التنويم المغناطيسي بين العلم والسحر
التنويم الإيحائي أو التنويم المغناطيسي هو حالة ذهنية هادئة ومسترخية، يستقبل فيها اللاوعي الإيحاءات ويستجيب لها بحالة أوسع وفي هذه الحالة يكون العقل الباطن مستجيب بشكل كبير للاقتراحات والإيحاءات. التنويم الإيحائي هو حالة طبيعية جداً، ويمكن القول بأن كل شخص سبق ومر بتجربة كهذه حتى ولو بحالات جزئية. فعندما تستغرق في قراءة كتاب معين، وعندما تركز كل التركيز بمشهد أو فيلم معين، وعندما يغرق ذهنك بالأفكار والتركيز بموضوع معين، فهذه كلها حالات طبيعية من التنويم الإيحائي، حيث ينصب التركيز الذهني الشديد الذي يضع كل الأشخاص والأشياء من حولك خارج نقطة التركيز تلك. وقد لعب التنويم المغناطيسي لآلاف السنين دوراً كبيراً في مجال الشفاء والمداواة. فحسب "منظمة الصحة العالمية" 90% من عامة الناس قابلين للتنويم الإيحائي. والاستجابة لمضمون الإيحاء. فمثلاً عندما تكون مستلقياً أمام التلفاز فجأة تجد نفسك تغط في النوم دون إرادتك وهذه الفترة التي تكون قبل النوم والتي يكون فيها جسدك في كامل استرخائه هي التي تسمى بالتنويم ففي هذا أنت نومّتَ نفسك بنفسك فهذه الفترة هي التي يستغلها المعالجون النفسيون لترسيخ شيء ما بعقلك اللاواعي حسب قولهم.
الأهمية الحقيقية من التنويم الإيحائي في حالات العلاج هي أنه عندما يكون الذهن في حالة التركيز والاسترخاء العالي، يكون العقل الباطن مفتوحاً وقابلاً للاقتراحات والإيحاءات الإيجابية والمشجعة، وعندها تتمكن هذه الاقتراحات والإيحاءات من التغلغل والترسخ في العقل بسهولة وليونة أكثر، لتأخذ مفعولها بشكل أفضل وأسلم.
التنويم الإيحائي هو أحد أبحاث علم النفس، لا يوجد تحديد تأريخي لاستخدام التنويم كوسيلة تأثير أو علاج ولكن من خلال بعض البرديات التي وجدت في الجيزة اتضح أن هناك ما كان يسمى بمعابد النوم وطقوسها كانت صورة من أنماط التنويم المغناطيسي الحديث مع اتخاذ طقوس قدسية عند القيام بتلك الممارسات وهذا ما يضع أمامنا بأن أول من استخدمه هم المصريون القدماء ثم اليونانيون فالبابليون ولكن أعاد الطبيب السويسري فرانز أنطون ميسمر اكتشافه في العصر الحديث في القرن الثامن عشر عندما استخدمه لتخدير مرضاه، وقد اعتقد الناس أن ما يفعله ميسمر هو نوع من السحر والشعوذة، وقد قامت المنظمة الطبية في فيينا من حرمانه من عضويتها.
يستخدم الأطباء النفسيون التنويم الإيحائي لعلاج مشاكل الأعصاب والأرق والصداع وإدمان الكحول أو المخدرات.
يمكن استخدام التنويم المغناطيسي لمساعدتك في السيطرة على السلوكيات غير المرغوبة أو لمساعدتك في التعامل بشكل أفضل مع القلق أو الألم. من المهم أن تعرف أنه على الرغم من أنك تكون أكثر انفتاحاً للإيحاءات في أثناء التنويم المغناطيسي، فإنك لا تفقد السيطرة على سلوكك.
لقد تمت دراسة استخدام التنويم المغناطيسي في حالات أخرى، بما في ذلك:
التحكّم في الألم. قد يساعد التنويم المغناطيسي في حالة الألم الناتج عن الحروق، والسرطان، والولادة، ومتلازمة القولون المتهيج، وتصلب العضلات والمفاصل، ومشاكل المفصل الصدغي الفكي السفلي، وعمليات الأسنان، وحالات الصداع.
هبَّات الحرارة. قد يخفف التنويم المغناطيسي من أعراض هبَّات الحرارة المرتبطة بانقطاع الطمث.
التغير في السلوك. لقد تم استخدام التنويم المغناطيسي مع تحقيق بعض النجاح في علاج الأرق والتبول الليلي والتدخين والإفراط في الأكل.
الآثار الجانبية لعلاج السرطان. لقد تم استخدام التنويم المغناطيسي لتخفيف الآثار الجانبية المرتبطة بالمعالجة الكيميائية أو العلاج الإشعاعي.
حالات الصحة العقلية. قد يساعد التنويم المغناطيسي في علاج أعراض القلق والرهاب وضغوط ما بعد الصدمات.
يعتبر التنويم المغناطيسي الذي يجريه معالج مدرب أو متخصص في الرعاية الصحية علاجاً طبياً تكميلياً وبديلاً وآمناً. ومع ذلك، قد لا يصلح التنويم المغناطيسي للمصابين بأمراض عقلية حادة.
عندما تنتهي الجلسة، إما ستكون قادراً على إخراج نفسك من التنويم المغناطيسي وإما سيساعدك المعالج في إنهاء الحالة التي تشبه الغيبوبة.
خلافاً لكيفية تصوير التنويم المغناطيسي أحياناً في الأفلام أو على شاشات التليفزيون، لن تفقد السيطرة على سلوكك أثناء التنويم المغناطيسي. بشكل عام ستظل واعياً وتتذكر ما حدث خلال التنويم المغناطيسي.
أحياناً يقف المنوم المغناطيسي ممسكاً بالبندول، أو محركاً كفيه بحركات استعراضية وكأنه يتحكم في طاقة خفية تنبعث من عينيه الثاقبتين، فيفقد الشخص الجالس أمامه وعيه تدريجياً، ليصبح مسلوب الإرادة، ويطيع كل ما يقوله له هذا المنوم.. هل يبدو هذا المشهد مألوفاً؟
هذه الصورة الطريفة التي رسختها الأفلام والفقرات الاستعراضية، أعطت تصوراً مغلوطاً عن هذه الممارسة وتطبيقاتها وحدودها..
تعود تسمية التنويم المغناطيسي إلى "فرانز ميسمر" الذي عاش في القرن الثامن عشر، وكان يمارس هذا الأمر معتقداً أنه يتحكم فيما يسمى "المغناطيسية الحيوانية" أي الطاقة التي تسري في الكائنات الحية، ومن هنا اشتقت التسمية الشائعة.. ولا علاقة له بالنوم أيضاً بل هو حالة من الاسترخاء.. مع التطور العلمي استمرت هذه الممارسة، وأصبح "العلاج بالإيحاء" هو التوصيف الأكثر دقة.
كانت هذه الطريقة شائعة في أوائل القرن الماضي بين ممارسي التحليل النفسي، حيث مارسه معالجون مثل سيجموند فرويد كوسيلة للتعرف على ما يدور في العقل الباطن.. ومثل ميلتون إريكسون لعلاج حالات بعينها.. لكن مع تراجع مدرسة التحليل النفسي وظهور وسائل علاجية جديدة أكثر فعالية وتوفيراً للوقت، تراجع استخدام العلاج الإيحائي لكنه لم يختف تماماً.. إذ لا يزال بعض المعالجين يستخدمونه، ومنهم الطبيب والباحث الإيطالي جوزيبي rijaldw Giuseppe رِّگالدىة المتخصص في دراسات العلاج بالتنويم الإيحائي، والذي أكد فائدته في كثير من المجالات، مثل تخفيف الألم وتحسين الأعراض النفسية والجسدية، وتحسين التركيز والقدرة على التعلم، والتحكم في العواطف وإدارة الشعور بالقلق، وتحسين جودة النوم وزيادة الأداء الرياضي..
يقول ريجالدو: إذا تخيلت طعاماً تشتهيه فإن جسدك يزيد من إنتاج اللعاب، رغم عدم وجود طعام حقيقي.. في الأحوال العادية لا يستطيع المرء التحكم في الغدد اللعابية، لكنه باستخدام التخيل يستطيع.. هكذا يعمل التنويم الإيحائي.. قوة الإيحاء والتخيل تجعل الإنسان قادراً على الوصول للقدرات الكامنة بداخله.. وهو أمر يحدث عادة حسب الحاجة دون تدخل واعٍ منا.. فحين تشعر بالخطر تجد أنك قد أصبحت أسرع من المعتاد بشكل تلقائي.. وهي قدرات يمتلكها الجسم، ولكن لا تظهر في الظروف العادية. والتنويم الإيحائي يجعلنا قادرين على استدعاء بعض هذه القدرات.
هل يمكن أن يمارس الشخص التنويم الإيحائي على نفسه؟ يؤكد ريجالدو أن الإجابة هي نعم.. "التنويم الإيحائي الذاتي" يمكّن الشخص بشكل طوعي وواعٍ من الوصول إلى موارده النفسية، لكن ينبغي التدريب أولاً على يد متخصص.. فيمكن خلال جلسة التنويم الإيحائي، أن يتخيل الشخص ويستشعر حالة من السعادة وحسن الحال النفسي والجسدي، ويتعلم كيفية استدعاء هذه الحالة مستقبلاً في ثوانٍ قليلة عن طريق أداء إيماءة رمزية متفق عليها.. كما يمكن للشخص أن يقاوم الأرق، ويجعل نفسه ينام في المساء في ثوانٍ معدودة.
رغم انجذاب الكثيرين لفكرة العلاج بالتنويم الإيحائي، إلا أنها ليست حلاً سحرياً لكل شيء..
قد تكون فعالة لدى البعض في بداية الإقلاع عن عادة سلبية مثلاً، إلا أن استمرار تأثيرها موضع شك بين الباحثين.. كما يحذرون أيضاً من أن التنويم الإيحائي قد يؤدي لخطر زرع "ذكريات كاذبة" في الذهن.. لأن الإنسان في حالة التنويم يصبح قابلاً للإيحاء ولا يفرق بين الذكريات الحقيقية والمتخيلة.. وهو ما يعني خطورة استخدامها بهدف استرجاع الذكريات المنسية. لذلك لا ينبغي ممارستها إلا على يد متخصص يدرك حدود الفائدة المرجوة منها.
يعتبر العلاج بالتنويم المغناطيسي أحد علاجات الطب البديل. والتنويم المغناطيسي حالة شبيهة بالنوم تستخدم علمياً في علاج المرضى.
أظهر العلماء أن حالة التنويم المغناطيسي جزء طبيعي من السلوك الإنساني وأن لها تأثيراً في تجارب الإنسان النفسية والاجتماعية والبدنية. وقالوا إنه لا يمت التنويم المغناطيسي للسحر بأي صلة كما يعتقد بعض الناس، كما لا يملك المنوم قوة خارقة، إذ تتوقف تأثيرات التنويم على طواعية الشخص المنوَّم ودوافعه. ويؤدي أي تغيير في صفة انتباه الشخص، أو درجة تركيز انتباهه إلى تغييرات في تجربته الباطنية والخارجية. تقارن حالة التنويم بحلم النائم أو سيره وهو نائم. لكن في الواقع لا يمت التنويم المغناطيسي بصلة إلى النوم لأنه يتطلب تركيزاً ذهنياً أعمق وأنشط، ويستطيع الأشخاص المنوَّمون التكلم والكتابة والسير، وهم عادة على وعي تام بما يُقال وما يُفعل.
ولكن أريد أن أضيف ملحوظة هامة وهو أنه حديثاً تم التفريق بين التنويم المغناطيسي الطبي واعتباره ليس له علاقة بالتنويم المغناطيسي الذي له علاقة بالسحر، ولكن الشيء الذي يغفل عنه حتى المختصون هو أن مفهوم السحر قد يكون مختلفاً عن تصورهم له، فالسحر أنواع منه السحر العلمي أو سحر التخيل أو غيره، وبالتالي سنقول إن القدماء كانوا يمارسون هذا النوع العلمي من التنويم المغناطيسي أيضاً لأغراض معينة وبطرق مختلفة ويسموه سحراً أيضاً.
في الماضي اعتقد الناس أن بإمكان التنويم المغناطيسي حمل الأشخاص على ارتكاب أفعال إجرامية أو أعمال أخرى ضد إرادتهم. ولكن حديثاً تم إنكار ذلك.
يمكن عزو كثير من سوء الفهم الشائع عن التنويم المغناطيسي إلى الطريقة التي يؤدي بها أمام الجمهور، إذ يتعرف عليه كثير من الناس لأول مرة لدى مشاهدتهم لشريط سينمائي أو لعرض سحري. وكثيراً ما يجعل هذا العرض التنويم المغناطيسي، يبدو وكأنه تجربة سهلة الأداء مما قد يُغري من لم يتلقوا تدريباً كافياً بتجريب عملية التنويم على أنفسهم أو غيرهم.
هنالك عدة وسائل لتنويم شخص آخر، ربما كان أشهرها استخدام الأوامر المباشرة التي تنطوي على توجيه إيحاءات بسيطة تكرر باستمرار وبنفس نبرة الصوت. يطلب المنوم من الشخص الآخر تركيز انتباهه على شيء أو نقطة ثابتة، كبقعة، ثم يطلب منه أن يسترخي وأن يتنفس عميقاً ويدع جفنيه يثقلان ثم يغمضان.
ويستخدم كثير من المتخصصين وسائل لفظية وغير لفظية تدعى بالإيحاءات أو الاستقراءات غير المباشرة. وتهمل هذه الوسائل عادة تركيز الانتباه على شيء ما. يستمع الشخص إلى لغز عقلي أو قصة يرويها المنوم، دون أن يطلب من المريض الاسترخاء أو إغلاق عينيه. وإنما يوحي إليه بذلك بصورة غير مباشرة وهو يروي قصته، أو يعرض لغزه، لكن لا تتغير خطوات المعالجة بالتنويم.
يركز بعض المحترفين على ظاهرة تنويمية معينة في سياق علاج مرضاهم، مثل تمكين بعض الأشخاص المنومين من تذكرة تجارب منسية. إذ غالباً ما يلجأ الناس بعد معاناة تجربة مريعة أو مؤلمة إلى كبت ذكرى تلك التجربة، وذلك بطردها من أفكارهم الواعية. وفي بعض الأحيان تؤثر الذكريات المكبوتة في سلوكهم العادي. وقد ينجم عنها أشكال من العلل العقلية. مثلاً خلال الحرب العالمية الثانية أصيب الجنود أحياناً بفقدان الذاكرة بفعل بعض تجاربهم. وقد تمكن الأطباء باستخدام التنويم المغناطيسي من مساعدة مرضاهم على استرجاع ذكريات تجاربهم وتخفيف حدة التوترات العاطفية التي تراكمت على مر الزمن. وتمكن المرضى من استرجاع صحتهم. هناك ظاهرة تنويمية أخرى تنطوي على النكوص في العمر، أي الرجوع بالمنوم إلى سن مبكرة، وفيها يوصي الطبيب أو المعالج إلى المريض بأنه في سن معينة، عندها قد يتذكر المريض أو يعيش ثانية أحداثاً وقعت له في تلك السن. مثلاً إن أوصى المعالج إلى المريض بأنه الآن في سن السابعة من العمر. فقد يبدو المريض وكأنه يتكلم ويتصرف بل ويفكر كما لو كان في السابعة من عمره، وبهذه الوسيلة قد يتسنى للمرضى تذكر حوادث ومشاعر ربما كان لها بعض الصلة بحالتهم الراهنة، كما يتسنى للمريض إعطاء تفسير جديد لوضعه بفعل اكتسابه معلومات إضافية، وبُعد نظر، وازدياد قدرته على مجابهة المشاكل.
يعتقد المرضى أحياناً لدى تلقيهم أمراً من المنوم بأنهم يعيشون في حقبة ماضية أو قادمة، وقد يشعرون بأنهم عادوا إلى القرون الوسطى أو ذهبوا إلى القرن القادم. وربما فسر غير المدربين من المنومين مثل هذه التغيرات، بأنها دليل على تناسخ الأرواح عبر الزمن. لكن معظم المهنيين المتخصصين يعتبرون هذه التخيلات مجرد أضغاث أحلام لا صلة لها بالواقع ماضياً أو مستقبلاً.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا