جمعية الأدباء الصامتين حتى الموت..!

  • الكاتب : The ghost
  • / 2021-06-09
جمعية الأدباء الصامتين حتى الموت..!

جمعية الأدباء الصامتين حتى الموت..!

..إلا هذا البيت!

هذا التحذير يردده عشرات من الزملاء في جامعة كمبريدج. ولكن لهجة التحذير لا تدل على شيء مخيف. فمن عادة الطلبة أن يسخروا من كل شيء. وحتى لا يتهمهم أحد بالهدم فأنهم يكونون جمعيات لكل رغبة خاصة. ففي مدينة كمبريدج توجد جمعيات من كل نوع.. جمعية محبي الخمور. وجمعية الذين يكرهونها. وجمعية هواة طوابع البريد وجمعية الذين لا يؤمنون بالبريد. وجمعيات المشي والجري والسباحة والنوم في فراش الآخرين والنوم وحيدا حتى الموت. وجمعية المعاني الأبدية و"جمعية المبادئ الهدامة إلا قليلا".. والذين يحبون الزجاجات الفارغة وأغطية الزجاجات وجمعية خطف الملابس الداخلية للفتيات "وإحراقها في احتفال مهيب".

وهناك جمعية تقول: من السهل على أي إنسان أن يقف على قدميه.. ولكن من الصعب أن يقف على أكتاف الآخرين. فكيف يكون ذلك سهلا إذا أردت ولفترة طويلة؟!

ومعروف في مدينة كمبريدج هذه لكل الناس أين يجتمع هؤلاء الشبان وفي أي وقت من النهار أو الليل. وماذا يشربون وماذا يأكلون. ليس هناك سر. فالكل يعرف ما يدور في رءوس الكل. ومن شاء انضم إلى الجمعية أو النادي الذي يريد. فمن المهم جدا أن يكون للإنسان ناد. وأن يكون هذا النادي أكثر قداسة من الكنيسة، إن كانت لها قداسة في هذه المدينة الجامعية!

.. إلا هذا البيت!

إنه التحذير الذي يتردد في كل مكان. مع إن هذا البيت الذي يحذرون الناس منه ليس أقدم البيوت ولا أكثرها بعدا عن المدينة.. إنه واحد من ألوف البيوت التي عمرها 200 سنة. صحيح أن بابه ضيق وسلالمه مظلمة. ولكن أين هي البيوت القديمة ذات الأبواب الواسعة والمداخل المشرقة؟ ولا حتى بيوت الأمراء ولا قصور النبلاء في ذلك الوقت من القرن الثامن عشر- عصر الملك جورج الثاني، ولم يكن هذا الملك يحب النكتة. وإذا حاول إنسان أن يكون ظريفا في حضوره فالعقوبة معروفة: يأمر الملك بإلقائه في الماء البارد وهو يضحك.. الملك يضحك ومحكوم على هذا الشخص أن يضحك وإلا تركوه عاريا في الماء.

ولما قيل لهذا الملك إن (هذا) البيت قديم وأنه خانق.. كان رده: إننا جعلنا الأبواب ضيقة ليكون هناك فارق بين أبواب البيوت وأبواب السماوات!

وكان الذين يسمعون مثل هذه الردود السخيفة يهزون رءوسهم طربا لفصاحة الملك. ولما قيل له: ولماذا لا تهدم (هذا) البيت مادام الناس يخافونه؟ ويكون جواب الملك: ولماذا لا نشنق لهم الملوك ورجال الدين ما داموا يخافونهم؟

وكان الناس يفزعون من مثل هذه الإجابات السريعة ويهنئون أنفسهم على أن السماء قد وهبتهم مثل هؤلاء الملوك، ووهبت الملوك مثل هذه البديهة الحاضرة.

ويتناقل الناس رأى الملك ويفسرونه ألف تفسير. فكلامه ليس ككل كلام.. وإنما إذا صدرت للملك عبارة، قامت العبارات الأخرى وانحنت أمامها!

ومعنى ذلك أن الملك جورج الثاني ليس في نيته أن يهدم هذا البيت. هذا واضح من كل ردوده على عقلاء البلاط وثرثارات القصر، ولكن لماذا قرر الملك فجأة أن يهدم هذا البيت وتمايل الناس حوله خوفا عليه.. وخوفا على أنفسهم.. ثم لماذا قرر في آخر لحظة ألا يهدم البيت؟!

إن سير كيلي كوش أستاذ الأدب الإنجليزي المعروف عنده تفسير لذلك وقد جاء تفسيره في كتاب صدر له سنة 1937 عنوانه (خرافات مفيدة) خرافات هذا صحيح. ولكن مفيدة؟ لابد أن يكون المقصود بالفائدة إنه نشرها في كتاب وكسب منها. أي إنه استفاد من مخاوف الناس وأوهام الناس، وهو في ذلك مثل رجال الدين والسياسة يبيعون أوهام وأحلام الناس للناس وفي كل العصور- والناس آخر من يعلم!

وهو في هذا الكتاب يروى كيف أنه ذهب إلى كمبريدج وارتفعت الأيدي والحواجب والأكتاف تحذره من (هذا) البيت. وذهب الأستاذ كوش إلى أرشيف الجامعة. حتى عثر على التاريخ القريب لهذا البيت.. وقبل أن نمشى وراء السير كوش نقرأ سطورا عن هذا الأستاذ الجليل: أنه أستاذ الأدب الإنجليزي وحاصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعات كمبريدج وأكسفورد وبريستول وابردين وأصدر 53 كتابا ورئيس تحرير مجلة (النثر) وله دراسات في الفلك واجتهادات في علم النفس. وفي آخر أيامه اتجه إلى دراسة الروح وما وراء الموت.

ذهب السير كوش إلى البيت. مشى وراء حارس كبير في السن. الحارس يفتح له الباب. الباب له صوت غريب. أو ليس غريبا من باب قديم لا يفتحه أحد إلا كل عشرات السنين.. فعندما انفتح الباب تساقط بعض التراب ونزلت أحجار صغيرة من السقف. وترامت عليه روائح كريهة. هذه الروائح مألوفة في البيوت المهجورة. أما الحارس فقد ترك الباب مفتوحا وهو يقول له: أنا قد رويت لك القصة وأنت ماتزال شابا شجاعا باحثا عن الحقيقة. وأن حر.. وقبل أن أتركك أريد أن أسالك يا ولدى: ما هو نوع الزهور التي تحب أن أضعها على قبرك!

وقال الأستاذ كوش وهو يضحك:

- أي نوع!

ومضى الحارس بسرعة كأنه يخاف أن تمتد إليه أذرع خفية وتسحبه إلى الداخل.

ودخل الأستاذ كوش.. صعد السلم.. اتجه إلى الغرفة التي تكسرت فيها المقاعد والزجاج والأطباق وتناثرت الشوك والسكاكين والزجاجات الفارغة.. والأقلام والأوراق. وبقيت في مكانها هذا منذ أكثر من مائتي سنة!

أما الذي فعله الأستاذ كوش فهو ما لم يتصوره أحد- وإن كان الأستاذ كوش قد سجل ذلك في كتابه. لقد أمضى ليلة في الغرفة الرئيسية.. نام.. ونام.. وبعد أيام ألف كتابه هذا. وبعد صدور هذا الكتاب بسبعة أسابيع مات في فراشه. وقد وجدوه جالسا إلى مكتبه. كأنه تعب من القراءة والكتابة فقرر أن ينام في مكانه!

نعود إلى عهد الملك جورج الثاني وزوجته التعيسة الملكة كارولين التي سمعت بقصة هذا البيت كاملة. ولم تشأ أن ترويها لأحد. وإنما أفضت بسرها إلى إحدى وصيفاتها. وأوصت بكل شيء بعد أن تموت. ولكن الوصية لم تنفذ. فالوصيفة قد ماتت بعد وفاة الملكة ولم يعرف أحد بهذه الوصية إلا بعد ذلك بمائتي سنة.. وكان الأستاذ كوش هو الذي اكتشف سر الملكة وسر (هذا) البيت.

ففي سنة 1730 تكونت جمعية من سبعة من الشبان. هذه الجمعية اسمها جمعية (السبعة الدائمين أحياء أو ميتين). هذه الجمعية تضم سبعة من الشبان تتراوح أعمارهم بين الثانية والعشرين والثلاثين. هؤلاء الشبان اعتادوا أن يلتقوا في هذا البيت في اليوم الثاني من شهر نوفمبر من كل سنة. هذا اليوم هو (يوم جميع الأرواح). وليس عندهم برنامج يناقشونه. وإنما يأكلون ويشربون ويرقصون ويغنون ويلعنون كل المقدسات من أولها إلى آخرها ومن كل دين! وفي ساعة متأخرة من الليل يهدأ الجميع ويعودون إلى بيوتهم على أمل أن يستأنفوا اجتماعهم الأيام السبعة التالية..

ومن الغريب أن هؤلاء الشبان كانوا يحتفظون بمحاضر لجلساتهم. والذي يقرأ المحاضر التي عثر عليها الأستاذ كوش يندهش كيف أن هؤلاء السكارى يكتبون كل شيء بمنتهى الدقة والأناقة.. مثلا في أول اجتماعهم يدور مثل هذا الحوار بينهم: "إذن نحن قررنا أن نجتمع اليوم. ثم ماذا بعد ذلك.. يسأل واحد منهم: لابد أن تكون هناك حكمة.. لابد أن يكون لدى كل واحد منا سبب وجيه".

ويقول آخر: ليس من الضروري أن يكون هناك سبب وجيه لأي شيء. فليس هناك سبب وجيه لكي تكون أنت موجودا.. ولا أنا ولا أي واحد.. أليس هذا صحيحا؟

ويقول آخر: إذن نحن اجتمعنا هنا دون أن يكون عندنا سبب!

ويرد عليه أحد الحاضرين: "ليس من الضروري أن يكون لكل شيء سبب.. اجتمعنا. وجلسنا.. وتناقشنا.. لأننا إذا لم نتكلم متنا.. وواضح أننا لا نريد أن نموت.. فقد ارتدينا ملابس ثقيلة خوفا من البرد.. وأكلنا خوفا من الجوع.. وضحكنا حتى لا يقضى علينا اليأس.. وكل واحد منا روى قصة غرامه اعتزازا برجولته.. وواضح أننا نريد كل الذي فعلناه وهذا يكفى".

ثم يوقعون بأسمائهم على محضر الجلسة..

أما اللائحة الداخلية لهذه الجمعية فتنص على أن الجمعية تتكون من سبعة أعضاء، أحياء أو موتى فالذي يموت يظل عضوا فإذا مات الجميع انحلت الجمعية. أو لم يعد لها وجود!! وتنص أيضا على أن مبادئ الجمعية غير قابلة للتغيير. وعلى أن الأعضاء دائمون، لا يخرج منها أحد ولا يدخلها أحد. وأن الذي يتخلف عن الحضور لأي سبب لابد أن يوقع عليه الأعضاء العقوبات المنصوص عليها.. وهناك نص يقول: ويمكن في حالة الغضب الشديد والجنون المطلق عند الجميع أن يتغير اسم الجمعية إلى اسم: جمعية الأدباء الصامتين في الموت. وهناك تحفظ في محضر الجلسات يقول: هذا في حالة إيمان الأعضاء بأنه لا فائدة من الكلام الذي يقولونه، أو عندما يفقد الأعضاء أية شهية للكلام فيما بينهم. هنا فقط يجب أن يسكتوا إلى الأبد!

وتوقفت نهائيا محاضر الجلسات يوم 2 نوفمبر سنة 1766. وجاءت توقيعات الأعضاء في غاية الوضوح والأناقة.

واكتشف الأستاذ كوش شيئا غريبا بتاريخ 30 نوفمبر سنة 1743. ففي هذا اليوم بالذات ثبت من الدفاتر الرسمية أن رئيس الجمعية واسمه ألان ديرمو قد اشتبك في معركة مع أحد خصومه الذي أصابه بالسيف في بطنه وراح ينزف من فمه حتى مات في باريس. هذه حقيقة مؤكدة. وفي نفس هذا اليوم انعقد اجتماع (جمعية السبعة) في كمبريدج وجلسوا وتناقشوا ووقعوا بإمضاءاتهم السبعة في نهاية الجلسة.

والجلسة قد رفعت بعد منتصف الليل بقليل. ومن المؤكد أن الرئيس ديرمو قد قتل قبل هذا الموعد بدقائق في باريس! أي أن هذا الشاب قد قتل في باريس وحضر الاجتماع الذي استغرق أربع ساعات في مدينة كمبريدج والمسافة بين المكانين تقدر بمئات الأميال في عصر ليست به طائرة ولا أي اتصال سلكي أو لا سلكي. وفي محضر الجلسة قال الرئيس: أننا ملتزمون باللائحة الداخلية للجمعية. فالواحد هنا يظل عضوا في الجمعية حيا أو ميتا.

ولما سأله أحد الأعضاء: وهل هذا معقول؟

فقال الرئيس: طبعا معقول.. أعطني شيئا معقولا واحدا في هذه الدنيا وأنا أجد فيه شيئا (لا معقول)!

ثم أخرج من جيبه كتابا صغيرا أسود ووضعه على رأسه وهو يقول: خصوصا هذا الكتاب- ثم ألقاه على الأرض!

ولأول مرة في تاريخ هذه الجمعية بعد أن يتم إقفال المحضر، يعودون ويقررون أن الرئيس قد مات! وأن واحدا منهم يجب أن يقوم بدور الرئيس! كيف أنهم لم يشعروا بأنه مات ثم كيف عرفوا أنه مات بعد وفاته بدقائق؟ ثم كيف أنهم لم يدركوا أي تغير في (الشخص) الذي كان معهم بعد أن مات؟!

وفي اليوم التالي أعلن الرئيس ديرمو أنه أصبح عضوا ميتا، وكتب بخط يده ذلك. ويقول الأستاذ كوش: إن خطة كان أنيقا جدا.

وفي 2 نوفمبر من العام التالي انعقد الاجتماع في نفس المكان.. وأعلن واحد من الأعضاء أنه أصبح عضوا ميتا. أما هذا العضو فهو من ضباط الحرس الملكي وقد كانت وفاته معروفة. فهو قد ركب أحد الخيول وعندما أراد أن يقفز به من أحد التلال سقط ميتا، ومن الثابت في دفاتر القصر أن هذا الضابط قد توفى قبل انعقاد الجمعية بساعات قليلة. ولكن الأستاذ كوش عندما قارن بين إمضاء هذا الضابط (ميتا) وإمضائه (حيا) لم يجد أدنى فارق!!

وأقام الأعضاء الخمسة الباقون حفلة العشاء التقليدية ولكنهم انزعجوا عندما اكتشفوا الحقيقة المخيفة إنهم يأكلون ويشربون مع اثنين من الموتى. وتفرقوا. بعد أن اتخذوا قرارا ألا يجتمعوا بعد ذلك.. وفي العام التالي ودون أن يوجهوا الدعوة للحضور، التقوا في نفس البيت وفي نفس الغرفة.. وأعلن واحد آخر أنه أصبح عضوا ميتا. وتحرر محضر بذلك ووقعوا بأسمائهم!

وبعد أسبوع توفى عضو رابع وبعد شهرين توفى عضو خامس.

وفي يوم 2 نوفمبر سنة 1766 ذهب إلى مكن الاجتماعات العضو الوحيد الباقي. وكان في نيته أن يشرب وأن يرقص وحده وأن يغنى وأن يشعل النار في المكان.. وأن يحرق دفتر الاجتماعات. وذهب، وفتح الدفتر وكتب: "أنا العضو الوحيد الباقي قررت أن أنهى كل شيء. وأن أحرق الوثائق التي تدل على هذا العمل الجنوني.. الذي لا أعرف كيف حدث.. ولا كيف أجئ إلى هذا المكان رغم حرصي على ألا أجئ.. إنني أرى طريقا فأمشى.. وأقف أمام باب ينفتح.. وأضع رجلي على عتبة الباب فيحملني السلم إلى أعلى.. وأجلس على مقعد يندفع إلى الإمام وأسحب دفترا مفتوحا وأمد يدي إلى قلم يسبقني إلى الورق.. وأكتب وأوقع باسمي.. وأفاجأ بأن ستة إمضاءات أخرى وقد تراصت الواحدة إلى جوار الأخرى.. ولكن سوف أحرق كل شيء".

ولم يستطع أن يفعل أي شيء.

وإنما جاء في المحضر أن العدد القانوني قد تكامل وأن على العضو الباقي أن يعلن نفسه عضوا ميتا.. ومن الثابت أن العضو السابع واسمه الأستاذ بلاسيس مدرس الأدب الإنجليزي قد عاد في نفس الليلة إلى بيته ومات في الساعة العاشرة مساء.. ولكن بالرجوع إلى محضر الجمعية نجد أن الاجتماع قد انتهى في الساعة الحادية عشرة وأربعين دقيقة. وفي المحضر يعلنون أنهم أصبحوا جميعا أعضاء موتى.. ويختمون اجتماعهم بتحطيم كل شيء في البيت: النوافذ والأبواب، والمقاعد والأكواب والأطباق.. ولكن بقى هذا الدفتر كما هو ليهتدي إليه الأستاذ كوش بعد قرنين في إحدى مكتبات جامعة كمبريدج.

وفي 2 نوفمبر من كل عام يسمع الناس ضوضاء وأصوات غريبة صارخة تنطلق من هذا البيت. فإذا دخل أحد لم يجد أي لأي شيء.. ولم يجد أثرا لهذه الأطباق أو المقاعد.

وفي آخر أيام الأستاذ كوش أعلن أنه بالرغم من كل ما كتب وما رأى وما سمع في غرفة الاجتماعات التي نام فيها ليلة، فإنه لا يجد تفسيرا لما سمع ورأى وقرأ، وما يرويه الناس في كل مكان.. إنه في دهشة.. ولا يكذب ما يرى، ولكن لا يعرف كيف يثبته بالفعل!

وفي يوم 2 نوفمبر سنة 1940 توفى هذا الأديب والمؤرخ الكبير!.

التعليقات

q8_failaka : الموضوع جميل ومرعب بنفس الوقت
horror666 : هذه القصة هي من أغرب ما قرأت في عالم الظواهر الما ورائية !!

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا