لُج 6 للكاتب أسامة المسلم

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-10-19

جزيرة يوكاي 

سفينة كبيرة تشق أمواج البحر الغاضبة ليلاً مستعينة بضوء القمر المكتمل وبحدة نظر مرشدها الذي تمركز فوق قمة الصاري فيها. قبطانها الكهل الملتحي ويمسك بدفة القيادة ويديرها يميناً وشمالاً في صراع محموم مع تلك الأمواج وبقية البحارة ينظرون إليه بترقب وقلق. يصرخ المرشد من الأعلى قائلاً: أرى الجزيرة!

يرد عليه القبطان المبلل برذاذ مياه البحر المالحة بصوت أعلى: أين؟!

المرشد: على بعد عشرين عقدة شمالاً من هنا!

القبطان: هل تسخر مني؟! أي نظر تملك حتى ترى كل تلك المسافة؟!

المرشد ضاحكاً: وهل خذلتك من قبل أيها القبطان؟!

القبطان وهو يحرك الدفة شمالاً: لا..

وجه القبطان سفينته للاتجاه الذي أشار إليه المرشد وبالرغم من صعوبة الملاحة وسط تلك الأعاصير والأمواج الهائجة إلا أنه لم يتوقف ولم ينزل شراعاً واحداً حتى بعد تحطم أحدها. بعد أقل من ساعة بدأت الأجواء تهدأ لكن الريح لم تزل قوية مما مكن السفينة من الاستمرار على خط سيرها نحو تلك الصخرة الكبيرة التي لم تتضح معالمها بعد. في تلك الأثناء نزل المرشد من على قمة الصاري واقترب من القبطان قائلاً: الأجواء تحسنت لكننا ما زلنا بعيدين عن الساحل

القبطان وعينه على الأفق: ما زلت لا أرى وجهتنا المنشودة.. هل أنت متيقن مما رأيت؟

المرشد وهو يخرج خريطة من الجلد المدبوغ ويبسطها أمام القبطان الذي كان لا يزال يحدق بالأفق: لقد سرنا الأشهر حسب ما ذكرته الخريطة وإذا كان سيرنا صحيحاً فنحن الآن على بعد يسير من جزيرة "يوكاي"

القبطان وهو يضحك بتهكم: يوكاي؟

المرشد وهو يطوي الخريطة ويضعها داخل قميصه: نعم: أليس هذا هو اسمها؟

القبطان وهو يلف الدفة لتفادي بعض الصخور التي ظهرت أمامه فجأة: الوصول لتلك الجزيرة لن يكون سهلاً بهذه السفينة الكبيرة.. يجب أن نستخدم القوارب الصغيرة

المرشد وهو ينظر للأفق المظلم أمامه والذي لم يكسر عتمته إلا ضوء القمر: لكن الجزيرة لا تزال بعيدة والبحر غير مستقر

القبطان: سوف أحاول الاقتراب منها قدر المستطاع وخلال ذلك وجه البحارة كي يجهزوا القوارب

المرشد: أمرك!

استمر القبطان بمناورة البحر حتى صرخ أحد البحارة وهو يشير بأصبعه من مقدمة السفينة قائلاً: يابسة! يابسة!

نظر المرشد حيث كان يشير البحار وتحقق من صدق كلامه فرفع يده ولوح بإشارة للقبطان بان الجزيرة في الأفق. صرخ القبطان في بعض البحارة وأمرهم بإنزال الأشرعة ورمي المرساة وبالفعل نفذوا ما أمروا به وتوقفت السفينة وتزامن مع ذلك ركود أمواج البحر. نزل القبطان إلى السطح حيث كان رجاله مع المرشد مجتمعين وخاطبهم قائلاً: لقد أمضينا شهوراً في البحر بحثاً عن هذه الجزيرة وقد فقدنا الكثير في سعينا هذه واليوم هو اليوم الذي سنجني فيه ثمن صبرنا الشاق والطويل!

رفع بحار بلحية حمراء كثيفة ووسم جرح امتد عبر خده يده في إشارة منه للرغبة في الحديث فقال له القبطان: ماذا تريد يا أحمر؟

أحمر: هل يحق لنا السؤال عن الغنيمة التي سنحصل عليها؟ نحن لا نعرف شيئاً عن سبب بحثنا عن هذه الجزيرة

شارك بحار آخر حليق الرأس والوجه كان يكز ذقنه برأس خنجر كبير وقال: نعم.. فنحن لا نعرف شيئاً عن تلك الغنيمة التي تتحدث عنها

بحار آخر: (ملطي) معه حق! لمَ نحن هنا؟!

المرشد مقاطعاً البحارة المتسائلين بغضب: هل ستستجوبون قبطانكم؟!

القبطان بهدوء: دعهم.. هذا من حقهم الآن

المرشد يلتفت إلى القبطان ووجه لا يزال متجهماً من حديث البحارة: لكن..

القبطان وهو يأخذ بضع خطوات نحو بحارته والذين تراجعوا للخلف بتوتر: هذه الجزيرة تحتوي على كنز..

أحمر: كنز؟

القبطان: نعم كنز

ملطي: كنز من أي نوع؟

القبطان: في الحقيقة لا أعرف لكن الأساطير تقول بأنه كنز عظيم يحول كل من يجده إلى ملك

بحار بأنف مجدوع: وهل سيحولنا جميعاً إلى ملوك؟

القبطان مبتسماً: إذا أصبحت أنا ملكاً يا (أخنف) فستصبحون جميعاً ملوكاً

بحار أسمر صخم: وكيف سنجد هذا الكنز؟

المرشد وهو يخرج الخريطة الجلدية من جيب صدره ويرفعها في وجه البحار الأسمر الضخم: بهذه الخريطة يا (قطرس)

قطرس وهو يمعن النظر في الخريطة: لا أفهم شيئاً من هذه الخريطة

القبطان وهو يأخذ الخريطة من يد المرشد: هذه الخريطة لن تكون مفيدة إذا لم نتجاوز العقبات التي تقف بيننا وبين الكنز 

ملطي: أي عقبات؟

القبطان وهو يوجه نظره للجزيرة التي بدأت معالمها تتضح تحت ضوء القمر: الخريطة تشير إلى أن الكنز موجود في قلب الجزيرة لكن الطريق المؤدي إليه محفوف بالكثير من المخاطر

أحمر: كيف تعرف ذلك أيها القبطان؟ هل زرت الجزيرة من قبل؟

القبطان محدقاً بالجزيرة بوجه قلق: لا.. لكن الرموز على الخريطة تتحدث

أحمر: أي رموز؟

القبطان: أول عقبة تشير إليها الخريطة هي الغرانيق التي تحيط تلك الجزيرة

أخنف: غرانيق؟

القبطان وهو يضع يده على حافة السفينة ويمعن النظر في الجزيرة: نعم الغرانيق.. شياطين البحر

أحمر بتوتر: شياطين؟

المرشد: هذا مجرد اسم.. لا يوجد شياطين

قطرس: ما هذه الغرانيق إذاً؟

القبطان وهو يلتفت إلى بحارته: مخلوقات بحرية تفتك بالسفن والبحارة 

أخنف بقلق: وكيف سنتجاوزها؟

القبطان: البحارة الذين نجوا منهم قلة لكن من استطاعوا العودة بعد هجمات الغرانيق ذكروا انهم يستخدمون غناءهم لاستدراج ضحاياهم

المرشد: لذلك يجب أن تحذروا جميعاً من الوقوع تحت تأثير جمال أصواتهم

ملطي: وهي الجمال مؤذٍ؟

القبطان: بعض الجمال قاتل..

أخنف بابتسامة خبيثة: ماذا عن أشكالهم؟

القبطان بعبوس: ما بها؟

أخنف وهو يدعك يديه: هل هي جميلة كأصواتهم؟

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا