7)
وقفت دلال في أحد ممرات الكلية تحمل دفتر محاضراتها، وكانت تنتظر أن ينتهي الدكتور صلاح من إحدى محاضراته في القاعة المجاورة كي تراه.. وأثناء وقوفها تقدم منها شاب يدرس معها في الكلية، كانت تعرف أن اسمه خالد وكان يكبرها فهو في سنة التخرج، تقدم خالد منها وقال: آنسة دلال.. هل تسمحين لي بكلمة؟
دهشت دلال وقالت: تفضل.
خالد: بصراحة أنا أردت أن أسألك إن كنتِ مرتبطة، فأنا معجب بك كثيراً وأرغب في التقدم لخطبتك ورأيت أن أسألك أولاً إن كنت تمانعين.
ارتبكت دلال كثيراً فهي لا تعرف ماذا تقول، فخالد شاب ممتاز.. رائع وابن عائلة معروفة ووالدها سيفرح به بالتأكيد، وقد أحست بالزهو وهو يعرض عليها الزواج لكنها مرتبطة! وتساءلت هل حقاً تنظر إلى علاقتها بالدكتور صلاح كارتباط؟ أحياناً تشعر أنها لا شيء بالنسبة له ولن تكون شيئاً، وفجأة تنبهت دلال أنه ما زال واقفاً أمامها ينتظر ردها ويبتسم، شعرت بالخجل وقالت: أنا غير مرتبطة لكنني كنت أفضل أن أكمل دراستي الجامعية ثم أفكر في الزواج.
خالد: أنا لا مانع لدي من أن تكملي دراستك فهذا حقك، هل لديك مانع أن أخطبك؟
دلال: أرجوك أعطني فرصة أفكر.
خالد: خذي وقتك وأنا يشرفني الارتباط بك، فأنت مثال للأخلاق والجمال والتفوق، وفي هذه اللحظة انتبهت دلال أن الدكتور صلاح أنهى محاضرته وأنه واقف بجوار باب القاعة ينظر إليها وهي واقفة مع خالد، فاستأذنت خالد واتجهت إليه، وعندما اقتربت منه قال لها: تعالي إلى مكتبي، وعندما لحقت به تفاجأت به غاضباً وسألها: من هذا الشاب؟ لماذا أنت واقفة تتهامسين معه؟
دلال: هذا زميلي اسمه خالد.
د. صلاح: ماذا يريد منك؟ إنه في السنة النهائية لا أظنه يسألك شيئاً دراسياً؟
فقالت دلال: سألني إن كنت مرتبطة لأنه يفكر أن يخطبني.
قالتها دلال في وجهه كأنها تغيظه وفعلاً كان صلاح يشعر أنه يكاد ينفجر من الغيظ وبداخلها أحست دلال بالفرح، لقد بدأ يغار عليها والغيرة رمز الحب.. هل بدأ يحبها وأعطتها هذه الفكرة قوة فقات لها: اسمع يا صلاح وهي المرة الأولى التي تناديه باسمه مجرداً أنت تعلم أنني أحبك لكنني بصراحة لا أعرف موقعي في حياتك فأنت تحادثني سراً كما أنك تتجاهلني تماماً في وجود زوجتك، ما مكاني أنا في حياتك؟ ما قيمتي لديك؟ ضع النقاط على الحروف.
د. صلاح: أنت تعرفين أنك عزيزة علي وأنت طلبت صداقتي وأخبرتني أنك راضية بقربي دون أي ارتباطات.
دلال: لقد غيرت رأيي فأنا لن أقبل أن أكون على هامش حياتك فأنا ابنة عائلة وجميلة وقد أحببتك لكنك الآن تهينني.. ما قيمتي في حياتك؟ وما الذي أعنيه لك؟
د. صلاح: دلال أرجوك لا أريد المناقشة الآن..
دلال: حسناً أنت حر لكنني سأدوس على قلبي وأخرج من حياتك ما دمت غير قادر على تحديد موقفك مني.
وفعلاً خرجت دلال من كتبه.. مسرعة.. لقد واجهت الموقف.. لقد أحبته من قلبها لكنها تريده أن يعترف بحبها بل تريده أن يضع لهذا الحب كياناً وهو الزواج، ومع الوقت سيكون لها وحدها وسترغمه على تطليق زوجته.. لقد اختارته دوناً عن غيره من الرجال وخطت نحوه الخطوة الأولى واليوم استطاعت أن تتمرد عليه عندما طلبها خالد للزواج فقد أشعرها خالد بالقوة، إنها قوية ومرغوبة.. قوية بجمالها وباسم عائلتها وبشبابها لذلك لن تضعف بعد الآن.. ولم تتصل بصلاح ليومين وفي يوم محاضرته استيقظت مبكرة واختارت ثوباً جميلاً أحمر اللون كأنها تعلن الثورة عليه وصبغت شفتيها بلون أحمر فاتح يلائم الصباح وتزينت باهتمام بالغ.. إنها تريد أن تبدو واثقة من نفسها ولن تضعف إذا كان لا يريد الاعتراف بحبه لها وأن يضعها في مصاف زوجته فلن ترضى بأقل من ذلك لقد قررت التحدي.. قررت أن تقاتل لأجل كرامتها وحبها..
(8)
في ذلك اليوم كان صلاح جالساً يتناول إفطاره في المنزل وجلست زوجته دانة على المقعد المقابل له.. لاحظت وجومه وصمته فسألته: صلاح ما بك؟ انتبه صلاح لها وابتسم بصعوبة وقال: لا شيء مهم لا تشغلي بالك.
دانة: مشاكل في الجامعة؟
صلاح: شيء من هذا القبيل؟
كانت دانة في الثلاثين من عمرها سمراء مكتنزة الجسم وجهها بيضاوي رقيق وعيناها ناعستان وكانت قوية الشخصية وتبدو دائماً مرتبة وأنيقة، وقد تزوجت صلاح زواجاً تقليدياً عن طريق الأهل.
كان يبحث عن زوجة تسافر معه إلى الخارج وكانت هي تعيش مع أبيها وزوجته في تعاسة بعد وفاة والدتها فرأت الزواج مخرجاً لها.. وعندما سافرت معه وفرت له الجو المناسب للدراسة لم تشك يوماً غبرتها ولم تكلفه أبداً فوق طاقته وعندما أنجبت ابنها الأول كانت تهتم به وحدها دون عون أو خادمة وأنجبت الابن الثاني خطأ فتحملت مسؤولية طفلين متقاربين في العمر دون شكوى أو تذمر وعندما نال صلاح الدكتوراه.. كانت تشعر أنها هي من نالها.. فلولا دعمها وصبرها ما استطاع أن يصحل عليها هكذا كانت تفكر دانة وقد أحس صلاح بالعرفان نحوها فهي حقاً زوجة قديرة ومحترمة..
وعندما عادوا إلى الكويت وبدأ العمل في الجامعة لاحظ صلاح إعجاب الطالبات به وبوسماته لكنه لم يتماد بعلاقته بأحد ولم يفكر بخيانة زوجته فكان وفياً لها مخلصاً لبيته وأولاده.. إلى أن عرف دلال.. كان قد لاحظ افتتانها به وتعلقها به ونظراتها إليه، وعرف أنها تخصصت بالاقتصاد حتى تبقى على صلة به.. وشعر صلاح بناقوس الخطر يدق في حياته، ويوم اتصلت به دلال في المنزل وواجهها في اليوم التالي وبكت أمامه شعر برغبة عارمة أن يضمها إلى صدره ويلتقط دموعها بشفتيه ولا يعرف كيف أعطاها رقم هاتفه النقال وبدأ بمحادثتها.. صحيح أنه كان متحفظاً معها لكنه بدأ يتعلق بها مع الوقت.. كان كل همه ألا تكتشف زوجته أمرها فكان يحدثها خلسة وفي أوقات متباعدة وغالباً في سيارته عندما يكون خارج البيت وفعلاً لم تشعر زوجته بشيء وعندما شاهد دلال واقفة برفقة خالد كاد يجن من الغيرة لم يكن يتوقع أنه قد يغار إلى هذا الحد لكنه تمنى في تلك اللحظة أن يمسك خالد ويشبعه ضرباً.. إن دلال هي دميته الجميلة التي لا يريد لأحد أن يأخذها منه، وفي أعماقه كان حقاً حائراً ماذا يريد منها؟ فمن غير المعقول أن يربطها به دون أن يعترف بحبه لها؟ وماذا بعد الحب هل يتزوجها؟ إنه لا يعرف.. وعندما ثارت دلال في وجهه شعر بأنه عاجز عن اتخاذ قرار بشأنها وحتى هذا الصباح وهو يعلم أنه سيراها اليوم في المحاضرة.. لم يعرف كيف سيواجهها.. وأخيراً خرج صلاح من المنزل ووصل إلى الجامعة وعندما حانت ساعة المحاضرة دخل القاعة والتقت عيناه بعيني دلال ووقتها فقط اتخذ قراره.. سوف يتزوج دلال نعم سيتزوجها لأنه يحبها وابتسم في وجهها ابتسامة كبيرة وبدأ يشرح موضوع المحاضرة..
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا