القبطان وهو يجلس بجانب الشجرة التي رُبطت فيها (بلشون),َ لنتكلم بصراحة الآن.. ما حكايتك يا فتاة؟
لم ترد (بلشون) على القطبان..
أخرج القبطان خنجراً كان معه و(بلشون) تراقبه بتوتر..
القبطان وهو يضع طرف خنجره على رأس إبهامه ويحدق به: ألن تتحدثي؟
صمتت (بلشون) بوجه محتقن بالتجهم والغضب ولم ترد..
القبطان بهدوء: يمكنني إرغامك على الحديث لو رغبت
بلشون بنبرة متجهمة: حاول..
رفع القبطان الخنجر وأنزله على قيود (بلشون) وحررها..
بلشون وهي تدعك معصمها وتقول باستغراب: لمَ فعلت ذلك؟
القبطان وهو يعيد الخنجر لجيبه: كما قلتِ سابقاً.. نحن في المأزق نفسه لكن يبدو أنكِ الوحيدة التي تعرف ما هو هذا المأزق الذي سنواجهه عند الغروب
بلشون وهي تنظر للأرض: المأوى الذي تبنونه لا فائدة منه
القبطان ينظر ل (بلشون) بصمت دون أن يقاطعها..
بلشون وهي ترفع نظرها للسماء وتغطي أعينها بكفها لتقيها من الشمس: خلال ساعات قليلة سنتعرض لهجوم
القبطان بريبة: هجوم من أي نوع؟
بلشون هي توجه نظرها للرمال حولها: هل تظن أننا أول من وطئ أرض هذه الجزيرة؟
القبطان: لا أعتقد أن أحداً سبقناً إلى هنا من قبل
بلشون وهي تشير بأصبعها لعظمة نصف مدفونة في الرمال: أنت مخطئ.. انظر
القبطان وهو ينظر لما كانت (بلشون) تنظر إليه: ماذا؟ عظمة لحيوان فانٍ
بلشون: هذه ليست عظمة حيوان
القبطان بتوتر: عظمة ماذا إذا؟
بلشون: على الأرجح بحارة سبقوكم لهذا المكان ولم يطل عليهم نهار آخر لأنهم قرروا البقاء عند الشاطئ مثلما تقررون فعله الآن
القبطان والتوتر يزداد في نبرة صوته: ما الذي تريدين قوله يا فتاة؟ أفصحي عن ما يدور في خلدك دون مراوغة؟
بلشون وهي ترفع العظمة من الرمال وتقلبها في يدها: لن أشاركك علمي دون أن تشاركني علمك
القبطان: عن أي علم تتحدثين؟!
بلشون وهي تلتفت إلى القبطان: الخريطة التي معك والتي قادتك لهذا المكان! أريد رؤيتها!
القبطان وهو ينهض من مكانه: وما شأنك بالخريطة؟!
بلشون وهي ترمي العظمة جانباً: لن تفك رموزها بدوني فأنا الوحيدة على هذه الجزيرة التي تستطيع قراءة رموز القراصنة وأنت تعرف ذلك!
المرشد وهو يقاطع حديثهما: ما الأمر أيها القبطان؟ لمَ الفتاة محررة؟ هل حاولت الهروب؟
القبطان بهدوء: لا لا.. هل عاد (ملطي) و(أحمر)؟
المرشد وعينه على الفتاة: لا لم يعودا بعد
القبطان: هل انتهيت مع (قطرس) من بناء المأوى؟
لم يرد المرشد على القطبان وبقي محدقاً ب (بلشون) بتوجس وارتياب..
القبطان بغضب وصوت مرتفع: هل انتهيتما أم لا؟!
المرشد وتحديقه بالفتاة ينقطع: نعم نعم.. لا لا.. أقصد بقي القليل وننتهي لكن المواد التي نستعين بها للبناء نفذت لذلك ذهب (قطرس) لإحضار المزيد منها
القبطان: ولمَ لم تذهب معه؟
المرشد: لم أرغب في تركك وحدك
القبطان: ألحق به وساعده في عمله كي تنتهيا بسرعة
المرشد: ولكن..
القبطان بتجهم: هل يجب أن أكرر كلامي؟!
المرشد وهو يهم بالرحيل واللحاق ب (قطرس),َ لا لا سوف ألحق به..
رحل المرشد وهو ينظر ل (بلشون) بحدة وعندما اختفى على الأنظار أخرج القبطان الخريطة من جيبه ورماها تجاهها وقال: هيا أرينا قدرتك على فك رموز الخريطة!
بلشون وهي تلتقط الخريطة وقبل أن تفتحها: يجب أن تعطيني عهداً قبلها
القبطان بغضب: عهد ماذا؟ لقد أعطيتك للتو أهم ما أملك!
بلشون: خريطتك لا فائدة منها إذا كانت حياتي معرضة للخطر
القبطان: كلنا معرضون للخطر مثلك
بلشون: لكن ليس من أفراد طاقمك
القبطان: ما معنى هذا الكلام؟
بلشون: أريد عهداً منك أن لا يتعرض أحد من رجالك لي
القبطان: هذا أمر سهل فهم لن يلمسوك دون أمر مني
بلشون: أريدك أن تخبرهم بذلك بنفسك وأمامي
القبطان: لماذا؟
بلشون: لأني لا أضمن أنك ستبقى على قيد الحياة مدة كافية لحمايتي من بطشهم
القبطان والقلق ظاهر على وجهه: حسناً يا ابنة القرصان فقط أخبريني عن محتوى تلك الخريطة
فتحت (بلشون) الخريطة وبدأت تتفحصها..
القبطان بتوتر: ما الأمر؟ ماذا وحدتِ؟
أدارت (بلشون) ظهرها للبحر ووجهت نظرها نحو الجزيرة وتحديداً لقمم الجبال الشاهقة في الأفق وبقيت تحدق بها بصمت..
القبطان: هل ستخبرينني بما يدور في رأسك؟
بلشون وهي تشير لإحدى القمم: يجب أن نكون على هذه القمة قبل حلول الليل
القبطان وهو ينظر للقمة التي كانت (بلشون) تشير إليها: لن نتمكن من الوصول لتلك القمة قبل الليل فالمسافة بعيدة جداً
بلشون وهي تطوي الخريطة وترميها تجاه القبطان: يجب أن نحاول.. لقد أضعنا ما يكفي من الوقت
القبطان وهو يلتقط الخريطة ويضعها في جيبه: سنتحرك بمجرد عودة بقية الرجال
بلشون: لا وقت لذلك يجب أن نتحرك الآن
القبطان بغضب: لن أتخلى عن رجالي!
بلشون وهي تنطلق جرياً نحو قلب الجزيرة: كما تشاء! ابق وواجه الموت معهم!
اختفت (بلشون) بين الأشجار وبقي القبطان وحده في حيرة كبيرة بين اللحاق بالفتاة أو انتظار رجاله وفي النهاية قرر البقاء وعدم التخلي عنهم. بعد نصف ساعة تقريباً عاد المرشد و(قطرس) وهما يحملان بعض الأخشاب وبمجرد وصولهما رميا حمولتهما على الأرض وتوجها للقبطان الذي كان جالساً عن المأوى الذي بدأ ببنائه وكان سارحاً في البحر ويراقب أمواجه.
المرشد: ما بك أيها القبطان؟ وأين الفتاة؟
القبطان وهو يخرج عوداً كان بين أسنانه وعينه لا تزال تحدق بالأمواج: رحلت..
المرشد بتعجب وقليل من التجهم: رحلت؟! هل هربت؟!
قطرس: هل تأمرني باللحاق بها والبحث عنها أيها القبطان؟
القبطان وهو ينهض: لا.. سنلحق بها
المرشد: نلحق بها إلى أين؟
القبطان وهو يشير لقمة الجبل التي توجهت إليها (بلشون),َ لقمة ذلك الجبل
المرشد: أليس من الخطر دخولنا الجزيرة خاصة مع اقتراب حلول الليل؟
قطرس: ماذا عن (أحمر) و(ملطي) أيها القبطان؟ ألن تنتظر عودتهما؟
القبطان: بدأت أشك بعودتهما.. يبدو أن مكروهاً قد أصابهما ولن أبقى هنا كي أواجه مصيرهما نفسه
المرشد: هل الذهاب خلفها حماية لنا؟ من الأحرى بنا البقاء مكاننا وتجنب قلب الجزيرة
القبطان وهو ينظر للأرض: الفتاة تقول بأن الشاطئ خطر ليلاً ولو بقينا فيه فسنلاقي حتفنا
المرشد بعصبية: وهل سنصدق تلك الفتاة؟! إنها ابنة لقرصان وقد تسللت لطاقمنا بالخديعة وعرضتنا للخطر!
قطرس: أتفق مع المرشد أيها القبطان
القبطان: وهو يلتفت إليهما: ماذا لو كانت محقة؟
المرشد: ماذا لو كنا نحن المحقين؟
صمت القبطان وهو يراقب المرشد العابس لبرهة من الزمن ثم قال: حسناً سوف آخذ برأيكما.. أكملا بناء المأوى
بمساعدة القبطان أتم الرجال البناء مع غروب الشمس ودخول الليل وما أن جلسوا للراحة حتى أقبل عليهم (أحمر) و(ملطي) ومحملين بالطعام والماء.
القبطان وهو يرحب بعودتهما مبتهجاً: أين كنتما؟ لقد ظننت أنكما هلكتما
أحمر وهو يضع لفافة كبيرة مصنوعة من ورق الموز مملوءة بالفاكهة: لم نستطع العودة دون أن نحضر معنا شيئاً
المرشد مبتسماً: وهل جمع الفاكهة يستغرق كل هذا الوقت؟
ملطي وهو يضع جذع سجرة مجوفاً مليئاً بالماء: لا ولكن إعداد شيء نحملها فيه وهو الذي استهلك وقتنا
قطرس وهو يحمل فاكهة من الفواكه التي نُثرت على الأرض ويقضمها: هل واجهتما أي مصاعب خلال رحلتكما؟
ملطي: على العكس تماماً.. الجزيرة جميلة ومليئة بالخيرات والماء العذب يتدفق من شلال قريب من هنا
القبطان: ماذا عن الطعام؟ هل هو وفير؟
أحمر: وفير جداً.. معظم الأشجار مثمرة والحيوانات والطيور التي يمكن أن نصطادها لا حصر لها
المرشد وهو يرفع الجذع ليشرب بعض الماء: هذه أخبار مطمئنة.. ألم أخبرك أيها القبطان بأن تلك الفتاة مجنونة؟
القبطان وهو يزفر مبتسماً: لقد نصحتني بدخول الجزيرة وليس العكس
ملطي: أين الفتاة؟ لا أراها عند الشجرة؟
القبطان: انسوا أمرها الآن وأعدوا ناراً كي نجلس بجانبها
نفذ البحارة ما أمرهم به قبطانهم وأشعلوا ناراً كبيرة مما تبقى من الأخشاب التي أحضرها المرشد و(قطرس) لبناء المأوى وبعد جلوسهم حولها حكى القبطان ما حدث بينه وبين (بلشون) فقال المرشد: أشك بأنها اختلقت تلك القصة فقط لتلقي نظرة على الخريطة لسبقنا لمكان الكنز
القبطان بارتياب: هل تظن ذلك؟
المرشد: نعم بلا شك فهي ابنة قرصان والسرقة متأصلة في دمها وعلى الأرجح أنها وصلت للكنز الآن
أحمر: هل معنى ذلك أننا لن نحصل على شيء؟!
ملطي وهو يخرج خنجره: يجب أن نتعقبها ونتخلص منها
قطرس: حتى وإن حصلت على الكنز فخروجها به من الجزيرة لن يكون بالأمر السهل فكل قواربنا تحطمت ولن تستطيع الرحيل دون مساعدتنا
المرشد: مساعدتنا في ماذا؟ لو تخلصت منا يمكنها أن تبني لها طوافة صغيرة توصلها للسفينة
أحمر: وكيف ستجتاز تلك المخلوقات التي تحيط بالجزيرة بطوافة ونحن لم نستطع تجاوزها بقوارب؟
القطبان مقاطعاً نقاش الجميع: لن نتحدث في هذا الأمر الآن لنركز فقط على البدء في البحث عن الكنز أول الصباح وبعدها سنقرر
صمت الجميع بعد كلام القبطان وبدأ بعضهم بتناول المزيد من الفاكهة والبعض الآخر يحدق بالقمر. كسر حاجز الصمت (قطرس) بكلام وجهه ل (القبطان) قائلاً: هل لي بسؤال أيها القبطان
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا