بدأت الستائر تزاح وأخذ الناس بالخروج تباعاً من الغرف في دهشة واستغراب والشيخ (عادل) يحدق في كل من يخرج.
بعد دقائق من مراقبة الناس وهم يرحلون من المطعم لمح الشيخ (طارق) خارجاً من الغرفة "5" تتبعه (نورة) فأشار بإصبعه نحوهما وأدار نظره لقائد الحملة قائلاً: ها هما! أمسكوهما!
هجم الشرطيان على (طارق) وأمسكاه بقوة وعنف بالرغم من أنه لم يحاول الفرار وتولى البقية الإمساك بجسد (نورة) الهزيل وهي بدورها أيضاً لم تقاوم أو تحاول الهرب لكن لأسباب غير واضحة احتاجت رجلين للإمساك بها والتحقق من السيطرة عليها كي لا تهرب.
توجه الجميع نحو السيارة التي أتت بها "كتيبة الأخلاق" وسط ذهول وتعجب من زبائن المطعم الذين خرجوا للتو ومن بعض المارة وبعض التكبير من بعض المتدنيين الذين وصلوا حديثاً للمكان من عامة الناس. ركب الشيخ (عادل) سيارته ولحق بالكتيبة نحو مقر المركز ودخل على صديقه ذي العباءة السوداء وصافحه وعانقه قائلاً: جزاك الله خيراً يا شيخ (سعد) أدامك درعاً ضد الفساد!
(الشيخ سعد): جهودنا مشتركة يا شيخ (عادل)
جلس الاثنان يتجاذبان أطراف الحديث ويشربان القهوة العربية حتى استطاع الشيخ (عادل) بحكم مكانته الوظيفية إقناع الشيخ (سعد) بالسماح له بالتحقيق معهما وتحجج بأن هناك دعوى مقامة عليهما في المحكمة حالياً وهذه فرصة للحصول على معلومات منهما لتعزيز دلائل القضية فوافق شيخ المركز دون تردد وقاده للمكان الذي احتجز فيه (طارق) فقال الشيخ (عادل): "أريد أن أحقق مع الفتاة أولاً.."
وافق الشيخ (سعد) على طلبه وأخذه الى أحد المكاتب الخالية ريثما يحضرون (نورة) له للتحقيق معها..
عاد الشيخ (سعد) لمكتبه بعد ما أمر أتباعه بإحضار الفتاة وإدخالها على الشيخ (عادل) في غرفة التحقيق وبعد جلوسه رن الهاتف الثابت فرفع السماعة مجيباً: نعم.. "هيئة مكافحة الفساد والرذيلة"..
رد عليه صوت عرفه بنفسه على أنه ضابط من المرور ويحتاج لشخص من قسم الهيئة متخصص في السحر والشعوذة ليبت لهم في أمر ما حدث معهم الليلة.
(الشيخ سعد): نحن الآن خارج أوقات الدوام الرسمي وموجودون فقط لقضية طارئة ولا يوجد سوى الموظف المناوب.. هل يمكن أن نرسل لكم الشخص المختص غداً؟
(ضابط المرور): لو استطعت خدمتنا وإرساله الآن فسنكون شاكرين لأن الموضوع مستعجل
(الشيخ سعد): سوف أتواصل مع أفضل موظف بالقسم وإذا أجابني فسوف أرسله لكم فوراً.. لكن هل تريد أن أرسله بشكل رسمي أو بشكل ودي؟
(الضابط) باستغراب: بالطبع بشكل رسمي.. أريد أن يعد تقريراً أضمه لتقرير الحادث الذي سأرسله للشرطة غداً
(الشيخ سعد): ما الذي حدث بالضبط؟
(الضابط): لسنا واثقين بعد.. لنتركها حتى يكتمل التحقيق
(الشيخ سعد): حسناً سأحرص أن يكون عندكم في أسرع وقت
اتصل الشيخ (سعد) بعد ما أغلق الهاتف على فتى تعين للتو في الهيئة في "قسم مكافحة السحر والشعوذة" يدعى (خالد) وكان لا يزال شاباً يافعاً لكن ذكاءه وقوة تدينه كانا كبيرين جداً.
بعد ما وصل الشاب لمركز الهيئة وجلس أمام الشيخ (سعد) قال له: اسمع يا (خالد).. أريدك أن تذهب للضابط المناوب في المرور وتخبره أنك أتيت إليه بناءً على المكالمة الهاتفية التي دارت بيننا وهو سيخبرك ما المطلوب منك
(خالد): أبشر يا شيخ.. لكن هل يمكن أن تخبرني بشكل مختصر عن الموضوع ولم تم استدعائي في هذا الوقت المتأخر من الليل ولم يؤجل الموضوع للغد؟
(الشيخ سعد): لو كنت أعلم لما بخلت عليك بالمعلومة لكن الضابط خلال حديثه معي كان مشوشاً أو متكتماً.. لا أعرف.. لكن وبما أنه طلب مساعدة من مختص في السحر والشعوذة فلابد أن الأمر يتعلق بساحر ألقوا القبض عليه.
(خالد): المرور ليس مختصاً بمداهمة أوكار السحرة.. هذا من اختصاص الشرطة
(الشيخ سعد): لا تضيع الوقت يا شيخ (خالد) ووجه أسئلتك للشخص المناسب
(خالد) مبتسماً وهو يهم بالنهوض: أعتذر يا شيخ (سعد).. سوف أذهب حالاً
خرج (خالد) وتوجه مباشرة لمركز المرور وكانت الساعة قد تجاوزت في ذلك الوقت الواحدة بعد منتصف الليل وعندما وصل للمركز دخل وسأل عن الضابط المناوب فاستقبله شخص ملتح بزي المرور الرسمي وقال له مبتسماً:
"مرحباً بك يا شيخ وشكراً لسرعة استجابتك.."
بعد ما دخل (خالد) على الضابط المناوب وجلس معه سأله عن سبب استدعاء المرور لفرد من أعضاء لجنة مكافحة السحر والشعوذة فقال الضابط بعد زفرة مريرة: سأخبرك يا شيخ ما حدث معنا الليلة قبل عدة ساعات..
بدأ الضابط المناوب بسرد تفاصيل القصة:
"تلقينا بلاغاً من أحد المواطنين بأنه وجد سيارة بالطريق الصحراوي دون ركاب أو سائق مركونة بجانب إحدى المزارع المستصلحة هناك وقد تعرضت لحادث بسيط فقمنا بإرسال أقرب دورية للمكان للتحقق من الأمر والتعرف على هوية صاحبها وعندما وصل الشرطي على دراجته النارية للموقع حسب وصف المتصل لم يجد السيارة لكنه وجد بعض الدماء على الأرض ولم ير أثراً لجثة أو شخص مصاب فقام بالتبليغ عما شاهده عبر اللاسلكي فأرسلت له سيارة دعم بها شرطيان وبعد ما وصلا للموقع لم يجدا الشرطي المبلغ لكنهما وجدا دراجته النارية وخوذته ملقاة على الأرض."
(خالد): وما علاقة قسمنا بهذا الأمر؟.. من الواضح أنها جريمة تدخل ضمن اختصاص الشرطة؟
(الضابط): لا تستعجل يا شيخ فما هو خارج اختصاصنا هو الذي سأخبرك به الآن
(خالد): أعتذر لمقاطعك.. تفضل
أكمل (الضابط) حديثه قائلاً: بدأ الشرطيان بالبحث حول الدراجة النارية بعد ما قاما بالتبليغ عما رأياه من تطور للأحداث ولأن مكان البلاغ شبه ناء وبعيد عن العمران السكاني وفي منطقة صحراوية ولم يكن بقربهما سوى بعض المزارع البسيطة والمغلقة بأسوار عالية كانت رقعة البحث محدودة بالنسبة لهما لكنهما وجدا على حائط إحدى المزارع القريبة من الشارع شكلاً غريباً مرسوماً باللون الأحمر
(خالد): شكل غريب كيف؟
(الضابط): نجمة خماسية وسط دائرة..
(خالد): وما الغريب في الأمر؟ لعل أحداً رسمها من باب العبث أو صاحب المزرعة وضعها كعلامة لمزرعته بالرغم من أن الرمز الذي وصفته رمز ليس اعتيادياً وله دلالة سيئة لكنه قد يحدث
(الضابط): الغريب هو أن جثة شرطي المرور الذي قام بالبلاغ الأول كانت ملقاة تحتها مباشرة واللون الأحمر الذي استخدم لرسم الرمز كان دمه
سكت (خالد) بعد ما اتسعت عيناه..
(الضابط): كان من الممكن أن نتعامل مع الأمر على أنه مجرد جريمة قتل اعتيادية لكني أشعر أن هناك شيئاً أكبر من ذلك.. ألا تتفق معي؟
(خالد): كون القاتل رسم هذا الرمز فهذا لا يدل على أن هناك شعوذة بالموضوع فهناك الكثير ممن يحاولون التظاهر بعلمهم بهذه الأشياء لإثارة الفضول فقط.. في الغالب أن الجريمة ارتكبت لسبب آخر وهذا الرسم ما هو إلا للتضليل
(الضابط): لقد قبضنا على شخصين كانا خارجين من المزرعة واعترفا بأنهما صاحبا السيارة المركونة بجانب سورها والتي كان عليها البلاغ الأساسي لكن بعد التحقيق معهما وجدنا أن إفادتهما غريبة بعض الشيء
(خالد): لماذا؟.. ماذا قالا؟
(الضابط): كانا يتحدثان عن مخلوق غريب دهساه بسيارتهما وأنهما دخلا المزرعة بحثاً عنه
(خالد): ربما كانا تحت تأثير المخدر أو السكر
(الضابط): ربما لكن شرطي المرور ذبح بطريقة وحشية وذلك الرمز الذي رسم فوق جثته بدمه على جدار المزرعة هو ما يحيرني ويجعلني أشك أنها ليست مجرد جريمة قتل عادية
(خالد): هل تسمح لي بسؤال؟
(الضابط): تفضل
(خالد): هل تقرأ في السحر؟
(الضابط): لم تسأل؟
(خالد): استدعاؤكم لي وطلب خدماتي والمشورة مني أعطياني هذا الانطباع
(الضابط) مبتسماً: لي بعض القراءات الخفيفة
(خالد): ذكرت أن الشرطي ذبح بطريقة غير اعتيادية.. ماذا قصدت بهذا الكلام؟
(الضابط): نحرت رقبته من الخلف ووضعت جثته على الأرض بحيث تكون ساجدة لذلك الرمز..
(خالد): ذبح كالقرابين..
(الضابط): نعم لذلك أريد أن أخذ المشورة منك قبل أن نستأنف التحقيق
(خالد): أين الرجلان اللذان قبضتم عليهما؟
(الضابط): في الحجز.. هل ترغب في مقابلتهما؟
(خالد): نعم.. أريد الحديث معهما قليلاً لكن قبله أريد الاطلاع على ملف القضية والتحقيقات الأولية التي أجريتموها وإذا سمح وقتك نقوم بزيارة الموقع
(الضابط) يمد الملف لــ (خالد): بالطبع.. يمكننا الذهاب الآن بعد ما تلقي نظرة سريعة على الملف.. لم نحصل على إفادة إلا من صاحب المزرعة وبعض أصحاب المزارع المجاورة بالإضافة لأقوال الرجلين
(خالد) وهو يأخذ الملف: لا بأس سأطلع عليها بالتفصيل عند عودتنا من الموقع بعد إذنك
(الضابط) منادياً على أحد معاونيه: جهز السيارة!
(اخالد): مجرد استفسار بسيط.. أليس القبض والتحقيق من اختصاص الشرطة؟.. لم لم تحولوهما لمركز الشرطة حتى الآن؟
(الضابط): لقد قمنا بتحقيق خاص بنا كون المجني عليه من أفراد مركزنا وسوف يتم تحويل ملف القضية للشرطة غداً وسينقل الرجلان للحجز هناك وقد لا تتاح لك الفرصة للحديث معهما مرة أخرى بعدها.. لقد قمت باستدعائك على عجالة في هذا الوقت لإيماني بأن قسمكم سيقدم مساهمة إيجابية في الموضوع وهذا ما قد لا يتفق معه المحقق الذي سيستلم القضية من مركز الشرطة
(خالد): فهمت.. سأحاول فهم كل ما أستطيع الليلة قبل أن ينقلا للشرطة غداً.. هيا لنتوجه لموقع الجريمة.
رأسان في الحرام
عاقد ومعقود
دخل رجل ملتح على مندوب قسم النساء في مركز "هيئة مكافحة الفساد والرذيلة" وقال له متجهماً: "أحضر تلك الفتاة التي أحضرناها في مداهمة الليلة ليحقق معها الشيخ!"
ذهب الوظف لمكان احتجاز النساء بعد التحقيق المبدئي معهن لمعرفة أسمائهن وبعض المعلومات العامة عنهن ونادى بصوت مرتفع: "تعالي يا (نورة)!"
توجهت (نورة) إليه وعلامات الخوف متجلية على وجهها وقالت: نعم؟
(الموظف): تعالي معي.. الشيخ يريد التحقيق معك
دمعت عين (نورة) وهي تساق للغرفة المجاورة التي كان ينتظر فيها الشيخ (عادل). أدخلها الموظف وأجلسها أمام الشيخ وخرج بعد إغلاق الباب خلفه وبمجرد أن سمعت (نورة) صوت الباب وهو يغلق بدأت بالبكاء والحلف أنها لم تفعل شيئاً وأن ذلك الشاب هو من اقتحم عليها خلوتها في المطعم وجلس معها رغماً عنها واسترسلت بالحديث بعد ما سألها الشيخ عن سبب خروجها وحدها في هذا الوقت المتأخر وقالت إن أمها توفيت للتو وهي في حالة نفسية سيئة ولم تفكر في تصرفاتها فابتسم الشيخ بعد سماعه هذا الكلام وقال لها بنبرة حاده: "من ولي أمرك الآن إذاً؟!"
(نورة) بخوف: خالي..
(عادل): سنتصل به ليوقع على تعهد ويقوم باستلامك
(نورة) بخوف وقلق: لا، أرجوك، فخالي إنسان قاس ولن يرحمني!
(عادل): وماذا تريدين مني أن أفعل؟
(نورة): أن تسامحني وتستر علي
(عادل): هذا ما سنفعله
(نورة) بقلق: لا تخبر خالي أرجوك وسأنفذ كل ما تطلبونه مني وسأوقع على أي ورقة تريدون
(عادل): لا توجد سوى ورقة واحدة تخلصك من هذا المأزق
(نورة) وهي تبكي: سوف أوقع عليها!
(عادل): ورقة عقد قرانك
(نورة) وهي تمسح دموعها باستغراب: قراني؟.. لا! لن أتزوج ذلك الشاب!
(عادل) وهو يضحك: هل تظنين أننا في فلم كي تتزوجي من قبض عليه معك؟
(نورة) باستغراب: من تقصد إذاً؟
(عادل) بتجهم: أقصد عقد قرانك علي وهذه تضحية سأقوم بها لأجلك ولأجل الستر عليك
سكتت (نورة) وهي تحدق بتعجب في أعين (عادل) التي تكاد تلتهمها بنظراتها غير المريحة وخلال تحديقها به تذكرت أنه نفسه القاضي الذي رأته عندما كانت مع أمها في المحكمة لرفع قضية النفقة على طليقها.. طال سكوتها والشيخ يتمعن في زوجته المستقبلية بنصف ابتسامة حتى قالت بهدوء وصرامة: "اتصل بخالي.."
(عادل) وهو يصرخ: كما تشائين!
خرج الشيخ من الغرفة وأمر الرجل الواقف خارجها بإحضار الشاب الذي كان مع الفتاة في المطعم لغرفة التحقيق الثانية وإعادة الفتاة للحجز والاتصال بخالها حتى يأتي لاستلامها. دخل (عادل) لغرفة التحقيق الثانية وبقي في انتظار (طارق) حتى دخل عليه وجلس أمامه فقال له بصوت مرتفع وغاضب: "هل تظن أنها فوضى لتختلي ببنات الناس على هواك؟!"
(طارق) بهدوء: أنا لم أختل بأحد ثم إني لا أعرف تلك الفتاة
(عادل) بغضب: لا تنكر فلقد قبضنا عليك متلبساً!
(طارق) ببرود: وما هو المطلوب مني الآن؟
(عادل) وهو يمد ورقة بيضاء: لا شيء.. وقع على اعترافك لنحولك للشرطة ثم للقضاء؟
(طارق): أوقع على ماذا؟.. هذه ورقة بيضاء؟
(عادل): وقع ثم سنكتب حيثيات الموضوع
(طارق): هل تظن أني أحمق؟
(عادل): ستكون أحمق إذا لم تخلص نفسك وبأسرع وقت من هذا المأزق
(طارق): وماذا عن الفتاة؟
(عادل): لا دخل لك بها فقط اهتم بنفسك
(طارق): هل يمكن أن أطلب محامياً؟
(عادل) وهو يضحك باستهزاء: أي محامٍ؟
(طارق): ألم تقبضوا علي متلبساً في جريمة كما تدعي؟.. من البدهي إذا أن أطلب محامياً
(عادل) بعصبية: أين تظن نفسك؟! اتصل بأهلك كي يطمئنوا عليك لأنك ستبقى معنا الليلة
(طارق): كيف أتصل بهم؟
(عادل): سنمنحك حق مكالمة واحدة فقط
(طارق): ولن أحتاج غيرها
جلب أحد الموظفين في المركز هاتفاً ثابتاً لــ (طارق) بأمر من الشيخ (عادل) وأجرى مكالمة هاتفية واحدة ولم تكن لأهله بل كانت لمدير أعمال والده: "آلو.. (أبا طلال)؟.. كيف حالك؟.. أنا محجوز في مركز "هيئة مكافحة الفساد والرذيلة".. نعم.. حسناً"
أغلق (طارق) الخط
نظر (عادل) لــ (طارق) بتعجب يخالطه الغضب وقال: مع من تحدثت؟
(طارق): مع مدير أعمال أبي
(عادل) وهو يبتسم بسخرية: وماذا سيفعل لك (أبو طلال) هذا؟
(طارق): سيخرجني أنا والفتاة من هنا
(عادل) بنبرة عالية وساخطة: أنت تحلم!
(طارق) بهدوء وابتسامة واثقة: بل أنت من سيستيقظ..
سكت (عادل) وخرج غاضباً من الغرفة وتوجه لمكتب صديقه الشيخ (سعد) ليجده جالساً مع (خالد) الذي عاد للتو من مركز المرور وعلامات القلق قد بدت على وجهه وقبل أن يتكلم (عادل) قال له الشيخ (سعد):
"لو سمحت يا شيخ انتظرني بالخارج قليلاً.."
غضب (عادل) من كلام الشيخ (سعد) وقال بصوت مرتفع: هل تطردني من مكتبك؟!
"الشيخ سعد" بتعجب: أطردك؟!.. أنا في اجتماع خاص الآن وإذا كنت لا ترغب في الانتظار فيمكنك الرحيل فلقد ساعدتنا بما فيه الكفاية!
سكت (عادل) قليلاً وهو يحدق بغضب في (الشيخ سعد) ثم قال بنبرة أقل حدة: "سأنتظرك حتى تفرغ.."
خرج (عادل) وجلس على أحد المكاتب المجاورة لمكتب رئيس الهيئة مخرجاً سواكه من جيبه واضعاً إياه في فمه بتجهم..
بعد أقل من نصف ساعة دخل شخص من باب مركز الهيئة الرئيس وعليه تجلت مظاهر الثراء الفاحش وفي يده سبحة فخمة ملتفة على خاتم مرصع بالألماس ورائحة عطره غزت كل غرفة يمر بجوارها وسأل عن مكتب رئيس الهيئة فقاده أحد الموظفين للمكتب تحت مرأى وسمع (عادل) وهو يقول في نفسه:
"سوف يطرده كما طردني بلا شك.."
لكن الرجل لم يخرج بعد دخوله مكتب الشيخ (سعد) وظل مع رئيس الهيئة و(خالد) قرابة ربع الساعة دخل عليهم خلالها (طارق) و(نورة) بعد ما تم استدعاؤهما وخرجا بعدها مع الرجل الذي اتضح أنه (أبو طلال). ثار (عادل) وهو يراهما يخرجان من مركز الهيئة ويركبان سيارة (أبي طلال) الفارهة ويهمون بالرحيل فتوجه غاضباً لمكتب الشيخ (سعد) وصرخ بمجرد دخوله قائلاً:
"كيف تسمح لهما بالرحيل؟!"
(الشيخ سعد) موجهاً كلامه لــ (خالد): سنكمل حديثنا في هذا الموضوع غداً.. ارحل الآن فلقد تأخر الوقت ولابد أنك متعب.. شكراً لك.
خرج (خالد) وأغلق الباب خلفه بعد ما دخل (عادل) وعلى وجهه علامات السخط والغضب فطلب رئيس الهيئة منه الجلوس.. فجلس..
(الشيخ سعد): على أي أساس أبلغتني أن هناك خلوة محرمة في ذلك المطعم يا شيخ (عادل)؟
(عادل) وهو يبلع ربقه: لأنهما دخلا معاً وهما ليسا بمحارم
(الشيخ سعد): قلت لي إن لهما قضية في المحكمة هل يمكن أن تخبرني ما هي تلك القضية؟
تلعثم (عادل) في الكلام ثم صرخ قائلاً: يبدو أنهما اشترياك بأموالهما وأضلاك عن طريق الحق! للأسف كنت أظنك شخصاً نزيهاً مثلي!
(الشيخ سعد) مبتسماً بسخرية: فعلاً.. أنا لست مثلك.. يمكنك الرحيل الآن يا شيخ (عادل) ومراعاة لصداقتنا لن أتخذ ضدك أي إجراء رسمي
(عادل) وهو ينهض ويهم بالخروج صارخاً بصوت مرتفع: ومن أنت لتهددني؟ ! أنا قاضٍ شرعي وأنت بحرد مطارد للفاجرات!
(الشيخ سعد): جزاك الله خيراً يا شيخ (عادل).. أغلق الباب خلفك
أوصل (طارق) الفتاة المكسورة لمنزلها واعتذر منها لما حدث معها بسببه وهي بدورها شكرته على مساعدتها وقبل أن تترجل من السيارة قال:
"آنسة (نورة).. أحتاج للحديث معك بخصوص منزلكم وما حدث لصديقي في أقرب فرصة أرجو أن تتيحي لي تلك الفرصة"
(نورة) وهي تبتسم: لا مانع يا (طارق)..
(طارق): هل هناك رقم يمكنني التواصل به معك؟
كتبت (نورة) رقم هاتفها المنزلي الثابت على ورقة وقالت له: اتصل علي وقتما رغبت في الحديث..
مضت الأيام وانتهى عزاء (أم نورة) الذي أقيم في منزلها لرفض خالها تحمل تكاليف ونفقات العزاء وكان أغلب المعزين من نساء الحي وزميلات (نورة) في العمل الذي فصلت منه لانقطاعها عنه. بقيت (نورة) وحدها في المنزل الذي اقترب موعد تسديد إيجاره نصف السنوي وهي لا تملك حتى قيمة فواتيره المتراكمة خاصة وأن خالها لم يطلب منها أن تقيم معه وهي لم تطلب منه ذلك لعلمها المسبق بأنه سيرفض.
في إحدى الليالي وبعد عدة أيام من وفاة أمها توجهت (نورة) للمطبخ للبحث عن شيء يسد جوعها وبعد دخولها المطبخ رن الهاتف الثابت في غرفة المعيشة فتركت ما بيدها وتوجهت للهاتف ورفعت السماعة: نعم؟
"أنا (طارق).. رحم الله والدتك وأسكنها فسيح جناته.."
(نورة): شكراً..
(طارق): كيف حالك الأن؟
(نورة): الحمد لله بخير
(طارق): لن أطيل عليك وسأدخل في صلب الموضوع مباشرة.
(نورة): تفضل يا أستاذ (طارق)
(طارق): آنسة (نورة) ما الذي حاث لصديقي؟ لقد قلت بأنه مات.. كيف حدث ذلك؟
صمتت (نورة) ولم تجب على استفساره..
(طارق): أرجوك يا (نورة) أنت الوحيدة التي يمكنها مساعدتي لمعرفة الحقيقة
(نورة): أخبرني قبلها.. لم لحقت بي تلك الليلة التي قبض علينا فيها؟
صمت (طارق) متحرجاً ولم يجب..
(نورة): لم سكت؟
(طارق): بصراحة.. الموضوع متشعب وغريب.
(نورة): غريب كيف؟
(طارق): من المفترض أن أتقدم لخطبتك..
(نورة) مقاطعة: خطبتي؟
شرح (طارق) كل شيء بالتفصيل لــ (نورة) والتي أخذت نفساً عميقاً بعد سماع كلامه وقالت بهدوء وكأنها تحدث نفسها لكن بصوت مسموع لــ (طارق): الآن فهمت.. صديقك راح ضحية لحارس الخاتم.. لكن لم استهدفه هو ولم يستهدفك أنت؟
(طارق) باستغراب: عن ماذا تتحدثين؟.. أي خاتم وأي حارس؟
(نورة) وهي ترفع يدها وتحدق بخاتم ذي فص أخضر كانت تلبسه: الخاتم الأخضر وحارسه (ديموس)..
(طارق): لا أفهم شيئاً مما تقولين.. وضحي رجاءً
(نورة): من الصعب أن أشرح لك أكثر.. أنا أسفة
(طارق): سوف أعرج بمنزلك غداً صباحاً بعد إذنك كي أفهم الموضوع
أغلقت (نورة) الخط دون أن ترد عليه..
(طارق) وهو ينظر لسماعة الهاتف بتعجب: ما الذي يحدث؟
مع إشراقة الشمس أول الصباح الباكر استيقظت (نورة) في غرفتها بالطابق العلوي على صوت جرس الباب واستغربت أن (طارق) قد أتى في هذا الوقت المبكر جداً وتساءلت عما إذا كانت تتوهم ما سمعته لكنها تيقنت عندما سمعت الباب في الطابق السفلي يطرق بقوة فخرجت من غرفتها نزولاً ووقفت عند الباب وسألت عن الطارق فأجابها صوت لم يكن مألوفاً لها وقال: "افتحي يا (نورة).."
(نورة) بقلق: (طارق)؟.. هل هذا أنت؟
(صوت آخر): لا لسنا (طارق).. لا تخافي نحن هنا لنساعدك
(نورة) بخوف وصوت مرتفع قليلاً: ارحلوا من هنا وإلا استدعيت الشرطة!
(الصوت الأول): ألا تريدين التخلص من (ديموس)؟
سكتت (نورة) قليلاً ثم قالت: كيف تعرفون هذا الاسم؟
(الصوت الثاني): افتحي الباب وسنخبرك
(نورة): لا أستطيع.. أنا وحدي بالمنزل
(الصوت الأول): سوف نكتب رقم هاتفنا في ورقة ونضعها تحت الباب ويمكنك الاتصال بنا في أي وقت إذا غيرت رأيك بشأن مساعدتنا لك، لكن أرجوك ألا تتأخري
سكتت (نورة) وهي تشاهد ورقة صغيرة تندس من تحت عتبة الباب..
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا