لُج 7 للكاتب أسامة المسلم

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-10-19

المرشد: وإذا كانت كذلك أيها الأخنف.. فماذا تنوي أن تفعل؟ تتزوج أحدها؟ 

ضحك البحارة بمن فيهم المرشد لكن القبطان بقي متجهماً وهو يحدق بالجزيرة وقال: أنت تخلط بين الغرانيق والحوريات أيها البحار الساذج.. الحوريات كائنات أسطورية لا وجود لها أما الغرانيق فهناك الكثير من القصص والروايات التي تؤكد صحة وجودهم وكل تلك الروايات لم تذكر شيئاً عن حسن في شكلهم بل وصفتهم كمخلوقات بشعة بأنياب طويلة شبقة للدم والافتراس فقط وهذه الجزيرة كما تناقلت الأساطير محاطة بأعداد هائلة منها ويجب أن نتجاوزها

أحد البحارة: وكيف سنفعل ذلك أيها القبطان.. نحن سنرمي بأنفسنا بين أنيابهم

المرشد: الغرانيق لا تهاجم عابري البحر إلا في حالات معينة 

ملطي وهو يحك أذنه بخنجرة: حالات مثل ماذا؟

وجه المرشد نظره للقبطان الذي أكمل حديثه وهو لا يزال ينظر للجزيرة في الأفق البعيد: الغرانيق تهاجم السفن الصغيرة والقوارب عندما تتيقن أن تلك القوارب ليست خالية

أحد البحارة: وكيف يتيقنون من ذلك؟

القبطان: من الأصوات الصادرة منها فحتى لو رأونا مقبلين لن يتقدموا نحونا حتى يسمعوا أصواتنا لذلك يغنون

أحمر: وماذا سيفعل ذلك الغناء لنا؟

المرشد: عندما تقعون تحت تأثير أصواتهم الجميلة قد تنادون عليهم

ملطي بسخرية: نحن لسنا بذلك الغباء.. إذا أمرنا القبطان بالصمت فسوف نصمت

القبطان: في كل الأحوال حافظوا على الهدوء ولا تحدثوا أي صوت

قطرس: وما الحالات الأخرى التي يمكن أن نكشف بها أيها القبطان؟

القبطان: أمور لا تعنينا

أحد البحارة: مثل ماذا؟

المرشد: كوجود امرأة بيننا

أحمر باستغراب: امرأة؟

المرشد: نعم فالغرانيق تستطيع اشتمام النساء

القبطان: لا تفكروا بهذا الأمر وركزوا فقط على المحافظة على هدوئكم خلال عبورنا نحو الجزيرة

بدأ البحارة في الحديث فيما بينهم بقلق..

المرشد بصوت مرتفع ومسموع للجميع: لن نضيع الوقت في الحديث يجب أن نتحرك الآن نحو الجزيرة مستعينين بالقوارب الصغيرة!

أخنف: لمَ لا نتحرك في النهار عوضاً عن الليل؟

القبطان وهو يطوي الخريطة ويضعها في جيبه ويتوجه نحو أحد القوارب الصغيرة المربوطة بجانب السفينة: لأن فرصتنا في تجاوز الغرانيق ليلاً تكون أعلى

أحمر باستغراب: توقعت أن النهار سيكون أكثر أمناً

القبطان وهو يركب القارب ويصرخ في البحارة: نحن خمسة عشر رجلاً ولدينا ثلاثة قوارب فقط لذلك فليركب كل خمسة رجال قارباً وليبدأوا بالتجديف نحو الجزيرة بسرعة قبل حلول الصباح!

توجه البحارة كما أمرهم القبطان للقوارب المربوطة بجانب السفينة وركب مع القبطان كل من المرشد وأحمر وملطي وبحار هزيل الجسم متلثم بوشاح لا يظهر منه سوى عينيه وغرته الحمراء. تحركت القوارب الثلاثة معاً نحو الجزيرة وكان يتقدمها قارب القبطان ومن معه. تولى مهمة التجديف في قارب القبطان أحمر وملطي وبقي المرشد بجانب القبطان عند مؤخرة القارب والرجل الهزيل عند مقدمتها معطياً ظهره للبقية وممعناً النظر في الأفق. بعد مدة قصيرة من التجديف نحو شاطئ الجزيرة قال القبطان للمرشد بصوت غير مسموع للآخرين: من هذا الرجل الهزيل؟

المرشد وهو ينظر للرجل الهزيل: هذا الرجل هو بديل البحار الذي مات من المرض قبل شهر وقد عينته عندما رسونا في ميناء (بردوسا) قبل أسبوعين

القبطان ونظره لا يزال منصباً على الرجل الهزيل: وما الذي دفعك لتعيين بحار هزيل مثله؟ لا يبدو أنه مفيد لشيء

المرشد مبتسماً: لقد تفوق على كل المتقدمين في مهارات ربط العقد وكان ملماً بأمور كثيرة تخص البحر والملاحة أما البقية فقد كانوا مجرد عمال قرروا تغيير مهنتهم

القبطان بارتياب: لا أعرف لمَ لست مرتاحاً له.. كان يجب أن لا أوكل مهمة تعيين البحارة الجدد لك دون الرجوع إلي

المرشد: يمكننا التخلص منه لو رغبت

القبطان مبتسماً: فقط أمعن النظر أمامك وأخبرني كم بقي لنصل للجزيرة

في تلك الأثناء سمع البحارة على القوارب الثلاثة غناءٌ جميلاً آتياً من البحر حولهم فأخذ بعضهم يقف بحثاً عن مصدر الصوت فبدأ (القبطان) يشير للبحارة في القوارب الأخرى بيده بأن يلتزموا الصمت.

أحمر وهو يجدف: هل ما نسمعه الآن أيها القبطان هي الغرانيق؟

القبطان وهو يمعن النظر نحو مصدر الصوت في البحر: نعم يبدو كذلك

استمر الغناء الجميل والذي كان بصوت أنثوي رخيم وعميق يتخلله حزن آسر وكان البحارة مسحورين بذلك الصوت ويلتفتون حولهم بحثاً عن مصدره عدا القبطان والمرشد والرجل الهزيل.

توقف الغناء فجأة فأشار القبطان بصمت لبقية البحارة في القوارب الأخرى كي يسرعوا في التجديف للابتعاد عن المكان لكنهم لم ينتبهوا لإشارته لانشغالهم بشيء أطل برأسه من الماء وبدأ يحدق بهم. كانت امرأة جميلة بأعين واسعة وشعر طويل منسدل. كانت على بعد يسير من القارب المتوسط بين القوارب الأخرى وكان شكلها واضحاً لهم بسبب نور القمر. بقيت تلك المرأة تحدق بأحد البحارة بشكل مخيف وهو بدوره كان يحدق بها وكان مبهوراً بجمالها وقال لمن كانوا معه على القارب وهو سارح في تلك المرأة: ألم يقل القبطان بأن الغرانيق وحوش بشعة؟

رد على البحار بحار آخر شاركه التحديق والسرحان بتلك المرأة: نعم.. يبدو أنها تائهة وتبحث عمن يساعدها

ابتسمت المرأة وبدأت بالغناء للبحارة على القارب الثاني وخلال غنائها ظهرت رؤوس أخرى من الماء أحاطت بالقارب الثاني والثالث وبدأت بالغناء هي الأخرى.

المرشد محدقاً بالبحارة المسحورين بتوتر: هل هذه هي الغرانيق أيها القبطان؟

القبطان بقلق: لا أعرف.. الغرانيق كما حكت الروايات مخلوقات بشعة المنظر وهذا ليس ما أراه الآن

ملطي وهو ينظر للقوارب الأخرى في حالة أشبه بالسكر: لمَ لا نأخذهم معنا أيها القبطان؟

أحمر وهو في حالة مشابهة لزميله: نعم.. فليأتوا إلينا لنشاركهم الغناء

القبطان وهو يضرب رأس المرشد بطرف يده: انظر للهزيل

المرشد وهو يوجه نظره للبحار الهزيل: ما به؟

القبطان بتجهم: أعتقد أنه هو سبب اكتشافهم لقدومنا

المرشد باستغراب: ماذا؟ ماذا تقصد؟

توجه القبطان نحو البحار الهزيل بغضب وأمسك بلثامه وشده بقوة قائلاً: كما توقعت! هذا البحار..

لم يكمل القبطان جملته حتى بدأ الصراخ يعلو من القوارب الأخرى يصاحبه أصوات تخبط للماء وكأن هناك من يغطس فيه أو يخرج منه تلا ذلك ضربة قوية من أسفل قاربهم تسببت في شرخ كبير اندفع من خلاله ماء البحر لداخل القارب. لم يضيع القبطان الوقت بعد رؤيته ما حدث وقام بصفع (أحمر) و(ملطي) لإخراجهما من حالتهما وصرخ فيهما: اقفز في الماء!!

فقز الجميع من على القارب بمن فيهم المرشد والبحار الهزيل وبدأوا بالسباحة نحو الجزيرة وخلفهم صرخات استنجاد زملائهم المختلطة بصرخات أخرى كانت أشبه بصرخات الوحوش والتي انقطعت بعد برهة قصيرة. استمر القبطان بالسباحة دون توقف حتى أحس بالأرض تضرب أقدامه فحول سباحته إلى جري متسارع نحو الشاطئ وما أن وصل إليه حتى ألقى بنفسه على رماله وهو يتنفس بعمق وثقل. لم يرفع القبطان رأسه إلا عندما سمع شيئاً يخرج من الماء خلفه فنهض يلتفت خلفه بسرعة ليرى المرشد يخرج من الماء ويلقي بنفسه على الشاطئ وهو مرهق كما فعل القبطان من قبله. رفع القبطان قبعته للأعلى وهو ينظر للبحر وقال: هل نجا أحد غيرك؟

المرشد وهو منكب على وجهه في الرمال: لا أعرف..

القبطان: أرى ظلاً كبيراً يخرج من الماء

المرشد وهو يجلس مرعوباً ويوجه نظره للبحر: هل يمكنها مهاجمتنا خارج الماء أيضاً؟

القبطان وهو ينهض: لا تقلق إنهما مجرد (أحمر) و(ملطي) يسندان بعضهما بعضاً

أحمر وهو يخرج من الماء مستنداً على ملطي ويتنفس بصعوبة: ما الذي حدث؟ ما الذي حدث؟

ملطي وهو يرمي ب أحمر على رمال الشاطئ ويوجه كلامه للقبطان: ماذا حدث أيها القبطان؟ من الذي هاجمنا؟

المرشد وهو يقف: الغرانيق كما قال القبطان سابقاً

أحمر وهو ملقي على ظهره وعيناه مغمضتان: لم يقل القبطان بأنها جميلة لقد قال إنها وحوش بشعة

القبطان: يبدو أنهم لم يكونوا غرانيق

المرشد بتعجب: ماذا كانوا إذاً؟

صوت من خلفهم: سايرينات..

التفت الجميع إلى مصدر الصوت بمن فيهم (أحمر) المنبطح ليروا ذلك البحار الهزيل يحدثهم وقد بدا أنه خرج قبلهم من الماء. صرخ (القبطان) عند رؤية البحار وقال غاضباً: ما حدث كان بسببك!! 

المرشد بتعجب: وما دخله بما حدث؟

القبطان وهو ينظر للبحار الهزيل بتجهم: تقصد ما دخلها؟! هذا البحار امرأة وهي سبب كشف تلك المخلوقات لأمرنا!

ملطي محدقاً بالبحار الهزيل بتعجب: امرأة؟

أحمر وهو ينهض وينفض الرمال عن ملابسه: النساء في البحر فأل شؤم

المرشد وهو يقترب من البحار الهزيل ويتفحصه بنظره: هل حقاً أنتِ امرأة؟

البحار الهزيل وهو يحدق بالقبطان: نعم.. وما المشكلة؟

المرشد بغضب: ما المشكلة؟ اصطحاب النساء في البحر جالب للنحس!

الفتاة وهي ترفع وتربط شعرها الأحمر برباط أخضر أخرجته من جيبها: ما هذا الكلام الفارغ؟

اندفع القبطان بسرعة نحو الفتاة وأطبق على عنقها بيده اليمنى وبدأ بخنقها..

المرشد بتوتر وهو يضع يده على كتف القبطان: ماذا تفعل أيها القبطان؟

ملطي وهو يمرر خنجره على خده مبتسماً: ماذا تظنه فاعلاً أيها المرشد؟ سوف يخلصنا من مصدر الشؤم الذي تسبب بهلاك معظم طاقم السفينة

الفتاة وهي تقبض بكلتا يديها على قبضة القبطان المطبقة على عنقها وعيناها تغرغران بالدموع وبصوت مختنق: أستطيع أن أدلك على مكان الكنز..

اتسعت أعين القبطان وفك خناق الفتاة التي سقطت على الأرض وبدأت تدلك رقبتها وتسعل بحثاً عن النفس.

القبطان وهو ينظر للفتاة بتجهم: وماذا تعرفين عن الكنز غير الذي أخبرته للبحارة؟

الفتاة وهي تقف ويدها لا تزال تدعك رقبتها المحمرة من قبضة القبطان: أعرف أنك لن تصل إليه بدوني ولذلك عينت نفسي ضمن طاقمك عندما توقفتم عند ميناء (بردوسا).

المرشد: أنا من اخترتك من بين كل المتقدمين وليس العكس

القبطان وهو يبتسم بسخرية ويحدق بالفتاة: لا تكن أحمق.. تلك الفتاة كانت متيقنة من اختيارك لها

أحمر محدثاً ملطي بصوت خافت: ما الذي يجري؟

ملطي وهو ينظف أسنانه برأس خنجره ويراقب الحديث: اصمت لنستمع

القبطان: ما اسمك يا فتاة؟

الفتاة: (بلشون)..

المرشد بسخرية: اسم غريب

القبطان: من سماكِ بهذا الاسم؟

بلشون وهي تعيد شد الربطة الخضراء على رأسها: أبي

القبطان: هل كان أبوك بحاراً؟

بلشون: لا بل قرصاناً 

القبطان بتجهم: قرصان؟

المرشد بتجهم: وهل أنتِ قرصان مثله؟

بلشون: كنت أتمنى ذلك لكنه يؤمن بتلك الخرافة مثلكم وهي أن النساء في البحر مصدر شؤم

ملطي: وقد أثبت أنها ليست خرافة بما حدث لنا للتو

بلشون بغضب: لا دخل لي بما حدث لكم!

المرشد: الغرانيق لم تكن لتعلم بقدومنا لو لم تكوني معنا!

أحمر: هل يمكن لأحد أن يخبرني ما هي الغرانيق؟ لأن ما رأيته قبل قليل ليسوا بالغرانيق التي وصفها القبطان

بلشون: لم يكونوا غرانيق.. قرار توجهكم للجزيرة هو سبب هلاك أصحابكم

القبطان بغضب: هل تقصدين أنني أنا من تسبب بهلاك طاقمي؟!

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا