ويبقى الأمل ينبض في القلوب 1 و 2 للكاتبة علياء الكاظمي

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2022-01-01

 1)
سمر
وقفت سمر بقامتها الممشوقة أمام المرآة وسط غرفتها الفاخرة ذات الجدران المطلية باللون الوردي، وأخذت تتفرس بملامح وجهها بدقة، كانت طويلة القامة سمراء فاتحة السمار، سمارها جميل محبب إلى النفس، كأنها تحفة غالية، عيناها واسعتان مشروطتان، أنفها دقيق وفمها صغير وابتسامتها رائعة تكشف عن أسنانها المرتبة وتظهر غمازتان زادتا من روعة وجهها، كانت جميلة وكثيراً ما شبهوها بعارضات الأزياء نظراً لطول قامتها وقوامها الممشوق، وهي الوحيدة بين أختيها ذات اللون الأسمر ووالدتها تقول إنها ورثت السمار من جدتها لأمها، كانت مميزة وهي أكبر أخواتها البنات ويكبرها بعامين شقيقها الوحيد شاهين، كانت سمر في الثالثة والعشرين من عمرها، وقد تخرجت من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية منذ عام، وعينت بواسطة والدها السيد عبد الله رجل الأعمال الثري المشهور مدرسة بنفس منطقة سكنهم الراقية، وطالما فتنت بها تلميذاتها الصغيرات فلم يمر عليها يوم إلا وعادت إلى المنزل تحمل الورود من طالباتها، كانت سمر ترتدي اليوم قميصاً طويلاً ضيقاً يظهر تناسق جسدها وينعكس لونه السماوي على بشرتها فيضيف عليها ظلاً جميلاً يناسبها، وقد تركت شعرها الأسود اللامع منسدلاً على كتفيها، وتساءلت بينها وبين نفسها: ترى هل سأعجبه؟ وكانت تقصد بذلك هاني ابن عمها، كان هناني ابن عمها الأكبر قد عاد لتوه من الولايات المتحدة بعد أن تخرج هو وأخوه عادل الذي يصغره بعام واحد من كلية الهندسة، وقد فتنت سمر بهاني منذ صغرها، كان يبهرها بوسامته وخشونته ولطالما حلمت به، كانت تتبعه أينما ذهب وتشعر بالغيرة عليه عندما يلعب مع بنت العائلة الأخريات، تنتظر يوم الخميس وهو يوم تجمع العائلة في بيت جدها لأبيها حتى تراه وتحزن إذا غاب هاني عن الزيارة لأي سبب سواء الدراسة أو المرض. وقد كتمت سمر مشاعرها نحوه حتى عن أقرب الناس إليها من أخواتها البنات أو والدتها، لم يعرف بذلك أحد إلا هديل، وهديل هي ابنة عمتها وهي في عمر سمر، ولدتا في نفس الشهر ونشأتها معاً، وهديل صديقة حميمة لسمر وطالما باتت في منزلها أيام العطل، فهديل ابنة وحيدة طلقت عمتها بعد أن أنجبتها من زوجها ولم تتزوج بعد ذلك خوفاً على هديل، وكانت سمر تحكي لها جميع أسرارها وتحبها أكثر من أختيها الشقيقتين وتباعدت سمر عن أختيها مع الوقت واكتفت بهديل وكانت أختاها تغاران من هديل أحياناً لكن ذلك لم يمنع سمر من حبها وقربها، وعندما قرر هاني السفر إلى أمريكا للدراسة حزنت سمر كثيراً وبكت كثيراً على صدر هديل وخافت أن يقع هاني في حب فتاة أمريكية ويتزوجها هناك، وأخذت تدعو كل ليلة ألا يعود لها خاطباً، كل ذلك وهي لم تصارح كل ذلك وهي لم تصارح هاني بمشاعرها وهي تأمل أن يشعر بها يوماً فهي تلاحظ إعجابه بجمالها ونظراته لها وكان ذلك يفرجها كثيراً، وقد مرت سنوات دراسته في الخارج وتخرج أخيراً وعاد إلى الكويت خلال بعض العطل إلا أنه لم يحضر العيد منذ سنوات، وكانت سمر تردد في نفسها إن هذا العيد عيد حقيقي برجوع حبيبها لذلك قضت وقتاً طويلاً لانتقاء ملابسها لهذا اليوم وتسريح شعرها ووضع مكياجها فهي سعيدة وتريد أن تلفت نظره.. وفجأة أفاقت سمر من تأملاتها على صوت هاتفها النقال يرن، نظرت إلى اسم المتصل فإذا بها هديل.. ردت سمر: ألو، قالت هديل ضاحكة، كيف حالك؟ كيف أعصابك؟
سمر: قلبي يدق بعنف وكأنني ذاهبة إلى الحرب.
ضحكت هديل: جمدي قلبك كيف تبدين؟
سمر: لا أعرف أنتظر رأيك آه ادعي لي بأن أعجبه.
هديل: أكيد ستعجبينه كوني واثقة من نفسك.. حسناً لا تتأخري أراك قريباً.
سحبت سمر نفساً عميقاً وهي تلتقط حقيبتها الأنيقة حيث قضت وقتاً طويلاً تدور في الأسواق بحثاً عن حقيبة تناسب زيها ولونه، وقبل أن تنزل في بهو المنزل رفعت رأسها إلى السماء وقالت بحرارة: يا رب اجعل هاني من نصيبي، وخفق قلبها بأملها.
(2)
دلال
  كانت دلال جالسة في بهو المنزل وحدها وقد أتمت زينتها على أكمل وجه وسبقت الجميع في النزول كعادتها في جميع المناسبات، كانت دقيقة في مواعيدها ودائماً حريصة على الاستيقاظ المبكر خاصة في يوم عيد الفطر رغم أنها تعود على السعر في شهر رمضان إلا أنها تصحو نشطة يوم العيد وبمنتهى الحماس تبدأ بالاستعداد.. كانت دلال في العشرين من عمرها متوسطة القامة بيضاء البشرة واسعة العينين، تمتاز عيناها بأهداب كثيفة طويلة، وكان شعرها أسود لامعاً، وقد اشتهرت دلال بجمال شعرها وكثافته، وكانت والدتها تخاف عليها من الحسد والعين، وقد أجبرتها على ارتداء سلسلة جميلة تحمل آية الكرسي لتحفظها من الحسد، وكانت دلال طالبة في الجامعة تدرس الاقتصاد، وقد ارتدت اليوم ثوباً جميلاً غالياً أبيض اللون تنتشر فيه ورود صفراء جميلة، وقد رفعت جزءاً من شعرها إلى الأعلى وارتدت حلقاً على شكل وردة صفراء صممته خصيصاً ليناسب ثوبها، وسرحت دلال بخيالها وتساءلت: هل أتصل لأقول له عيدك مبارك؟ حاولت أن تقاوم لكنها لم تستطع فرفعت سماعة الهاتف وما أن أجاب عليها صوت رجل قائلاً: ألو..
حتى همست بدلع ودلال: عيدك مبارك، أسعد الله أيامك،
فرد عليها الرجل بصوت هامس: شكراً أيامك سعيدة، 
فردت دلال: أيامي سعيدة طالما أنت معي، آه كنت أتمنى أن أكون معك لكن النصيب.
فإذا به يقول بسرعة: اعذريني أكلمك وقت آخر.
وأقفل الخط بسرعة، شعرت دلال وكأنها سوف تنفجر فتنهدت بحرقة وأخذت تتذكر، إن الرجل الذي اتصلت به هو الدكتور صلاح وهو دكتورها في الجامعة، لا تعرف دلال كيف أحبت الدكتور صلاح لكنها منذ أن رأته في الكلية وهي مفتونة به، كان الدكتور صلاح في الخامسة والثلاثين من عمره وهو طويل القامة فاتح العينين عيناه عسليتان إذا انعكست فيهما أشعة الشمس، برقتا باللون الأخضر، كان وسيماً مفتول العضلات ويرتدي دائماً بدلة رسمية وكرافتة أنيقة وما زالت تتذكر لقاءها الأول به، كانت قد دخلت القاعة لمادة الاقتصاد الكلي وجلست مع زميلاتها بانتظار الدكتور في اليوم الأول للدراسة وعندما دخل الدكتور صلاح شعرت دلال أن قلبها قد انخلع، لقد فتنها من أول لحظة رأته فيها ولم تستطع أن تحول نظرها عنه، نظرت إلى يديه فلم تر خاتم زواج لكنها فكرت أن أغلب الرجال المتزوجين لا يلبسون خاتم زواج وشعرت بالقلق،
وعند انتهاء المحاضرة مالت إلى زميلتها هدى وسألتها: هل تعرفين هذا الدكتور؟
ردت هدى بخبث وقد أحست بإعجاب دلال به، لا تتعبي نفسك فهو متزوج منذ أيام الدراسة وعنده ولدان.
شعرت دلال بالإحباط ورغم ذلك لم تستطع أن تمنع نفسها من التفكير به، وفي موعد محاضرته أصبحت دلال تهتم بزينتها على نحو خاص وتحرص على ارتداء أجمل ملابسها وكانت تحضر باكراً وتجلس في أقرب المقاعد أمامه وأصبحت تحرص على مذاكرة مادته والمشاركة في صفه حتى تفوقت على جميع الطلبة في الاقتصاد ونالت أعلى الدرجات، وعندما انتهى الفصل الدراسي كادت تجن عندما فكرت أنها ستحرم من الدكتور صلاح ففكرت أن الحل الوحيد هو أن تتخصص في الاقتصاد حتى تستطيع أن تأخذ جميع المواد التي يدرسها الدكتور صلاح ورغم اعتراض والدها على أن تتخصص في الاقتصاد حيث إنه يرى أنه تخصص غير مطلوب في سوق العمل، إلا أنها صممت على ذلك وفعلاً أصبحت في كل فصل دراسي تأخذ مادة يدرسها الدكتور صلاح، ومع الوقت أصبحت متيمة في هواه وأكثر تعلقاً به، أصبح حلمها وحياتها وأملها أن يحبها، ورغم أن الكثير من الطلبة حاولوا التودد لها إلا أنها لم تلتفت إلى أحد ولم يحرك مشاعرها أحد سوى الدكتور صلاح، وكانت تحتار في تخيل زوجته وكانت كرهها دون أ، تعرفها تتخيلها قبيحة، سليطة اللسان، وتحلم أن يكون تعيساً في حياته الزوجية وكانت تتخيلها سمينة مهملة عجوزاً وفي الوقت نفسه تتمنى أن تراها وكأنها غريمتها، وقد لاحظ الدكتور صلاح انبهار دلال به وأحس بنظراتها لا تفارقه وقد شعر بالزهو فهي جميلة رقيقة وابنة عائلة ثرية معروفة وأسعده ذلك وأثار غروره لكنه لا يستطيع أن يتمادى معها فهو مستقر بحياته الزوجية لكن مع الوقت بدأت دلال تشغل تفكيره، إنها جميلة وصغيرة، صحيح أن زوجته جميلة لكن دلال أجمل وأصغر وعندما تخصصت دلال في الاقتصاد شعر هو بالقلق فقد كان يأمل أن تخرج من حياته بانتهاء الفصل الدراسي لكنها الآن طالبته في كل فصل وهو يخشى على نفسه وعلى صورته أن تهتز إذا تمادى معها، شيء في صدره كان يهتف به أن يبتعد عنها ويعاملها بحدود ولكنه كان يرغب في تملكها، فهي كالدمية الجميلة وكأنه يستخسر أن لا يقتنيها وأصبح يعاملها برقة ويشجعها على التفوق لكنه لم يتعد حدود الأدب معها، إلى أن كان يوم دق جرس الهاتف في بيته فإذا بصوت متردد يقول: هل أنت الدكتور صلاح؟ وقد عرفها على الفور إنه متأكد أنها هي فقال: من؟ قالت: أحبك وأقفلت الخط! وفي اليوم التالي غابت دلال عن المحاضرة وكاد أن يجن كان يريد أن يراها، هل ترى أخطأ صوتها؟ لا كانت هي إنه متأكد، وفي المحاضرة التالية جاءت دلال ولأول مرة، كانت هادئة لم تشارك في الصف ولم تبادله النظرات، وبعد المحاضرة اقترب منها وطلب منها أن توافيه في مكتبه.
وعندما جاءت نظر في عينيها مباشرة وقال لها: أنت اتصلت بي؟
ردت: نعم وأحبك يا دكتور، رغماً عني! وانفجرت في البكاء، ومنذ هذا اليوم ضعف أمامها وأعطاها رقم هاتفه النقال، لم يكن صلاح يصدق أن فتاة مثل دلال قد تذرف كل هذه الدموع من أجله، وطلب منها أن لا تقول لأحد عن علاقتهما وبدأت دلال تتصل به وكانت أحديثهما طويلة، عرفت عنه الكثير وعرف عنها الكثير، أخبرها كيف تزوج وسافر مع زوجته لدراسة الماجستير والدكتوراه وأنه مستقر في حياته، وكانت كلماته عن زوجته واستقراره كرصاصة استقرت في قلبها أخبرته أنها لا تريد منه شيئاً سوى أن يحبها، وأن يستمع لها وأن يعطيها من وقته وحنانه، وأنها لن تطالبه بشيء أكثر ولا تريد شيئاً منه لكنها لم تكن صادقة فهي تريده لها.. تريده زوجاً لها.. زوجاً لها وحدها.. وخفق قلبها بالأمل..

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا