أسطورة ديموس
شيطان الهرم
بدأ الباحث بالحديث وهو يشعل سيجارة أخرى وقال:
في "مصر" ومنذ آلاف السنين رويت قصة تداولها الناس على أنها خرافة ومن الأساطير لكن ظهرت مؤشرات كثيرة عبر التاريخ تشير إلى أن تلك القصة ربما تحمل شيئاً من الصحة لذلك بحث الكثير من الباحثين والمهتمين بعلم الروحانيات وما وراء الطبيعة عن تاريخ الخاتم وقصته المتناقلة خاصة وأن تلك القصص كان يجمعها شيء من الترابط بالرغم من الاختلافات الزمنية والجغرافية فيما بينها.
(ماجد): وما أدراك بكل هذا؟
(الباحث): أنا كنت أحد هؤلاء المهتمين بتلك الأسطورة لكن الاهتمام بها أخذ بالتناقص بين العلماء والباحثين بسبب تعرض أغلب من يبحث فيها لنهاية شنيعة خلال فترة وجيزة من البحث لذا بدأ الكثير من هؤلاء المهتمين بتجنب البحث في أسطورة (ديموس) وخاتمه الأخضر.
(عمر): وما هي تلك الأسطورة؟
استأنف الباحث حديثه وهو ينفخ سحابة من الدخان وقال: كان أول من بحث في هذا الموضوع مستشرق فرنسي دخل "مصر" ضمن حملة نابليون الغازية ولكونه مهتماً بالآثار فقد فتن بــ "مصر" وما حوته من آثار تاريخية لا تقدر بمال فبدأ بشراء وجمع ما استطاع منها ونقلها لــ "فرنسا" في كل فرصة سانحة وفي أحد الأيام عرض عليه أحد لصوص المقابر الفرعونية خاتماً أخضر وأخبره أنه خاتم (ديموس) الأصلي. لم يكن المستشرق الفرنسي وقتها قد سمع عن (ديموس) أو أسطورته من قبل لكن سعر الخاتم الزهيد دفعه لشرائه والبحث في تاريخه لاحقاً خاصة وأن الخاتم كان بنقش جميل ولافت للنظر.
بعد ما اشترى المستشرق الخاتم وهو في شك من أصالته توجه للمكتبات المحلية ليقرأ عن هذه الأسطورة وعن الخاتم الأخضر الذي اقتناه ببضعة جنيهات قليلة. قاده البحث لمكتبة عتيقة في "القاهرة" حيث وجد النسخة الوحيدة لكتاب بالعربية التي كان يجدها المستشرق ضمن لغات شرقية عدة. تحدث الكتاب عن تلك الأسطورة وعن الكثير من القصص حولها وكانت بعض مصادر القصص في الكتاب مجمعة من روايات للأساطير المتناقلة جمعها المؤلف بين دفتي هذا الكتاب وبعض القصص الأخرى أخذت من كتب متفرقة وبلغات مختلفة مثل اللاتينية والعبرية وتم ترجمتها للعربية. تحدث الكتاب عن جزء من قصة (ديموس) والخاتم الأخضر. جلس المستشرق في إحدى زوايا المكتبة وبدأ يقرأ.
حكى الكتاب في مطلعه أنه في عصر الفراعنة عاشت فتاة جميلة جداً اسمها (نوارة) ومعناه باللغة الفرعونية ورق الجواف وكانت تعمل كخادمة في قصر أحد الكهنة الفرعونيين الذين كانوا يتعاملون بالسحر بشكل يومي واعتيادي وكانوا يسخرون الجن والشياطين لخدمة الفرعون الأكبر ولحمايته من أعدائه.
قام كبير السحرة في أحد الأيام بتحضير أحد الشياطين العتاة ليرسله في مهمة اغتيال لأحد أعداء الفرعون وقد تعود ساحر القصر على القيام بالتحضير في غرفة خاصة لا يدخلها أحد أبداً إلا الخدم لتنظيفها مرة واحدة في الشهر فقط وقد صادف وقت تحضير الساحر لذلك الشيطان وجود (نوارة) في الغرفة والتي غلبها النعاس في أحد أركانها عندما دخلت لتنظيفها أول النهار ولم ينتبه لوجودها كبير سحرة الفرعون قبل أن يبدأ في مراسم التحضير.
عندما حضر الشيطان استيقظت (نوارة) من صوت حضوره المزعج والمرتفع فصرخ فيها الساحر لأنها الآن يجب أن تقدم كقربان له وإلا قتلها وقتل الساحر الذي حضره لذا تناول الساحر خنجره وأمسك بذراعها وشدها نحوه لينحر عنقها لإرضاء الشيطان الغاضب، لكن ما حدث هو عكس ذلك تماماً فقد قاومت (نوارة) الساحر وقتلته بسكينه التي كانت موجهة لعنقها فاعتبر الشيطان دم الساحر هو القربان وجلس ينتظر أوامرها. لم تكن (نوارة) تعرف شيئاً عن السحر لذلك خرجت مفزوعة من المكان في محاولة للهروب من القصر لكن الحراس ألقوا القبض عليها وحوكمت بالخيانة العظمى وتقرر إعدامها في الصباح.
باتت (نوارة) ليلتها الأخيرة في زنزانة مظلمة وهي مكبلة بالحديد وكان بكاؤها مسموعاً عند الزنزانات الأخرى ولكن قبل الفجر توقف بكاؤها وتحول لحوار حسب ما رواه من كانوا محبوسين في الزنازين المجاورة لها وكان الحوار قد دار بينها وبين صوت مجهول من داخل زنزانتها:
(الصوت المجهول): أريد أمري..
(نوارة) بخوف: من أنت؟
(الصوت المجهول): أريد أمري..
(نوارة): هل أنت من حضره الساحر؟
(الصوت المجهول): أريد أمري..
(نوارة): خلصني من الموت هذا هو أمرك
(الصوت المجهول): لن يمسوك..
انتهى الحوار على ذلك وبعدها بأقل من ساعة جاء مجموعة من الحراس ليقتادوها لساحة الإعدام وقبل أن يضع أحد الحواس يده عليها تمزق هو ومن معه لأشلاء فعمت الفوضى وارتفع الصراخ داخل السجن الذي كان تحت الأرض فهرع بقية الحراس المتمركزين خارج الزنزانة نحو مصدر الصراخ وبمجرد دخولهم تحولوا جميعاً كذلك إلى أشلاء وكأن ألف سيف قد ضربتهم دفعة واحدة.
انتشر الخبر بين المسؤولين في القصر ووصل للفرعون نفسه فأعطى الأمر لكبير سحرته الجديد بالتصرف مع من كان يحمي (نوارة) في سرداب السجن لأنهم أدركوا أنه شيطان وليس من البشر.
نزل كبير السحرة الذي عين مؤخراً بعد مقتل كبير السحرة السابق ومعه مجموعة من السحرة الآخرين لقبو السجن ليجدوا (نوارة) في زنزانة ممتلئة بالدماء والأشلاء والأطراف والرؤوس المتقطعة ورائحة المكان بدأت بالفوحان من أثرها. أمر الساحر الكبير سحرته بإخلاء الزنازين من المساجين ومساعدة الحراس في ذلك وتركه وحيداً معها وشيطانها. خلال دقائق خلا المكان من الجميع عدا الساحر الكبير و(نوارة) والشيطان الذي كان يذود عنها.
لا أحد يعرف ماذا حدث في السرداب لكن الساحر بعد فترة طويلة تجاوزت الساعتين خرج وفي يده (نوارة) المكبلة ليرميها في ساحة الإعدام أمام الناس ويأمر بإعدامها وسط صرخات ترحيب كبيرة من المتجمهرين، أعدمت (نوارة) ذلك اليوم وأحرقت جثتها ورمي الرماد في النيل.
لم يبق منها إلا القليل من الرماد الذي تطاير بعضه في الهواء وبعض الحلي الذي لم يذب في النار وكان بين الحلي خاتم بفص أخضر التقطه الساحر الكبير من الأرض ووضعه في جيبه.
لم يمض وقت طويل حتى وجد الساحر الكبير مقتولاً في قصره بصورة بشعة لكن الأمر لم يكن مريباً لأن السحرة قد يواجهون مثل هذه النهايات بسبب تعاملهم المستمر مع الشياطين لكن ما أن بدأ السحرة الآخرون بالموت بالطريقة نفسها وكذلك كل من شارك في قتل (نوارة) من حراس بدأ القلق يدب في صدور الكهنة والسحرة بمن فيهم الفرعون نفسه مما دفعه لإعطاء الأمر بإحضار ساحر متمكن للتحقيق في الأمر.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا