنية محترمة وأنك لم تستأجرها من أجل العبث مثلاً؟!.. لست بحاجة إلى ذلك.. فأنا أثق بك.. هل نستطيع الخروج الآن؟!. 

قلت بحزم لم تعتده مني:

- انتظري قليلاً يا عزيزتي.. وستعرفين السبب.. وتأكدي أنني لن أتي بك إلى هنا من دون سبب وجيه.. فأنت تدركين جيداً كم أقدس الوقت، خاصة وأن...

لم أكمل عبارتي.. إذ سمعت صوت جرس الباب.. مما جعلني أتحفز وأنهض لأفتح الباب مع نظرات زوجتي المتسائلة عن هوية الزائر.. لأجد أمامي الضيف الذي انتظرته والذي تأخر عن موعده.. ثم:

- لا أصدق أنك تلح علي بهذه الطريقة الغريبة لأزورك في شقتك.. لم أعهدك تتصرف هكذا.. إنك شديد الهدوء والرزانة عادة.. كما أنك لا تعلم حجم الأشغال التي أخذتني منها.. إنني رجل أعمال.. أعمل طوال الوقت.. ولا توجد لدي إجازات.. أو حتى.. سكت بحرج حين رأى زوجتي.. لأتجاهل كل كلامه.. وأقول لزوجتي بابتسامة: 

- قريبي (أحمد).. ابن عمي كي أكون أكثر دقة. 

لم أكن بحاجة لتقديم (أحمد) إلى زوجتي.. فهي تعرفه جيداً بفعل صلة قرابتنا.. وبفعل لقائها به بين الحين والآخر في تجمعاتنا العائلية.. المهم أنه ألقى عليها تحية مرتبكة وقد خفت حدة كلامه. ثم قال بخجل وهو يطرق برأسه أرضاً:

- المعذرة.. لقد كنت غاضباً لمجيئي إلى هنا.. خاصة وأنني أرجأت أعمالاً كثيرة بسبب ذلك.

تمتمت زوجتي بكلمات الترحيب، ثم راحت تنظر إلي بقلق.. ربما بدأت تفهم سبب وجودها هنا.. لكني لم أقل شيئاً رغم ذلك.. بل طلبت منهما أن يتبعاني إلى الغرفة الوحيدة في شقتي الصغيرة هذه، والتي أضع فيها أجهزتي الإلكترونية كلها.. ليتبعاني إلى الغرفة بهدوء.. لكن ملامحهما حوت عشرات التساؤلات القلقة.. وما أن دخلنا.. حتى أقفلت الباب خلفهما ووضعت المفتاح في جيبي الذي أخرجت منه مسدساً.. ثم صوبته نحوهما بملامح باردة جامدة تدربت عليها كثيراً.. مما جعل زوجتي تصيح بذعر: 

- ماذا؟!.. هل جننت؟!.. من أين جئت بهذا المسدس؟! لم أرد عليها.. فأردف (أحمد) بحدة:

- إن كانت هذه مزحة.. فهي مزحة سخيفة جداً. 

طلبت منهما أن يخرسا.. وإلا سأطلق النار بلا تردد.. وأقسمت لهما أنني قادر على ذلك.. ليستكين كل منهما وينكمش واقفاً في مكانه.. ليقول (أحمد) بذعر:

- ماذا تريد؟!.. إذا كنت بحاجة إلى المال فلا داعي لكل ما تفعله.. إنني لن أتأخر عن مساعدتك لو طلبت مني ذلك.

أشرت له بالمسدس أن يجلس على كرسي خشبي ثقيل جداً وضعته في منتصف الغرفة.. ليلوح بكفيه مهدئاً ويسير مستسلماً تجاه الكرسي.. ويجلس مقابلاً لي.. ثم طلبت منه أن يضع يديه على ذراعي الكرسي كي أراهما جيداً.. فامتثل لأمري محاولاً احتواء غضبي

- عندها فقط.. التف بسرعة ناحية صندوق صغير صنعته بنفسي يحتوي على أزرار تشغيل.. لأضغط على إحداها. ويخرج مباشرة من ذراعي الكرسي شريطان جلديان قويان أحاطا بمعصمي (أحمد) .. مع شريطين آخرين خرجا من ساقي الكرسي الأماميين وقيدا كاحليه.. ليصبح عاجزاً تماماً عن الحركة، وهو ينظر إلى ذراعيه وقدميه، وآثار المفاجأة واضحة على ملامحه وملامح زوجتي التي ظلت واقفة تحدق فيما يحدث بذهول.

و.. حين شعرت أنني سيطرت على كل شيء.. قلت لـــــــ (أحمد) بثقة:

- أسمعني جيداً.. أنا أعرف أنك تخونني مع زوجتي.

لم يجد الوقت ليرد.. إذ صاحت زوجتي فجأة:

- هل جننت؟!.. كيف تجرؤ وتتهمني بالخيانة؟!.

التفت إليها لأقول بصرامة:

- كل الدلائل تقول أنك على علاقة به.. إنك تتحدثين عنه دوماً بإعجاب شديد.. وتصفينه بالرجل المثالي.. وتتمنين أن أصبح مثله يوماً من الأيام، بدلاً من وقتي الذي أقضيه في هذه الشقة من دون هدف على حد قولك.

قالت بلوعة:

- أنت مخطئ.. لقد كنت أمتدحه أمامك لتحفيزك على الاقتداء به ليس أكثر.. أنظر إلى حالتنا المادية.. وأنظر إلى حياة (أحمد).. وستعرف الفارق. 

قلت مبتسماً ببرود:

لست مخطئاً.. لقد رأيت مراراً نظراتكما لبعضكما أثناء التجمعات العائلية.. وانشغال كل منكما بهاتفه في نفس الوقت.. كنتما تراسلان بعضكما عبر وسائل التواصلي الاجتماعي بكل وقاحة.. فأرى ابتسامة منك.. وابتسامة منه ظنا منكما أن لا أحد ينتبه.. لكنني كنت أراقب كل تحركاتكما.. بل إنني تتبعتك ذات يوم حين أخبرتني أنك ستخرجين لزيارة إحدى صديقاتك.. لقد كنت بكامل تأنقك مما أثار الشكوك في داخلي.. ولم تكن شكوى خاطئة.. إذ اكتشفت بعد ذلك أنك كنت على موعد مع (أحمد).. حيث ركنت سيارتك في مواقف سيارات المستشفى (الأميري).. وركبت معه.

 كان تأثير كلامي قوياً عليهما.. فالجميع يرونني دوماً شخصاً ساذجاً لا يملك أي مهارات اجتماعية.. أو (نبرد) كما يقول الأمريكان.. لكنهما فوجئا أنني لست بهذه السذاجة.. ليقول (أحمد) بتوسل:

- أنت مخطئ.. صدقني.. لا توجد أي علاقة بيني وبين زوجتك.. والموقف الذي ذكرته حدث بالفعل.. لكن لأنها أرادت أن تشكوك إلي فحسب.. لقد أرادتك أن تتغير.. وأن تكون واقعياً، وتحاول أن تؤسس مشروعاً يضمن مستقبلك.. فراتبك لا يكفي لسد التزامات الحياة، وأنت تعلم ذلك جيداً.. خاصة وأن الله قد يرزقكما بأطفال.. حينها ستندم على ضياع وقتك في هوايتك هذه التي تصرف كل أموالك من أجلها دون فائدة. 

قلت ساخراً: 

- تركب معك السيارة لتتحدثا عني؟!.

رد (أحمد) بانفعال:

- نعم. نعم.. وقد كنا عموماً في الشارع وسط آلاف السيارات.. لم نكن نرغب بالجلوس في مقهى مثلاً، كيلا يرانا أحد من معارفنا. 

قلت بحزم لأنهي هذا الإنكار:

- أنا أعرف بأمر علاقتكما.. فلا داعي للإنكار.. لقد قمت باختراق هاتف زوجتي ومراقبته.. وتمكنت من قراءة الرسائل الصادرة منه والواردة إليه كلها.. أمر كهذا ليس عسيراً على شخص مثلي. وقد قرأت رسائل الغرام النصية التي تتبادلانها.

كانت هذه المفاجأة التي خبأتها لهما.. نعم.. فكما علمتم من سياق الأحداث.. لم تتوقف زوجتي يوماً عن ذكر (أحمد)، ووصفه كنموذج للرجل المثالي الذي يمارس الرياضة حفاظاً على بنيته الجسمانية.. ويمتلك طموحاً كبيراً يجعله لا يضيع يوماً واحداً من حياته دون فائدة.. وعن مشروعه التجاري الذي لاقى نجاحاً سريعاً.. ليفتتح مشروعاً آخر وآخر ويقفز خلال سنوات قليلة إلى مصاف الأثرياء.. وفي كل مرة يحقق فيها النجاح.. كانت زوجتي تزداد انبهاراً به، وتندب حظها لزواجها مني.. كوني لا أفعل شيئاً سوى البقاء في شقتنا طوال الوقت لممارسة هوايتي وعشقي في صناعة الأجهزة الإلكترونية. وهذا ما جعلني أستأجر هذه الشقة، حتى أمارس فيها هوايتي بعيداً عن تذمرها المستمر. والواقع أنني لم أكن أضيع وقتي أبداً كما تقول هي عني.. لأنني أدرك جيداً نبوغي.. وهناك اختراعات كثيرة مذهلة يمتلئ بها ذهني قد ترى النور قريباً.. فأمور كهذه تحتاج إلى الصبر والمثابرة.. والنبوغ.. وأنا أملك كل هذا.

ويجب أن أعترف هنا أنني لم أمنح زوجتي يوماً الاهتمام الذي تتمناه.. ربما بسبب طبيعتها المنطلقة التي تجعلها تحب السفر والخروج والاستمتاع بوقتها.. على عكسي أنا الذي أقدس العلم وأعشقه وأعشق وحدتي وعزلتي.

للأسف، فإن زواج الأقارب لا يراعي تلك الأمور التي يكتشفها المرء فيما بعد.. نعم. فزوجتي هي أبنة خالي أيضاً في واقع الأمر.. ونحن لم نكن لنتزوج لولا إصرار والدتي سامحها الله.. وإصرار خالي على أبنته كذلك.. لكن إهمالي لها ليس عذراً لخيانتها بالطبع.. إذ كان عليها أن تطلب الطلاق.. حينها كنت سأحترم رغبتها كثيراً.. أما أن تخونني.. فهذا ما لا أقبله أبداً.

- أرجوك أن تعقل وتتوقف عن هذا الجنون. 

قالتها زوجتي بلوعة وتوسل وهي تقطع سيل أفكاري.. لأرد بعصبية:

- الجنون هو ما فعلته أنت مع هذا الوغد.. وستدفعان ثمنه.. فقد قمت للتو بتشغيل زر التفعيل.. وبعد نصف الساعة تقريباً.. ستنفجر قنبلة محدودة صغيرة وضعتها أسفل الكرسي.. لكنها ستمزق (أحمد) إرباً.. أنظرا إلى العد التنازلي على شاشة الصندوق.. تبقت الآن 28 دقيقة.. كما تلاحظان أيضاً أن هذه الغرفة مبطنة. ولن يسمع أحد صراخ (أحمد) أبداً، أو حتى صوت الانفجار الذي سيودي بحياته.. أما أنت.. فالخيار الوحيد المتاح لديك أن تتركيه هنا وتخرجي معي. هذا انتقامي من عشيقك الذي لم يحترم صلة القرابة.. أما انتقامي منك.. فسيكون بوجودك معي وأخذ أوامري وتنفيذها بلا نقاش طوال العمر.. وإلا سأنهي زواجنا بفضيحة.. لا تنسي أن جميع الرسائل الهاتفية بينكما موجودة في هاتفي.. أي أن مصيرك بأكمله في يدي الآن.. وحتى لو فكرت يوماً بالتخلص مني.. فستصل تلك الرسائل إلى جميع أفراد العائلة.. تستطيعين أن تقولي أنني قمت بترتيب شيء كهذا حماية لنفسي.. لأنني لم أعد أثق بك. 

رد أحمد بتوسل:

- أرجوك.. أرجوك.. إنك تحكم علي بالموت.. ألا تخشى أن يكشف أحدهم أمرك؟!. 

قلت ببساطة:

- لا أخشى ذلك لأنني خططت للأمر جيداً. سأقول أنك أتيت إلى هنا - أثناء غيابي- في زيارة مفاجئة.. كونك قريبي وقد اعتدت مني أن أترك باب الشقة مفتوحاً.. وأنك عبثت بحاجياتي أثناء انتظارك لمجيئي.. مما تسبب بخلل في توصيلات الكهرباء لينفجر بك الكرسي.. خاصة وأن القيود الجلدية هذه مصنوعة من مادة تذوب أثناء الانفجار ولن يعرف بوجودها أحد.. بل ولن يعرف أحد أنك جلست على قنبلة أصلاً.. فقد صنعتها بطريقة احترافية تجعل الكرسي ينفجر وكأن مساً كهربائياً أصابه.. مما سيتسبب بحريق سيلتهم كل شيء في هذه الغرفة.. ولو اختارت زوجتي البقاء والاحتراق معك حتى الموت.. فسيسعدني هذا كثيراً.. ما يقلقني فقط حسرة عائلتنا التي ستصاحب موتك.. وربما يلومني بعضهم على هوايتي التي تسببت بتلك الكارثة.. لكن عدا ذلك.. إنها جريمة كاملة.. أو فلنقل انتقاماً كاملاً.. نعم أنا لست ثرياً مثلك يا (أحمد).. لكنني أذكى منك بكثير.

لم يتمكنا من الرد.. إذ بدا كلامي محكماً بعد أن خططت لكل شيء بدهاء.. سأتمكن من الانتقام من قريبي.. وستكون زوجتي تحت إمرتي، ومصيرها بأكمله في يدي لو اختارت الحياة وتخلت عن (أحمد).. وهو ما أرجحه.. فهي لن تحبه إلى درجة أن تضحي بحياتها من أجله.. لست شريراً.. لكني أكره الخيانة.. خاصة وأنني لم أفكر يوماً بخيانة زوجتي.. لقد كنت دوماً أصونها وأحترم كيانها. 

قال (أحمد) فجأة، وكأنه عثر على طوق النجاة:

- أسمعني جيداً.. إنني على استعداد أن أمنحك نصف مليون دينار. إنه مبلغ ضخم يؤمن لك حياة كريمة، ويجعلك تترك عملك وتتفرغ لهوايتك هذه.. ماذا تقول؟!.

رفعت حاجبي انبهاراً.. وقلت:

- هل.. هل ستوصي بجلب المبلغ إلى هنا الآن؟!.. كيف ستفعل ذلك؟!. 

رد بأمل:

- سأتصل بأحد رجالي، وآمره بسحب المبلغ صباح الغد وجلبه إليك.. تستطيع إبقائي هنا إلى ذلك الحين.. عندها تستطيع أن تتركني أرحل.. ويمكنك أن تطلق زوجتك فيما بعد.. أعلم أن الطلاق سيسبب مشاكل عائلية بسبب صلة القرابة.. لكنكما ستتجاوزانها مع مرور الوقت.. وبعد الطلاق بسنة أو أكثر.. سأتقدم للزواج منها.. لن يشك أحد بشيء.

بدا على وجهي عدم الاقتناع.. فقال بانفعال:

سأقدم لك مليون دينار.. ماذا تقول ؟!.. سنخرج جميعاً من هنا ولن يعرف أحد ما جرى.. ولن تراني بعد اليوم.. أعدك.. سأغيب حتى عن تجمعاتنا العائلية.. إنني أشتري حياتي.. أرجوك.. فكر جيداً بما تفعله. 

قلت بجمود: 

. مليون دينار؟!.. هل أنت صادق؟! 

شعر ببريق من الأمل، ليهتف:

- نعم.. نعم.. أقسم لك.. أترك زوجتك ترحل الآن.. فهي لن تجرؤ على الإبلاغ عما تفعله لأنها تخشى الفضيحة.. أما أنا فسأبقى معك لحين توفير المبلغ في الغد.. أستطيع تزويدك الآن ما يوجد في خزينة الشركة.. حوالي 50 ألف دينار.. سأطلب من أحد رجالي أن يأتي بالمبلغ عربوناً لصدق نواياي. سكت مفكراً للحظات وأنا أنظر إلى عداد القنبلة.. لقد تبقت حوالي 17 دقيقة قبل الانفجار.. يجب أن أعترف هنا أنني لم أفكر أبداً في ابتزازه.. لكن الأمر قد يختلف الآن.. لذا حسمت أمري أقول فجأة: - حسنا إذاً.. لا داعي لبقائك هنا.. فأنا أمتلك كل الأدلة التي تثبت خيانتكما من رسائل وصور في هاتفي. 

صرخ بانتصار:

عظيم.. أتركني أذهب.. وستحصل على المال غداً كما وعدتك.

قالها قبل أن ألمح تلك الحركة السريعة.. وللأسف لم أجد الوقت لأتجاوز لحظة المفاجأة.. إذ شعرت بضربة قوية في رأسي.. ضربة أفقدتني صوابي.. لألمح زوجتي وهي تمسك بيدها قطعة من الحديد موجودة بين أدوات الخردة.. يبدو أنها أخذتها أثناء حديثي مع (أحمد)، وتسللت تجاهي دون أن أنتبه.. ثم.. أراها بصورة ضبابية وهي ترمي القطعة أرضاً لتذهب بعدها وتضغط على زر إغلاق مفعول القنبلة.. مما يعني أيضاً أن قيود (أحمد) ستفتح.. لكني لم أشهد ما حدث بعد ذلك.. لأنني فقدت وعيي.

لم أكن لأستيقظ لولا الماء البارد الذي سكبه أحدهم على وجهي بطريقة مهينة جعلتني أشهق بقوة.. ليقول (أحمد) ساخراً وأنا أزفر الماء الذي دخل أنفي:

- حتى لو كنت ذكياً في صنع الأجهزة الإلكترونية.. فأنت شديد الغباء والجهل بقواعد الحياة.. لقد تبادلت نظرات كثيرة مع زوجتك أثناء حديثك وشعورك بالفخر النجاح خطتك.. وأدركت أنها تنوي ضربك بشيء ما. لهذا وجدتني أحاول مساومتك وجذب انتباهك الكامل.. وقد وقعت في الفخ.. الآن أنت تحت رحمتي.. لكني لن أرحمك.. فلا يوجد لديك ما تستطيع تقديمه لي. 

قلت بذهول وقد استوعبت ما حدث:

- هل.. هل ستقتلني؟!. 

رد ضاحكاً:

بالطبع.. سأقتلك بطريقتك، ولن يعرف أحد أي شيء.. 

أنت الآن مكبل على نفس الكرسي الذي كدت أن تقتلني به. وستنفجر القنبلة بعد 7 دقائق تقريباً.. لم يكن من العسير أن أعيد تشغيلها.. شكراً لأنك جعلت الأمر شديد البساطة.

قالها وهو يشير إلى الصندوق.. فنظرت إليه تلقائياً.. لأجد العداد يعمل تنازليا بالفعل وموعد الانفجار يقترب شيئاً فشيئاً.. وقبل أن أرد.. أكمل (أحمد) بشماتة:

- الوداع أيها الأحمق.. لا أظن أن موتك سيثير شكوك أحد.. فرجل غريب الأطوار مثلك تمتلئ غرفته بتلك الأجهزة الغريبة.. مرجح جداً أن يقوده جنونه إلى قتل نفسه بالخطأ يوما ما.

أحمر وجهي كما لم يحمر من قبل.. فأمسك (أحمد) بيد زوجتي كي يغيظني أكثر.. مما جعلني أنظر إليهما وأنا أكاد أبكي قهراً.. لتقول زوجتي بتوتر:

 أنت جلبت كل هذا لنفسك.. أنت لا تصلح زوجاً لي.. 

- إنك تعيش في وهم لن تستيقظ منه أبداً.. فأنت تعمل طوال الوقت، ولا أحد يرى نتيجة عملك هذا.. في حين تجد غيرك يعيش عالم الواقع، ويحقق نجاحاً تلو الآخر.

قالتها وهي تشير إلى (أحمد) الذي سحبها من يدها إلى الخارج وهو يخبرني ساخراً:

وداعاً. ولتذهب إلى الجحيم.. فحتى لو لم تنفجر القنبلة.. ستظل مسجوناً هنا لتموت جوعاً وعطشاً، ولن يسمع أحد صراخك كما أكدت لنا بنفسك.

ثم أغلق الباب لأسمع صوت أقدامهما تبتعد.. ويعم السكون المكان بأكمله.. إنه محق.. لن يسمع أحد صراخي أبداً بسبب جدران الغرفة المبطنة.. لقد فعلت ذلك كي أعزل نفسي عن ضجيج العالم الخارجي.. دون أن أتصور للحظة أن الجدران المبطنة هذه ستعزلني حتى الموت!!.

 

خاتمة القصة

كانت زوجتي مع (أحمد) في سيارته.. من المرجح أنه يأخذها إلى البيت الآن.. فلا ننسى أنها جاءت معي إلى الشقة بسيارتي.. ومن المرجح أيضاً أنه يضحك ساخراً وهو يحاول أن يرفع من معنوياتها، ويؤكد لها أنهما سيكونان بخير.. ولا أعرف ردة فعل زوجتي تجاه كلامه.. لكن أستطيع أن أؤكد أن جرس هاتفه رن فجأة.. وقد نظر إلى الشاشة.. ليجد رقماً أرضياً غير مسجل في هاتفه.. مما أثار فضوله.. وجعله يجيب على الاتصال.. ثم يسمع صوتي قائلاً بسخرية مماثلة:

هل تعتقد أنك أذكى مني يا (أحمد) ؟!.. إنك أحمق كبير.. لقد نجحت في فك قيودي.. وليست هذه المفاجأة الوحيدة.. فهناك مفاجأة أكبر.. توجد قنبلة أخرى في سيارتك التي تقودها.. وستنفجر بكما مباشرة لو فكرت بالتوقف. 

لم يتوقع أبداً اتصالاً كهذا.. فرد بصوت متحشرج:

كــــــ. كـــــــ. كيف تمكنك من فك قيدك ؟!.. 

قلت ضاحكاً 

- أنا صنعت هذا الكرسي.. فهل تعتقد أنني أعجز عن إنقاذ نفسي منه؟!.. الكرسي يحتوي على كلمة سر صوتية لفتح القيود بأكملها.. وها قد فعلت وأفقدت نفسي.. ثم اتصلت بك من هاتف الشقة الأرضي بعد أن أخذت مني هاتفي.. يبدو أنك نسيت كل ما يتعلق بالخطوط الأرضية.. وهذا طبيعي.. فالجميع في زمننا هذا باتوا يستخدمون هواتفهم النقالة.. المهم أن تتذكر جيداً ما قلته لك للتو. لو فكرت بالتوقف فستنفجر السيارة حال توقفها.. ولو استمريت في قيادتها.. ستنفجر أيضاً بعد حوالي.. ممم.. أقل من ربع الساعة.

بدا واضحاً أنه يعيش صدمة حياته.. مما جعلني أكمل بسخرية:

- الجميل أن القنبلة لن تنفجر بالمعنى الحرفي.. بل ستحترق إن صح التعبير، وستحرق سيارتك بأكملها لتبدو للجميع وكأنها تعرضت لعطل ما.. سيفتش رجال الأمن عن سبب الاحتراق، لكنهم لن يعثروا عليه أبداً.. تماماً كحال القنبلة التي صنعتها في الكرسي.. إنها عبقريتي التي لا يصدق بوجودها أحد منكم.. بالمناسبة.. أنا أشعر بالفخر لأنني أجدت التمثيل أيضاً.. وجعلتك تصدق نظرات الخوف وأنني وقعت في الفخ.. إنني متعدد المواهب كما ترى. قال برعب وسط صراخ زوجتي التي تسأله بهلع عما يحدث:

- أيها اللعين.. أي شيطان أنت؟!. 

أجبت بصرامة:

- حتى تكسب معركتك مع الشيطان.. فيجب أن تكون شيطاناً أيضاً.. لقد زرعت قنبلتي في سيارتك مساء أمس. كخطوة احترازية فيما لو تمكنت من الإفلات من الكرسي.. إنني لم أدع أي مجال للخطأ.. ربما لأنني أخطط لهذا الانتقام منذ أيام طويلة.. وها قد تحقق.. وداعاً أيها الوغدان.. فما أردته فقط هو رد اعتباري وكرامتي.. والإثبات لزوجتي الخائنة أنني لست غبياً أو فاشلاً.. وداعاً.

قلتها وأقفلت الخط بوجهه.. ولم أكن مخطئاً بتوقعاتي.. إذ وصلني خبر احتراق السيارة بالكامل فيما بعد.. من دون أن يتوقع أحد أنني خططت لكل هذا.. بل وعلى العكس.. كنت أبدو للجميع بمظهر الزوج المسكين المغلوب على أمره.. خاصة مع التساؤلات التي لم تتوقف عن سبب وجود زوجتي مع (أحمد) في سيارته.. ومحاولة الجميع طرد فكرة الخيانة، والاكتفاء بالتماس العذر لهما بوجود شيء حتمي لا نعرف كنهه تطلب أن يكونا معاً يومها.. إلا أن موتهما جعل السر يموت إلى الأبد.. وحدي أنا كنت أعرف السر.. وحدي أنا أعلم تفاصيل موتهما؛ لأنني رسمتها بكل دقة. 

 

أين سلاح الجريمة؟!

لم يطرأ في ذهني أبداً أنني سأواجه جريمة غريبة ومعقدة كهذه.. فقد ظننتها في البداية مجرد واحدة من تلك القضايا الواضحة، حين وصلني خبر مقتل رجل الأعمال السيد (ف) في مقر شركته وفي مكتبه تحديداً.. متوقعاً ألا يتجاوز الأمر خلافاً عائلياً أو مشاكل متعلقة بشريك ما.. أو حتى منافساً تجارياً.. فالأسباب والدوافع كثيرة لجرائم قتل كهذه.. وكلها معروفة ومكررة لمن يعمل في القطاع الأمني.

بدأت القصة باتصال هاتفي من سيدة عربية الجنسية تتحدث بصوت مذعور.. وهي تخبرنا أنها سكرتيرة رجل الأعمال السيد (ف).. وقد لقي مصرعه قبل قليل بعد أن تعرض لإطلاق نار أثناء وجوده في مكتبه.. فالتقطت الاتصال، وحاولت تهدئتها وأنا أؤكد لها أننا قادمون في الطريق فوراً.. كما سألتها بسرعة إن كانت تعرف هوية القاتل، أو ربما الوجهة التي هرب إليها.. لتخبرني بصوتها المتوتر أن القاتل ما زال موجوداً ولم يحاول الهرب أصلاً!!. بل في المقابل خرج من الغرفة وملامحه تمتلئ استغراباً، وهو يؤكد أن السيد (ف) سقط على مكتبه فجأة والدماء تسيل من رأسه مع لحظة إطلاق النار من مصدر مجهول!!. وقد أصر القاتل- إن كان هو القاتل فعلاً - على البقاء مع السكرتيرة في مكتبها مؤكداً أن ليس لديه ما يخشاه؛ لأنه لم يفعل شيئاً على حد قوله.. خاصة وأنه أفرغ كل جيوبه أمامها كي يؤكد أن ليس بحوزته أي مسدس.. هل.. هل يعقل أنه أخفى المسدس في مكان ما في الغرفة بعد ارتكابه للجريمة؟!.. لا.. لا أظن القضية بهذه البساطة.. لذا ظللت أفكر في هذا الكلام وأضع الاحتمالات تلو الأخرى أمام هذه المعلومات الغريبة.. إلى أن وصلت إلى مقر الشركة حيث مسرح الجريمة.

كانت السكرتيرة شديدة الأناقة والجمال، رغم أنها بدت في أسوأ حال ممكن وهي تؤكد باكية أنها تعمل عند السيد (ف) منذ عدة سنوات.. وأنها تحترمه كثيراً كونه شخصاً دمث الخلق، لم يسئ معاملتها يوماً.. أما القاتل - أو المشتبه به - فقد كان مرتدياً بذلة رسمية كحلية اللون.. ويجلس على الكرسي المقابل لمكتب السكرتيرة مع ملامحه الجامدة المصدومة التي لم أعرف كيف أفسرها؟!.

كان أول ما فعلته أنني طلبت من أحد رجال الشرطة الإبقاء على السكرتيرة والمشتبه به وعدم السماح لهما - أو لأي موظف في الشركة - بالمغادرة مع ضرورة أخذ الهويات الشخصية للجميع والتحقق من سجلهم الجنائي.. على أن أدخل غرفة المكتب حيث جثة القتيل لأستطلع المكان.

كانت الغرفة شديد الفخامة مع ذلك الأثاث الخشبي الفاخر.. وشاشة التلفاز الكبيرة التي تحتل منتصف أحد الجدران وفي مرمى بصر أي مقعد تختاره.. كما توجد طاولة اجتماعات جانبية أنيقة تكفي 4 أشخاص، وبضع كراس في أماكن متفرقة.. لكني تجاهلت كل هذا.. واتجهت بنظري إلى المكتب مباشرة، حيث السيد (ف) على كرسيه قتيلاً ملقياً رأسه على مجموعة من الأوراق التي تلوثت بالدماء.. وهو المنظر المعتاد لأي جريمة قتل يتعرض لها أحدهم وهو يجلس على مكتب ما.

اقتربت من الجثة بطريقة آلية كوني اعتدت مناظر كهذه.. ورحت أنظر إلى الدماء التي تسيل من رأس السيد (ف).. لا أحتاج خبرة جنائية كبيرة لملاحظة أن الرصاصة جاءت من الخلف.. هل أطلق أحدهم النار من الخارج؟!.. ربما عبرت الرصاصة تلك النافذة التي تقع خلف كرسي الضحية.. ثم قام المشتبه به بإغلاقها كي تكون الجريمة غامضة بهذه الصورة. 

ألغيت هذا الاحتمال حين اتجهت ناحية النافذة، وتذكرت أن غرفة المكتب في طابق مرتفع وتطل على البحر.. هذان العاملان تحديداً ينفيان أن يكون مصدر الرصاصة من الخارج.. لكن هذا يعني أيضاً أن الرصاصة تم إطلاقها من داخل غرفة المكتب.. هل هو ذلك المشتبه به بالفعل كونه الوحيد الذي كان موجوداً وقتها؟!.. هذا سيعود بنا إلى المشكلة الرئيسية.. ماذا عن سلاح الجريمة؟!.. المسدس؟!.. أين هو؟!.. فالعثور عليه قد ينهي القضية على الأرجح ويثبت التهمة على المشتبه به.. أو يساعدنا على معرفة الجاني الحقيقي.. وإن كنت أرى استحالة وجود أي جان آخر غير المشتبه به هذا.. عموماً.. لن أستعجل الأمور.

أخذت نفساً عميقاً.. ثم طلبت من رجال الأدلة الجنائية تفتيش غرفة المكتب جيداً لعلهم يعثرون على سلاح الجريمة.. كما قام أحد رجال الشرطة بتفتيش المشتبه به.. إلا أنه لم يعثر على شيء يذكر.. لأتجه إلى غرفة السكرتيرة.. حيث أخذتها جانباً.. وسألتها بهدوء:

- أخبريني ما الذي حدث بالضبط؟.. مع عدم إهمال أي تفاصيل. 

قالت وقد بدأت تستعيد رباطة جأشها: 

- لقد جاء هذا الضيف ليزور السيد (ف)، مدعياً أنه يرغب في التحدث إليه في موضوع هام.. وقد رفض إبلاغي ما يريد.. بل أصر على أن يقول كلامه للسيد (ف) فقط، والذي شعر بالفضول لهذا الإصرار.. وحين دخل.. لم يمض وقت طويل.. مجرد دقائق قليلة.. قبل أن أسمع صوت طلق ناري.. ليخرج الضيف مذعوراً من الغرفة وهو يخبرني أن السيد (ف) تعرض للقتل بطريقة غامضة.. لكني لم أصدقه بالطبع.. فمن القاتل إن لم يكن هو؟!.

سألتها باهتمام:

- وكم استغرق الوقت بين سماعك لصوت الطلق الناري وخروج الضيف من مكتب السيد (ف)؟!.

ردت وهي تنظر إلى الفراغ مفكرة:

- لا أذكر.. ربما هي لحظات قليلة.. لأن صدمة ما حدث وكانت قوية جداً، وجعلتني لا أنتبه أبداً إلى الوقت.

سألتها إن لاحظت وجود أي بروز في بذلة الضيف قد يشير إلى حمله شيئاً كبير الحجم.. كسلاح الجريمة مثلاً.. لكنها هزت رأسها نفياً، مدعية أنها لم تنتبه إلى أي شيء غير عادي.. لذا اكتفيت بما قالته.. وطلبت منها الجلوس في مكتبها.. في حين قمت باستدعاء الضيف أو المشتبه به - وقد عرفت من إثباته الشخصي أنه من جنسية عربية أيضاً واسمه (جابر) - ثم سألته عما حدث.. ليقول كلاماً شبيهاً بما قالته السكرتيرة.. فسألته عن سبب مجيئه إلى هنا.. ليرد بهدوء شديد:

- إنني أعمل محاسباً في إحدى الشركات.. لكن تم إبلاغي مع مجموعة من الموظفين أن الشركة بصدد التخلي عنا، وتقليص مصاريفها بسبب بعض الظروف المالية.. وأن علينا البحث عن وظائف أخرى خلال الشهور القادمة.. فأتيت إلى هنا.. إلى مكتب الشركة المنافسة.. عند السيد (ف) كونه يعرفني إلى حد ما.. لعله يقبل بمنحي وظيفة في شركته. 

سألته بغموض: 

- وهل وافق؟!. 

مط شفتيه ليقول بأسف:

- لم أجد الوقت لذلك.. فقد تحدثنا حول بعض الأمور العامة لدقائق قليلة.. قبل أن يصاب بذلك الطلق الناري مجهول المصدر. 

سألته وأنا أنظر إلى عينيه مباشرة:

- ماذا حدث بعد ذلك؟!. 

قال مستذكراً:

- لقد تطلب الأمر بعض الوقت كي أستوعب ما حدث.. فما رأيته مستحيل بكل المقاييس.. إذ سمعت صوت الرصاصة.. ورأيت رأس السيد (ف) ينزف دما فجأة.. وفي اللحظة نفسها وقع بكل ثقله على مكتبه.. لأتراجع إلى الوراء بذهول، وأبقى مصدوما بعض الوقت.. ثم التفت حولي بذعر باحثاً عن مصدر الرصاصة.. لكني لم أجد شيئاً سوى السكون الذي خيم على المكان كله.. إلى أن خرجت من الغرفة من دون أن أشعر.. فوجدت السكرتيرة تسألني بذعر عما جرى، بعد أن سمعت بدورها صوت الطلق الناري.. عندها انتبهت إلى أن أحداً لن يصدقني أبداً.. لذا ارتأيت البقاء والجلوس بانتظار الشرطة حتى أبعد الشبهات عن نفسي.. فليس لدي ما أخفيه مهما كانت غرابة الحادثة. 

سألته مستغرباً:

- ألم تدخل السكرتيرة لتفهم ما يحدث؟!. 

رد وهو يمط شفتيه:

- ربما الخوف منعها.. إذ وجدتها منكمشة في مكتبها وهي ترتجف بوضوح بعد سماعها لصوت الطلق الناري.

التفت إلى السكرتيرة الجالسة في مكتبها كما طلبت منها.. ووجدتها تنظر إلي بألم وكأنها تستذكر تلك الأحداث.. فتجاوزت كلامه وقلت مباشرة:

- إذا أنت كنت وحدك مع السيد (ف).. وأنت وحدك من رآه يخر صريعاً.. هذا يجعلك المشتبه به الأول يا (جابر).. فانتظارك للشرطة لن يزيل اسمك من قائمة المشتبه بهم.. وسأتمكن من اعتقالك حالماً نعثر على المسدس الذي يبدو أنك خبأته في مكان ما في غرفة المكتب بعد قتلك للسيد (ف).. قبل أن تخرج وتخبرنا بتلك القصة الغريبة التي لا يصدقها عقل.

لم أنتظر ردة فعله تجاه كلامي.. بل تركته ودخلت غرفة المكتب حيث جثة السيد (ف) لأسأل رجال الأدلة الجنائية إن كانوا قد عثروا على سلاح الجريمة.. أو أي شيء مثير للانتباه.. لكني رأيت الحيرة واضحة على وجوههم.. كيف من الممكن أن يصاب أحدهم بطلق ناري في غرفة مغلقة ولا نجد أي أثر للمسدس؟!.. لا يمكن أن يكون (جابر) قد رمي المسدس من النافذة.. لأن رجالي لم يعثروا على شيء في الأسفل.. وكذلك رجال الأمن في الدور الأرضي أكدوا أنهم لم يلاحظوا أي شيء غير عادي.

ثم.. تذكرت أمراً بالغ الأهمية.. فخرجت بسرعة إلى السكرتيرة.. لأنظر في أنحاء غرفتها كلها.. وأجد كاميرا مراقبة تكشف المكان.. قد يقودنا هذا إلى شيء.. سألتها بلهفة إن كانت هناك كاميرات مراقبة غيرها.. لتخبرني أنها موجودة في كل غرف الشركة.. سوي غرفة السيد (ف).. هذا متوقع ومنطقي بالنسبة لصاحب الشركة. 

ظللت صامتاً مفكراً.. واضح أن القاتل استخدم طريقة بالغة الذكاء.. لكن من هو القاتل؟!.. المنطق يقول أنه (جابر).. فهو الوحيد الذي تواجد مع السيد (ف) أثناء تعرضه للقتل كما علمنا.. لكن أين سلاح الجريمة؟!.. أين المسدس؟!.. لو عثرت عليه فستصبح لدينا جريمة مكتملة التفاصيل.. إذ سنستخرج الرصاصة ونطابقها مع المسدس للتأكد أنه هو السلاح المستخدم في الجريمة.

ذهبت بعد ذلك إلى غرفة الأمن الخاصة بالشركة.. وطلبت من حارس الأمن إعادة البث للساعتين الماضيتين.. فامتثل لأمري سريعاً.. ورحت أشاهد معه مدخل الشركة عند مجيء (جابر).. ليسير عبر الممرات إلى أن دخل غرفة السكرتيرة.. حيث تحدث إليها قليلاً.. قبل أن أراها ترفع السماعة لتخبر السيد (ف) بوجود ضيف يرغب بالدخول.. ومن ثم يدخل (جابر) بالفعل ويختفي من الكاميرا.. بعد ذلك بأقل من 5 دقائق تقريباً. أرى السكرتيرة تقفز من مكانها مع صوت إطلاق النار.. وتقف مرتبكة عاجزة عن التصرف.. ثم يخرج (جابر) بعدها بأكثر من دقيقتين، ليخبرها بما حدث وهو يبدو مصدوما بدوره.. حيث بقي الاثنان في غرفة السكرتيرة ولم يغادرانها منذ ذلك الحين. 

حسناً.. هناك وقت بالفعل - وإن كان قصيراً - بين صوت الطلق الناري وخروج (جابر) من غرفة المكتب.. أي أنه كان يملك الوقت ليطلق النار على السيد (ف) ويخفي المسدس. 

عدت إلى غرفة السكرتيرة حيث يجلس (جابر).. لأؤكد ما قلته له وبطريقة استفزازية:

- الجريمة تبدو مستحيلة.. لكني على ثقة أنك أنت الفاعل. 

رد بثقة: 

- إذاً لماذا لا تقبض علي؟!. 

قلت بحدة:

- لأننا لم نعثر على سلاح الجريمة بعد.. إذ قام رجالي بتفتيشك حال وصولهم.. بل وقاموا بتفتيش غرفة السيد (ف) وغرفة السكرتيرة كذلك.. لكنهم لم يعثروا على شيء.. ولا يمكن القبض عليك إلا حين نعثر على سلاح الجريمة. 

رد متحدياً: 

- إذا ثقتك هذه لن تقودك إلى شيء.. فأنا بريء إلى أن تثبت إدانتي.

سكت وفي داخلي انفجر بركان من الغضب.. إنني أمام قضية غريبة!.. هذا الرجل هو الجاني والشاهد في الوقت نفسه.. وما زاد الأمر غرابة وغموضاً أن رجالي أكدوا لي أنهم قاموا بفحص إثباتات جميع موظفي الشركة بالإضافة إلى إثبات (جابر).. ولم يجدوا سجلاً جنائياً واحداً لأي منهم. 

طلبت من (جابر) بعد ذلك أن يأتي معي.. حيث جلست معه في إحدى الغرف الخالية، ورحت أطرح عليه أسئلة كثيرة عن حياته ووضعه المالي، منتظراً منه أي زلة لسان قد تنير في الطريق.. و:

- ماذا ستفعل الآن بعد موت السيد (ف)، وقد تعقدت فرصة حصولك على وظيفة في شركته؟!.

مط شفتيه وقال: 

- لا أعلم.. ربما سأتحدث فيما بعد مع الورثة.. أو أحاول مع رب العمل الحالي كي يستثنيني من تقليص الميزانية، ويسمح لي بالعمل في شركته.. كل الخيارات متاحة. 

سألته مغمغما:

- منذ متى تعيش في (الكويت)؟!.. وماذا كنت تعمل في بلدك؟!. 

أجاب مفكراً: 

- منذ حوالي 7 سنوات.. كنت أعمل محاسباً أيضاً في بلدي.. لكن براتب أقل بكثير مما أحصل عليه هنا.

أعرف إجاباته كلها قبل أن يقولها.. فكلامه لا يناقض ما عرفته عنه.. فسكت طويلاً، وظللت أحدق به بغموض..

حتى إنه سألني فجأة:

- لماذا تحدق بي بهذه الطريقة الغريبة؟!. 

قلت بسخرية:

- لأنني أعلم أنك أخفيت سلاح الجريمة بطريقة ذكية للغاية.. وهو دليل إدانتك الوحيد.. فإذا أردت أن تضيع الجريمة.. عليك أن تضيع الدليل على وجودها.. وهو من تناقضات عمل رجل الأمن، كوني أعرف أن هناك جريمة قتل.. وأن هناك قاتل.. لكن لا أعرف كيف ارتكب جريمته. 

رد بسخرية مماثلة أثارت غضبي:

- هل جئنا إلى هذه الغرفة لتستفرد بي وتكرر هذا الكلام على مسامعي؟!.. عموماً.. طالما لا تملك دليلاً ضدي.. فأنا بريء ويمكنني الخروج الآن.. إلا لو كان لديك سؤال آخر لتطرحه. 

قلت بقسوة:

- لا تستهتر بالأمر كثيراً ولا يصيبك الغرور.. فأنا أمتلك الحق بحجزك 21 يوماً على ذمة التحقيق. 

ضحك ساخراً وهو يقول:

- أنا أعرف جيداً أنني بريء.. وأعرف أنك تضيع وقتك معي.. عليك أن تتركني أذهب لتؤدي عملك، وتبحث عن القاتل الحقيقي. 

سألته بهدوء مفاجئ:

- من الغريب أن أجدك ساخراً متحدياً بهذه الطريقة، رغم أنك شهدت جريمة قتل لشخص تعرفه، وكنت تتمنى أن يقوم بتوظيفك في شركته.. ناهيك عن أنك – منطقياً - المشتبه به الأول حتى لو ادعيت براءتك. 

رد بحزم:

- لم أكن أتصرف بهذه الطريقة لولا طريقتك الاستفزازية.

لم أعقب على كلامه.. لكن من الواضح أن طريقتي نجحت.. فمن العسير على شخص يشهد جريمة قتل للمرة الأولى في حياته أن يستجيب لهذا الاستفزاز.. إلا إذا كان هو الفاعل.. أعرف أن ما أقوله ليس دليلاً كافياً.. لكني أتصرف بمنطقية هنا.. ولو استبعدنا المستحيل.. ستبدو الحقائق واضحة.. فطالما هناك قتيل مصاب بطلق ناري.. لا بد أن يكون هناك مسدس، حتى وإن لم نعثر عليه بعد. 

طلبت من (جابر) - بيأس حاولت أن أخفيه - أن يجلس في مكانه وينتظر.. ولا أعلم سبباً واضحاً لذلك.. أردت فقط الإبقاء عليه متحدياً نفسي أن أكشف طريقة ارتكابه للجريمة خلال الساعات القليلة القادمة.. ثم خرجت أجول في أنحاء الشركة التي تحتل طابقاً كاملاً في ذلك المجمع الذي يمتلئ بالشركات.. أفكر بعمق وأنا ألتفت حولي.. وأرى الموظفين جميعهم في حالة من التوتر في ظل وجود جريمة قتل ورجال الشرطة في كل مكان حولهم. وقد تذكرت أن عائلة القتيل لم تعرف بوجود الجريمة حتى الآن.. ربما.. ربما يفضل تأجيل الأمر قليلاً. 

عدت بعدها إلى غرفة القتيل لأجد رجال الأدلة الجنائية وقد انتهوا من عملهم للتو من دون أي تقدم يذكر. حيث جلست أنظر بشرود إلى رجال الإسعاف الذين دخلوا لنقل الجثة إلى المشرحة.. ثم رحت أجري بعض الاتصالات الروتينية لإنهاء إجراءات التحقيق مع الجميع.. متوقعاً ألا تؤدي تلك التحقيقات إلى شيء أصلاً.. وعالماً أن قضية كهذه قد تظل معلقة وحبيسة الأدراج إلى الأبد لو لم نعثر على السلاح.

لكن.. لا أعلم لماذا قررت القيام بخطوة أخيرة قبل أن أسمح لـ(جابر) بالذهاب.. هل هو الحس البوليسي؟!.. لا أعرف.. إذ وجدت نفسي أتجه إلى شاشات المراقبة في الشركة. لأجلس وأراقب شاشة الغرفة التي يجلس فيها (جابر) وحيداً.. أراقب أفعاله.. وتصرفاته.. أي إشارة قد تدلني على شيء.. أراقب الدقائق بدت طويلة للغاية. ليتوقف بصري أمام ما رأيته على الشاشة.. لقد ظننت هذا التصرف تلقائياً عادياً نقوم به جميعاً بين حين وآخر.. لكن ما أراه هنا يختلف تماماً.. علي أن أتأكد أولاً.. وهذا ما جعلني أحدق بالشاشة في دقة شديدة.. والوقت يمر.. يا إلهي!.. شيء كهذا لم يكن يطرأ في ذهني ولو بعد مائة عام.. إنه الحظ فقط وخبرتي ربما.. عموماً.. كل ما أراه يؤكد صحة الاستنتاج الجنوني الذي طرأ في ذهني للتو.. ولو كنت مخطئاً.. فلن يعلم أحد.. لذا لابد من التجربة. 

ذهبت إلى الغرفة التي يجلس فيها (جابر).. لأدخل بطريقة سريعة متعمداً إرباكه.. لكنه ظل بارداً وهو ينظر إلى متأففاً ويقول بسخط:

- هل انتهت تحقيقاتكم؟!.. لقد قضيت في هذه الشركة ساعات طويلة وعصيبة.. ناهيك عن الملل الذي يكاد يقتلني من الجلوس في هذه الغرفة، بعد أن أخذتم مني هاتفي.. كما أنني أشعر بالعطش والجوع.. و... 

قاطعته بغموض:

- ألهذا أكلت مشابك الأوراق؟

- قلتها وأنا أشير إلى كمية من مشابك الأوراق الموجودة على مكتب الغرفة.. و.. حينها فقط بدأ لي وكأن ثقته في نفسه اهتزت لأول مرة.. فشعرت بأنني في الطريق الصحيح.. لذا أكملت قائلاً وأنا أشير إلى كاميرا المراقبة الموجودة في الغرفة:

- ربما نسيت وجود كاميرا المراقبة هذه.. وربما لم تنس.. لكنك في كل الأحوال تصرفت بتلقائية.. وهذا ما جعلك ترتكب خطأ فادحاً.. أعرف أننا جميعنا نضع في أفواهنا بعض الأشياء التي لا تؤكل بين الحين والآخر.. كقطعة بلاستيك.. أو ورق.. إلخ.. فأحياناً نبتلعها.. وأحياناً لا.. 

لكن في حالتك.. رأيتك تضع المشابك في فمك واحداً تلو الآخر.. وتمضغها ببساطة.. ثم تبتلعها.. كان هذا واضحاً من خلال الكاميرا.

حاول التماسك.. حاول أن يبدو قوياً.. إلا أن ملامحه تغيرت كثيراً، وقد علم أنه وقع في الفخ.. لأكمل بابتسامة ساخرة:

- من المستحيل أن يطرأ شيء كهذا في ذهن أي رجل أمن في العالم.. أنا نفسي لم أكن لأصدق!.. لولا أنني رأيتك بنفسي لحسن الحظ.. أستطيع الآن أن أتهمك رسمياً بأنك قتلت السيد (ف).. لقد ارتكبت جريمتك بواسطة مسدس كان بحوزتك حين دخلت مكتبه.. ثم.. أكلت المسدس وابتلعته.. أليس كذلك؟!!.

حاول أن يضحك بسخرية. لكن ضحكته خرجت متحشرجة.. ليسعل بقوة.. ثم يقول:

- هل فقدت عقلك؟!. أنت تتهمني بأنني أكلت مسدساً مصنوعاً من حديد!!. 

قلت متحديا:

- نعم.. إنك تأكل الحديد.. مهما بدأ الأمر سخيفاً للوهلة الأولى.. لكني واثق من كلامي.. ولا أستبعد أنك تأكل أشياء أخرى لا يصدقها عقل، ويعجز عامة الناس عن مضغها.. كهؤلاء الذين نراهم في السيرك، أو في برامج التلفزيون التي تتحدث عن القدرات الغريبة لبعض البشر.. عموماً.. بإمكاننا فحصك لمعرفة ما تحويه معدتك. 

لم يحتمل ضرباتي الكلامية هذه إن صح التعبير.. إذ خرس وتغيرت ملامحه إلى الخضوع والانكسار وقد علم إنه انكشف.. مما جعلني أكمل بجرأة:

- أعتقد أن رب عملك طلب منك أن تقتل السيد (ف) مقابل مبلغ ضخم من المال.. فالمنافسة بينهما معروفة.. هذا ما أكده لي رجالي قبل قليل.. وأنك وافقت على تنفيذ المهمة بعد أن تلقيت مبلغاً هائلاً نظير هذه الخدمة.. وقد اختارك رب عملك لأنه يعلم بمقدرتك على أكل الأشياء التي يعجز عامة البشر عن مضغها.. فظن أنك سترتكب جريمتك وتنجو.. وما قصة فصلك من عملك إلا مسرحية كذبت بها لتبرر وجودك في الشركة المنافسة.. لقد اعتمدت في جريمتك هذه على إخفاء الدليل فحسب.. مما أربكنا كثيراً والحق يقال.

كان شعوراً رائعاً أن أرى الدموع في عينيه.. وعجرفته تنهار أمامي.. وقد عرف أنني انتهيت منه حين طلبت من رجالي إلقاء القبض عليه، وإخضاعه للفحص الطبي للتأكد من محتويات معدته.. فكانت هذه المرة الأخيرة التي أراه فيها وهو يسير مكبلاً منكسراً.. عالماً أنه لم يتوقع أبداً أن يتم القبض عليه وكشفه بهذه السرعة.

ورغم سعادتي البالغة لأنني حققت انتصاراً جديداً للعدالة.. إلا أنني وبكل أسف لا أظن أن رجل الأعمال المنافس سيعترف بفعلته.. فعلى الأرجح سينكر كل شيء.. وتكون كلمته مقابل كلمة (جابر).. إلا لو تمكننا من تتبع حساب (جابر) البنكي، علنا نعثر على أي شيء مريب.. سأترك الأمر للنيابة والقضاء.. فقد أنهيت دوري على أكمل وجه.. وأغلقت ملف هذه القضية إلى الأبد.

ولا أعرف لماذا تذكرت تمثال (السيدة عدالة) الشهير الموجود في الكثير من قاعات المحاكم.. والذي يجسد العدالة من خلال امرأة معصوبة العينين، وهي تحمل في يدها ميزاناً متساوي الكفتين. وفي يدها الأخرى تحمل سيفا.. إذ شعرت حينها أن المسؤولية كبيرة جداً كي تظل كفتاً الميزان متساويتين دوماً.. من خلال سعيي الدائم لحل الجرائم وتقديم المجرمين إلى القضاء.. أتذكر أن هذه القضية تحديداً.. جعلت تمثال (السيدة عدالة) يطرأ في ذهني باستمرار أثناء تأدية عملي. 

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا