القلب الأبيض تحت العباءة السوداء
في منزل (ماجد) كانت الحيرة هي سيدة الموقف..
(عمر) سارحاً أمامه: يجب أن نجد (نورة) هذه بأي وسيلة
(ماجد) وهو يجلس بجانب صاحبه: هل لديك حل؟ لقد بذلنا كل ما في وسعنا للحصول على عنوانها.. بحثنا عن ملفها بأرشيف المحكمة وذهبنا لـ (عادل) في منزله ليعطينا الملف لكنه رفض وأغلق الباب في وجوهنا وحاولنا كذلك في مقر عملها وزميلتها التي أدعت أنها ستساعدنا ركبت معنا السيارة ثم اختفت بشكل غامض بعد ما أضاعت وقتنا في رواية القصة عليها.. هل لديك طريقة أخرى يمكننا أن نجد فيها هذه الـ (نورة)؟
(عمر): نعم.. نعود لـ (عادل) ونجبره على تسليمنا الملف.
(ماجد) بتهكم: كنت أقصد طريقة قابلة للتطبيق.
(عمر) وهو ينهض: تعال معي وسترى.
(ماجد): إلى أين في هذه الساعة المتأخرة؟.. وسأرى ماذا؟
(عمر) يهم بالخروج من المنزل ليركب سيارته و(ماجد) من خلفه:
لمنزل الشيخ الفاضل (عادل) وسترى كيف سنحصل على الملف!
(ماجد) يركب السيارة قائلاً: لقد حاولنا من قبل ولن يتغير شيء هذه المرة أيضاً..
في ذلك الوقت كان الشيخ (عادل) قد استيقظ قبل صلاة الفجر بساعة للاستعداد للذهاب للمسجد وإمامه الناس مثلما اعتاد كل يوم. نهض من فراشه وسار لدورة المياه المرتبطة بغرفته وأشعل الإنارة فتح الصنبور ومد كفيه وغسل وجهه وقبل أن يكمل وضوءه سمع همسة آتية من خلفه لم يفهم محتواها فالتفت وراءه لكنه لم يشاهد أو يسمع شيئاً سوى جريان الماء في المغسلة أمامه فعاد وأكمل وضوءه وقبل أن يغسل مرفقيه سمع همسة أخرى فأغلق الصنبور ليحصل على هدوء يمكنه من تحديد مكان تلك الهمسات لكنه لم يستطع سماع شيء فتجاهل الأمر وأكمل وضوءه وقبل أن يخرج من الحمام وهو ينشف نفسه بفوطة بيضاء أمام المرآة لمح يمينه شيئاً يتحرك فوجه نظره جانباً فرأى منظراً دفعه لأخذ شهقة قوية واضعاً كفه على صدره وهو يقول: "أعوذ بالله".
رأى الشيخ مخلوقاً كالطفل بشعر أسود طويل منسدل فوق جسده الصغير يجلس على المرحاض ينظر إليه مبتسماً بعينيه السوداوين الواسعتين. بدأ (عادل) ينتفض مكانه ويردد بعض الآيات والأذكار ولم يتمكن من الهرب لأنه أحس بأن سيقانه المرتجفة قد فقدت قدرتها على الحركة فأغمض عينيه واستمر بالتمتمة وذلك الشيء يحرك سيقانه الصغيرة على طرف المرحاض للأمام والخلف ويراقبه مبتسماً. فتح الشيخ عينيه بعد ما يقارب الدقيقة ولم ير ذلك المخلوق مكانه فتنفس الصعداء واستعاذ بالله من الشيطان واستعاد رباطة جأشه وأغلق باب الحمام وقرر إعادة الوضوء بالمسجد لأنه انتقض.
قبل أن يخرج من غرفته أحس (عادل) بألم حاد في كتفه لأن الشيء قفز منقضاً عليه وغرس أنيابه الحادة فيه وهو يصرخ بصوتٍ حاد ومخيف. أطبق الشيخ بقبضته على شعر المخلوق المتعلق به وحاول نزعه من عليه لكن ذلك لم يزده إلا تشبثاً ودفعه لوضع مخالبه على عنق (عادل) وتمريرها محدثة أربعة جروح طويلة برقبته. سقط الشيخ على الأرض وتدحرج لوسط غرفته وأخذ يصارع للتخلص من تعلق الكائن به وفي نهاية المطاف قفز من على كتفه واختبأ بسرعة خاطفة تحت السرير. بقي الشيخ على الأرض يتنفس بثقل مرعوباً وعيناه تحدقان بأسفل السرير المظلم حتى رأى عيني ذلك الشيء تلمعان من العتمة بلمعة صفراء كأعين القطط صاحبها صوت فحيح غاضب فصرخ (عادل) فيه قائلاً: "من أنت؟!"
أجابه المخلوق المختبئ تحت السرير بصوتٍ صارخ مشبع بالغضب: "لن تمسها!"
نهض (عادل) بجزع وخرج من الغرفة جرياً ولم يتوقف حتى وصل للشارع حيث كان في استقبال (عمر) و(خالد) اللذان قد وصلا للتو لمحاولة إقناعه بتسليمهما ملف (نورة) لكنهما عندما رأياه بتلك الحالة من الجزع الشديد خارجاً من منزله بملابسه الداخلية قال له (عمر): ما بك؟!.. هل هناك حريق بمنزلك؟!
(عادل) وهو في حالة من التوهان والتشتت: أنتما من فعل ذلك!
(ماجد): فعلنا ماذا؟
(عادل) صارخاً في وجوههما: سوف تدفعان ثمن هذه الألاعيب الصبيانية!
(عمر): لقد رأيته أليس كذلك؟
(عادل) مستعيداً بعض تركيزه: رأيته؟.. رأيت من؟
(عمر): (ديموس).. شيطان الهرم..
(عادل) بخليط من الغضب والاستنكار: شيطان؟!.. لا يوجد شياطين غيركما!
(ماجد): اهدأ يا شيخ وسنشرح لك كل شيء
(عادل) بعبوس: تشرحان لي ماذا؟!.. كل شيء واضح!
(عمر) متجهاً: لا تكن أحمق وأنصت لنا قبل أن تفقد حياتك!
رفع أذان الفجر في تلك اللحظة فصمت الثلاثة لثوانٍ قال (عادل) بعدها وقد هدأ قليلاً: الله أكبر.. لا إله إلا الله..
(عمر) يفتح الباب الخلفي لسيارته مشيراً لـ (عادل) بالركوب: لنأخذ جولة سريعة وسوف نشرح لك كل شيء
(عادل) متحسساً ملابسه غير اللائقة: أذهب إلى أين وأنا بهذه الملابس؟
(ماجد): لا تقلق سوف نعيدك للمنزل لكن لا يمكننا الحديث في الشارع.. أم أنك تريد دخول المنزل مرة أخرى؟
(عادل) وهو يهم بالركوب: لالا..
تحركت السيارة مبتعدة عن منزل (عادل) الذي بقي صامتاً في المقعد الخلفي ينظر سارحاً في زجاج النافذة بجانبه و(عمر) يراقبه من خلال المرآة الأمامية بصمت ولم يدم ذلك الصمت طويلاً حتى قال وهو لا يزال يراقب ملامح الشيخ المصدومة: ما الذي حدث في منزلك؟
(عادل) وسرحانه ينقطع: ماذا؟.. منزلي؟
(ماجد): اسمع يا (عادل).. الموضوع كبير ومتشعب وأنت الآن جزء منه ويجب أن نتعاون فيما بيننا إذا أردنا التخلص منه
(عادل): من من؟
(عمر): الشيطان الذي يلاحقنا.. (ديموس)..
(عادل) شيطان ماذا؟
(عمر) لـ (ماجد): هل أشرح له أنا أم أنت؟
(ماجد): ركز في القيادة واترك الحديث لي..
حكي (ماجد) كل الحكاية لـ (عادل) ولم يترك أي جانب إلا وتحدث عنه بالتفصيل ومع ذلك لم يستوعب الشيخ ما سمعه وظن أن المسألة مزحة ثقيلة أو ألعوبة للانتقام منه وقال: هل تتوقعان أن أصدق هذا الهراء والخيالات؟
(عمر): وهل يستطيع الخيال أن يحدث مثل هذا الجرح النازف في كتفك وعنقك؟
(عادل) واضعاً أطراف أصابعه على كتفه: لكن.. هذا مستحيل.. لا يمكنني التصديق.
(ماجد): لا وقت لدينا لنضيعه.. هل أنت معنا أم نعيدك للمنزل لتواجه (ديموس) وتخبره بأنك لا تصدق بوجوده؟
(عادل) وقد بدأ بالانصياع: وما المطلوب مني؟
(عمر): نريدك أن تزودنا بعنوان (نورة) لنجتمع نحن الثلاثة بها ونحاول أن نفهم منها كيفية التخلص من هذا الشيطان الذي يطاردنا جميعاً.
(عادل): ولم تظم أنها تملك الحل للخلاص منه؟.. لو كانت تعرف الطريقة لأنقذت نفسها.
(ماجد): هي ليست في خطر والشيطان لا يحاول قتلها.. ليس في الوقت الحالي على الأقل.
(عادل): أعيداني للمنزل
(عمر): لن تساعدنا إذاً؟
(عادل) ممسكاً بطرف قميصه القطني المبتل ببعض الدم: ليس وأنا بهذه الملابس والحالة.
(عمر) مبتسماً وموجهاً مقود السيارة نحو منزل (عادل): بالطبع لا أوقف (عمر) السيارة أمام منزل (عادل) وأطفأ محركها قائلاً: سنبقى هنا بانتظارك حتى تبدل ملابسك
بقي (عادل) يحدق بباب منزله دون أن يترجل من السيارة وكان من الواضح أنه متخوف من العودة للداخل فلاحظ (ماجد) ذلك وقال له: هل تريد منا أن نرافقك؟
(عادل) وهو لا يزال سارحاً في مدخل المنزل: الشمس ستشرق بعد قليل.. لننتظر.
(عمر): وقتها سيخرج وقت صلاة الفجر.
(عادل) ملتفتاً إليه: ماذا تقصد؟
(عمر) فاتحاً باب سيارته: أقصد أننا جميعاً لم نصل الفجر وسنصليها بمنزلك إذا لم تكن تمانع.
(عادل) بذهن مشتت: بالطبع لا أمانـ..
(ماجد) مقاطعاً قبل أن يترجل هو الآخر من السيارة باسماً: هيا إذاً نزل الثلاثة ووقفوا أمام الباب ليدرك (عادل) بعد أن تحسس ملابسه بكفيه أنه لم يحضر مفاتيحه فقال: الرياح أغلقت الباب فيما يبدو.. أحدكما يجب أن يتسلق السور ويفتحه لنا من الداخل
(عمر): إنه منزلك.. تسلق أنت
(عادل): أنا أثقلكم وزناً ولن أتمكن من الصعود
(ماجد): أنا سأقوم بذلك
عاون الاثنان (ماجد) على التمسك بأطراف السور حتى جلس فوقه ونظر لفناء المنزل وقال: القفز من هذا الارتفاع لم يعد فكرة جيدة
(عادل): هيا ولا تضع الوقت فأنا أشعر بالبرد
(عمر) متهكماً: تشعر بالبرد أم أنك تخشى خروج أحد جيرانك ليراك بهذه الحالة؟
(عادل): كنتما وما زلتما تتصرفان كالأطفال
(ماجد) وهو يهم بالقفز: حسناً حسناً.. سوف أفتح لكما الباب
قفز (ماجد) من فوق السور لكنه تعثر وسقط بقوة على أرض الفناء
وسمع صوت سقوطه بوضوح من الخارج فقال (عمر): هل أنت بخير؟!
(عادل): وكأنه شوال من الأرز قد سقط
(عمر) ملتفتاً إلى (عادل): من منا يتصرف كالأطفال الآن؟
(ماجد) من وراء السور: أنا بخير لا تقلقا!
(عادل): افتح الباب إذاً ماذا تنتظر؟!
مضت بضع دقائق قبل أن يفتح (ماجد) الباب فسار (عادل) على عجالة لوسط المنزل دون أن يلتفت خلفه..
(عمر) بعد تجاوزه مدخل الباب الأمامي واضعاً يده على كتف
(ماجد) مبتسماً: كيف كانت السقطة؟
(ماجد) ضارباً ملابسه بكفوفه لينفض بعض الأتربة التي علقت به: لم أعد صبياً رشيقاً كما كنت بالسابق بلا شك
(عمر) ضاحكاً: هيا إذاً أيها البهلوان لنلحق بـ (عادل) قبل أن يغير رأيه!
دخل الاثنان لوسط المنزل ولاحظا أن الأنوار الداخلية مطفأة وغرفة المعيشة مظلمة وعزوا ذلك بسبب أن (عادل) قد توجه مباشرة للطابق العلوي ليبدل ملابسه فجلسا ينتظر أنه دون أن يشعلا الأضواء. بعد فترة وجيزة من الصمت نزل (عادل) من الطابق العلوي وقد ارتدي كامل ملابسه وكأنه مستعد لحضور مناسبة ورائحة الطيب تفوح منه فقال (عمر) ساخراً: ما هذا يا شيخ؟.. نحن ذاهبون للتخلص من شيطان وليس لحفل زفافك
(عادل): المرء يجب أن يكون في أبهى صورة دائماً
(ماجد): هل هذا هو السبب الحقيقي أم لأننا ننوي مقابلة (نورة)؟
(عادل): لا وقت لدي لهذه المجادلات السخيفة
سحب (عادل) سجادة كانت على طاولة تتوسط غرفة المعيشة وفرشها تجاه القبلة وقبل أن يكبر قاطعه (عمر) قائلاً: ماذا تفعل؟
(عادل) بتهكم: سوف أصلي الفجر.. عادة غريبة عليكما نمارسها نحن المسلمين خمس مراتٍ في اليوم
(عمر) بتهكم مماثل: ونحن تأثرنا من أخلاقنا الطيبة وقررنا أن نسلم ونريد أن نصلي معك جماعة.. هل تسمح لنا يا صاحب الفضيلة؟
(عادل) خلال تكبيره: لم يمنعك أحد من الصلاة بجانبي
كبر (عادل) وبدأ بقراءة الفاتحة سراً فأشار (عمر) لـ (ماجد) بالنهوض والصلاة خلفه لكن حرك يده بصمت مشيراً لعدم رغبته في ذلك. استغرب (عمر) من تصرف صاحبه لكنه لم يناقشه ووقف بجانب (عادل) وكبر ليبدأ الآخر بالقراءة بصوت جهوري. بقى (ماجد) يراقبهما حتى فرغا من الصلاة وبعد التسليمة الثانية أدار (عادل) رأسه نحوه وقال بنبرة ساخرة: هل لديك عذر شرعي كي لا تصلي معنا؟.. هل حان ذلك الوقت من الشهر؟
(ماجد): اهتم بشئونك ولا تتدخل فيما لا يعنيك.
(عادل) معيداً نظره للأمام ومتمتماً لنفسه: زنديق..
(عمر): اكتف بأذكار الصلاة فقط ولا تفرز سمومك يا (عادل)
طوي (عادل) السجادة ونهض وهو يقول: هيا لنرحل..
(عمر) دون أن ينهض: نرحل إلى أين؟
(عادل) بعبوس: ألم تقولا بأنكما تريدان مقابلة (نورة)؟!.. أم أنكما تتلاعبان بي؟!
(ماجد): الوقت غير مناسب..
رمق (عادل) (ماجد) بنظرة مشبعة بالاستحقار ولم يرد عليه..
(عمر) ناهضاً من مكانه: أتفق معه.. لنؤجل ذلك في الوقت الحالي ولنعرج بمنزلها نهاية اليوم
(عادل) معيداً سجادة الصلاة مكانها: لنذهب معاً للمحكمة إذاً خرج الثلاثة من المنزل وقبل أن يصلوا للباب الخارجي التفت (عمر) خلفه ليقول شيئاً لـ (ماجد) لكنه فوجئ بأنه لم يتبعهما فقال:
أين (ماجد)؟
(عادل) مديراً وجهه لمدخل المنزل وبنبرة غير مكترثة: لعله ذهب للتغوط فهذا ما تجيده البهائم
تجاهل (عمر) تعليقه وسار عائداً لوسط المنزل منادياً على صاحبه لكنه لم يجد إجابة فخرج وقال: أين ذهب هذا الأحمق؟!
وقبل أن يرد (عادل) عليه سمع الاثنان صوتاً كالأنين قادماً من فناء المنزل الخلفي فسارا بخطوات متسارعة نحو مصدر الصوت ليجدا (ماجد) مستلقياً على الأرض وكفه على جبينه وبدا أنه في حالة من الدوخان.
(عمر) وهو يعاونه على النهوض وبنبرة مستغربة: كيف وصلت إلى هنا؟
(عادل): هل خرجت من الباب الخلفي؟
(ماجد) وقد بدأ يستعيد وعيه: أنا لم أدخل المنزل من الأساس.. لقد فقدت وعيي بعد سقوطي
(عادل): أنت لم تسقط هنا
(عمر) والجزع يتراكم على محياه: لا.. لقد سحبه شيء إلى هنا
(عادل) باستنكار: شيء؟.. شيء مثل ماذا؟.. ومن كان معنا إذاً؟!
(عمر) بنبرة مشبعة بالخوف: الشخص نفسه الذي رفض أن يصلي بجوارك.. (ديموس)
صمت الجميع لثوانٍ تحدث بعدها (عادل) وقال: لنذهب لبيت (نورة) الآن ونوقظها
هز الاثنان رؤوسهما في تأييد تام لاقتراح (عادل) وخلال فترة وجيزة كانوا جميعاً عند عتبة بابها بعد ما أرشدهما (عادل) لمكان إقامتها..
وقف الثلاثة أمام مدخل المنزل صامتين بعد ما ركنوا سيارتهم حتى تحدث (عمر) وقال: ماذا الآن؟
(عادل): ما هذا السؤال؟.. ألم تقل بأنكما تريدان التحدث معها؟
(عمر) بتردد: أليس الوقت باكراً وغير لائق للزيارة؟
(ماجد) وهو يسير نحو باب المنزل ويضرب الجرس: هذه حالة طارئة
اقترب الاثنان من (ماجد) ينتظران بترقب الإجابة على ضرب الجرس لكن لم يكن هناك أي جواب فقام (عادل) بإحكام قبضته والطرق على الباب بقوة.
(عمر): ماذا تفعل؟!
(عادل): أطرق بيدي لعل الجرس معطوب
(ماجد): أقترح أن نرحل ونعود في وقت لاحق
(نورة) من وراء الباب: من الطارق؟
(عمر) مبتهجاً لردها: افتحي يا (نورة)!
(نورة) بقلق: (طارق)؟.. هل هذا أنت؟
(ماجد): لا لسنا (طارق).. لا تخافي نحن هنا لنساعدك
(عادل) متمتماً في نفسه بغضب بصوت غير مسموع للبقية: (طارق) ذلك الشاب المستهتر الذي تصاحبه.. كنت أعلم أنها على علاقة به (نورة) بخوف وصوت مرتفع قليلاً: أرحلوا من هنا وإلا استدعيت الشرطة!
(عمر): ألا تريدين التخلص من (ديموس)؟
سكتت (نورة) قليلاً ثم قالت: كيف تعرف هذا الاسم؟
(ماجد) افتحي الباب وسنخبرك
(نورة): لا استطيع.. أنا وحدي بالمنزل
(عادل) متهكماً: وكأنها تكترث وتملك حياء
أخرج (عمر) قلماً من جيبه وقال لـ (ماجد): هل معك ورقة لأكتب عليها؟
(ماجد) متحسساً جيوبه: نعم اعتقد
أخرج (ماجد) ورقة مكرمشة من جيبه ومدها لـ (عمر) الذي أخذها وكتب عليها بعجالة وهو يقول: سوف نكتب رقم هاتفنا في ورقة ونضعها تحت الباب ويمكنك الاتصال بنا في أي وقت إذا غيرت رأيك بشأن مساعدتنا لك
سكتت (نورة) وهي تراقب ورقة صغيرة تندس من تحت عتبة الباب..
(عادل) لـ (عمر): هل كنت تنوي الدخول لمنزل امرأة عزباء وهي بدون محرم؟
(عمر) وهو مشوش: ماذا؟.. عن ماذا تتحدث؟
(عادل) وهو يشير بسبابته للباب: تلك الفتاة.. لو أنها فتحت الباب لك وسمحت لك بالدخول.. فهل كنت ستدخل؟
(ماجد): كنا سندخل جميعاً
(عادل): تحدثا عن أنفسكما فقط
(عمر): لم أنت في عالم مختلف عن عالمنا؟
(عادل): عالمي مهما كان فهو خير من عالمك الفاسد وأنا بأمان فيه من غثاء ما تفعلان
(عمر) بسخرية: أخبر (ديموس) بذلك عندما ينقض عليك مرة أخرى وأنت في الحمام
(عادل): أنا لست خائفاً منه.. من يحفظ الله يحفظه
(عمر): وهل حفظت الله حقاً يا شيخ (عادل)؟
(عادل) متجهماً: ما قصدك من هذا الكلام؟!
(ماجد) لـ (عمر): دعك منه.. ماذا الآن؟
(عمر): نرحل وننتظر اتصالاً منها على ما أظن
(ماجد): وإذا لم تتصل؟
(عمر): لا أعرف لكني أعول على رغبتها في التخلص من ذلك الشيطان مثلنا
(ماجد): ماذا لو كانت لا ترغب بذلك؟.. سنكون في عداد الهالكين
(عمر): وقتها سنبحث عن طريقة أخرى
(عادل) مشاركاً في الحوار: وهل سينتظر ذلك الشيطان حتى نجد تلك الطريقة؟
(عمر) بتهكم: كنت أظنك لا تخشاه
(عادل): أجب دون مراوغة!
(عمر): بالطبع لا لكن لا خيار أمامنا في الوقت الحالي سوى الانتظار صوت آتٍ من خلفهم يقول: "من أنتم؟"
التفت الثلاثة على مصدر الصوت ولم يتعرف على صاحبه سوى (عادل) الذي قال بتجهم: أنت؟!.. ماذا تفعل هنا في هذه الساعة المبكرة أمام منزل (نورة)؟!
(طارق): يمكنني أن أسألك السؤال ذاته
(عادل): أنا هنا لغرض رسمي ولست أبحث عن لقاء رخيص مثلك
(عمر) مقاطعاً الحوار المحتدم: ما الأمر؟.. من هذا يا (عادل)؟
(عادل) ونظره المشمئز منصب على (طارق): هذا الشاب يقيم علاقة آثمة مع (نورة) وقد قبض عليهما متلبسين في خلوة غير شرعية قبل عدة أيام
(طارق) بغضب وصوت مرتفع: أحفظ لسانك أيها الأرعن!
(ماجد): إذاً فحياته في خطر مثلنا
(طارق): عن ماذا تتحدث؟.. وأين (نورة)؟!.. هل حدث لها مكروه؟!.. هل آذيتموها؟!
(عمر): هدئ من روعك أيها المتحمس.. نحن هنا لمساعدتها وليس لإيذائها
(طارق): مساعداتها في ماذا؟.. ولم هذا الهمجي معكما؟!
(عادل) بعبوس: أرحل قبل أن ترى ماذا يمكن لهذا الهمجي أن يفعله بالناعمين المترفين أمثالك!
استمر النقاش الساخن بين الأربعة عند عتبة المنزل لعدة دقائق حتى فتح الباب ليصمت الجميع مديرين أنظارهم نحوه ليروا (نورة) تخرج لابسة ملابس الخروج وتلف وشاحاً على رأسها وهي تقول: لنذهب لمكانٍ ما للتحدث..
(عمر) بشيء من السعادة: هل قررت الحديث معنا أخيراً؟
(نورة): قرار أنا مجبرة عليه كي لا أعيش بإحساس الذنب بعد موتكم جميعاً
(ماجد): لنتحدث في منزلك
(عادل): لا!.. لن أدخل منزلاً ليس به رجال
(نورة): لا تقلق فلن أسمح لك بذلك
(طارق): ماذا تقترحين إذاً؟
(نورة): أي مكان عام سيفي بالغرض.. أين سيارتكم؟
(عادل): ولن أركب معها بسيارة واحدة أيضاً!
وضع (عمر) كفه على وجهه في حسرة وقال: هذا ما كان ينقصنا
(طارق): لن تركب معك.. معي سيارتي الخاصة.. هيا (نورة) اتبعيني.
(عادل) صارخاً: لا!!
(عمر) وقد فقد أعصابه: ما بك؟!.. هل تريد أن نسير على أقدامنا!!
(عادل): أنا سأركب مع هذا الشاب المتحمس وهي ستركب معكما
(طارق) متجهماً: ومن قال إني سأسمح لك بركوب سيارتي؟!
(ماجد) لـ (عادل): وما الفرق إن ركبت معنا أو معه؟
(عادل): بالرغم من أنكما لستما صالحين إلا أنها بمأمن معكما أكثر من هذا المرهف المترف.
(نورة) بغضب: ومن سمح لك بتحديد ما أفعله؟!.. أنت لست ولي أمري!
(عادل): لو كان لديك ولي أمر لما اضطررت أن أحل مكانه.. افعل ما تشاؤون فهذا ديدن العصاة مع من ينصحهم
(ماجد): ما معنى "ديدن"؟
(طارق): عصاة؟
(عمر): تجاهل صديقنا فبالنسبة له العالم كله سيذهب للجحيم وهو فقط من سيفتح أبواب الجنة
(عادل) بصوت مرتفع: ولن تشموا ريحها جميعاً!
نشب خلاف حاد بين المجموعة وتبادلوا فيه الكلام الجارح لأكثر من دقيقة حتى قاطعهم (عمر) صارخاً: توقفوا! نحن نخوض نقاشات جانبية عقيمة لن نجني منها شيئاً سوى إضاعة الوقت!..
(نورة) ستختار مع من ستذهب وشيخ الفضيلة وحامل مفاتيح الجنة سيركب السيارة الأخرى!.. انتهى النقاش!
(نورة) بوجه محتقن ونظرات حادة نحو (عادل): سأركب معكما!
(ماجد) وهو يسير نحو سيارة (عمر): حسم الأمر إذاً
(طارق): لا أريد لهذا المسخ أن يركب معي!
(عادل): لا يوجد مسخ سواك!
(عمر) متجاهلاً كلامهما فاتحاً باب سيارته: سوف نذهب للمقهى المقابل للحديقة العامة.. هل تعرفه يا سيد (طارق)؟
(طارق) بعبوس: نعم أعرف المكان
(عمر) مغلقاً باب سيارته: نراك هناك إذاً
ركبت (نورة) المقعد الخلفي لسيارة (عمر) لينطلق على الفور تاركاً (عادل) و(طارق) واقفين وحدهما..
(عادل) بتهكم: أين سيارتك التي لا تريدني أن أركبها؟
لم يرد (طارق) وبدأ بالسير نحو المكان الذي ركن فيه سيارته فتبعه (عادل) وعلى وجهه ارتسمت ابتسامة صفراء.
أدار (طارق) محرك سيارته بينما ركب (عادل) بجانبه ناظراً أمامه بصمت..
(طارق) وقبضتاه على المقود خلال توجهه للمقهى: ما مشكلتك معي؟
(عادل) دون أن يلتفت عليه: ومن أنت حتى يكون لي مشكلة معك؟
(طارق): أمثالك مهما فعلوا لن يؤثروا بشخص مثلي فلا تهدر وقتك
(عادل): أنت تعطي نفسك أهمية أكثر مما تستحق.. كل ما أقوم به هو لوجه الله فقط وإبراء لذمتي عندما أواجه خالقي
(طارق): أي وهمٍ تعيشه؟
(عادل): أنت من يعيش وهم الحياة الخاوية الخالية من أي معنى.. تظن نفسك وبسبب ثرائك تستطيع الحصول على كل ما تريد لكني لن أسمح لك بأن تمارس سطوتك المزعومة علي
(طارق): الموضوع عن (نورة) أليس كذلك؟.. أنت تريدها لنفسك.. هذا هو سبب كل ما تقوم به
(عادل): منذ أن عرفت أنها على علاقة بك فقدت الاهتمام بها
(طارق) بتهكم: نعم صحيح وهذا واضح والدليل أني وجدتك عند منزلها في هذا الوقت
(عادل): لقد أتيت لسبب آخر أيها المدلل
(طارق): سبب آخر؟
(عادل): نعم.. تلك الفتاة يحوم حولها شيء خطر وهذا الشيء بدأ بالاعتداء علينا وأنا هنا فقط لإيجاد حل للتخلص منه لكن السؤال هو لم أنت هنا؟
(طارق): صديقي.. صديقي اختفى بدون أثر في منزلها وأنا أحاول أن أجده
(عادل) بسخرية: صديقك أيضاً على علاقة بها؟.. هذه الفتاة لا تضيع وقتاً
(طارق): الأمر ليس كما تظن يا ضيق الأفق
(عادل): ضيق أو واسع لا يهم.. المهم الآن أن نتخلص من هذا الشيطان
(طارق) بقلق: شيطان؟.. هل هو نفسه حارس الخاتم الذي أخبرتني عنه؟.. (ديموس)؟
(عادل): يبدو أنكما قد تحدثتما في الموضوع
(طارق): لا.. نعم.. مجرد مكالمة سريعة لم تخبرني فيها بالكثير لذا أنا هنا لأعرف كل شيء
(عادل): وهذا ما سنعرفه الآن منها
(طارق): ولم يطاردك أنت؟.. ما علاقتك بالموضوع؟
(عادل): فيما يبدو أن هذا الشيطان يلاحق كل من يتقرب منها أو يحاول إقامة علاقة معها من أي نوع.. أنت حاولت أن تقيم معها علاقة لذلك فلابد وأنه يتقصى أثرك وسينتقم منك
(طارق): ومعنى ذلك أنك أنت أيضاً حاولت الشيء نفسه
(عادل): تقدمت لخطبتها بشكل شرعي ولم أحاول إقامة علاقة مشبوهة مثلك
(عادل) مبتسماً: حجتي القوية هي الصخرة التي دحرت منطقك الهش وهشمته أليس كذلك أيها المدلل؟
(طارق): لن تكبر بالتكبر ولن تزداد شرفاً بالاستشراف.. نصيحة مني دع الخلق للخالق
(عادل): الخالق أمرني بعدم السكوت عن الباطل ولا يوجد باطل أكثر مما تمارسه مع تلك الفتاة
لم يرد (طارق) على (عادل) وأكمل القيادة ليقينه أن الحديث معه مجرد إضاعة للوقت. كان الاثنان يتبعان سيارة (عمر) الذي كان يناقش (نورة) مع صديقه (ماجد) بما حدث لهما.
(عمر) وهو ينظر للخاتم الأخضر على يد (نورة) مستعيناً بالمرآة الأمامية: هل هذا هو الخاتم الأخضر؟
(نورة) رافعة ظهر يدها أمام نظرها سارحة في فص الخاتم: نعم..
(ماجد) يمد يده لـ (نورة) قائلاً: هل يمكنني رؤيته عن قرب؟
(نورة) تخلع الخاتم وتمده لـ (ماجد) قائلة: تفضل
تفحص (ماجد) الخاتم لثوانٍ و(عمر) يراقبه بترقب..
(نورة) لـ (عمر): انتبه للطريق!
أعاد (عمر) نظره للطريق أمامه وشد قبضته على المقود وقال لـ (ماجد): هل النقش موجود؟
(ماجد) معيداً الخاتم لـ (نورة): نعم.. الاسم (هنان) منقوش عليه كما أخبرنا الباحث
(عمر): الخاتم أصلي إذاً..
(ماجد): نعم.. والشيطان كذلك
(نورة): عن ماذا تتحدثان؟
(عمر): آنسة (نورة).. من أين حصلت على الخاتم؟
(نورة): هل ستصدقني لو أخبرتك بأني لا أذكر
(ماجد): كيف لا تذكرين أمراً كهذا؟
(نورة): الأمر مشوش في ذهني.. أعتقد أنه كان هدية من إحدى قريباتنا عندما عادت من السفر.. لا أذكر من أهدتني إياه أو حتى في أي عمر كنت لكني أذكر من أين جلبته.
(عمر): من أين؟
(نورة): "مصر".. نعم لقد كانت عائدة من "القاهرة" مع زوجها على ما أظن.. وما يجعلني متيقنة من ذلك هو أنها أهدت أمي مجسماً نحاسياً لأبي الهول وأنا الخاتم الأخضر.
(ماجد): وهل قريبتك هذه موجودة الآن لنسألها من أين حصلت عليه؟
(نورة): أخبرتك بأن ذاكرتي عن هويتها وكأنها مسحت من عقلي.. أذكر كل شيء لكني لا أستطيع تحديد هويتها.. أمر غريب لا أستطيع تفسيره.
تبادل (ماجد) و(عمر) النظر بعضهما لبعض لثوانٍ ثم قال (عمر): ومتى علمت بأن الخاتم يحرسه شيطان؟
(نورة): أليس من الأفضل تأجيل الحديث حتى نصل للمقهى كي لا أعيد الكلام مرة أخرى.
(ماجد): حسناً لكن جاوبي على هذا السؤال فقط.
(نورة): تفضل
(ماجد): لم غيرت رأيك وقررت الحديث معنا فجأة
(عمر) لصاحبه: ما هذا السؤال الغريب؟
(نورة): لا بأس.. سأجيب
(ماجد): حسناً نحن منصتان..
(نورة): لأني تذكرتكما.. أنتما من حاولا معاكستي في الشركة أليس كذلك؟
(عمر) مبتسماً: بلى صحيح.. معنى ذلك أننا لفتنا انتباهك.. هل كانت وسامتنا أم كلماتنا هي السبب؟
(نورة) بتهكم: لا هذا ولا ذاك.. تذكرتكما من الفاتورة.
(ماجد): فاتورة؟.. أي فاتورة؟
(نورة) مخرجة الورقة التي كتب عليها (عمر) رقم هاتفه سابقاً: هذه.. عندما دسست الورقة تحت الباب رأيت أنها فاتورة مشترياتكما من مقر عملي تذكرتكما على الفور وعلمت أنكما قد أصبحتما هدفاً لـ (ديموس) بعد معاكستكما لي وقررت أن أحاول مساعدتكما أنتما أيضاً بالرغم من وقاحتكما معي ذلك اليوم
(عمر): نحن أيضاً؟ .. هل حاولت مساعدة أحد قبلنا؟
(نورة): نعم.. الكثير
(ماجد): وكيف نجوا من (ديموس)
(نورة): ومن قال بأنهم نجوا.. جميعهم لقوا حتفهم بطريقة شنيعة وكل محاولاتي لتحذيرهم وما قمت به لمساعدتهم على النجاة من مخالبه ذهبت سدى.
(عمر): ولم لا يقتلنا الآن؟.. ما الذي ينتظره؟
(نورة): ستفهم كل شيء عندما نصل..
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا