بداية البداية
بعد استلام شهادة التخرج ذهبت للتقديم لوظيفة معلمة لغة إنجليزية.
لفتت نظري سيدة تحاول إقناع ابنها ذي الأعوام العشرة أن يدخل على إحدى اللجان، وكانت ردود أفعاله هادئة بلا صوت، لكنها غريبة بعض الشيء، فقد كان يحرّك يديه ورأسه بإشارات الرفض، لكن إشاراته كانت مبهمة بالنسبة لي لكنها سهلة الفهم بالنسبة لوالدته.
أخذني الفضول لمعرفة حالة الطفل، لكنني كنت أخجل أن أتطفل بالسؤال.
التقيت -قدراً- بإحدى زميلات الجامعة وكانت تبارك لي تفوقي وتخرجي.
بعد ذهابها، التفتت الأم لي وقالت: ألف مبروك التخرج حبيبتي أنت شنو تخصصج؟
جاوبتها: الله يبارك بعمرج، تخصصي لغة إنجليزية.
قالت: يا ريت في ناس متفوقين وبهالأخلاق يدرسون ولدي واللي مثل حالته.
قلت: عفواً خالتي شنو حالة ولدج؟
قالت: ولدي طفل توحد، ومو عارفين يشخصون نموه العقلي.
من لجنة إلى لجنة ومن مدرسة إلى الثانية وما استفد شيء.
قلت: ما في مؤسسات أو مدارس تدعم مثل حالته؟
قالت: في مدرسة واحدة لكن الكفاءات ضعيفة، غير المعاملة القاسية والتعامل بالعنف والعقاب مع عيالنا.
وبدأت تشرح معاناة ابنها
تفاجأت أن هناك أناساً بهذا القدر من القسوة والتجرد من الإنسانية.
طفل عنده مشكلة عقلية يُعنّف!
يُضرب؟ يُحرم من وجبته؟
يا الله هل هؤلاء يستحقون تكريمهم بالعقل وتمييزهم عن سائر المخلوقات؟!
انكسر قلبي على حال الأم التي تطمح لابنها أجمل مستقبل وأفضل حياة وهذه أبسط حقوقه.
عدت إلى المنزل وعشرات الأفكار تجول في ذهني، عن طريقة مساعدة هذه الفئة من الأطفال وكيف أكون اليد التي تنتشلهم من هذه الأزمة؟
وكيف لي أن أخفف جزءاً من عناء أمهات أطفال الاحتياجات الخاصة؟
وكيف أكون كُفئاً لتعليمهم بالطريقة الصحيحة؟
وكيف أكون الأم الحنونة والمعلمة الذكية؟
توكلت على الله وبحثت كثيراً عن التخصصات المطلوبة للمعلمين المختصين بهم والعديد من التساؤلات.
(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3]
قرأت وتعرفت أكثر عن إمكانات المدرسة وأهدافها، وبعدها استخرت ربي ليرشدني إلى ما فيه الخير للأطفال ولي.
بعد ذلك البحث قررت أن التحق بالتخصص الذي يهتم بأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وبفضل الله تعالى أنجزت ذلك بامتياز.
وتطوعت لتعليم أطفال التوحد بالمجان، وشاركت في أول مؤتمر لأطفال التوحيد في الإمارات العربية المتحدة بدراسة فردية وجديدة من نوعها، وهي تحويل مسمى (ذوي احتياجات خاصة) إلى (ذوي ابتهاجات خاصة), وأخذت مشاركتي المركز الأول على 56 دولة.
تطوعت بعدها للدعم الإيجابي لأطفال السرطان وذويهم، والتحقت بأكثر من مشاركة مع الدكتور عبد الرحمن السميط رحمه الله.
وتطوعاً لأطفال سوريا.
تطوع لتعليم أطفال آسيا
تطوع لأطفال السرطان
تطوع لكبار السن.
استمرت الحملات والتوعية والمساعدات المجانية لفترة جميلة، استفدت منها الكثير والجميل والمؤلم والمثمر.
أنا لست مثالية؛ لكنني عاشقة لخصال وأخلاق سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
أطمح وشغوفة لأكون خير من قلّده بأخلاقه ونزاهته وابتسامته وحبه للخير والناس.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا