حديث بلا حادث
العتبة الدامية
تجمهر الناس والمراجعون في المحكمة الشرعية على أثر ارتفاع صوت أحد القضاة وهو يوبخ موظفين داخل مكتبه وكان بعض الكلام مسموعاً خارج مكتب القاضي.
(عادل): انقطاعكما عن العمل لخمسة أيام دون عذر أو مبرر مقنع يستوجب العقاب والإحالة للتحقيق!!
(ماجد): ولكن يا شيخ (عادل) نحن كنا نمر بظرف قاهر
(عادل) بغضب: وما هو هذا الظرف؟!
(عمر): لا نستطيع البوح به
(عادل): لا داعي للبوح!... الأمر واضح.. لابد وأنكما سافرتما في رحلة استجمامية منحلة ونسيتما عملكما وضربتما بالمصلحة العامة عرض الحائط!
(ماجد): غير صحيح!.
(عادل): لا يهم.. الخمسة الأيام ستخصم من رواتبكما وكلاكما محال للتحقيق الإداري.. اذهبا الآن!
خرج (عمر) و (ماجد) من مكتب الشيخ (عادل) وهما غاضبان..
(عمر) بعصبية: من يظن نفسه هذا الأحمق؟!
(ماجد): لا تلمه فلقد تغيبنا عن العمل خمسة أيام دون تقديم عذر مقبول
(عمر) بتجهم: ولو!.. هذا لا يعطيه الحق بأن يكلمنا بهذه الطريقة!
(ماجد) : ما باليد حيلة..
(عمر): انس (عادل) الآن ولنركز على ما حدث معنا في تلك الليلة المشؤومة في المزرعة وما حدث مع ذلك الرجل الغريب الذي قابلناه لاحقاً
(ماجد): ومن سيصدقنا؟
(عمر): لا أعرف لكن يجب أن ننقذ تلك الفتاة قبل أن يؤذيها ذلك الشيء الذي يحرس الخاتم
(ماجد): نحن حتى الآن لم نتثبت من صحة كلامه وأنا أميل إلى أن الأمر ما هو إلا مصادفة لا أكثر وأن ذلك الرجل مجنون أو أحب أن يتسلى بنا ويخيفنا
(عمر): إلى ماذا تلمح؟
(ماجد): أن ننسى الموضوع ونهتم بعملنا فقط
(عمر): هل تستطيع ممارسة حياتك بشكل طبيعي بعد ما عرفت ما عرفته؟.. عن الخاتم وعن (ديموس)؟
ست (ماجد) قليلاً ثم قال: ماذا تقترح أن نفعل؟
(عمر): نذهب لمنزل الفتاة ونساعدها
(ماجد): وكيف نعرف مكانها؟
(عمر): لقد كانت تراجع مع أمها في قضية قبل فترة مما يعني أن معلوماتها موجودة في الأرشيف
(ماجد): كيف عرفت ذلك؟
(عمر): تذكرتها عندما كنا عند ذلك الوجل الغريب وتيقنت عندما رأيت صورتها التي أخرجها لنا..
(ماجد): لم تكن صورة بل رسمة ثم هناك احتمال كبير أنه مجرد تشابه
(عمر): أعرف تفاصيل وجهها بوضوح وأتذكره جيداً وهي مطابقة لتلك الرسمة.. كنت أحدق بها دائماً عندما كانت الحكمة مع أمها
(ماجد): وكيف رأيت وجهها؟
(عمر): كانت محجبة ولم تكن تلبس غطاءً كاملاً
توجه الاثنان لمكاتبهما بعد ما عقدا العزم على إحضار ملف (نورة) من الأرشيف ومعرفة عنوانها لنكنهما تفاجأا في نهاية الدوام أن الملف غير موجود وليس له أثر مما زاد في حيرتهما وشكهما لأن الملفات لا تخرج من الأرشيف دون علم مديرها وهو (عمر) لذلك أحس بأن هناك شيئاً مريباً يدور في الخفاء دون علمه فقام بالسؤال عن ما إذا كان هناك شخص آخر يملك مفتاحاً لمكتب الأرشيف غيره فأفاده الموظف المختص أنه لا يوجد إلا مفتاحان واحد للمكتب وهو الذي بحوزة (عمر) وأخو عند (فالح) مدير مكتب الشيخ (عادل) والذي كان مسؤولاً عن القضايا الخاصة بالشيخ ولا تخرج تلك الملفات إلا عندما يطلبها القاضي المسؤول عن القضية وهنا تذكر (عمر) أن هناك سجلاً خاصاً بخروج وعودة الملفات للأرشيف فقام بمراجعته واكتشف أن الملف قد خرج بتوقيع (فالح) لمكتب الشيخ (عادل) ولم يعد من ذلك الوقت وبسبب غيابه لم يلاحظ الموظفان فقدان الملف. توجه (عمر) لــ (ماجد) بهذه المعلومة وقال له: "يبدو أن الشيخ مهتم بالفتاة مثلنا.."
(ماجد): لا تبالغ فلعله كان يدرس القضية ونسي الملف عنده خاصة وأن أصحاب القضية لم يراجعوا المحكمة منذ ذلك الوقت وأنت كنت غائباً فالنسيان وارد
(عمر): لا لا، الموضوع أكبر من ذلك صدقني
(ماجد): ماذا تقصد؟
(عمر): خروج الملف بتوقيع (فالح) أمر مريب لأن لم أكن غائباً في التاريخ الذي دونه وقت خروج الملف فلماذا لم يطلبه مني؟
(ماجد): لا أعرف.. لكني ما زلت أرى أنها مصادفة
(عمر): إلا إذا كان قد أخرجه من الأرشيف خارج أوقات العمل الرسمية
(ماجد): هل يستطيع فعل ذلك؟
(عمر): نعم فمفتاح المكتب معه ويمكنه العودة في أي وقت والحصول على أي مستند يريد
(خالد): ولماذا يقوم بتسجيله في سجل الملفات المستعارة؟.. هذه إدانة له
(عمر): هو لم يسرقه كي لا يدونه.. لكنه أخرجه بشكل رسمي كي يحمي نفسه والدليل أنه أرفق ورقة موقعة من (عادل) باستلامه الملف
(عمر): على أي حال يجب أن نجد عنوان تلك الفتاة ونعرف منها كل التفاصيل
اتفق الاثنان على اللقاء بعد العشاء للبحث عن طريقة للحصول على عنوان (نورة) فقررا زيارة (عادل) في منزله لمواجهته بأمر الملف. توجه الاثنان لمنزل الشيخ وطرقا الباب ففتح لهما وعندما رآها تجهم وقال:
"ماذا تريدان؟! لا تضيعا وقتكما بالتوسل فلن أسامحكما والتحقيق معكما سيبدأ الأسبوع القادم!"
(عمر) مبتسماً: لم نأت بسبب موضوع الغياب
(عادل) بغضب: لم أنتما هنا إذاً؟!
(ماجد): أتينا لنسألك عن (نورة)
تغير وجه الشيخ (عادل) وقال: (نورة)؟.. (نورة) من؟!
(عمر) بسخرية: لا تدع أنك لا تعرفها فملفها ما زال بحوزتك
أغلق (عادل) الباب بقوة في وجوههما..
(عمر) وهو يلتفت على (ماجد) مبتسماً: هل تيقنت الآن؟
(ماجد) باستغراب: وماذا يريد (عادل) من تلك الفتاة؟
(عمر): يريد أن يضمها لمجموعته من المطلقات بالطبع
(ماجد): هل تقصد أنه يريد الزواج منها؟
ابتسم (عمر) وقال متهكماً بعد ما وضع يده على كتف صاحبه: لا شك فلا أظنه يريد كفالة يتيمة
(ماجد) بتوتر: هذا يعني أن حياته في خطر أيضاً!
(عمر): لا يهمنا حياته بل حياة الفتاة
(ماجد): لا تقل هذا الكلام يا (عمر) فهو لا يستحق منك كل هذا
دفع (عمر) بغضب كتف (ماجد) وقال: أتعجب من دفاعك المستميت عنه دائماً!
(ماجد): أنا أدافع عن الحق فقط
(عمر): هيا إذاً أيها المناضل لنذهب ونبحث عن تلك الفتاة
عندها رفع (ماجد) سبابته وقال بحماس: تذكرتها!
(عمر) باستغراب: تذكرت من؟
(ماجد): الفتاة!.. الفتاة التي نبحث عنها!
(عمر): (نورة)؟
(ماجد): نعم... هل تذكر الفتاة التي حاولنا معاكستها في الشركة تلك الليلة؟
(عمر): المتبلدة؟.. ما بها؟
(ماجد) بحماس: هي نفسها البنت التي نبحث عنها أنا واثق!
(عمر) وهو غير واثق من كلام (ماجد): بدأت أشك أنك رأيتها من الأساس فأنت تراها في كل فتاة
(ماجد): ثق بي.. أنا متيقن أنها هي!
(عمر): فلنذهب للشركة إذاً ونقابلها
خلال دقائق وصل الاثنان لمقر فرع الشركة وعلما أن (نورة) قد فصلت بسبب غيابها وانقطاعها عن العمل لذا حاولا الحصول على عنوانها من المدير لكنه رفض بحجة أنها معلومات شخصية لا يمكن الإفصاح عنها فخرجا بخيبة أمل بعد اقترابهما من معرفة الوصول إليها وخلال نقاشهما عند المواقف المخصصة لموظفي الشركة عن خطوتهما التالية اقتربت منهما فتاة عرفت بنفسها على أنها صديقة لــ (نورة) وقالت لهما: "لم تبحثان عنها"
(ماجد): نريد مساعدتها
(الفتاة): مساعدتها في ماذا؟
(عمر) بتجهم: في أمر لا يخصك!
(الفتاة) وهي تهم بالرحيل: كما تشاءان لقد كنت أريد أن أساعدكما وأدلكما على منزلها.. مع السلامة!.
لحق (ماجد) بالفتاة ونادى عليها وهو ينظر لــ (عمر) بعبوس: أعتذر لما قاله صديقي لكننا متوتران وقلقان عليها
(الفتاة): من ماذا؟
(عمر): ما الذي تريدين معرفته بالضبط؟
(الفتاة) وهي تبتسم بخبث: كل شيء..
(ماجد): لكن القصة طويلة ولا يمكننا الحديث هنا
(الفتاة): لا بأس لنذهب لمكان يمكننا التحدث فيه
نظر (ماجد) لــ (عمر) باستغراب ثم قال لــ (الفتاة): مكان مثل أين؟
(الفتاة): هل لديكما سيارة؟
(ماجد) وهو مرتاب: نعم..
(الفتاة): أوصلاني للمنزل وفي الطريق أخبراني بكل ما تعرفانه
وافق (ماجد) بالرغم من أن (عمر) أشار له برأسه بعدم الموافقة..
ركب الثلاثة السيارة وتحركوا من أمام الشركة وكانت الفتاة تجلس في المقعد الخلفي وهما في المقاعد الأمامية للسيارة.
(الفتاة): هيا.. أخبراني بالقصة..
(عمر) وهو ممسك بمقود السيارة: أخبرينا أين تسكنين أولاً
(الفتاة): عندما تنتهيان من سرد القصة سأخبركما
نظر (عمر) لــ (ماجد) بنظرة لوم لموافقته على اصطحاب تلك الفتاة الغريبة معهما وقال: ألن تخبرينا قبل ذلك من أنت وكيف تعرفين (نورة)؟
(الفتاة): أنا (أبرار) زميلة (نورة) في العمل كما أخبرت صاحبك الوسيم
(ماجد): زميلتها في الشركة؟
(أبرار) بسخرية: لا، زميلتها في المعاكسات
التفت (عمر) للمقعد الخلفي وألقى نظرة على (أبرار) التي كانت تنظر إليه وتبتسم بخبث..
(ماجد) لــ (عمر) بتوتر: انتبه للطريق أمامك!
(عمر) وهو يعيد نظره للطريق بوجه متجهم: تفضل واحكِ لها أنت أنا سأقود بصمت حتى ننتهي
بدأ (ماجد) برواية ما حدث لهما بعد ما صدما بسيارتها الشيء المجهول خلال تجولهما في الخط الصحراوي والذي خلف بعض الشعر الأسود الملطخ بالدماء على عجلة سيارتهما الأمامية وقال:
كنا خائفين جدا عندما رأينا الدماء وخصلة الشعر السوداء الطويلة على عجلة السيارة ولم نستطع الرحيل قبل التحقق من أن الشيء الذي دهسناه لم يكن شخصاً يعبر الطريق لذا بدأنا بالبحث في المنطقة حول مكان الحادث ولم نبحث مطولاً حتى سمعنا صوت عواء يخالطه بعض الأنين أشبه بصوت حيوان مصاب فاستبشرنا خيراً لأننا ظننا أن هذا هو صوت القط الذي دهسناه. توجهنا لمصدر الصوت الآتي من مكان مظلم يبعد عن الشارع بضعة أمتار وعندما اقتربنا منه وجدنا كائناً أشبه بالطفل الصغير ذا شعرٍ أسود طويل مستلقياً على بطنه يتلوى من الألم فهرعنا تجاهه كي نسعفه لكن ما أن اقربنا منه حتى انطلق مسرعاً باتجاه مزرعة قريبة وقفز بكل رشاقة فوق سووها فتعجبنا من تلك السرعة والقدرة غير البشرية في الانطلاق والقفز لكننا لم نفكر كثيراً وتبعنا ذلك الشيء داخل المزرعة فقد كانت بوابتها غير موصدة.
بحثنا وسط المزرعة كلها لمدة تجاوزت نصف الساعة ولم نجد شيئاً ولم نسمع صوتاً يقودنا لذلك المخلوق المصاب فقررنا العودة للمدينة ونسيان الأمر برمته لكن وبعد أن تجاوزنا البوابة خروجاً رأينا تجمعاً لسيارات المرور حول سيارتنا وبمجرد رؤيتهم لنا شهروا أسلحتهم تجاهنا وقبضوا علينا. لم نعط أي فرصة للدفاع عن أنفسنا خاصة عندما سألونا عما إذا كانت السيارة سيارتنا وأجبناهم بالإيجاب.
(أبرار): هل قبضوا عليكما بلا سبب؟
(ماجد): بالطبع لا فقد قتل شرطي مرور بطريقة وحشية كان يحرر مخالفة لنا لوقوف سيارتنا بشكل خاطئ ووجدت جثته عند سور المزرعة التي خرجنا منها
(عمر): ولا تنس الرمز..
(أبرار): أي رمز؟
(ماجد): نجمة خماسية رسمت على جدار المزرعة بدم الشرطي
(أبرار): وما علاقتكما بما حدث له؟
(عمر): الشرطة كانت مشوشة ذلك الوقت ونحن كنا أول المشتبه بهم لأن آخر بلاغ صدر من الشرطي كان عن سيارتنا لذلك قبض علينا على الفور
(أبرار) لـ (عمر): حظك عاثر أيها الصائغ؟
(عمر) ناظراً للفتاة من المرآة أمامه: ماذا قلت؟
(أبرار) متجاهلة سؤال (عمر) موجهة حديثها لــ (ماجد): وكيف خرجتما؟
(ماجد) وهو يفتح جزءاً من النافذة ويستأنف الحديث: أخذنا لحجز المرور أول يوم وبقينا هناك حتى قابلنا شخص ملتحٍ اسمه (خالد)
(خالد) وهو يجلس أمام (عمر) و (ماجد) في غرفة التحقيق: "أنا من قسم مكافحة السحر والشعوذة وأرغب في الحديث معكما بعد إذنكما.."
(ماجد) باستغراب: سحر وشعوذة؟
(خالد) يضع على الطاولة صورة فوتوغرافية للنجمة الخماسية التي رسمت على حائط المزرعة: نعم.. لم رسمتما هذا الرمز على الجدار بدم الشرطي؟
(عمر) بغضب: لسنا من فعل ذلك!
(خالد) بهدوء: ماذا كنتما تفعلان في ذلك الوقت المتأخر من الليل في تلك المنطقة؟.. هل تملكان مزرعة هناك؟
(ماجد): هل التجول في المزارع أصبح ممنوعاً هذه الأيام؟
(خالد): لا ولكن قتل الناس والتمثيل بجثثهم كذلك
(عمر) وهو يقف ويضرب على الطاولة بقوة وغضب: أخبرناك بأن لا علاقة لنا بما حدث! وقبل دخولنا لتلك المزرعة لم يكن هناك شيء على الجدار!
(خالد) يمسك بطرف الصورة ويحدق بها بهدوء: ولم دخلتما تلك المزرعة.. التحقيقات الأولية تشير أن صاحبها لا يعرفكما
صمت (عمر) وجلس بوجه متجهم ولم يتحدث..
(ماجد): دخلنا خلفه..
(خالد): خلف من؟
(عمر) بعصبية: هل هناك تهمة موجهة لنا؟!
(خالد): ولماذا هذا الاحتقان بالرد؟
(عمر): لأنك تحاول تلفيق قضية لنا!
(خالد) بهدوء: المبالغة في ردة الفعل أحياناً تكون مؤشراً بأن الشخص على خطأ.. تمالك نفسك ولا تثر الشكوك حولك أكثر وأجب على السؤال
(عمر): لن أجيب على شيء إذا لم أعرف ما التهمة الموجهة إلينا
(خالد): لقد دخلتما أملاكاً خاصة دون إذن وموقفكما في قضية مقتل الشرطي ما زال مبهماً.. ناهيك عن مسألة الحمار.. هل هذه تهم كافية أم تريد المزيد؟
(ماجد) بتعجب: حمار؟.. أي حمار؟
(عمر) بتجهم: إذا لم يتقدم صاحبة المزرعة ببلاغ رسمي فلا قضية علينا وبالنسبة لمقتل الشرطي فلا يوجد أي دليل على ارتكابنا للجريمة ووجود سيارتنا في الموقع نفسه ليس دليلاً خاصة وأننا لم نهرب من مكان الحادث!
(خالد) مبتسماً: هل أنت محام أو تعمل في القانون؟
(عمر): شيء هن هذا القبيل لذلك لا تحاول مراوغتنا بالتهديد والتخويف وأفصح عن رغبتك الحقيقية في الحديث معنا
(خالد) وهو يجمع أصابعه ويسند ذقنه عليها ويحدق بــ (عمر) و(ماجد) لثوانٍ ثم يقول: معك حق أنا هنا للحديث معكما بشأن أمر آخر
(ماجد): ما هو؟
(خالد): الرمز المرسوم وجثة الشرطي لم تكن جريمة عشوائية بل كانت طقساً من طقوس السحر..
(عمر): سحر؟.. وماذا تريد منا؟
(خالد) وهو يفتح ملف القضية ويحدق في إحدى صفحاته: لقد قدمتما إفادة بأنكما دخلتما المزرعة للحاق بمخلوق غريب رأيتماه يقفز خلف سور المزرعة
(ماجد) بتوتر: من الواضح أننا كنا نتوهم..
(خالد) وهو لا يزال يحدق بملف القضية: وصفتما ذلك الشيء بأنه كان كائناً أشبه بالطفل الصغير بشعر أسود طويل..
(عمر): ما الذي تريد أن تصل إليه؟
(خالد) وهو يغلق الملف: اسمعا.. أنا لست هنا كي أدينكما بشيء فهذه مهمة المحققين في الشرطة أنا هنا لغرض آخر
(ماجد): عن أي غرض تتحدث؟
(خالد) وهو يخرج بطاقة من جيبه ويمدها لــ (ماجد): هذا الشخص ملم أكثر مني بهذه الأمور أنصحكما بالتواصل معه
(عمر) وهو يأخذ البطاقة وينظر إليها: من هذا الشخص؟.. شيخ؟
(خالد): "باحث" هو المصطلح الذي يفضل تلقيب نفسه به
(ماجد) وهو يأخذ البطاقة من يد (عمر) وينظر إليها: باحث في ماذا؟
(خالد): العالم الآخر والماورائيات..
(عمر): ولم نحتاج للتواصل مع شخص كهذا؟
(خالد): لأني أعتقد أن حياتكما في خطر
(ماجد) بتوتر: خطر؟.. لماذا؟
(خالد): الشيء الذي دهستماه أظن أنه كان يطاردكما لإلحاق الأذى بكما ولا أعتقد أنه سيتوقف وسيعاود الكرة
(ماجد): وما ذلك الشيء الذى طاردنا؟.. ولماذا؟
(خالد): لا يمكنني الحديث عن هذا الأمر بحكم عملي
(عمر) بسخرية: كيف لشخص متدين مثلك أن يؤمن بهذه الأمور؟
(خالد) وهو يقف ويهم بالرحيل: أنا مؤمن بأننا لسنا وحدنا في هذا العالم لكن من يشاركنا ذلك العالم.. الله أعلم
(ماجد): وكيف سنتواصل معه ونحن محبوسان هنا؟
(خالد) وهو يخرج من الغرفة: المرور لن يحتجزكما أكثر وفي الغالب سيتم نقلكما لمركز الشرطة أول الصباح.. إذا تم الإفراج عنكما فتواصلا مع هذا الرجل بأسرع وقت قبل أن يصل إليكما من قتل شرطي المرور
خرج (خالد) ودخل بعده الضابط المناوب في المرور وأخبرهما بأنه سيتم تسليم القضية للشرطة وغالباً سيبقيان في الحجز لحين التحقق من أن الدماء التي وجدوها على عجلة السيارة لا تعود للشرطي المقتول أو أي شخص آخر
(عمر) : هل يمكنكم معرفة ما إذا كانت تلك الدماء دماء حيوان أم إنسان؟
(الضابط): بالطبع
(ماجد): ،كم سيستغرق الأمر؟
(الضابط) وهو ينهض: أربعة إلى خمسة أيام كحد أقصى حسب علمي وعلى أي حال هذه إجراءات خاصة بالشرطة وليست من اختصاصنا
في صباح اليوم التالي تم نقلهما لمركز الشرطة وبقي الاثنان محجوزين لأربعة أيام وفي اليوم الخامس استدعاهما الضابط وأبلغهما أن نتيجة فحص الدماء التي كانت على عجلة السيارة أكدت أنها لم تكن دماء بشرية ويمكنهما الرحيل على ذمة التحقيق لكنهما ممنوعان من السفر حتى إشعار آخر.
(عمر) لــ (الضابط): إذا كنا غير متهمين بشيء فلم نمنع من السفر؟
(الضابط): لأن التحقيق لم يغلق بعد وما زلتما تحت الاشتباه
(ماجد): ولم ما زلنا تحت الاشتباه؟.. لقا قلت للتو إن الدماء التي كانت على السيارة لم تكن دماء بشرية
(الضابط): ولم تكن دماء حيوان أيضاً..
(عمر) باستغراب: ماذا؟.. ماذا تقصد؟.. دماء ماذا إذاً؟
(الضابط): هذا ما لا يزال المختبر يحاول اكتشافه فعينة الدماء تلك حسب إفادتهم ذات تركيب غريب لم يروا مثلها من قبل
(ماجد): ماذا عن الشعر؟
(الضابط): أي شعر؟.. لم نجد شعراً مكان الحادث
(عمر) بتوتر: تجاهل كلامه فهو يهذي بسبب الفترة التي قضاها هنا
(الضابط) وهو يرمقهما بنظرة ارتياب: يمكنكما الرحيل الآن وتذكرا أنكما ممنوعان من السفر خارج البلاد
(ماجد): ماذا عن سيارتنا؟.. هل يمكننا استلامها؟
(الضابط) وهو يحرر ورقة فسح: خذا هذه الورقة للمواقف الخاصة بالقسم وسوف تسلم لكما السيارة
خرج الاثنان من مكتب الضابط وتوجها للمواقف الخاصة بحجز السيارات وأعطيا المسؤول هناك الورقة التي حررها الضابط وخلال انتظارهما لسيارتهما قال (ماجد): ماذا سنفعل الآن؟
(عمر) وهو يحدق للأمام ويقضم ظفر خنصره: أول شيء أريد القيام به هو الاستحمام..
(ماجد) مبتسماً: أقصد ما الذي سنفعله في الموضوع؟
(عمر): أي موضوع؟
(ماجد): موضوع الشيء الذي يلاحقنا
(عمر) وهو يشير أمامه: ها قد وصلت السيارة
ركب الاثنان السيارة بعد ما وقع (عمر) على استلامها وقال: لا يوجد شيء يلاحقنا
(ماجد) وهو يغلق الباب خلفه بعد ركوبه: ماذا تقصد لا يوجد شيء يلاحقنا؟ ألم تسمع كلام المحقق الذي أعطانا البطاقة وكلام الضابط عن تحليل الدم؟
(عمر) وهو يقود السيارة خارج مركز الشرطة: وهل صدقت كل تلك المسرحية: لقد كانت مجرد حيلة منهم كي ندلي بأي معلومات تقودهم لقاتل شرطي المرور
(ماجد): وهل ذلك المخلوق الغريب الذي رأيناه يقفز من فوق سور المزرعة خيال وحيلة منهم أيضاً؟
قبض (عمر) على مقود السيارة بشدة وزاد من سرعة قيادته دون أن يرد..
(ماجد): لقد رأيته مثلي تماماً فلا تحاول أن تنكر ذلك
(عمر) وهو يصرخ في (ماجد): أنا لم أر شيئاً!
(ماجد) باستغراب: ما بك؟ لم تحاول إنكار ما حدث؟
(عمر) بتجهم وهو يحدق أمامه: هل يمكننا نسيان الموضوع والعودة لحياتنا الطبيعية؟!
(ماجد) وهو يعتدل في جلسته وينظر أمامه: كما تشاء..
(عمر): لا تخبر أحداً في المحكمة أننا حجزنا في الشرطة الفترة الماضية
(ماجد): كيف لا نخبرهم؟.. سوف يخصم من رواتبنا بسبب الغياب
(عمر): أن يخصم علينا بسبب الغياب بلا عذر أفضل من أن نقدم عذراً كهذا
(ماجد): لماذا؟
(عمر): نحن نعمل في مكان حساس واحتجازنا على ذمة قضية مهما كانت سيلحق بنا ضرراً كبيراً
(ماجد): لكننا لم نتهم بشيء وتم تبرئتنا
(عمر): لن يتفهم أحد ذلك وخصوصاً صديقنا العزيز الشيخ (عادل) ولا أستبعد أن يستغل الموضوع لفصلنا أو لنقلنا لمكان آخر كما كان يسعى دوما
(ماجد): معك حق..
(عمر): لذلك لا تتفوه لأحد بما حدث لنا.. اتفقنا؟
(ماجد): حسناً
بعد إيصال (عمر) لــ (ماجد) توجه لمنزله مباشرة على أن يلتقيا ظهراً..
توقف (ماجد) عن سرد الحكاية وقال: هذا ما حدث معنا بمركز الشرطة
(أبرار) : وماذا بعدها؟
(عمر): اجتمعنا على الغداء وناقشنا الأمو واتفقنا على الاتصال بذلك الباحث الذي أخذنا بطاقته من المحقق كي نعرف ما الذي يحدث
(أبرار): وهل وافق على مقابلتكما؟
(ماجد): نعم.. واتفقنا على اللقاء به ليلاً في منزله
(أبرار): وأين كان ذلك؟
(عمر): في منطقة خارج الدينة لذا لم نصل إليه إلا قرب منتصف الليل.. طرقنا الباب لكن لم يجب أحد فحاولنا اختلاس النظر من النافذة فرأينا شخصاً جالساً يقرأ كتاباً فنقرنا النافذة لنلفت انتباهه فالتفت إلينا ثم نهض بهدوء وتوجه نحو الباب وفتحه ثم قال: "هل أنت من اتصل بي اليوم؟"
(عمر): نعم
(الرجل) وهو ينظر خلفهما بتوجس: هل هناك أحد غيركما؟
(ماجد): لا.. نحن فقط
(الرجل) يتنحى جانباً ويشير لهما بالدخول: هيا ادخلا بسرعة..
(عمر) مكملاً سرد الحكاية للفتاة: جلسنا مع الرجل وأخبرناه بالقصة وعن الحادث الذي تعرضنا له وعما وجدناه تحت عجلة السيارة وكيف هرب منا ذلك المخلوق الصغير فظهرت على وجهه علامات الخوف والارتباك وقال:
"هل أنتما واثقان من الشيء الذي رأيتماه؟"
(عمر) بتعجب: نعم بالطبع
(الرجل) بتجهم: لا تعبثا معي فالأمر لا يحتمل المزاح!
(ماجد): ومن سيمزح في مثل هذا الأمر؟ ثم إننا لا نعرفك كي نمزح معك
سكت الرجل وأشعل سيجارة ونفث دخانها بصمت وهو سارح ويفكر. بعدها أخبرنا بأنه باحث في الآثار لأكثر من عشرين عاماً ومسيرة حياته البحثية كانت منصبة على أمور كثيرة لكن أبرزها كان شيئاً فقد الأمل في كشف أسراره حتى طرقنا بابه. بقينا صامتين ولم نرد عليه لأننا لم نكن نعرف عن ماذا كان يتحدث ثم بدأ بسؤالنا بعض الأسئلة الغريبة:
(الباحث): هل لمستما أو حصلتما مؤخراً على خاتم ذي فص أخضر؟
(عمر): لا
(الباحث): هل تقدم أحدكما لخطبة فتاة تلبس مثل هذا الخاتم؟
(ماجد): لا.. ماذا عنك يا (عمر)؟
(عمر) باستغراب: لا
(الباحث): هل زار أحدكما "مصر" من قبل؟
(عمر): لم كل هذه الأسئلة؟
(الباحث) وهو ينفخ سحابة من الدخان: غريبة.. لم يلاحقكما إذاً؟
(ماجد) بتوتر: من الذي يلاحقنا؟
(الباحث): (ديموس)..
(ماجد): (ديموس) من؟
(الباحث): شيطان الهرم..
(عمر) وهو يضحك: من أي فلم هذا؟
(الباحث): أعرف أنكما لن تصدقا هذا الكلام لكن لا يهمني تصديقكما أو حتى قتله لكما لكن ما يهمني هو معرفة سبب ملاحقته لكما أنتما بالذات
بدأنا نشعر بالتوتر من كلام الرجل ومن ثقته الغريبة في الحديث وفي لحظة خوف وضعف طلبنا منه شرح الموضوع لنا بتفصيل أكثر فرفض وطلب منا الانصراف وقال: "ليس لدي الوقت لأتحدث وخاصة مع جهلة مثلكما!"
(ماجد) متوسلاً: أرجوك أخبرنا ونحن أسفان لو كنا قد أهناك بعدم تصديقك لكن ما تقوله غريب
(الباحث) يدخن سيجارته ولا يرد..
(عمر): إذا كانت حياتنا في خطر كما تقول أرجوك أخبرنا كي نحاول على الأقل النجاة
(الباحث): فرص النجاة شبه معدومة
(ماجد): لا بأس.. أخبرنا فقط ما الذي يحدث
وافق الباحث بعد إصرارنا عليه وبدأ بالكلام..
(الباحث): الشيء الذي صدمتماه بسيارتكما هو (ديموس) شيطان الخاتم الأخضر وبعرف أيضاً بشيطان الهرم
(ماجد): شيطان؟
(الباحث): نعم.. شيطان معلق
(عمر): ...
(الباحث): شيطان بحثت عنه طويلاً أنا ومجموعة كبيرة من المهتمين بهذه الأسطورة
(ماجد): ...
(الباحث): أرى مظاهر الحيرة عل وجوهكما
(عمر): نخاف أن نسألك فتغضب منا
(الباحث) يطفئ سيجارته: سوف أخبركما بقصة (ديموس) والخاتم الأخضر أولاً كي تتضح الصورة لكما أكثر
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا