حدث ولم يحدث 16 للكاتبة حصة العبدالرزاق

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-08-25

(8) 

"افشل، تنجح"

   وكعادته الفشل، لا يجلب لنا إلا النجاحات العظيمة، ففي يوم من أيام عطلة نهاية الأسبوع، كان وقت فراغي وكنت أتناول العشاء مع أسرتي في فندق (شيراتون الكويت) الشهير على مستوى العالم، فاجأني اتصال من أحد موظفين الشركة، هممت بالقيام لأجيب عليه، عل أمر مهم يحدث -وإلا لم يكن ليتصل بوقت كهذا، يبدو إنه أمر لا يحتمل التأخير-، فاستأذنت أفراد أسرتي للرد على الهاتف وتذمر شقيقي (خالد) على هذا العمل الذي لا راحة فيه- كما يقول لي دائماً-، قلت له ضاحكة:

- عله أمراً مهماً، لن أتأخر.

كان المتصل زميلي في الشركة (محمد) ..

أجبت على الاتصال باستغراب:

- مرحباً.

- آسف يا أستاذة (لولوة) على إزعاجك والاتصال بهذا الوقت الغير مناسب ..

- ليس هناك أي إزعاج، ما الأمر؟

- تفاجأت برسالة وصلتني عبر البريد الإلكتروني من رجل أعمال كويتي، قد انتهى للتو من بناء فندقه الجديد، واعتذرت الشركة التي كانت تعتزم تصميم الغرف له لأسباب بم يذكرها، المهم إنه يقول إن صيت شركتنا شائع وسمع عن نجاح تصاميمنا وتميزنا، وإنه يطلب منا تصميم سريع للغرف والفندق بأكمله، وبمبلغ ممتاز، حقيقة إن المبلغ يعوضنا عن الخسارة التي مرينا بها مؤخراً.

- الآن آمنت بمقوله " افشل تنجح "، عليك أن ترد على الرسالة حالاً بالموافقة، وأن التصميم سيجهز في غضون شهر أو أقل، وأنا سأبلغ الأستاذ (راشد) بالأمر. 

- حسناً، سأنهي كل شيء الآن!

شكرته وأنهيت الاتصال شاعرة بنشوة الفرح تدب في عروقي وأنا أرى الحياة تبتسم لي، وأرى نجاحي بعد الفشل، عددت إلى أسرتي وأبلغتهم بما حدث، وكانوا فرحين من أجلي، وهنئوني على هذا النجاح وتمنوا لي دوام التوفيق والسداد في عملي ..

حقاً كانت ليلة لا تُنسى ..

في اليوم التالي، -وكان اليوم الأخير لعطلة نهاية الأسبوع-، لم أعد أحتمل الانتظار لحين بداية الأسبوع القادم وإبلاغ (راشد0بالأمر الذي استجد ليلة الأمس، فقررت الاتصال به وإبلاغه عبر الهاتف ..

وفعلت!

كانت الفرحة لا تسعْهُ، وشكرني على إبلاغه بهذا الأمر وإسعاده، وأبلغني بضرورة إقامة اجتماع طارئ صباح يوم الغد مع جميع الموظفين، لنبدأ العمل بجهد لتصاميم الفندق.

وفى صباح اليوم التالي، أقمت اجتماعاً طارئاً وأبلغت الجميع بمدى وجوب إنهاء هذا العمل بأسرع وقت وأعلى جودة، كان الجميع في قمة النشاط والحماس، وعملوا بتعاون وجد واجتهاد، وكانوا يستمرون في العمل حتى بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمي، لحبهم وإخلاصهم لعملهم، وحرصهم على نهضة الشركة من جديد.

 كنت دائماً ما أتجول في مكاتبهم، أقف وأتأملهم للحظات، وأتأمل ما أملك وما صنعت يداي، وبدأت حسرتي على وظيفتي السابقة تتلاشى شيئاً فشيء، ولم أعد أحسبها خسارة أبدأً، وانتابني شعور بأنني نهضت بنفسي وأنا لم أسقط بعد، وما وصلت إليه من نجاح، لم أمن أحلم به، ولم أتوقع أن أصل إلى هذا النجاح في يوم ما.. 

بفضل تعاوننا أنجزنا التصاميم بالوقت المطلوب، وبدأ الموظفون بالتنفيذ .. 

بداية استقبال الفندق كان باللونين الأبيض ودرجة الأزرق الفاتح الهادئ لما يحملانه هذين اللونين من طابع يتميز بالهدوء، وقاعتين فخمتين إحداهما للمؤتمرات والملتقيات، والأخر للأفراح والاحتفالات، وكانت الممرات بنقوش مستقيمة بسيطة تعطى اتساعاً للمكان، أما الغرف فكانت جميعها تتسم بالفخامة وتحوي جميع وسائل الرفاهية، كانت الأسقف منخفضة نسبياً مما يعطي شعور بالحميمية للمكان، وكان لبد من الاختلاف في الغرف، فهناك تصميم خاص رجال الأعمال بما يناسب مهامهم، وتصاميم بنوع آخر مختلفة للأزواج لقضاء (شهر العسل} وتصاميم أخرى مختلفة في شكلها ولكنها تتشابه في أنها تعطي شعور للراحة والاسترخاء والرفاهية معاً ..

كانت صديقتي (أسماء) تساندني دائماً، وتحضر مع إلى الفندق للإشراف على التنفيذ، وحضر أيضاً صاحب الفندق لأكثر من مرة وأشرف على العمل بنفسه تواضعاً منه ..

وفي اليوم الأخير في التنفيذ حضر صاحب الفندق، ورحب بنا أنا و(راشد) وجميع الموظفين وخاطب(راشد) قائلاً:

- عمل ممتاز وأفضل مما توقعت، أنتم تستحقون فعلاً هذا الصيت الشائع في البلد، فالتصاميم هادئة ومناسبة لقضاء أوقات للاسترخاء، والبساطة طاغية على جميع أرجاء الفندق وهذا ما وددت أن أحصل عليه وأطمح له، وها أنا أراه يتحقق أمام عيني. 

- شكراً لك، وهذا ما كنا نأمله، أن يحوز التصميم على إعجابك.

- فعلا تستحقون الثقة التي منحتم إياها ..

- الفصل يعود للأستاذة (لولوة) فهي كانت نشطة جداً في هذا العمل وكانت دائماً ما تعمل مع الموظفين بكل تواضع، هذا من شأنه كان من أسباب النجاح وظهور العمل بهذه الصورة الرائعة.

- فعلاً، رأيت اجتهادها من خلال إشرافي على العمل، وأود أن أبلغكم أنكم جميعاً مدعوون لحضور حفل الافتتاح الذي سيُقام بعد أسبوع، والاعتذار غير مقبول، سألغي الحفل إن لم تحضروا. 

قال جملته الأخيرة ضاحكاً ..

وعدناه بالحضور وشكرناه بود ورحلنا جميعاً ..

 

(9)

"مفاجأة راشد"

 وفعلاً بعد أيام أقيم الحفل في قاعة الاحتفالات في الفندق، وكنا مكلفين بتنسيق ديكورات الحفل، وكانت فرصة لأشفي غليلي وشوقي لتنسيق الورود، وقبل الافتتاح بساعات، قمت بشراء وتجهيز الورود، اتجهت للفندق وكانوا موظفين الشركة يعملون بجهد وقد أوشكوا على الانتهاء من الشكل النهائي للديكور، فقمت بتسليم الورد لهم وخرجت لأجهز نفشي قبل موعد الافتتاح.

وفى تمام الساعة الثامنة، عددت إلى الفندق بكامل أناقتي، فقد تزينت بفستان أحمر طويل -يشبه فساتين الزفاف- وأسدلت شعري إلى الخلف وارتديت عقد مجوهرات مزين بأحجار الزمرد، كانت القاعة قد امتلأت بحضور كبار الشخصيات ورجال الأعمال. وكان (راشد) متواجد فقد سبقني بالحضور جلسنا معاً بنفس الطاولة، افُتتح الحفل بكلمة من صاحب الفندق، بداية شكر الحضور على تلبيتهم لدعوته، واسترسل بالحديث ضارباً حكم وأمثال وقصص نجاحات عالمية كثيرة، وحث على الإصرار والمثابرة والسعي وراء الأحلام والطموحات، وقام بتقدم عرض على شاشة كبيرة يحتوى على صور لجميع أنحاء الفندق ..

ومن ثم قام بتكريم جميع من الشركات والجهات والأفراد الذين وساندوه في إقامة هذا المشروع وساهموا في نجاحه، وذكر اسم شركتنا قائلاً:

- أود أن أشكر شركة التصميم الداخلي لتصميمها جميع أنحاء الفندق، متمثلة بكل من الأستاذ (راشد) والأستاذة (لولوة) وجميع الموظفين العاملين فيها، فهم أنجزوا جميع التصاميم الرائعة التي رأيتموها قبل قليل في العرض التقديمى، وبفترة وجيزة، بجهد يستحقون كل الشكر والثناء عليه، حقاً إنكم رائعون ..

قال هذه العبارة وسط تصفيق الجمهور الغفير ..

ثم أكمل قائلاً :

- وستكون الأستاذة (لولوة) هي من يقوم بتنسيق الأعراس واحتفالات التي ستقام في هذه القاعة، فهي مبدعة حقاً في هذا المجال.

حقيقة أخجلني كلامه وكان(راشد) بجانبي مبتسماً وينظر إلى بنظرات غريبة وكأنه يهنئني " بلغة العيون" .

- الآن كلمة الأستاذ (راشد) صاحب الشركة، فليتفضل مشكوراً .

لقد تفاجأت!! لم أكن أعلم بأن له كلمة سيلقيها! لمَ لَمْ يخبرني بهذا؟

اعتلى (راشد) المنصة، فجر مفاجأة كانت صادمة لي وللحضور، فلم أتوقع هذا الأمر منه أبداً 66، فقد قال:

- أشكر لكم حضوركم، وأقدر وقتكم الذي تقضونه هنا، أنا فخور بنفسي وبالشركة التي أسستها والتي ساهمت هذا الإسهام العظيم في هذا الفندق، ولكن هناك أمراً ما لا تعلمونه، وسأفصح عنه للمرة الأولى في حياتي ..

شريكتي في الشركة الأستاذة (لولوة} ها هي تجلس بينكم متزينة بفستانها الأحمر و...

* اتجهت الأنظار نحوى وطغى الخجل على ملامحي*

وأكمل:

- إنها خير مثال للشريك الناجح، فعلى الرغم من صعوبة الظروف التي مررت بها قبل تأسيسنا لهذه الشركة، إلا أنها استطاعت إثبات نفسها وبجدارة، وكانت خير مثال للمرأة الناجحة ..

ولقد مررت بظروف مالية صعبه بسبب ظروف والدتي الصحية السيئة رحمها الله، واستنفذت جميع أموال الشركة، ومرت الشركة في ظروف لم تشهدها من قبل و(لولوة) هي من تحكمت وسيطرت على هذه الأزمة لوحدها، ولم تدع الشركة تنهار وكانت بتواضع تتعاون مع الموظفين على الرغم من أنها تشغل منصب (المدير التنفيذي} لكنها كانت في قمة التواضع، ولولاها لما نجحنا هذا النجاح العظيم ونهضنا من جديد، أقول لها الآن وعلى مرأى ومسمع الجميع:

تستحقين وبجدارة وسام الشجاعة ..

امرأة متزينة بثياب من القوة ..

وحلىّ من الكفاءة ..

وخُطواتها من كفاح ..

امرأة حولّت الفشل إلى النجاح ..

والخوف إلى اطمئنان وسكينة ..

نجاح عظيم وراء امرأة عظيمة ..

أدهشت وأبهرت الجميع بمدى قوتكِ ..

إنني أتقدم أمام الجميع بطلب الزواج منك، فكما شاركتني في تأسيس الشركة وساهمت في نجتحها، أود أن تشاركيني حياتي وتساهمين في نجاحها أيضاً، فأنا لن أأتمن على حياتي إلا مع امرأة شجاعة وقوية وطموحة مثلك، فهل تقبلين بالزواج مني؟

* وترجل من المنصة وسط تصفيق الجمهور، عاد وجلس بجانبي وأهداني خاتماً طالباً مني القبول بالزواج منه*.

من شدة خجلي التزمت الصمت طوال الوقت، وتظاهرت بانشغالي بمراسيم الحفل إلى أن وشك على الانتهاء، وتغافلت انشغال (راشد) مع مجموعة من رجال الأعمال في نهاية الحفل، فتسللت إلى الخارج الفندق دون أن يراني ، فأنا خجلة جداً منه ولا أستطيع التحدث معه الآن..

وخرجت فعلاً دون أن يشعر ..

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا