3)
رغـد
نزلت رغد إلى البسارحة وحدها
فهتفت بها: لم ينزل أحد بعد؟
جفلت دلال واعتدلت في جلستها وقالت: لا أحد أنا أول من وصل كالعادة.. ما أجملك اليوم،
ابتسمت رغد لأختها، كانتا قريبتين جداً من بعضهما، كانت رغد أصغر أخواتها وهي في الثامنة عشرة من عمرها في الصف الرابع الثانوي، وكانت متفوقة في دراستها، وهي أجمل أخواتها، كانت متوسطة القامة مثل دلال لكنها أكثر بياضاً، إنها بيضاء البشرة وبياضها مشرب بحمرة خفيفة، وعيناها واسعتين عسليتين جميلتين، كان فمها رقيقاً وشفتاها مكتنزتين وشعرها طويلاً أشقر اللون، إنها نسخة من أمها، تميزت رغد عن أختيها بقرب والدها فقد أحبها والدها ودللها ربما لجمالها الصارخ وربما لأنها الأصغر وربما لأنها تعودت أن تتقرب منه وتداعبه، فقد كانت تنتظره حتى يعود إلى اليت لتقبله قبل أن تنام وكانت جريئة في أحاديثها معه، فهي تجلس في حضنه وتمطره بالقبلات وتذكر ميلاده وتشتري له الهدايا، فهي تدلله وتسأله عن عمله وتعرف تفاصيل يومه، كأنها صديقته وعندما يمرض تسهر على تمريضه وتذكره بمواعيد الدواء وإذا سافر تبكي عند وداعه وتذهب لتستقبله في المطار عند عودته، وقد وضعت صورته في إطار ماسي تعلقه دائماً في عنقها، إنها حبيبة والدها والأقرب إليه، وكانت أختاها توسطانها لديه إذا أرادتا شيئاً منه، وكان لا يرفض لها طلباً.
وأخيراً نزلت سمر وتبعها والدها السيد عبد الله، كان والدها متوسط القامة، حنطي البشرة وكان أنيقاً وسيماً ذا شخصية قوية، وهو يمتلك شركة خاصة ناجحة فقد كان ذا عقلية تجارية فذة، وكان له شريك يدعى السيد عامر وهو صديق عمره وطفولته وذراعه اليمنى، ابتسم الأب في حنان وقال: كيف حال أجمل البنات، ما شاء الله ما أجملكن هيا قبلوني حتى أعطيكن العيدية.. وأخذت البنات بالمعايدة على والدهن وعندما جاء دور رغد همست بأذنه: تعطيني زيادة بعدين، فضحك الأب وهمس في أذنها: تستاهلين، كانت رغد ترتدي ثوباً وردياً قصير الأكمام واسع الأطراف وعندما تزلت والتها بدت رغد كنسخة مصغرة منها، كانت السيدة وفاء الأم امرأة جميلة رزينة وهادئة ولم تكن ذات شخصية قوية كانت مستسلمة لزوجها فهو الآمر الناهي في البيت، وقد كانت في شبابها وحيدة والديها وكانت شديدة الالتصاق بوالدتها، إنها من النوع الذي لا يستطيع التصرف لوحده، وتخبر والدتها بجميع تفاصيل حياتها، وعندما أنجبت ابنها البكر شاهين تركته لوالدتها لتربيه فكان يقضي أغلب يومه عند جدته وعندما أنجبت بناتها بعد ذلك استمرت على نفس المنوال وعندما مرضت والدتها شعرت وفاء أنها غير قادرة على الاهتمام بأبنائها وحدها، واحتارت كيف تتصرف وكيف تربيهم وتتعامل معهم، فأصبحت تلجأ كثيراً إلى أخت زوجها مريم والدة هديل لتحل لها مشاكلها، وعندما توفيت ووالدة وفاء انهار عالمها واحتاجت الكثير من الوقت حتى تستعيد توازنها وخلال ذلك الوقت أصبح هناك شيء من التباعد بينها وبين أبنائها، كان لها عالمها الخاص وكأنها تعيش في الأحلام بعيداً عن الواقع، إنها تحب أولادها بلا شك لكنها لا تعرف كيف تصادقهم ولا تعرف بماذا يفكرون أو بماذا يشعرون، لم تكن يوماً قريبة منهم بما يكفي، حتى زوجها عبد الله كانت حياتها معه باردة كالثلج، وهي تشك كثيراً أنه يخونها لكنها لم تقو يوماً على التحقق من ذلك أو أن تحاول أن تجذبه إليها، إنها امرأة مستسلمة ضعيفة.. صورة بلا روح أو إرادة.
وبعد أن عايدن الفتيات أمهن، قال الأب: لنركب سيارتي بسرعة، الساعة قاربت الواحدة ظهراً، أخرتونا يا بنات، قالت الأم: ليت شاهين معنا لا أعرف لماذا يصمم على قضاء العيد من أصدقائه في دبي.
فرد الأب: دعيه يسافر ويمرح غداً يتزوج ويرتبط بعائلة ويلتزم بقضاء العيد معها.
فمالت عليه رغد وقالت ضاحكة: أبي العيد مع العائلة أجمل الأعياد لا تحاول الهرب منا،
فضحك الأب وقال: أجمل الأعياد مع أجمل البنات يا بناتي.
ركب الجميع السيارة وانطلقوا إلى منزل جدهم للقاء العائلة.
(4)
ازدحمت السيارات أمام بيت العائلة الكبير، كان بيتاً ضخماً امتاز بباب خشبي قديم الطراز أحضره جدهم رحمه الله من الهند وكان من أجود أنواع الخشب الذي لم تتغير جودته بمرور الزمن، كانت عائلة الأب مكونة من ابنتين وولدين وكان عبد الله هو الأخ الأصغر وله مكانة مميزة بين إخوته لأنه إنسان ناجح استطاع بذكائه تنمية ميراثه عن والده إلى أضعاف، كما أنه اشتهر بحنانه على الجميع بالإضافة إلى خفة دمه وحضوره الجميل، هكذا كان السيد عبد الله والد البنات، أبو شاهين وكان أخوه الوحيد يكبره مباشرة وهو والد هاني وعادل أما البنات فكن مريم والدة هديل التي انفصلت عن زوجها في عز شبابها بسبب انحلاله وعلاقات النسائية التي لم تستطع وهي ابنة الحسب والنسب التغاضي عنها ولم تحتمل كرامتها الذل والمهانة فاختارت الانفصال ورفضت الزواج لأجل هديل وهما تعيشان في بيت العائلة مع الجدة التي كانت مريضة منذ زمن وتعتني بها ممرضة خاصة تقيم معها، أما العمة الصغرى مها فهي امرأة جميلة تقضي معظم وقتها في النادي الصحي ومراكز التجميل، كانت في الأربعين من عمرها لكنها تبدو في الثلاثين بسبب اهتمامها الكبير بشكلها وقد أنجبت ابنة جميلة اسمها شيماء، طويلة، مليحة الوجه وهي بعمر رغد، لكن رغد وشيماء ليستا صديقتين كسمر وهديل بل على العكس كانتا تغاران من بعضهما على نحو واضح ولم تنسجما معاً أبداً، وقد أنجبت السيدة مها ولدين توأمين في الثانية عشرة من عمرهما وتفرغت بعد إنجابهما للاهتمام بنفسها وكان زوجها رجلاً رائعاً وسيماً طيباً يشغل منصباً حكومياً بارزاً ولم تكن السيدة مها تعمل كانت متفرغة لبيتها إلا أنها مع الوقت أصبحت تقضي معظم وقتها خارج البيت وكأنها موظفة بدوامين.
دخلت عائلة السيد عبد الله إلى بيت العائلة فإذا بالجميع مجتمعين في انتظارهم وتقدمت هديل نحو خالها تقبله وتعايده واتجهت مباشرة نحو سمر تقبلها وتهمس في أذنها: تبدين رائعة.. ملاكاً في السماء.. كانت هديل حنطية البشرة مستديرة الوجه، عينيها مستديرتين ورموشها طويلة على نحو ملحوظ، لون عينيها عسلياً جميلاً، وقد امتاز شعرها بلون أحمر جميل لامع، كانت تميل إلى القصر وجسدها يميل إلى الامتلاء لكنها جميلة حلوة تدخل القلب، وكان صوتها ذا رنة حادة تجعلك تبتسم وأنت تسمعها تتحدث. مالت عليها سمر قائلة: أين هو؟ لكن هاني في هذه اللحظة تقدم نحو والدها يعايده، كان طويل القامة، وسيماً، حقاً يليق بسمر بجاذبيته الطاغية وقامته التي تناسب طول قامتها وجاذبيتها
والتفت هاني إليها وقال لها: عيدك مبارك يا سمر،
ردت عليه وقلبها يخفق بمشاعرها: أيامك سعيدة.. ما أجمل العيد وقد التم شملنا برجوعك من الخارج واستدركت بسرعة أقصد رجوعكما أنت وعادل،
كان عادل أقل وسامة من هاني وأقصر قامة أكثر هدوءاً وقد تقدم نحو بنات عمه معايداً مرتبكاً ثم بدأ الغداء على مائدة عامرة بما لذ وطاب من الأصناف التي أعدت معظمها العمة مريم والدة هديل التي اشتهرت بأطباقها اللذيذة ونفسها الطيب في إعداد الطعام، وعد الغداء بدأ الأعمام توزيع العيادي على الأبناء وأعلن عادل وهاني أنهما بدآ العمل مع والدهما العم عبد العزيز في شركة المقاولات التي يملكها خاصة وأنهما يدرسا الهندسة ليعيناه على عمله ويخففا عنه عبء العمل، وعند العصر توافد على منزل العائلة الأهل والأقرباء للمعايدة على الجدة التي كانت تلازم فراشها بعد أن هدها المرض والكبر وأصبحت لا تكاد تفارق الفراش، وقد عينت لها ممرضة خاصة لا تفارقها، تعيش معها في المنزل، وكان الجميع يشعر بالامتنان للعمة مريم لعنايتها الفائقة بوالدتها، فهي نعم الابنة البارة التي لم تتذمر يوماً من عنايتها بوالدتها المريضة في حين أن الجميع شغلتهم الحياة وبالكاد يأتون يوم الخميس ليطلوا عليها، وبدا الجميع منشغلاً.. الرجال يجلسون في الصالة المقابلة للنساء والجميع يتحدث، وقد جلست سمر بجوار زوجة عمها والدة هاني وكأنها تتودد إليها حتى تخطبها لهاني وكانت زوجة عمها السيدة نبيلة امرأة ذات شخصية لطيفة فهي ودودة وظريفة وشكلها دائماً أنيق، وكان عمها قد تزوجها من خارج العائلة بعد أن وقع في حبها، فهي ابنة جيرانهم وبيت عائلتها ملاصق لبيت العائلة الكبير وقد وفق باختياره لها، فهي ذكية ولطيفة، وقد أخلص لها تماماً طوال زواجهما وقد اتفقا منذ بداية زواجهما على أن ينجبا ولدين فقط وكان هذا القرار قد ضايق الجدة أيام قوتها وعزها فكانت ترى أن الأولاد الكثر عزوة وقوة للآباء وهي شخصياً كانت ترغب في إنجاب عشرة أولاد إلا أن زوجها توفى رحمه الله بعد إنجابها لابنتها مها بثلاثة أعوام بعد مرض طويل لم يستطع التعافي منه،
قالت السدة نبيلة لسمر: ما شاء الله عليك يا سمر، تزيد حلاوتك يوماً بعد يوم، فرحت سمر بهذا الإطراء وكأن كلام والدة هاني وسام تعلقه على صدرها.
فقالت: عيونك هي الحلوة يا خالة نبيلة، كانت سمر جالسة بحيث يصبح هاني الجالس في الصالة المقابلة في مواجهتها تماماً، وكانت عيناها تلتقيان بعينيه كلما نظر أمامه وكثيراً ما تساءلت إن كان يحبها أو يحس بمشاعرها نحوه، وكانت هديل تجلس إلى جوارها وقد توسطت سمر هديل والسيدة نبيلة وكانتا تتغامزان على هاني طوال الجلسة، وما أن أقبل المغرب حتى خف عدد الوافدين وما أن أذن أذان المغرب حتى انتهى نهار العيد وبدأ شمل العائلة بالتفرق وكان من عادة أيام الأعياد أن يدعوهم العم عبد العزيز جميعاً في منزله على الغداء ثاني أيام العيد بصفته الأخ الأكبر فافترقوا جميعاً على أن يتم اللقاء في الغد.
ثم عادت العائلة إلى المنزل ودخل كل إلى حجرته.. الأم بدلت ملابسها ورقدت في سريرها فهي تعودت على أن تنام فترة بعد الغداء لذلك كانت تشعر بصداع دائماً أيام الأعياد ودعوات الغداء، أما سمر فقد اتصلت بهديل حتى يتحدثا عن هاني وأحداث هذا اليوم، ودخلت دلال حجرتها وأمسكت هاتفها النقال واتصلت بالدكتور صلاح لكنه لم يرد عليها وزادها ذلك غيظاً وتخيلته في أحد المطاعم مع زوجته التي تكرهها.
أما رغد فقد قال لها والدها: السيد عامر شريكي سيأتي الآن للمعايدة علي مع ابنه أحمد، احمر وجه رغد عندما ذكر والدها اسم أحمد وضحك الأب بسعادة وقال لها: هيا استبدلي ملابسك واستعدي للمعايدة عليهما، فركضت رغد مسرعة إلى غرفتها وأخرجت علبة مكياجها وأعطت ثوبها للخادمة حتى تكويه من جديد لتلبسه أمام أحمد، منذ متى أحبت أحمد.. إنها لا تذكر حياتها قبل أن تحبه كان السيد عامر صديق والدها منذ الصغر كان بمثابة أخيه، فقد كانوا جيراناً ودرسا معاً في جميع المراحل الدراسية وتخرجا معاً من كلية التجارة وتزوج كذلك السيد عامر فتاة رائعة لكنها توفيت بحادث سير مروع بعد أن أنجبت له أحمد، كان عمر أحمد آنذاك أربع سنوات ويكبر رغد بسنتين فقط ولم يتزوج بعدها السيد عامر وكانت له أخت اسمها أحلام لم تتزوج عاشت في منزله بعد وفاة زوجته واهتمت بأحمد وتربيته حتى اليوم والعمة أحلام امرأة طيبة تحت عائلة السيد عبد الله، وفي طفولتها كثيراً ما كان أحمد يزورهم ويلعب معها ومع أختها دلال، فقد كان وحيداً ويسكن بنفس منطقتهم وكانت رغد تحبه فمنذ وعت على الدنيا وهي تراه فارسها وتشفق عليه منذ تفتحت عيناها وفهمت أنه يتيم بلا أم، لقد شبت على وجود أحمد في حياتها، كانت تنتظر يوم الخميس وهو اليوم الذي اعتاد والدها الخروج مع السيد عامر للعشاء والمبيت في شاليه السيد عامر، فيترك أحمد ليبيت في منزهم وكان أحمد وهو صغير يبيت في منزلهم في غرفة أخيها شاهين ورغد تلعب معه طوال الوقت وتستيقظ يوم الخميس مبكرة وتجلس على عتبة باب أخيها تنتظر أحمد أن يستيقظ، وعندما كبر أحمد لم يعد مسموحاً له بأن يبيت عندهم فقد أصبح على أعتاب المراهقة والمنزل به بنات وفي هذه الفترة أصبحت رغد تعيسة لأنها تعودت عليه حتى أنه كان يذهب معهم يوم الخميس إلى بيت العائلة الكبير في تجمعهم الأسبوعي، وقد افتقدته كثيراً، وأصبحت لا تراه إلا في المناسبات ولما بلغت رغد السادسة عشرة جاء أحمد يوماً وقد بلغ هو الثامنة عشرة وكان في سنته الجامعية الأولى لدراسة الهندسة في الكويت إلى منزلهم مع والده في أحد الأعياد وجلست رغد بجواره كالعادة يتحدثان فإذا به يعطيها رسالة مطوية بعناية أخذتها وأخفتها بجيب ثوبها وعندما غادرا كادت تطير من الفرح، إن أحمد يحبها، يعشقها منذ الصغر ويريدها أن تكون زوجة المستقبل وسوف يتقدم لها بعد التخرج وأخبرها أنه تحدث مع والده بأمرها وأنه سوف يكلم والد رغد في الموضوع حتى يضمن أن تكون له، قرأت رغد رسالته عشرات المرات وكانت تبكي من الفرح وجلست يومها لتكتب له رسالة وفجأة دخل والدها غرفتها وقال لها: رغد السيد عامر طلب يدك لأحمد وأنا أريد أن أسألك طبعاً هذه الخطبة ليست رسيمة فأحمد مازال يدرس في الجامعة لكنه كلمني وهو يريد كلمتي أن تكوني له فهو يحبك ويريدك.. ما رأيك؟
ارتمت رغد على صدر والدها وأخفت وجهها فيه، فربت على رأسها وقال: لن نجد أفضل من أحمد فهو ابني وابن صديق عمري وأخي وأقرب الناس إلي.. اسمعي يا رغد أنا موافق كما أنك موافقة لكن هذا الأمر سيكون بين أسرتنا فقط لا أريد لأحد أن يعرف حتى يتخرج أحمد ويصبح أهلاً للزواج وأريد وعداً منك ألا تتجاوزا حدود الأدب وألا تحادثيه إلا من خلال لقاءاتنا العائلية، فأنا أثق فيكِ وأعرف أنك لن تخوني ثقتي.. ووعدته رغد بذلك وفعلاً لم تحاول أبداً أن تحادث أحمد سراً واحترمت ثقة والدها الحبيب وقرب ذلك بينها وبينه ولم تخبر أحداً عن خطبتها السرية لأحمد سوى أمها وأختيها وأخيها فكلهم علموا أنها مخطوبة له وأنهما سيتوجان حبهما بالزواج وكان الكل سعيداً فرحاً لها فأحمد واحد من العائلة يعرفونه ويحبونه وهو يستحق رغد، وقد مضى عامان منذ ذلك اليوم وقد قررت رغد أن تلتحق بكلية الهندسة حتى تكون قريبة من أحمد ولأجل ذلك تفوقت في دراستها ولم يبق لها سوى هذا الفصل حتى تتخرج وتلحق أحمد فتكون هي في السنة الأولى وهو في السنة الثالثة، أحمد حبيبها وصديقها وخطيبها، كان السيد عامر شريكاً لوالدها بنسبة عشرة بالمائة في شركته التي بنياها معاً منذ الصغر، كانت شركة ضخمة معروفة في البلد، شركة عريقة تبيع مواد البناء وكانت شركة ناجحة وطالما شعرت رغد بالفخر وهي ترى من حولها يتحدثون عن نجاح والدها وشريكه السيد عامر، وكانت خلال العطل الصيفية وقبل سفرهم تذهب مع والدها إلى الشركة وتحاول أن تتعلم سير العمل وكان أحمد يفعل مثلها فيلتقيان هناك ويقضيان الوقت معاً، وعندما تستعد العائلة للسفر لقضاء الصيف في منزلهم الذي يملكونه في فرنسا كانت رغد تتمنى أن تبقى في الشركة لتتعلم وتلتقي بأحمد لكن ذلك لم يكن بيدها، وفجأة انتبهت رغد على دقات على بابها فإذا بالخادمة تحمل ثوبها وقد انتهت من كيه فأخذته منها وارتدته وهي تنظر في المرآة وتساوي شعرها الجميل ثم أخذت تصيغ شفتيها باللون الوردي الفاتح اللامع المشابه للون ثوبها والذي ينعكس على لون بشرتها الوردية فتبدو متألقة رائعة، إنها جميلة وهي تعتز بجمالها وتفتخر به وهي تحب جسدها، تحب عينيها العسليتين الفاتحتين، وتعشق بشرتها الصافية ويديها الصغيرتين فهي كثيراً ما تمد أصابعها أمام عينيها فتشعر بنشوة لجمال يديها وروعتهما، وطرقت الخادمة على بابها مرة ثانية لتخبرها أن والدها يريدها أن تنزل فخرجت من غرفتها وشاهدتها دلال فابتسمت في وجهها وأخذت تغني لها مداعبة: اتمختري يا حلوة يا زينة.. كانت دلال فخورة بحب رغد وأحمد فهو حب جميل طاهر عفيف، وتنهدت بحسرة وهي تتذكر الدكتور لاح الذي لا تعرف مصير علاقتها به، ونزلت رغد وجهها يلمع بفرحتها، ولمحت أحمد جالساً بجوار السيدة أحلام عمته وبجوارها والدة رغد، أما والدها والسيد عامر فكانا يجلسان في زاوية بعيدة ويتحدثان حديثاً خاصاً.
جلست رغد بجوار أحمد وقالت برقة بعد أن سلمت على أهله:
عيد مبارك. ورد عليها أحمد: أيامك سعيدة، ما شاء الله تبدين رائعة.
كان أحمد شاباً طويلاً عريض المنكبين، وكان يتميز بابتسامة جميلة جذابة، وهو دائماً بشوش الوجه، سمح المظهر، محبوب من الجميع، ويليق برغد وكأنه خلق لها فكلاهما ذو روح طيبة وقلب صافٍ وكلاهما بار قريب من والده، وكلاهما طيب جميل الشكل كانا حقاً ثنائي منسجم، قالت رغد ضاحكة: أين العيدية؟
فرد عليها أحمد: قلبي وحبي كله لك عيدية،
فضحكت بفرح وسعادة والأمل يملأ قلبها.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا