(7)
"أزمة غير متوقعة "
خلال شهرين من سفر (راشد) مع والدية، أصبحت حالة والدته تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وأصبح رصيد الشركة يقارب على الانتهاء ونحن نوشك على دخول " أزمة مالية حقيقية "، فوالدته في غيبوبة وصوف الأموال مستمر، وذات يوم اتصل ني صباحاً أثناء دخولي للشركة، وقال ما أحزنني ولم أتوقعه أبداً، فقد قال بحزن:
- (لولوة) أنا بشأن والدتي كثيراً فالأطباء مستمرون بمحاولتهم السيطرة على حالتها ولكن دون جدوى، فهي تزداد سوءاً يوماً بعد يزم، ولا علاج لها إلى الآن، ولا نعلم ماذا سيحل بها!
- هدّئ من روعك وتنمى لها الخير وتفاءل ..
- حسناً، بعد دقائق سألتقي بطبيب بروفيسور قد أطلع على حالتها صباح اليوم، عله يطمئن قلبي ويبث فيه الأمل من جديد، سأتصل بك حالما أنتهي مقابلته.
- سأكون بانتظارك، إلى اللقاء.
"كنت أود أن أبلغه أن الشركة قد وشكت على الإفلاس الحقيقي، ولكن خشيت أن يضايقه الأمر ويظن أن كل ما يهمني هو الأموال ورصيد الشركة، فأجلت الأمر إلى أن يعود"
لم أستطع في ذاك اليوم أن أنهمك في العمل كعادتي، فقد أقلقني (راشد) كثيراً، ومرت أكثر من ساعتين، ولم يتصل إلى الآن!
انتهت فترة الدوام الرسمي ..
عدت إلى المنزل ..
أخذت قسطاً من الراحة ..
حلّ الليل ..
مر اليوم التالي إلى منتصفه ..
و(راشد) لم يتصل إلى الآن، لقد أقلقني كثيراً، رغبت بالاتصال به طوال هذين اليومين، ولم أفعل خشية أن أتسبب في إزعاجه، ولكنني لم أعد أتحمل الانتظار وقررت الاتصال به، وكان الجهاز مغلق، حاولت الاتصال طوال ثلاثة ساعات، ولكن دون جدوى!
وفى صباح اليوم الثالث، ركنت سيارتي في مقر الشركة لليوم الأخير "حسب توقعاتي"، فقد جئتُ لأبلغ الموظفين بإعلان الشركة لإفلاسها،- لأن (راشد) استنفذ الأموال كلها لعلاج والدته-، وأقوم بإنهاء خدماتهم وتُغلق الشركة حتى إشعار آخر، أو بالأصح حتى يعود ولكن ..!! المفاجأة كانت .. بأنه يركن سيارته بجانبي ..
اختلطت مشاعري ..
فرحة لعودته سالماً ..
وخوفاً من سماع خبر محزن منه يخص والدته ..
وكان الخوف في محله، وكعادته ظني لا يخيب أبداً، فقد طغت ملامح الحزن على وجهه، وتوقعت منه خبر شيء بشأن والدته، ولكن لم أتوقعه بهذا القدر من السوء الذي تلقيته، فقد قال(راشد) بدون مقدمات والدمعة توشك على السقوط من عينيه الحزينتين:
- توفيت والدتي يا(لولوة) ..!!
* كان الخبر صادماً ولم أعي ما سمعته، ولا أعلم كيف سأخبره بأمر الشركة وهو في هذه الحالة6*
وأكمل حديثه وهو يكاد يبكى، قائلاً:
- فعلت كل ما بوسعي لأنقذها، ولكنها فارقت الحياة، لم أتحمل الصدمة ولم أستطع البقاء هناك، تركت والدي معها لينهي أمور العودة إلى البلد ويعود مع جثمانها، لم أكن أعلم كيف سأنقل لك أمراً كهذا عبر الهاتف، لم أنس محادثتك بعد أن تلقيت الخبر، ولكنني فضلت العودة والتحدث معك وجها لوجه.
- حقاً إنه أمر محزن، فقد تمنيت لها الشفاء، ولكن هذا قضاء الله و... .
- الحمد لله واجب في كل الأحوال، لنذهب إلى مكتبي فلدي موضوع مهم أود مناقشته معك.
- نعم، ولكن أعرف كيف أخبرك بالأمر .. حقيقة .. إن ال ...
- لقد أقلقتني يا (لولوة} ما الأمر؟!
- حقيقة لا أعرف كيف أنقل لك الخبر، لا شركة بعد اليوم، فأنا هنا اليوم لأبلغ الموظفين بإعلان الشركة إفلاسها "رسمياً" فأنت قد استنفذت رصيد الشركة كاملاً أثناء علاج والدتك رحمها الله ..
- كيف حدث هذا؟ سامحيني أرجوك، حقيقة أنا خجل منك، فخسارة الشركة تعنى خسارتك لأنك تشاركينني في رأس المال.
- لا داعي للخجل، وليس هناك ما يستدعى اعتذارك، فلا أحد يلوم رجل أفنى ماله في سبيل علاج والدته، وأنا لست غاضبة منك أبداً، وكل ما كان يُربكني، هو كيف سأنقل لك هذا الخبر.
إذا سأكون أنا من ينقل الخبر للموظفين، فلن أدعك تتحملين مسؤولية أمر لم تجِنِه يداكِ.
واتجه لمكتبه مباشرة، وفي طريقنا اتصل بالسكرتير وقال له:
- أطلب من جميع الموظفين التواجد في قاعة الاجتماعات فوراً، وفى هذه الأثناء دخلنا مكتبه معاً ..
رأيت الحسرة والحزن في عينيه وكأنه خس الدنيا بما فيها، رأى على مكتبه المهام التي أسندت إليه أثناء فترة غيابه لشهرين متتالين وتوقعت منه أن يرمي بغضب جميع الأوراق الكثيرة المكدسة ولكنه حافظ على هدوءه!! حقيقة لا لأفهم ما يدور في عقله ..؟!
في هذه الأثناء دخل السكرتير قائلاً:
- أستاذ (راشد) الجميع متواجد في قاعة الاجتماعات بانتظارك.
- ممتاز أنا قادم الآن ..
وطلب مني أن أسبقه إلى القاعة.
في الناحية الأخرى كان (راشد) يفكر في المكتب ويدور في رأسه الحديث التالي:
لا أعلم كيف سأجبر(لولوة) بأنني أود أن أتقدم للزواج منها وهى تراني الآن رجل فاشل، لم أستطع التحكم برصيد الشركة وأهدرت، بل استنفذت الرصيد كاملاً، دون مراعاة لمالها الذي تشاركني به، يجب أن أنقذ الموقف وأثبت لها حكمتي وقدرتي على السيطرة في مثل هذه المواقف لتقبل بى كشريك لحياتها.
واتجه لقاعة الاجتماعات، رحب بالجميع، وأبلغهم بقراره قائلاً:
- كان من المفترض أن تُبلغكم (الأستاذة لولوة) في هذا الاجتماع، إن اليوم الأخير لكم في الشركة بسبب خسارتها كما تعلمون، ولكن هذا لن يحدث، فاليوم سيكون ميلاد الشركة من جديد، هذه الشركة لن تُغلق، ولن أسمح لظروف كهذه أن تُنهي ما بنيته بنفسي بمساعدة (لولوة} ستعودون إلى مكاتبكم حالاً وتستأنفون العمل ..
"لم أتوقع هذا التصرف الشجاع منه والمخاطرة باستمرار شركة خاسرة".
قطع تفكيري قائلاً:
- وسنستمر بصرف رواتبكم ولكن بانخفاض بنسبة 20% بشكل مؤقت، إلى أن تنهض الشركة من جديد، ومن ثم سيتم تعويضكم.
قال أحد الموظفين:
- المعذرة يا أستاذ (راشد) لن أقبل بهذا الانخفاض بالراتب، سأستقبل من العمل.
- لا داعي لاعتذارك، من يرغب بالرحيل فليرحل، ومن لا يود أن يتخلى عن الشركة التي ساهم في رفعتها وعُلوها منذ بدايتها، فيمكنه الاستمرار بالعمل، القرار لكم، وسنستمر بالعمل، يمكنكم الانصراف مشكورين.
وأنصرف الجميع فعلاً، وبقينا أنا و(راشد} طلب مني البقاء في القاعة وطلب قهوة لي وله، وبادرته بالحديث قائلة:
- لم أتوقع هذا التصرف الشجاع منك، إنك تتحلى بحكمة عظيمة، كيف ستدفع رواتب الموظفين؟
- فكرت جاهداً بكيفية استمرار الشركة بأي طريقة وبأي حال، أما عن الرواتب لدي مبلغ بسيط في حسابي الذي أدخر فيه الأموال منذ زمن طويل، سأدفع منه رواتب الموظفين لنحاول جاهدين في إعلاء اسم الشركة مرة أخرى.
- ستدفع الرواتب من مالك الخاص؟
- نعم، يجب علينا أن نعمل بجهد على استعادة رأس المال الذي تشاركين به، لا ذنب لك في أن تخسري أموالك، وبعدها سأحدثك بالموضوع المهم الذي سبق وتحدث معك عنه، فأنا لم أنس الأمر، ولكنك تعلمين جيّداً الظروف التي مررت بها.
- سيكون كل شيء بخير، لا تكن قلق.
- حسناً، يمكنك الانصراف الآن واستئناف العمل، وابدأي باستقبال جميع المواعيد من جديد، سأودع مبلغ بسيط في رصيد الشركة يكفي للأيام القادمة.
شكرته وانصرفت ..
دخلت مكتبي الجميل بسعادة تغمرني، فقد كنت يائسة بعد ظني بأن الشركة ستُغلق، وإنني قد لا أرى هذا الكتب الجميل مرة أخرى، ولكن (راشد) أنقذ الموقف وسيطر عليه، بحكمتهِ وشجاعتهِ.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا