أشعة إكس

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-08-09

أشعة إكس.. 

شبح على الشاشة!!

صورة

كغيرها من الاكتشافات البشرية العديدة تم اكتشاف تقنية أشعة إكس بالصدفة تماماً، ففي عام 1895 استطاع العالم الفيزيائي الألماني ويلهيلم روبنتجن اكتشاف أشعة إكس بينما كان يجري بعض الاختبارات على أشعة الإلكترون الصادرة من أنابيب الغاز، وذلك بعد أن أدرك أن الشاشة البلورية في معمله أصبحت تتوهج بأشكال الأدوات التي اخترقتها بعض الأشعة. وللتحقق من الأمر قام بوضع العديد من الأشياء بين الأنبوب والشاشة إلا أن الشاشة ما زالت تتوهج، وفي النهاية وضع يده أمام الأنبوب ليرى شبح عظام يده على الشاشة، وما أن قام باكتشاف أشعة إكس حتى أدرك فوائدها الكبيرة.

ومن أهم استخدامات أشعة إكس استخدامها في الطب إذ تستخدم للتعرف على التركيب الداخلي لجسم الإنسان والحيوانات لأنها تساعد على تصوير العظام والأنسجة الداخلية وإظهارها بشكل تام، ورغم هذا وذاك لابد من استخدامها بحذر فقد تتلف الأنسجة، وقد تسبب بعض أضرار أخرى لجسم الكائن الحي.

فقد كان رونتجن قد تساءل عما إذا كان باستطاعة الأشعة السينية اختراق الجسم البشري. وبالتجربة الفعلية أظهرت صورة بالأشعة السينية ليد زوجته أن الأشعة اخترقت العضلات والدم والاجزاء اللينة الأخرى لكنها لم تخترق العظام. وهكذا غدت أشعة إكس الطريقة الأعجوبية لمشاهدة أجزاء الهيكل العظمي لشخص حي.

صورة

أشعة إكس تشبه في الأساس أشعة الضوء المرئية، حيث إن الاثنتين تتخذان شكل موجات من الطاقة الكهرومغنطيسية تنتقل بواسطة جسيمات صغيرة تعرف بالفوتونات، والفرق بين أشة إكس والضوء الاعتيادي المرئي هو مستوى طاقة الفوتون في كل منهما، ويعرف ذلك أيضاً بالطول الموجي للأشعة، والمعروف أن العين البشرية تتحسس طولاً موجياً معيناً بالضوء المرئي، ولكنها لا تستطيع تحسس الطول الموجي القصير بطاقته العالية كأشعة إكس أو الطول الموجي الطويل بطاقته القليلة كموجات الراديو.

تنتج فوتونات الضوء المرئي وأشعة إكس عن طريق حركة الإلكترونات في الذرة ودورانها حول النواة، حيث أن مستوى الطاقة في الإلكترونات يختلف باختلاف مداراتها، وكلما اقترب مدار الإلكترون من النواة تقل الطاقة والعكس صحيح.

ولذلك عندما تنتقل الالكترونات إلى مدار أقرب من النواة لابد أن تتخلص من بعض الطاقة التي تحملها، ويكون التخلص من الطاقة الزائدة على شكل فوتونات، وتعتمد قوة طاقة الفوتون على مسافة الانتقال بين المدارات، وكلما زادت مسافة الانتقال نحو النواة ارتفعت نسبة قوة الفوتون.

وبما أن موجات الراديو لا تتمتع بالطاقة الكافية لنقل الإلكترونات بين المدارات نقلات كبيرة نحو النواة؛ فإنها لا تنتج طاقة في شكل فوتونات ضوئية مرئية، في نفس الوقت نجد أن أشعة إكس تتمتع بطاقة قوية جداً لدرجة أنها تخرج الإلكترونات من مدارات النواة نهائياً لأمر الذي يجعلها غير مرئية أيضاً.

أهم مكونات جهاز أشعة إكس هي القطبان السالب (الكاثود) والموجب (الأنود) داخل الأنبوب الزجاجي، وقطب الكاثود عبارة عن شعيرة حرارية مثل شعيرة المصابيح الكهربائية الاعتيادية، ويعمل الجهاز على إرسال طاقة كهربائية عبر الشعيرة الحرارية فيعمل على تسخينها، ارتفاع درجة حرارة الكاثود تعمل على نثر الإلكترونات شاسع بين القطبين نجد أن الإلكترونات تندفع بقوة كبيرة عبر الانبوب، عندما تصطدم الإلكترونات المندفعة مع ذرات التنجستين تعمل على طرد الإلكترونات من المدارات القريبة جداً من النواة، الأمر الذي يعقبه هبوط مفاجئ وسريع لإلكترونات المدارات العليا نحو المدارات السفلى ينتج عنه تفريغ للطاقة الزائدة في شكل فوتونات، وبما أن الهبوط يكون بشكل كبير فإن قوة الفوتونات تكون كبيرة جداً، وهذا هو فوتون أشعة إكس.

هناك مصدر آخر لفوتونات أشعة إكس وهو الإلكترونات الحرة، وذلك عندما تعمل نواة الذرة على اجتذاب الإلكترونات إلى درجة تؤدي إلى تغيير مسار حركتها مما يدفعها إلى التخلص من الطاقة الزائدة في شكل فوتونات من أشعة إكس.

صورة

التصادمات والاحتكاكات الشديدة التي تدخل في إنتاج أشعة إكس تعمل على توليد حرارة عالية، ويعمل المولد على إدارة قطب الأنود حتى لا يذوب جراء ارتفاع درجة الحرارة، ذلك لأن أشعة الإلكترونات لا تتركز على بؤرة معينة، كما أن الزيت البارد الذي يحيط بالغلاف يعمل على امتصاص الحرارة.

تحاط جميع هذه الفعاليات الميكانيكية بغلاف سميك من الرصاص يمنع تناثر أشعة إكس، وتعمل النافذة الصغيرة على هذا الغلاف على السماح لشعاع رقيق من الفوتونات أن ينفذ من خلالها، حيث يمر هذا الشعاع عبر العديد من المرشحات وهو في طريقه إلى المريض. توجد كاميرا على الجانب الآخر من المريض تعمل على تسجيل شكل أشعة إكس النافذة من خلال جسم المريض، حيث تعمل كاميرا أشعة إكس يظهر ردة الفعل الكيميائية بدلاً من الضوء المرئي.

يتعامل الأطباء عادة مع الصورة بشكل عكسي، حيث إن المناطق التي تتعرض لمزيد من الضوء تبدو قاتمة على عكس التي تتعرض لقليل من الضوء حيث تبدو مضيئة أكثر، ولذلك نجد أن الأعضاء القوية كالعظام تبدو بيضاء أما الأعضاء المرنة تبدو سوداء، وتتفاوت نسبة مرونتها مع درجة غمق اللون، الأمر الذي يقود الأطباء إلى تشخيص الإصابات وفحص جسد المريض دون الخوض في عملية جراحية.

ولد رنتغن في مدينة "لينيب" بألمانيا في 27 مارس من عام 1845، وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية، وفي عام 1869 حصل على شهادة الفيزياء وعمل محاضراً لعلوم الفيزياء في جامعة "فرزبيرغ" بألمانيا.

وخلال عمله استطاع تقديم خدمة كبيرة للبشرية وذلك باكتشافه لأشعة (إكس) فهو أول من قام برصدها في 28 نوفمبر من عام 1895 عندما كان يلاحظ صدورها من أدوات أشعة الكاثود (الأشعة الالكترونية), واستغرب لرؤية بصيص من صورة ما تنتج عن هذه الأدوات وتبتعد عنها بمسافة معينة، وعلم فيها بعد أن شبح الصورة هذه ليس نتاجاً لأشعة الكاثود لأنها لا تستطيع اختراق الهواء لمسافة معينة، وبعد دراسات وتحقيقات مستمرة أطلق عليها اسم أشعة (X) مشيراً بهذا الرمز إلى أنها شيء مجهول.

أدى اكتشاف أشعة (إكس) بميزاتها المتفردة إلى انبهار الجميع وصار الاحتفال بهذا الاكتشاف وبصاحبه يأخذ مكانه يومياً، حتى إن معظم زملائه أرادوا أن يطلقوا عليها اسم أشعة (رنتغن) إلا أنه اعترض على ذلك بشدة.

ولعبت هذه الأشعة دوراً كبيراً في خدمة البشرية في كثير من المجالات وظل هذا الدور يتجدد باستمرار إلى يومنا هذا، فمعظم الاكتشافات القديمة والحديثة لعبت هذه الأشعة دوراً في عملية اكتشافها فضلاً عن دورها الكبير في الخدمات والعلوم الطبية.

وتم تكريمه على هذا الاكتشاف العظيم بنيله أول جائزة "نوبل" في فئة الفيزياء وذلك في ديسمبر من عام 1901، وقام "رنتغن" بالتبرع بقيمة الجائزة كاملة إلى الجامعة لتنفقها في أبحاثها العلمية، وقبل "رنتغن" الدكتوراه الفخرية في الطب كما رفض الحصول على أي أجر مقابل اكتشافه هذا وعندما مات عام 1923 كان مفلساً تماماً جراء التضخم الاقتصادي الذي لازم الحرب العالمية الأولى.

وهكذا اكتشف رتنغن أعظم وأهم إنجاز طبي في تاريخ البشرية وهو التشخيص باستخدام أشعة إكس التي تسمح للأطباء بتشخيص الكسور في العظام بدون إجراء عملية جراحية، كما تستخدم أشعة إكس للكشف على الأجسام الغريبة في جسم الإنسان.

وتطور التشخيص بأشعة إكس لتمكن الأطباء من تصوير الأوعية الدموية والأعضاء البيولوجية في جسم الإنسان.

وأشعة إكس في الأساس مثل الأشعة المرئية، حيث إنها جزء من الطيف الكهرومغناطيسي، ولكن أشعة إكس تحمل طاقة أكبر من طاقة الأشعة المرئية بكثير.

تمتاز أشعة إكس بأن طاقة فوتوناتها أكبر من طاقة فوتونات الأشعة المرئية وهذا يعني أن ترددها كبير وطولها الموجي قصير.

وتستطيع العين البشرية الرؤية من خلال الأشعة المرئية لأن الله سبحانه وتعالى حدد لنا هذا الجزء من الطيف الكهرومغناطيسي نستطيع الرؤية والتمتع بحاسة الإبصار من خلاله، وبالتالي تعتبر أشعة إكس أشعة غير مرئية بالنسبة لنا مثل أشعة الراديو والأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية ولكن الفرق بين كل تلك الأشعة هي خواصها من ناحية طاقة الفوتون والتردد والطول الموجي لها.

ولأشعة إكس استخدامات جمة وفي مجالات عديدة فكما أن لأشعة إكس دورا ًكبيراً في تطور علم الطب فقد لعبت هذه الأشعة دوراً كبيراً في مجال ميكانيكا الكم وعلم البلورات وعلم الفلك، وفي مجال التطبيقات الصناعية تستخدم أشعة إكس كماسحات للكشف عن العيوب في المنتجات الصناعية، وتعتبر أشعة إكس إحدى أهم المعدات المستخدمة في المطارات للكشف عن الأجسام المشبوهة.

عموماً إن الذرة هي المسؤولة عن إنتاج أشعة إكس ولكن يختلف الأمر عنه في حالة الأشعة المرئية حيث إنه يتم إثارة إلكترونات المدارات الداخلية للعنصر المنتج لأشعة إكس بينما في الأشعة المرئية يتم إثارة إلكترونات المدارات الخارجية.

وبالنسبة لأنبوبة إنتاج أشعة إكس، فإن التصادم الحادث بين الإلكترونات المعجلة ومادة الأنود لتوليد أشعة إكس تعمل على توليد الكثير من الحرارة، لذلك يستخدم موتور ليعمل على لف قرص الأنود لنضمن تعرض مناطق مختلفة من مادة الأنود لشعاع الإلكترونات في كل مرة، مما يحميه من الانصهار بفعل الاصطدام المستمر والحرارة الناتجة.

وتستخدم حواجز من الرصاص لمنع أشعة إكس من الخروج والانبعاث في كل الاتجاهات غير المرغوبة.

ويتم تحديد منفذ أشعة إكس عبر نافذة تفتح في الحواجز وقبل خروجها تمر عبر عدة مرشحات قبل أن تسقط على جسم المريض المراد تصويره.

وتثبت كاميرا لتسجيل فوتونات أشعة إكس التي عبرت خلال جسم المريض وتستخدم تلك الكاميرات أفلاماً خاصة حساسة لأشعة إكس، تستخدم نفس التكنولوجيا المستخدمة في الأفلام العادية المستخدمة في التصوير بالكاميرات العادية الحساسة للضوء المرئي.

ويتم الاحتفاظ بالصورة في صورة نيجاتيف ويتم فحص الصورة تحت ضوء أبيض فتظهر المناطق التي امتصت أشعة إكس مثل العظام والمواد الصلبة تظهر في الصورة بيضاء بينما المناطق التي لم تمتص أشعة إكس مثل الجلد والعضلات والأوعية الدموية تظهر في الصورة معتمة.

وفي صورة أشعة إكس لجسم المريض لا تظهر أي آثار للأوعية الدموية أو للأعضاء العضوية مثل الكبد أو المعدة أو الأمعاء، ولإظهار أي من تلك الأعضاء في صورة أشعة إكس بغرض تشخيص مرض ما فإن أخصائي أشعة إكس يحقن جسم المريض بمادة تباين مثل مادة الباريم.

وتتكون مادة التباين هذه من سائل يمتص أشعة إكس بكفاءة أعلى من الأنسجة المحيطة به، فعند حقن المريض بالباريم السائل في الوريد تصبح الأوعية الدموية قادرة على امتصاص أشعة إكي مما ينتج عنه صورة للأوعية الدموية على فيلم أشعة إكس، ويسمى التصوير بحقن المريض بمادة التباين بالفلوروسكوبي.

ويعتبر الفلوروسكوبي من التقنيات التي تستخدم أشعة إكس لتصوير تدفق مادة التباين خلال الجسم عبر فترات زمنية محددة فيتم حقن المريض بمادة التباين ومن ثم يتم تعريض المريض لجرعات من أشعة إكس على فترات زمنية متقطعة لرصد تدفق المادة وانسيابها خلال جسم المريض الصورة على شاشة فوسفورية تظهر مراحل انسياب مادة التباين خلال الجسم والطبيب يقرر الصورة التي يريد التقاطها عند فترات زمنية محددة للتشخيص فيما بعد.

وعلى الرغم من الفوائد الجمة التي وفرتها أشعة إكس في مساعدة الطبيب على تشخيص المرض واكتشاف كسور العظام دون الحاجة إلى عمليات جراحية إلا أن أشعة إكس من الممكن أن تكون ضارة.

ففي أول استخدام أشعة إكس تعرض المريض والطبيب لجرعة زيادة من أشعة إكس التي سببت أعراضاً مرضية مثل التي تسببها العناصر المشعة على الجلد.. والسبب في ذلك يعود إلى أن أشعة إكس هي في حد ذاتها أشعة متأينة، فعندما يصطدم الضوء العادي بالذرة فلا يحدث تغيير يذكر على الذرة ولكن في حالة أشعة إكس تصطدم بالذرة فتعمل على تحرير إلكترونات الذرة وتحولها إلى أيون موجب وتقوم الإلكترونات المتحررة بتحويل المزيد من الذرات المجاورة إلى أيونات بالتصادم معها.

والأيونات أجسام مشحونة كهربياً وليست متعادلة مثل الذرات مما يسبب تفاعلات كيميائية غير طبيعية داخل الخلايا الحية، ومن الممكن أيضاً أن يحدث خلل في سلاسل حمض ال DNA، wûdwô xll fi al DNA قد يسبب موتاً لتلك الخلية مما يسبب الكثير من الأمراض غير المتوقعة أو أن تتحول الخلية الحية إذا لم تمت إلى خلايا سرطانية تنتشر في جسم الإنسان.

أي أنه على الرغم من فوائد أشعة إكس فإن التعرض الأكثر من اللازم للأشعة له من الآثار ما لا يحمد عقباها.

وعلى الرغم من كل ذلك تعتبر أجهزة أشعة إكس الأجهزة الأكثر أماناً بين الخيارات المطروحة أمام الطبيب لاستخدامها وإن جهاز أشعة إكس لا غنى عنه في المستشفيات ويعتبر من أهم إنجازات التقنية العلمية عبر العصور.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا