ذو الأذيال
سفينة متهالكة تصارع ليلاً أمواج البحر الغاضبة.. تسدل أشرعتها وجلاً من سخط المحيط لكن ضرباته لجسدها الخشبي الهزيل تفكك صمودها وتشرخ عزيمتها. قبطانها لا يتوانى عن بث جرعات الهمة والعزيمة في طاقمه ويشد عليهم كما يشد على حبل الصاري بساعده.. ينام البحر مع يقظة الشمس.. تتحول أمواجه لسجادة من السكينة تمتد في الأفق.. سكون سكتة وصمت صدمة.. رجلٌ بعيد بدلوه ماء البحر للبحر..
القبطان بصوت مسموع للجميع: لقد اجتزنا العاصفة لكن ما زال أمامنا عمل شاق لإصلاح السفينة! أنزلوا المرساة وليتخذ كل منكم مكانه وليبدأ بالعمل فوراً!
نزل القبطان من دفة القيادة إلى باطن السفينة ويقف بجانب أحد أفراد طاقمه الذي كان يعاين شرخاً يخر منه صبيبٌ ضعيفٌ من الماء.
القبطان: هل يمكنك إصلاحه؟
البحار وهو يتفحص الشرخ بيده: نعم لكن الأمر سيأخذ وقتاً
القبطان وهو يهم بالصعود لسطح السفينة: لا خيار لنا غير الانتظار.. ابدأ بالعمل فوراً
البحار دون أن يلتفت إلى القبطان: أمرك
اعتلى القبطان سطح دكة سفينته وبدأ يجول بنظره يميناً وشمالاً محدقاً بأفراد طاقم السفينة وهم يقومون بالمهام المناطة بهم لكن نظره توقف عند فتى صغير لا يقوم بشيء سوى النظر في البحر ويداه متكئتان على أطراف السفينة. نهر القبطان بصوت صارم وغاضب ذلك الفتى مما أفزع جميع من كانوا على سطح السفينة. التفت الفتى بفزع وبدأ ينظر للقبطان بخوف وقلق وهو يتقدم نحوه بخطوات بطيئة حتى وقف أمامه وقال بغضب: ماذا تظن نفسك فاعلاً؟!
الفتى وهو يرتجف من التوتر: أقوم بعملي يا سيدي
القبطان بعصبية وصوت مرتفع: وهل عملك هو النظر للبحر والسرحان في أمواجه؟!
الفتى: لا لا.. لكن رأيت بعض الدرافيل..
القبطان: وماذا رأيت أيضاً أيها المستجد؟!
الفتى وهو يشير للبحر وتحديداً للمكان الذي كان ينظر إليه: لقد رأيت شيئاً..
القبطان بتجهم وحنق: شيئاً؟! هل رأيت سمكة؟!
الفتى: لا.. رأيت ذيلاً
القبطان بحدة أقل: ذيل ماذا؟!
الفتى وهو يبلع ريقه: ذيل سمكة على ما أظن.. لكن..
وقبل أن يكمل الفتى جملته أمسك القبطان به من ملابسه ورمى به في البحر..
تجمهر بقية البحارة بدأوا يضحكون على ذلك الفتى وهو يتخبط في الماء وينادي بأعلى صوته طالباً للنجدة.
القبطان مخاطباً نائبه وهو يضع قدمه على طرف السفينة ويبتسم: هل يجيد ذلك المستجد السباحة؟
النائب: لا أعرف يا سيدي فهذه أول رحلة له معنا
الفتى وهو يصارع في الماء وبصوت مرتفع: هناك شيء يلمسني! هناك شيء يلمس قدمي!
ضحك جميع البحارة بمن فيهم القبطان الذي قال: أي نوع من البحارة لا يستطيع السباحة؟ لمَ عينته ضمن طاقمنا؟
النائب: هذا الفتى ليس ببحار متمرس فهو مجرد ابن سيدة فقيرة وقد توسلت إلي حتى أضمه إلينا
الفتى وهو يصرخ: أرجوكم.. أرجوكم هناك شيء يشد قدمي
القبطان وهو يرفع قدمه عن طرف السفينة ويبتعد متوجهاً لقمرته: أخرجوه من الماء قبل أن يغرق ونضطر لسماع نواح أمه عندما نعود للساحل
رمى أحد البحارة حبلاً وأخرج الفتى من الماء..
عندما صافحت الشمس في الغروب القمر الذي اعتلى كبد السماء اجتمع جميع البحارة على السطح وجلسوا في دائرة يتسامرون ويتناولون طعام العشاء يتوسطه طبق كبير من التفاح. كان الفتى الصغير معهم وكانوا يمازحونه ويتسلون بتذكيره بما حدث معه صباحاً مع القبطان وكيف استنجد وتوسل البقية لإنقاذه. دنا بحار ضخم من الفتى وهو يضحك ويتقهقه: لم تخبرنا يا فتى ما الذي أمسك بك عندما كنت بالماء؟
البحارة يضحكون والفتى يبتسم مجاملة..
بحار بشارب كبير: هل شد قدمك أم سروالك؟
البحارة يضحكون والفتى بحك رأسه ويبتسم مجاملة..
أخذ بحار نحيل بشعر طويل تفاحة ومدها للفتى ضاحكاً وهو يقول: خذ وتناول هذه
الفتى وهو يدفع التفاحة بعيداً عنه: لا، شكراً
البحار الضخم بصرخة غاضبة: خذها وكلها!!
خطف الفتى التفاحة بسرعة وقضمها وبدأ يلوكها بقضمات متسارعة والبحارة يضحون بشدة.
البحار النحيل: التفاح مفيد لك في البحر كي لا تصاب باليثع
الفتى: ال.. ماذا؟
البحار الضخم: الإسقربوط
الفتى: الأخطبوط؟
ضحك البحارة من جهل الفتى وقال أحدهم: الأخطبوط هو الذي شد قدمك اليوم!
نهض الفتى بعصبية وقال غاضباً: لا!
صمت البحارة بدأوا ينظرون إليه بتعجب من غضبه المفاجئ..
الفتى وهو يرمي ما تبقى من التفاحة في البحر: لقد كانت يداً
البحار ذو الشارب: يد؟
الفتى: نعم يد.. يد إنسان..
البحار النحيل: وكيف تعرف بأنها يد إنسان؟
الفتى: لقد شعرت بها.. أحسست بأصابعه تحسس قدمي وساقي
البحار الضخم مبتسماً: ربما كان ذا الأذيال
الفتى باستغراب: ذو الأذيال؟
البحار النحيل: ذو الأذيال مجرد أسطورة
البحار الضخم وهو يغمز ل البحار النحيل: ألم تقل بأنك رأيته من قبل؟
البحار النحيل وهو يبتسم: بلى بلى لقد نسيت
الفتى وهو متوتر: من ذو الأذيال هذا؟
البحار ذو الشارب وهو يضع يده على كتف الفتى ويشده لصدره ويقول بنبرة ترهيب: ذو الأذيال وحش يسكن الأعماق
الفتى بجزع وخوف: وحش؟
البحار الضخم بنبرة خافتة ومخيفة: نعم.. وحش يأكل البحارة
الفتى يحدق بالبحار الضخم برعب وصمت..
البحار النحيل وهو يشد الفتى ويمسك به ويقول: يحب لمس أقدامهم قبل أن يفترسهم
الفتى بتوتر: أنتم تكذبون.. أنتم تحاولون إخافتي فقط
البحار الضخم وهو يشد الفتى ناحيته: ذو الأذيال يتسلق السفن ليلاً عندما ينام البحارة ويخطف من يشاء منهم ليسحبه للأعماق
الفتى والعرق يتصبب من جبينه: ربما يخطفك أنت
البحار النحيل: هو يحب البحارة الصغار وخاصة الذين لا يجيدون السباحة
بدأ الفتى بالبكاء عندما تمكن منه الخوف وبدأ البحارة من حوله يضحكون ولم يتوقفوا حتى نهرهم القبطان وأمرهم بالخلود للنوم لكن الفتى بقي مكانه يبكي حتى بعد انصراف البقية مما دفع القبطان لأن يقترب منه ويقول بصرامة وصوت مرتفع: اذهب إلى سريرك!
الفتى وهو يبكي: لكن ذو الأذيال سيأكلني!
رفع القبطان دلواً بجانبه وضرب به رأس الفتى وهو يصرخ قائلاً: اذهب قبل أن أرميك بنفسي له في البحر!
جرى الفتى ولحق بالبحارة الآخرين تاركاً القبطان خلفه يلتقط تفاحة ويقضمها وهو يحدق بالبحر.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا