الكبت الفكري

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-07-23

26. الكبت الفكري 

أنا فتاة في السابعة عشرة من عمري، أنهيت تعليمي المتوسط منذ ثلاث سنوات، أجبرني والدي على عدم متابعة تعليمي بحجة أن المرأة ليس بحاجة إلى تعليم زائد حتى لا تزعج زوجها في المستقبل ب(فلسفاتها).

كل ذلك يهون فيما إذا سألت أي سؤال في سبيل الاستزادة من المعرفة، حتى أن معظم برامج التلفزيون يحجب عني بهذه الحجة أو تلك، وهذا ما يجعلني أختلس الوقت الذي لا يكون فيه أحد في البيت بمشاهدة ما يفوتني من هذه البرامج أو الاستماع إلى الأغاني العاطفية.

إنني شديدة الطموح إلى بناء شخصيتي وإلى تنمية وعيي وإلى أن أكون إنسانة مثقفة لا أمية في أمور الحياة.

ولذلك تراني في صراع نفسي بين ما يدور حولي

أرجو تحليل مشكلتي؟

ابتسام. أ

أن مشكلتك هي مشكلة الملايين من أمثالك الذين فرض عليهم (الحجر) الثقافي نتيجة لنظرة المجتمع إلى المرأة كنظرة دونية، وليكن الثناء لربك لأنك نلت التعليم المتوسط، فأصبح بإمكانك من الآن وإلى أن يفك (الحجر) عنك أن تتمتعي بفوائد دراستك.

وفي رأيي أن الفتاة التي تربى على كبت أفكارها وآرائها تتعود أيضاً على أن تكبت رغباتها أو مشاعرها. والكبت الفكري طوال سنوات الطفول والمراهقة يؤدي إلى عقم فكري في الشباب والكهولة. وكذلك الكبت الجنسي طوال سنوات الطفولة والشباب يقود إلى برود جنسي في سن النضوج والكهولة. أن انتشار البرود الجنسي عند الزوجات أحد نتائج الكبت الفكري والجنسي المفروض على البنات منذ الولادة. والكبت الجنسي في مجتمعنا كان يمكن أن يكون أقل خطراً على صحة البنات والنساء النفسية لو أن الثقافة والإعلام والفنون في مجتمعنا تخضع للقيم الأخلاقية نفسها التي تتحكم في تربية البنات، ومن هنا - ربما - كان أحجام برامج التلفزيون عنك من قبل أهلك.

ولا بأس من تحليل حالتك بالتقسيم التالي:

1. أن الطموح الفكري والرغبة في التعليم والعمل وتحقيق الذات من خلال العمل المنتج، وليس من خلال الزواج، هو صفة طبيعية في المرأة الواعية المدركة، وحين يفرض عليها الزواج كوظيفة وحيدة في الحياة تشعر بالإحباط والنقص وعدم تحقيق الذات وتتعرض للمشاكل النفسية وللعصاب. وقد أتضح من نتائج البحوث التي أجريت أن المرأة العصابية أكبر طموحاً في الحياة من المرأة الطبيعية، وإنها تشعر بكونها إنسانة لها عقل وجسد أكثر من المرأة الطبيعية التي تقتل طموحها الفكري في الحياة من أجل الزواج.

كما اتضح طموح المرأة الطبيعية في العمل أو الدراسة أقل إرضاء من المرأة العصابية وهي بذلك أكثر خضوعاً لظروفها السيئة من المرأة العصابية، وأن هذا الخضوع ليس نوعاً من الصحة النفسية بقدر ما هو نوع من العجز والاستسلام.

2. تجاه وضعك ووضع أمثالك تصبح المسألة صعبة. ففي حين تتشبعين بهذه الأفلام والأصوات الصارخة بالجنس والشبق يكون عليك في الوقت نفسه إلا تتأثري بها. وأن تأثرت، وهذا ما يحدث، فإن المطلوب منك أن تخفي هذا التأثر، وتتظاهري بشيء آخر. أما أن يتحول هذا التأثر إلى فعل، وهذا أمر طبيعي عند الإنسان السليم نفسياً وجسدياً، فهذه هي الطامة الكبرى التي تقع في حياة البنت، سواء انكشفت أو لم تنكشف.

وفي جميع الأحوال لا يؤدي الكبت والتناقضات التي يفرضها المجتمع على البنت إلا إلى التعاسة العامة التي تشعر بها النساء والفتيات من جميع الأعمار العازبات منهن والمتزوجات. وقد تنكر بعض النساء هذه التعاسة ويتوهمن أنهن سعيدات، لكن المرأة منهن لا تصمد طويلاً إمام الأسئلة التي تجعلها تعيد التفكير في حياتها وفي سعادتها السطحية التي تشبه سعادة العبيد.

أن الجنس في حياة المرأة الذكية المتحررة لا يشغل في حياتها إلا حيزه الطبيعي. أما الجهل والكبت والقيود والتخويف فتجعل الجنس في حياة معظم البنات والنساء يتضخم ويتمدد ليشغل كل حياة الفتاة أو المرأة.

وهكذا فإن وضعك يستلزم تغير نظرة المجتمع إلى المرأة المتعلمة الواعية، وإلى تغيير نظرة المرأة العاطلة عن العمل، لأن البطالة نوع من أنواع الاستغلال، وهي تحرمها من العمل الذي هو ضرورة إنسانية تحقق به ذاتها، وتحقق به نفعاً للجميع. وتحقيق الذات يمنح الإنسان سعادة وذكاء وتطوراً وإنسانية.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا