الدوائر الخمس 5 للروائي أسامة المسلم

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2021-12-12

ميزان الظلم
(عادل)
‏إنسان مهتم بالتجارة وجمع المال بجانب عمله الحكومي.. أمضى أغلب حياته في البحث عن وسائل لزيادة دخله.. قاده ذلك البحث للسلسلة من المشاريع الفاشلة التي بددت الأموال التي ورثها عن أبيه الراحل. 
‏توفي والد (عادل) وهو لا يزال طالباً في الجامعة يدرس الشريعة حسب رغبة أبيه وتخرج منها بامتياز مع مرتبة الشرف مع أنه لم يكن متقبلاً لذلك التخصص في بادئ الأمر لكن خوفه وتأثره بوالده كانا حافزاً قوياً ساهم بشكل رئيس في تفوقه بالرغم من انشغاله بالمشاريع الفاشلة التي جعلته يتراجع مادياً. 
‏تم اختيار (عادل) بعد تخرجه لإكمال درجة الماجستير وقد حصل عليها في وقت قياسي لينضم بعدها لسلك القضاء وخلال فترة ‏عمله كقاض سافر لــ "مصر" عدة مرات للإشراف عل بعض المشاريع التي أسسها هناك والتي كانت أنجح وأفضل حالاً من ‏المشاريع التي بدأها في بلاده. صادف اليوم الذي حصل فيه (‏عادل) على شهادة الدكتوراه اليوم الذي أغلق فيه آخر مشروع له في بلده وبذلك أصبحت المشاريع التي أسسها في "مصر" مصدر دخله الوحيد بالإضافة لراتبه كقاض. 
‏لم يكتف (عادل) بثروته المتوسطة التي جمعها من مشاريعه في أرض الكنانة لأن طموحه كان أكبر بكثير لذلك امتهن عقد القران بالإضافة إلى توليه الإمامة والخطابة في أحد الجوامع وكذلك امتهن القراءة على الناس وخلال فترة قصيرة أصبح من الأثرياء وأصبح من ملاك العقار ومن أصحاب الأرصدة المالية واستعاد ما يعادل الإرث الذي بدده بأضعاف. 
‏تزوج "الشيخ": (عادل) أكثر من مرة وكان أول زواج له وهو في آخر سنة من المرحلة الثانوية بضغط من أبيه الراحل من ‏ابنة عمه وقام بتطليقها مباشرة بعد وفاة والده لأنه لم يكن راغباً بها منذ البداية لكنه تزوجها استجابة لرغبة أبيه فقط. زواجه الثاني كان من امرأة ارتبط بها في الفترة التي قضاها في "مصر" عندما بدأ بتأسيس مشاريعه التجارية هناك. لم تبق هذه الزوجة معه طويلاً حيث قام بتطليقها أيضاً بعد أن سلم إدارة مشاريعه لصديقه المصري (حسن) وقرر العودة بعد أن قضى إجازته السنوية هناك. لم يخبرها (عادل) بنيته ترك "مصر" بل أرسل لها ورقة طلاقها مع (حسن) الذي ترك له شقته التي قضى فيها حياته الزوجية القصيرة مع تلك المرأة شريطة أن يطردها منها. 
‏من أكثر المشاريع التي درت على الشيخ (عادل) مبالغ طائلة هي عندما قرر استقبال الناس في بيته للقراءة عليهم مقابل مبلغ مالي كبير ‏ولشدة الزحام عليه قرر الاستعانة بــ (‏فالح) مدير مكتبه في المحكمة صباحاً في استقبال زوار منزله مساءً وتنسيق دخولهم عليه وادارة الأموال المتدفقة منهم بالإضافة إلى شراء صناديق الماء والزيت وحبة البركة والعسل التي كانت تباع على الزوار بأضعاف قيمتها لأنها تحمل من بركة بصاق الشيخ. 
‏استمر (عادل) في مزاولة القضاء بين الناس صباحاً والقراءة عليهم مساء وإمامتهم في كل فرض في المسجد المقابل لمنزله بالإضافة إلى عقد القران لهم. لم ينس الشيخ نفسه فيما يخص عقد القران فكان من وقت لآخر يتزوج من فتاة أو امرأة لا يبقى في العادة معها فترة طويلة وكان يحرص ألا تحبل منه لأنه يبطن نية طلاقها قبل الاقتران بها. أغلب النساء اللاتي تزوج بهن الشيخ (عادل) كن من مرتادات جلساته القضائية صباحاً بحثاً عن العدل والإنصاف أو من ‏مرتادات جلساته المسائية بحثاً عن العلاج والشفاء مما أعطاه فرصة غير مسبوقة في انتقاء شريكته المؤقتة من بين مئات النساء والفتيات. 
 ‏ذات صباح وفي المحكمة التي كان الشيخ (عادل) يعمل فيها دخلت امرأة مع ابنتها التي كانت تبلغ من العمر تسعة عشر عاماً وكانت المرأة قد رفعت دعوى قضائية على طليقها الذي لم يكن والد ابنتها بل مجرد رجل تزوجته بعد وفاة والد ابنتها بعدة سنوات وهجرها دون دفع مؤخر الصداق فما كان من الشيخ إلا أن بدأ في إجراءات استدعائه التي يعرف أنها قد تستغرق أسابيع أو حتى أشهراً. لفتت الفتاة الشابة المرافقة للمرأة انتباه الشيخ وحاول أن يشركها معهما في الحديث والإفادة التي قدمتها أمها له عن طليقها لكنها كانت خجولاً جداً ولم تتكلم مما زاد انجذاب الشيخ لها. 
‏من خلال كلام الأم عن مرضها وحالتهما المادية السيئة علم الشيخ (عادل) أنهما فرصة مثالية ومناسبة لتجديد شبابه بــ "الحلال" فعرض على الأم أن تأتي لمنزله مساء للقراءة عليها وأخبرها أنه لن يتقاضى منها أجراً مقابل القراءة وأنه سيفعل ذلك لوجه الله فقط. رفعت الأم يديها ودعت للشيخ وشكرته لكرمه وأخبرته أنها ستأتي في المساء لزيارته. أمر الشيخ مدير مكتبه (فالح) بإيصالهما بسيارته الخاصة وعينه لم تنزل من على تلك الفتاة التي اختبأت خلف أمها خجلاً من نظرات الشيخ. بعد رحيل الأم مع ابنتها نادى الشيخ (عادل) على مدير شؤون الموظفين وسأله: 
 "ماذا حل بنقل مدير الأرشيف وموظف الاستقبال من هنا؟" 
(‏مدير شؤون الموظفين): بصراحة الموضوع يا شيخ يحتاج بعض الوقت لأنط تطلب نقلهما إلى محكمة أخرى ولا توجد مسوغات ‏لذلك الطلب 
‏(عادل) بغضب: أنا لا ‏أحتاج أي مسوغات! وهذان الموظفان يجب أن ينقلا من هنا في أقرب وقت أو سوف أعمل على نقلك أنت!! 
‏(مدير شؤون الموظفين) وهو خائف: حاضر حاضر.. سنحاول أن نجد مسوغات نظامية لذلك 
‏في المساء كان الشيخ (عاد‏ل) يستعد بالتطيب بدهن العود ‏ولبس الثياب الجديدة لمقابلة تلك الفتاة مع أمها ويعجل بالقراءة لكل من يدخل عليه على أمل أن تكونا هما التاليتين لكن ظنه خاب عندما د‏خل عليه (فالح) وقال: 
‏"لقد خلا المجلس يا شيخ من الزوار.. هل تأذن لي بالانصراف؟"
(عاد‏ل) بغضب: ارحل! 
‏لم يستطع الشيخ النوم تلك الليلة وظل يتقلب في فراشة كذبيحة علقت للشواء حتى انتهى به المطاف بالاتصال على (فالح) وإخباره بأنه يحتاج لمجموعة هن الملفات الخاصة ببعض القضايا فوراً، ‏استغرب (فالح) ‏من طلب الشيخ وقال: المحكمة مغلقة في هذا ‏الوقت يا شيخ.. سوف أحضر لك جميع ما طلبته أول الصباح في المكتب بإذن الله 
‏(عادل) وهو يصرخ بغضب: نفذ ولا تجادل يا (فالح)!
أغلق (عادل) السماعة.. 
‏بعد ساعتين حضر (فالح) ومعه الملفات وقدمها للشيخ بعد ما دخل منزله وجلس معه في مجلس استقبال الضيوف.. 
‏(فالح) يمد الملفات: تفضل يا شيخ أعانك الله على فعل الخير.
(عادل) وهو يرد بغضب: انصرف الآن وغداً قم بتأجيل كل القضايا لأني لن أحضر للمحكمة! 
‏(فالح) يهم بالخروج: أمرك يا شيخ 
‏بحث الشيخ (عادل) ‏بين الملفات عن الملف الخاص بقضية (أم نورة) حتي وجده. بعدها بدأ بالبحث في الملف حتى وجد رقم هاتف منزلهما وعنوانهما، اتصل على المنزل أكثر من خمس مرات حتى انقطع الخط ولم يرد أحد فقرر الخروج والذهاب لمكان إقامتهما. وصل ليجدها تخرج منه مشياً فركن سيارته ولحق بها سيراً على الأقدام. 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا