أرشميدس..
وجدتها.. وجدتها!!
"وجدتها".. "وجدتها".. هكذا نطق وصرخ "أرشميدس" حينما قادته الصدفة البحتة لاكتشاف قانون الطفو!!
ولد أرشميدس عام 287 قبل الميلاد في جزيرة صقلية، وكان والده فلكياً شهيراً، وكان أغلب الشباب في ذلك الوقت يدرسون في الإسكندرية.. ثم سافر إلى اليونان طلباً للدراسة.. يعد أرشميدس من أعظم علماء الرياضيات في العصور القديمة وهو أبو الهندسة.
ومن أبرز القوانين التي اكتشفها يجيء قانون طفو الأجسام داخل المياه والذي صار يعرف بقانون أرشميدس.
فقد ذكر التاريخ القديم أن الملك سيراكوس وهو ابن عم أرشميدس شك في أن الصائغ الذي صنع له التاج قد غشه وأدخل في التاج فضة بدلاً من الذهب الخالص وطلب من أرشميدس أن يبحث له في هذا الموضوع بدون إتلاف التاج.
وعندما كان يغتسل في حمام عام — وكان نادراً ما يغتسل — لاحظ أن منسوب الماء ارتفع عندما انغمس في الماء، وقد قيل إنه خرج بثياب الحمام في الشارع يجري ويصيح (أوريكا، أوريكا) أي وجدتها وجدتها، لأنه تحقق من أن هذا الاكتشاف سيحل معضلة التاج.
وقد تحقق أرشميدس من أن جسده أصبح أخف وزناً عندما نزل في الماء، وأن الانخفاض في وزنه يساوي وزن الماء الذي أزاحه، وأيضاً تحقق من أن حجم الماء المزاح يساوي حجم الجسم المغمور.
وعندئذ تيقن من أنه يمكنه أن يعرف مكونات التاج دون أن يتلفه وذلك بغمره في الماء فإن حجم الماء المزاح بغمر التاج فيه لابد أن يساوي نفس حجم الماء المزاح بغمر وزن ذهب خالص مساوٍ لوزن التاج.
أو للتأكد من صحة اكتشافه، أخذ أرشميدس وزنان متساويان الأول من الذهب الصافي والثاني من الفضة وقارن أوزانهم وذلك بتغطيسهما في الماء.. قارن الأوزان الناتجة من الأوزان المركبة بنفس الأبعاد المماثلة. ولاحظ الاختلاف بين هذين المقارنتين فاكتشف بأن التاج ليس ذهباً صافياً!!
وكانت النتيجة أن الصائغ فقد رأسه بهذه الطريقة!!
وقد قتل أرشميدس في عام 212 قبل الميلاد أثناء سقوط مدينة سرقسطة من قبل الرومان في حرب "البونيك" الثانية بعد أن بذل كل جهوده لإبعاد الرومان بخططه واختراعاته الحربية التي فشل في إنجازها. وهناك رأيان حول قصة قتله:
الأول: قتل أرشميدس غدراً بوساطة جندي روماني سحب سيفه وقتله بأمر من مارسيلوس، حيث كان يعكف على حل مسألة رياضية بمنزله لا يدري شيئاً عن احتلال المدينة من قبل الرومان.. وبينما كان يرسم مسألته على الرمال، دخل عليه الجندي الروماني وأمره أن يتبعه لمقابلة "مارسيلوس"، فرد عليه "أرشميدس": من فضلك، لا تفسد دوائري!
وطلب منه أن يمهله حتى ينتهي من عمله، فاستشاط الجندي غضباً وسل سيفه ليطعن "أرشميدس" دون تردد. وسقط "أرشميدس" على الفور غارقاً في دمائه، وسرعان ما لفظ أنفاسه الأخيرة.
الثاني: عندما كان أرشميدس يوجه المرايا لإحراق السفن الرومانية ظن الجنود أنه يحمل ذهباً فوجهوا سهامهم عليه فقتلوه. ودفن حيث مات في مدينة سرقسطة. ونقش على قبره النسبة الثابتة، الاكتشاف الأكثر شهرة. ووضعوا أيضاً على شاهدة قبره إسطوانة وكتبوا عليها النسبة 2:3 نسبة الحجوم بينهما.
وقد نشر أرشميدس أعماله على شكل مراسلة مع علماء عصره الرئيسيين في وقته، من ضمن هؤلاء العلماء الإسكندريين "كونون"، إراتيسينوس.
وأعماله المعروفة كانت نظرية، على الرغم من اهتمامه في الميكانيكا. كتب في الأعمال الميكانيكية والاستاتيكية الموائع النظرية، ولكن طريقة طرحه كانت تهتم بالنظريات الميكانيكية، وتدل الدراسات بأنه غلب التفكير الميكانيكي واستعمله كأداة إرشادية لاكتشاف النظريات الرياضية الجديدة.
ومن أشهر أقوال أرشميدس: "أعطني مكاناً لوقف وإراحة عتلتي على الأرض، وأنا أستطيع أن أحرك الأرض."
والآن سنحاول التعرف على أشهر أعمال ومنجزات أرشميدس العلمية.
كانت المدينة التي عاش فيها أرشميدس ميناءً بحرياً ولهذا كان موضوع الأجسام العائمة شيئاً طبيعياً له.
ومن هنا سنبدأ بقانون أرشميدس المشهور والموصوف في كتاب "الأجسام العائمة".. وأهم أسس هذا القانون:
1. إذا غمر جسم صلب غمراً كاملاً في سائل لا يذوب فيه ولا يتفاعل معه غمراً كاملاً. فإنه يخضع لقوة شاقولية مساوية في المقدار إلى قوة الجاذبية على السائل المزاح.
2. توازن الأثقال المختلفة على أبعاد متساوية وعدم التوازن على أبعاد غير متساوية.
ونجد في كتاب أرشميدس أيضاً عدداً من المصطلحات الأخرى مثل مفهوم مركز الثقل – البكرة المركبة – العتلة... الخ.
3. أما اكتشافه البارع فهو النسبة الثابتة، وقانون الذراع لحساب حجم الكرة.
4. البرغي الهيدروليكي – وهي أداة ميكانيكية لرفع الماء من مستوى منخفض إلى مستوى أعلى.
5. العتلة وهي أداة حركية رافعة يستفاد منها في رفع الأثقال، أيضاً البكرة المركبة. والمرآة المحرقة.
6. كذلك كان أرشميدس عالماً في مجال البصريات، إذ توجد مقولة بأنه استخدم في الحرف ضد الأسطول الرومي مرايا مقعرة واستطاع أن يحرق السفن عن طريق تجميع الأشعة في بؤرة محددة.
7. ومما وصل إلينا من أعمال أرشميدس يؤكد صحة المقولة أن أرشميدس عرف جيداً المرايا المقعرة وعملها الحارق، وعرف خصائص الخيال في المرايا المستوية والمقعرة والمحدبة.
ويعتبر أرخميدس قمة للأفكار العلمية في العصر القديم، وكثير من العلماء أضافوا الكثير من الأفكار إليه والتي لم تكن واضحة أثناءها لأرشميدس.
8. وقد صنع أرشميدس قبة فلكية: وهي نموذج ميكانيكي تمثل حركات الشمس، القمر، والكواكب كما ينظر إليها من الأرض.
وقد أشار العديد من الكتاب القدماء الآخرين إلى قبة أرشميدس الفلكية أيضاً في أعمالهم النثرية، وفي أشعارهم. وآخرون عدوها كبرهان للكون لا بد وأن له خالقاً قدسياً.
وفي عام 1900 اكتشف حطام سفينة في شاطئ الجزيرة اليونانية لـ "أنتيكيسيرا" وكشف عن كنز غير متوقع. السفينة غرقت في القرن الأول قبل الميلاد وكانت تبحر من الجزيرة اليونانية "ردس". وسط الشحنة كان هناك ترس في حالة متدهورة وهو أداة أرشميدس، ما يسمى الآن بآلية "أنتيكيسيرا"، تم تحليلها في جامعة يابل، واستنتج بأنها كانت القبة الفلكية القديمة التي فيها مواقع الأجرام السماوية والتي أشيرت إليها بالأوجه على وجه الأداء.
وكان أفضل اكتشاف له تلك العلاقة بين السطح والحجم وتحديد حجم الأسطوانة، وصياغته قوانين الرفع ويعد ذلك من أهم قوانينه الفيزيائية.
وقد وصف أرشميدس طبيعة السوائل واعتبر أن سطح أي سائل غير متحرك يمسك شكلاً كروياً ومركزه يتطابق مع مركز الأرض.
وفي الميكانيكا اكتشف أرشميدس نظريات أساسية تتعلق بمركز ثقل الأجسام المستوية والمواد الصلبة.
ولعب أرشميدس دوراً مهماً في الدفاع عن سيراكوزا أثناء الحصار، إذ صنع للملك هيرو أجهزة حربية فعالة جداً مما أطال فترة الحصار الروماني على سيراكوزا وأخر سقوطها لمدة طويلة في 212 قبل الميلاد.
ويبدو أن ما خلفه أرشميدس فعلاً كان أكثر مما وصل إلينا، فقد ذكر النديم في كتابة الفهرست: "لقد أخبرني الثقة أن الروم أحرقت كتب أرشميدس خمسة عشر حملاً، وذلك خبر يطول شرحه".
بقي أن نقول إنه في 14 أكتوبر عام 2000 تم استعمال تقنية حديثة لكشف الأسرار الموجودة في مخطوطة قديمة تعود لأرشميدس، حيث فك العلماء رموز خمسة من صفحات المخطوطة المعروفة الوحيدة بنص يوناني بعمر 2،300 سنة من قبل عالم الرياضيات أرشميدس. ويتمنون إكمال ترجمة هذه الإطروحة التي تتجاوز 174 صحيفة، على الأجسام العائمة.
ويعتقد العلماء أن الإطروحة نسخت من قبل كاتب في القرن العاشر من لفائف أرشميدس الأصلية اليونانية، إذ يتوقع أنها تحتوي على النص الأصلي المتضمن على جذور حساب التفاضل والتكامل الحديث أيضاً، ونظرية الجاذبية.
وبالرغم من أن شهرة أرشميدس شاعت في إنجازه اختراعات ميكانيكية، فهو عالم رياضيات رائع ساعد على تطوير علم الهندسة.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا