من روائع القصص العالمية الساذجة حصة إبراهيم العمار

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-11-03

الساذجة 

للكاتب الروسي الكبير: أنطوان tîikwf Anton Chekov

(1860 - 1904)

طلبتُ - قبل بضعة أيام - من مربية أولادي (جوليا فاسيليفنا) موافاتي بغرفة الكتب.

- تفضلي بالجلوس (جوليا فاسيليفنا) - قلت لها - كيما نسوي مستحقاتك!.

ويبدو أنك تلبسين رداء الرسمية والتعفف إذ أنك لم تطلبيها رسمياً مني رغم حاجتك الماسة للمال ...! حسناً ... كنا إذاً قد اتفقنا على مبلغ ثلاثين روبلاً في الشهر ...

- بل أربعين! قالت باستحياء.

- كلا ... اتفاقنا كان على ثلاثين. دونت ملاحظة بذلك - أدفع إلى المربيات ثلاثين روبلاً عادة. لقد عملت هنا لمدة شهرين لذا ...

- شهران وأيام خمسة - قالت مصححة!

- بل عملت لمدة شهرين بالتمام والكمال - قلت بإصرار - لقد دونت ملاحظة بذلك وهذا يعنى أنك تستحقين ستين روبلاً - يخصم منها أجر تسعة أيام تعرفين تماماً أنك لم تعملي شيئاً ل (كوليا) أيام الآحاد وكنت تكتفين بالخروج به للنزهة ... هناك أيضاً ثلاث إجازات و...

ولم تعقب ... اكتفت المسكينة بالنظر إلى حاشية فستانها فيما كست محياها حمرة شديدة ... ما نبست ببنت شفة!

- ثلاث إجازات فلنخصم من ذلك إذاً اثني عشر روبلاً ... كما وأن (كوليا) قد مرض فاستغرق ذلك ثلاثة أيام لم يتلق عبرها أي درس ... شغلت إبان ذلك ب (تانيا) فقط، هناك أيضاً أيام ثلاثة شعرت فيها بآلام في أسنانك ممضة أعفتك زوجتي خلالها من العمل بعد الظهر ... اثنا عشر وسبع يساوي تسعة عشر، واطرحي ذلك فيتبقى بعد ذلك ... آ ... واحد وأربعون روبلاً ... أصبح ذلك؟

واحمرت العين اليسرى (لجوليا فاسيليفنا) ثم ... غرقت بالدمع، فيما تشنج ذقنها وارتعش ... وسعلت بشدة ثم مسحت أنفها ... إلا أنها ... لم تنبس بحرف!

- "قبيل ليلة رأس السنة كسرت كوب شاي وصحنة، يخصم من ذلك روبلان رغم أن تكلفة الكوب هي في الواقع أكثر من ذلك إذ إنه كان ضمن تركةٍ قيمة ... لا يهم! ليست تلك هي أولى ما منيت به من خسائر ...! بعد ذلك ونتيجة لإهمالك صعد (كوليا) شجرة فتمزق معطفه - يخصم من المجموع عشرة روبلات ... كما وأن الخادم قد سرقت - بسبب لا مبالاتك حذاء (فانيا) ينبغي أن تفتحي عينيك جيداً ... أن تتوخي الحذر والحيطة!

فنحن ندفع لك ثمن ذلك ... حسناً نطرح من كل ذلك خمسة روبلات وإني قد أعطيتك عشرة روبلات يوم العاشر من يناير!

- لم يحدث ذلك! همست (جوليا فاسيليفنا).

- بلى! دونت ملاحظة بذلك قلت بإصرار!

- حسناً وإذاً! أجابت بنبرات كسيرة.

- فإذا ما خصمنا سبعةً وعشرين من واحدٍ وأربعين فسيتبقى لك أربعة عشر روبلاً!

وغرقت بالدموع يومها كلتا عينيها فيما ظهر العرق على أنفها الصغير الجميل ... يا للبنية المسكينة!

- لم أحصل على مال سوى مرة واحدة!

- قالت بصوت راعش متهدج النبرات - وكان ذلك من زوجتك. ما تجاوز ما استلمته ثلاث روبلات ... لا أكثر سيدي!

- حقاً؟ أرأيت؟ لم أدون ملاحظة بذلك - سأخصم من الأربعة عشر رويلاً ثلاثة فيتبقى لك أحد عشر روبلاً!

ودفع إليها بالمبلغ فتناولته بأصابع مرتجفة ثم دسته في جيبها.

شكرا! قالت هامسة.

- ولماذا هذا ال (شكراً) سألتها!

- للمبلغ الذي دفعته لي.

لكنك تعرفين أني قد غششتك ... أني قد سرقتك ونهبت مالك فلماذا شكرتني؟!

- في أماكن أخرى لم يكونوا ليدفعوا لي شيئاً البتة!

- لم يمنحوك على الإطلاق شيئاً؟ زال العجب إذاً! لقد دبرت هذا المقلب كي ألقنك درساً في المحافظة على حقوقك، سأعطيك الآن مستحقاتك كاملة ... ثمانون روبلاً ... لقد وضعتها في هذا الظرف مسبقاً ... لكن - تساءلت مشدوهاً - أيعقل ذلك؟ أن يتسم إنسان بكل ذلك الضعف والاستسلام؟ لماذا لم تعترضي؟ لم كل ذلك الصمت الرهيب ... أيعقل أن يوجد في هذا العالم النابض بالظلم والأحقاد والشراسة إنسان بلا أنياب أو مخالب؟ إنسان في سذاجتك وخضوعك؟

وابتسمت في ذل وانكسار فقرأت في ملامحها "ذلك ممكن" واعتذرت منها مجدداً عما سببته لها من ألم وإحراج، إذ إن الدرس كان قاسياً حقاً قبل أن أسلمها الظرف الذي يحوي أجرها ... ثمانون روبلاً تناولتها بين مذبة ومصدقة ... وتلعثمت وهي تكرر الشكر ... المرة تلو المرة ثم غادرت المكان وأنا أتأملها وسيل جراحات الإنسان المعذب في أرجاء غابة الظلم ينداح في أوردتي وهمست لنفسي:

- حقاً ما أسهل سحق الضعفاء في هذا العالم!

(1883)

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا