كرامات أولياء الله

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-07-21

كرامات أولياء الله الصالحين بين الحقيقة ومبالغات الصوفية 

الكرامات، هي ظواهر خارقة للعادة، تنسب إلى أشخاص عرف عنهم التقوى والصلاح واتباع الأوامر وترك النواهي والتقرب من الخالق في العديد من الديانات.

الكرامات حسب الديانة الإسلامية هي "أمر خارق للعادة يظهره الله على يد عبد صالح غير مدع للرسالة".

والكرامات، عند المسلمين الصوفية، تشير إلى مقدرات خارقة للعادة يُزعم أن الأولياء يُمكنهم القيام بها بمنحة من الله. يعتبر الصوفيون القدرة على القيام بها دليل على فضل القائم بها لكنها لا تدل على نبوته إذ إن محمداً صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء. وتعارض بعض الطوائف الإسلامية هذا التفسير، معتبرينها دخيلة على الإسلام.

قول أهل السنة والجماعة في الكرامات:

كرامات الأولياء ثابتة عند أهل السنة والجماعة، من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بكرامات الأولياء، وأنها حق، وهي خوارق العادات التي يخلقها الله لبعض أوليائه، إما لحاجةٍ به، أو لإقامة الحجة على العدو، على أعداء الله، لنصر الدين، وإقامة أمر الله، فتكون لأولياء الله المؤمنين، تارةً لحاجتهم، كأن يسهل الله له طعاماً عند جوعه، أو شراباً عند ظمأه، لا يدري من أين أتى، أو في محلٍ بعيد عن الطعام والشراب، أو نحو ذلك، أو بركةٍ في طعام، تكون واضحة، أو غير ذلك من الخوارق للعادات، والميزان في ذلك أن يكون مستقيماً على الكتاب والسنة. 

أما إذا كان منحرفاً عن الشريعة؛ فليست كرامة، ولكنها من خوارق الشياطين، ومن فتنة الشياطين، وإنما تكون الكرامة لأولياء الله المؤمنين، الذين عرفوا بالاستقامة على دين الله، واتباع شريعته، فما خرق الله لهم من العادات تسمى كرامة، ومن ذلك قصة ما جرى للصديق في الطعام الذي قدمه لأضيافه، فصاروا كلما أخذوا لقمة؛ ربا من تحتها ما هو أكثر منها، حتى فرغوا من الأكل، وبقي الطعام أكثر مما كان، وهذا من آيات الله.

ومن ذلك ما جرى لعباد بن بشر، وأسيد بن حضير، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لما خرجا من عنده في ليلةٍ ظلماء، أضاءت لهما أسواطهما في الظلمة، فلما انصرف كل واحد إلى بيته؛ أضاء له سوطه حتى وصل إلى بيته، فهذا من كرامات الله لأوليائه، وهكذا ما أشبه ذلك مما يقع لأولياء الله.

فإن إثبات الكرامات للأولياء مما اتفق عليه أهل السنة والجماعة، قال شيخ الإسلام رحمه الله في الواسطية: ومن أصول أهل السُّنة: التصديق بكرامات الأولياء وما يُجري الله على أيديهم من خوارق العادات، في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات، وكالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة، وهي موجودةٌ فيها إلى يوم القيامة.

وأما عن الفرق بينها وبين خوارق المشعوذين والسحرة: فإن الكرامة إنما تكون رحمة للخلق ونصرة للحق، وصاحبها يكون معروفاً بالاستقامة على الشرع وحفظ حدوده، وأما من خرقت له العادة وليس على هذا الوصف فليس فعله من باب الكرامة ولا كرامة، وقد ذكر ابن كثير في تفسيره عن الليث بن سعد والشافعي - رحمهما الله - قولهما: إذا رأيتم الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء، فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة.

وقال أبو اليزيد البسطامي: لله خلق كثير يمشون على الماء ولا قيمة لهم عند الله، ولو نظرتم إلى من أعطي من الكرامات حتى يطير، فلا تغتروا به حتى تروا كيف هو عند الأمر والنهي وحفظ الحدود. ذكره الذهبي في السير. 

وفي كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فإنه مهم جداً في بابه فقد قال فيه: الإيمان والتقوى سبب كرامات الأنبياء، وأيضاً كرامات الأولياء لا بد أن يكون سببها الإيمان والتقوى، فما كان سببه الكفر والفسوق والعصيان، فهو من خوارق أعداء الله، لا من كرامات أولياء الله، فمن كانت خوارقه لا تحصل بالصلاة، والقراءة والذكر وقيام الليل والدعاء، وإنما تحصل عند الشرك، مثل دعاء الميت، والغائب، أو بالفسق والعصيان وأكل المحرمات، كالحيات، والزنابير، والخنافس، والدم، وغيره من النجاسات، ومثل الغناء، والرقص، لا سيما مع النسوة الأجانب والمردان، وحالة خوارقه تنقص عند سماع القرآن، وتقوى عند سماع مزامير الشيطان فيرقص ليلاً طويلاً، فإذا جاءت الصلاة صلى قاعداً، أو ينقر الصلاة نقر الديك، وهو يبغض سماع القرآن، وينفر عنه ويتكلفه ليس له فيه محبة ولا ذوق ولا لذة عند وجده، ويحب سماع المكاء والتصدية ويجد عنده مواجيد، فهذه أحوال شيطانية، وهو ممن يتناوله، قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36] فالقرآن هو ذكر الرحمن، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124 - 126] يعني تركت العمل بها، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: تكفل الله لمن قرأ كتابه وعمل بما فيه، أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة. 

وأما عن التصديق: فإن من حدث عن شيء وكان معروفاً بالتقوى والصدق فالأصل حمل خبره على الصدق، وقد يصدق المشعوذ أحياناً فيخبر بما يوافق الحق ويكون ذلك مما يخطفه الجن من خبر السماء، ولكن ذلك لا يبيح تصديقه ولا سؤاله ولا إتيانه، إذ لا ندري لعل خبره الذي حدث به من أكاذيبه وأكاذيب أعوانه من الشياطين، ولا يعد ذلك كرامة له ما دام معروفاً بالفسق، ففي الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس عن الكهان؟ فقال: "ليس بشيء"، فقالوا: يا رسول الله؛ إنهم يحدثوننا أحياناً بشيء فيكون حقاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة". متفق عليه.

أما الكرامات عند المسلمين الصوفية، تشير إلى مقدرات خارقة للعادة يقوم بها بعض الأولياء بمنحة من الله. ومن الكرامات التي قد يقوم بها الأولياء، استكشاف المستقبل، وتفسير أسرار القلب والمشي على الماء، وتحويل التراب إلى خبز وشفي البرص والأكمة. ويعتبر الصوفيون القدرة على القيام بها هي دليل على فضل القائم بها لكنها لا تدل على نبوته إذ إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء. ويعارض معظم مسلمي العصر المتأخرين، مثل السلفيين هذه الأفكار معتبرينها دخيلة على الإسلام.

تاريخياً، يعتبر السنة أن القيام بالكرامات من متطلبات الاعتراف بالولي المسلم وخاصة عند علماء العصر الإسلامي الذهبي (من 700م - 1400م) الذين اعتبروا أن الكرامات منح إلهية لكن القدرة على القيام بالكرامات ليس بالضرورة إشارة إلى النبوة. ويشير هؤلاء العلماء عن ذكر القرآن لأناس يقومون بالكرامات مع أنهم ليسوا أنبياء مثل الخضر (الكهف 18 - 82) وحواريي المسيح (سورة المائدة 111 - 115) وأصحاب الكهف (الكهف 7 - 26). وهناك العديد من الإشارات في الأدب الحديثي عند المسلمين المبكرين الذين تحدثوا عن أشخاص قاموا بكرامات مثل جريج حتى إن العالم الحنبلي، ابن تيمية (توفي 1328م), الذي عارض فكرة كرامات الأموات، قال إن معجزات الأولياء هي مقبولة عند جماعة المؤرخين المسلمين إذ ذكرت في الأحاديث والقرآن.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "كرامات الأولياء حق باتفاق أئمة أهل الإسلام والسنة والجماعة، وقد دل عليها القرآن في غير موضع، والأحاديث الصحيحة والآثار المتواترة عن الصحابة والتابعين وغيرهم، وإنما أنكرها أهل البدع من المعتزلة والجهمية ومن تابعهم، لكن كثيراً ممن يدعيها أو تدعى له يكون كذاباً أو ملبوساً عليه" - انتهى من "مختصر الفتاوى المصرية". 

فحصول الكرامات لصلحاء هذه الأمة من علمائها وعبادها وزهادها فشيء كثير جداً، وننبه على أن كثيراً مما يحكى في هذا الباب لا يصح، فينبغي التثبت مما يروى في هذا الباب قبل الاعتداد به، والتعويل عليه:

عن قيس بن أبي حازمٍ، قال: شهدتُ خالد بن الوليد - رضي الله عنه - بالحيرة أُتي بِسُمٍ، فقال: ما هذا؟ قالوا: سُمُّ ساعةٍ قال: "بسم الله" ثم ازدرده - يعني ابتلعه ولم يصبه سوء -". "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"، "البداية والنهاية".

وعن ثابتٍ البُناني قال: كُنت مع أنسٍ فجاء قهرمانه فقال: يا أبا حمزة قد عَطِشت أرضنا، قال: فقام أنسٌ فتوضأ وخرج إلى البرية فصلى ركعتين ثم دعا، فرأيت السحاب يلتئم، قال: ثُمَّ مطرت حتى ملأت كل شيءٍ، فلما سكن المطر بعث أنسٌ بعض أهله فقال: "انظُر أين بلغت السماء؟ فنظر فلم تعد أرضه إلا يسيراً". انتهى من "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: (7أ 11), "البداية والنهاية".

أما بالنسبة للكرامات الصوفية فهم أحياناً يذكرون قصصاً كثيرة خيالية وغير حقيقية، وهذا ما يجعل كثيراً من الحنابلة السلفية ضدهم، ليس بسبب إنكارهم للكرامات نفسها، بل بسبب ادعاء الصوفية المبالغات لهذه الكرامات ونسبها إلى كثير من الأشخاص العاديين بقصص لم تحدث. فعلى سبيل المثال: يقول عبد الكريم القشيري: إن أبي الحسين النوري أخرج سمكة بوزن ثلاثة أرطال من بين زورقين بعد أن أمرها بالخروج. وأن يحيى بن سعيد كان يطير في الهواء ليتطهر بقول "لا حول ولا قوة إلا بالله" وأن أبو اليعقوب السوسي تكلم مع الموتى. كما ذكر العديد من الكرامات الأخرى مثل طي الأرض، الاطلاع على كوائن كانت وكوائن بعد لم تكن، وإتيان ثمرة في غير موسمها!!

والخوارق إما أن تكون من جهة العلم بأن يسمع النبي ما لا يسمع غيره أو يرى ما لا يراه غيره يقظة ومناماً أو يعلم ما لا يعلم غيره حياً وإلهاماً أو فراسة صادقة لعبد صالح، وإما أن تكون من باب القدرة والتأثير مثل دعوة مستجابة أو تكثير الطعام وعدم إحراق النار، وقد حصل للصحابة - رضوان الله عليهم - كرامات من هذا النوع وكانت إما لحاجة أو حجة في الدين، كما أكرم الله - سبحانه - أم أيمن عندما هاجرت وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش وكانت صائمة، فلما كان وقت الفطر سمعت حساً على رأسها فإذا دلو معلق فشربت منه، وكان البراء بن مالك إذا أقسم على الله أبرَّ قسمه، وكان سعد بن أبي وقاص مستجاب الدعوة، ومشى أمير الجيوش الإسلامية في البحرين العلاء بن الحضرمي وجنوده فوق الماء لما اعترضهم البحر ولم يكن معهم سفن تحملهم وأُلقي أبو مسلم الخولاني في النار فلم تحرقه.

هذه حوادث صحيحة وقعت للصحابة - رضوان الله عليهم -، وأكثر منها وقع في عصر ما بعد التابعين. فأهل السنة لا ينكرون الكرامات كما ينكرها المبتدعة، وهم يعلمون أن الله الذي وضع الأسباب ومسبباتها قادر على خرق هذه السنن لعبد من عباده، ولكن الصوفية جعلوا مجرد وقوعها دليلاً على فضل صاحبها حتى ولو وقعت من فاجر قالوا هذه كرامة لشيخ الطريقة

ولذلك لا بد من ملاحظات وتحفظات حول هذا الموضوع:

أولاً: هذه الخوارق كانت تقع للصحابة دون تكلف منهم أو تطلب لها أو رياضات روحية يستجلبون بها هذه الخوارق، بل تقع إكراماً من الله لهم أو دعاء يرون فيه مصلحة دينية إما لحجة أو لحاجة للمسلمين كما كانت معجزات نبيهم صلى الله عليه وسلم، أما المتأخرون فيطلبونها ويتكلفون لها الرياضات الروحية وربما أفسد جسمه ونفسيته بسبب هذا مع أن "طلب الكرامات ليس عليه دليل، بل الدليل خلاف ذلك فإنما غيب عن الإنسان ولا هو من التكاليف لا يطالب به" وهذا من التأثير بالفلاسفة حيث يقررون رياضات معينة للوصول إلى هذه الخوارق.

ثانياً: إن كرامات أولياء الله لا بد أن يكون سببها الإيمان والتقوى والولي لله هو المحافظ على الفرائض والسنن والنوافل، عالماً بأمر الله عاملاً بما يعلم فمن صفت عقيدته وصح عمله كان ولياً لله يستحق إكرام الله له إن شاء، فهذا إذا خرقت له العادة لا تضر ولا يغتر بذلك ولا تصيبه رعونة، وقد لا تحصل لمن هو أفضل منه فليست هي بحد ذاتها دليلاً على الأفضلية، فالصديق - رضي الله عنه - لم يحتج إليها، وحصلت لغيره من الصحابة، كما أنه ليس كل من خرقت له العادة يكون ولياً لله كما أنه ليس كل من حصل له نِعَمٌ دنيوية تعد كرامة له، بل قد تخرق العادة لمن يكون تاركاً للفرائض مباشراً للفواحش فهذه لا تعدو أن تكون إما مساعدة من شياطين الجن ليضلوا الناس عن سبيل الله، أو استدراج من الله ومكر به أو رياضة مثل الرياضات التي يمارسها الهنود والبوذيون الكفرة ثم يضربون أنفسهم بآلات حادة ولا تؤثر فيهم أو يتركون الطعام أياماً عديدة إلى غير ذلك ويظن الفسقة أن هذه كرامة لهم.

ثالثاً: هناك سؤال مهم في هذا الصدد وهو لماذا كانت هذه الحوادث من خرق العادات قليلة في زمن الصحابة والتابعين ثم كثرت بعدئذ؟ 

يجيب ابن تيمية: إنها بحسب حاجة الرجل فإذا احتاج إليها ضعيف الإيمان أو المحتاج أتاه فيها ما يقوي إيمانه ويكون من هو أكمل ولاية منه مستغنياً عن ذلك لعلو درجته، كما أن عدم وجودها لا يضر المسلم ولا ينقص ذلك في مرتبته والصحابة مع علو مرتبتهم جاءتهم هذه الخوارق إكراماً لهم أو لحاجة في الدين، وكثرتها في المتأخرين دليل على ما قاله ابن تيمية أو لتطلبهم إياها بالرياضة الروحية. 

رابعاً: إن معجزة هذا الدين الكبرى هو القرآن الكريم الذي أنزله الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وعندما طلب منه صلى الله عليه وسلم معجزات مادية ذكر القرآن الكريم هذا الطلب، قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: 90 - 93].

كما أمر صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من دعوى الغنى والقدرة وعلم الغيب إلا ما علمه الله - سبحانه وتعالى -: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى} [الأنعام: 50`، ولذلك كانت حياته وسيرته تجري كبقية عادات البشر ومألوفاتهم مع ما أعطي من شرف المنزلة، وعندما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لم يطر في الهواء ولم تطو له الأرض وإنما سار كما يسير أي راكب ويقطع المسافة في تسعة أيام، لماذا؟ لأن هذا هو الأصل، الأصل أن يسير الناس على السنن الكونية التي أودعها الله في الخلق، ولكن كثرة الناس يؤذيها أن يكون الكون سائراً على قانون محكم ويسعدها أن يكون هذا القانون بيد المجاذيب والدراويش يتصرفون به. 

وتبقى الحقيقة أن الاستقامة على طريق الهدى، طريق السنة والاتباع، طريق الصحابة ومن تبعهم بإحسان، هذه الاستقامة هي عين الكرامة، فإن حصل بعدئذ خرق العادة إكراماً من الله - سبحانه وتعالى - لمؤمن صادق فهذه يجب أن يخفيها ولا يذيعها ويشكر الله - سبحانه - على ما منّ به عليه. 

وأحياناً تتلاعب الشياطين ببعض الناس: وقد يظن هؤلاء أن ذلك وحي من الله عليهم كما حصل لكثير من الذين قلت معرفتهم بالله كالمختار بن أبي عبيد الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كذاب ثقيف وغيره ممن استهوتهم الشياطين. 

ومنها: أن الشياطين قد تتمثل بصورة المستغاث به من الناس فيظن المشرك بالله أن هذه الصورة هي الشيخ الفلاني أو الولي الفلاني، أو أن ملكاً جاء على صورته، وإنما هو في الحقيقة شيطان تمثل له ليضله. 

ومنها: أن تخاطب الشياطين بعض العبَّاد الجهال، ويوهمونه أنه المهدي المنتظر وصاحب الزمان الذي بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم، ويغرونه بزخرف القول وشتى الوساوس حتى يصدق نفسه فيدعي المهدية وغير ذلك. 

بل يبلغ الحال ببعضهم أن يرى الكعبة تطوف به، ويرى عرشاً عظيماً وعليه صورة عظيمة وأنواراً وأشخاصاً تصعد وتنزل فيظنها الملائكة بين يدي الله - تعالى - وأن الله كشف له النظر إليه. 

وهذا يتطلب من المؤمن العاقل التنبه لمثل المكائد الشيطانية بلجوئه إلى الله والاهتداء بهديه، وسوء الظن بنفسه الأمارة بالسوء، وأن ينظر إلى نفسه من باب الذل والاحتقار والحاجة إلى ربه، ويزن أعماله بامتثاله أوامر الله واجتنابه نواهيه، فيحكم على نفسه عند ذلك بالتقصير أو القرب من الله - تعالى -. ويكبح جماح نفسه الأمارة بالسوء، وأن لا يصدق ما يتراءى له من كرامات تنافي الإسلام، مثل أنواع الكرامات التي تبجح بها بعض غلاة الصوفية لأنفسهم كما ذكرها المناوي، وهي: إحياء الموتى. وقد مثل بأبي عبيد اليسري الذي أحيا دابته بعد ما ماتت، ومفرج الدماميني الذي أحيا الفراخ المشوية، والكيلاني وأبو يوسف الدهماني الذي أحيا لتلميذه ولده بعد ما مات.

ومن الكرامات التي يزعمونها أن الأولياء من الصوفية لهم القدرة على المشي على الماء وكلام البهائم وطي الأرض وظهور الشيء في غير موضعه والمشي على السحاب وتحويل التراب إلى خبز وإبراء الأكمه والأبرص. 

ويذكر علي حرازم منهم أن الولي يملك كلمة التكوين فإذا أراد شيئاً فإنه يقول له كن فيكون. وقد ذكر أمثلة كثيرة في كتابه (جواهر المعاني) لمثل هذا الخلط والكذب على الله وعلى الناس.

ومن المعجزات والكرامات التي يملكها الأولياء من الصوفية - حسب زعمهم - سماع نطق الجمادات، كما يزعم ابن عربي الذي ملأ كتبه بأنواع حول تلك المعجزات والكرامات الصوفية. 

ضمانة الجنة لمن أطعم صوفياً أو قضى له حاجة؛ كما ضمن ذلك التيجاني لكل من أحبه أو أطعمه أو أحسن إليه بأي شيء كما يذكر التيجانيون في كتبهم افتخاراً بكرامات سيدهم التي منها هذه الكرامة التي أكدها علي حرازم والفوتي نقلاً عن التيجاني.

وكل تلك الكرامات أشبه ما تكون بأحلام الصبيان أو صراعات المجانين، وتكذيبها والسخرية بها لا تحتاج إلى ضياع الوقت في الاشتغال بالردود عليها وبيان سخافتها ودجل من يدعيها ممن تجرؤوا على الكذب على الله وعلى الناس وضللوا أتباعهم وأخرجوهم عن الإسلام من حيث لا يشعر أولئك الأتباع.

وفيما يلي نذكر بعض الأمثلة من كلام أقطاب التصوف في الكرامات التي يزعمونها لأنفسهم أو لأوليائهم لترى مدى بعد تلك العقول عن الحق والأفكار الرديئة التي انطوت عليها الزعامات الصوفية.

وكما أنه هناك صوفية غلاة، يغالون في كلامهم، هناك أيضاً صوفيين ليسوا غلاة.

يقول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله -: (إن الحق - سبحانه وتعالى - يعطي أشياء لبعض خواص خلقه لأن الحق حينما يستوفي القدر المطلوب منا جميعاً وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر) فهنالك بعض الناس يأخذ المنهج ويزيد ويقول لقد فرض الله خمس صلوات وهو يستحق أكثر من ذلك، فرض عليَّ زكاة هي ربع العشر من مالي وهو يستحق مالي كله، وهذا يلزم هذا العبد نفسه بالنوافل وعمل البر في كل حال من أحواله ولا يمكن أن يسوي المولى - عز وجل - بين هذا وبين من اقتصر على الفريضة وحدها لأن الإنسان إذا دخل في مقام الود مع إنسان آخر فإنه يفيض عليه هذا الإنسان البشر من خصوصياته فما بالك في علاقة العبد بربه الكريم.

فالذي أصفى لله الود سيعطيه الله منه خصوصياته، هذه الخصوصيات لا بد أن تكون خارقة للقانون العام، ولكن لا يعطي إعطاءً مطلقاً بمعنى فعل كل شيء بل يفيض متى شاء بما شاء ويمنع متى شاء وقد أشار الله - عز وجل - إلى ذلك إشارة خفيفة في قوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام: 59] أي يفتح هو ثم يعطيك ما أراد ثم يغلق هو... لا يعطيك المفتاح أبداً... المفاتيح يحتفظ بها عنده وذلك لئلا يدعي أحد أنه يعلم الغيب وإذا كان كل شيء يلجأ إلى الله فيجب ألا ينسى الإنسان أنه عبد لئلا يغير بنفسه. 

وساعة أن يتذكر الإنسان أنه عبد لله وأن الطاعة والخضوع أمر واجب لله فإن أموره كلها ستسير سيراً حسناً أما إذا اعتبر نفسه غير ذلك ولاحظ خضوع الناس له فإن الله سيصيبه بالضعف والحاجة ونحن نلاحظ ذلك في أنفسنا، وبالنسبة لأولياء الله يعطيهم الله من الكرامات بقدر ما تستديم حاجتهم إليه دائماً لئلا يفتنوا، ويقول الله - تعالى -: {إِّنَ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] هذا ما اختص الله به وحده ولا يطلع عليه أحد إلا بإذنه وليس له مقدمات يمكن للذكي أن يستخدمها ليعلمها وبقية الغيوب لها مقدمات.

وخطأ الناس في الفهم جعلهم يتهجمون على القرآن الكريم ويقولون كيف اختص الله - تعالى - بعلمه ما في الأرحام والطب الحديث الآن يحدد نوع المولود هل هو ذكر أو أنثى في الأسابيع الأولى من الحمل نقول لهم وكيف حددتم معنى ما في الأرحام بأنه الذكر أو الأنثى فقط هل العلم حدد ذلك الذي في الأرحام هل هو طويل أم قصير، أسمر أم أبيض، شقي أم سعيد، ذكي أم غبي صالح أم طالح ما الذي جعلك تحدد معنى ما في الأرحام هكذا؟ أي أن يعلم ما في الأرحام لا يعني نوع الجنس فقط ولكن كل ما يختص ما في الأرحام من أمور أخرى أكثر أهمية. 

ونعود لكرامات الأولياء ونقول إن المولى - عز وجل - قال في الحديث القدسي: (ما تقرب إليَّ عبدي بمثل ما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به... إلخ). 

فإذا قال رجل لك إني سمعت رجلاً في الإسكندرية يناديني وأنا في القاهرة فلا يصح أن يقول سمعت بل يجب أن يقول (أُسمِعتُ بضم الهمزة وكسر الميم) أما السمع الذاتي فهذا مستحيل لأنه إذا كان الله سمعه فالله يتحكم في قانون الصوت ويسمعه، وكذلك حال الذي يرى من على بعد خارق فالمولى - عز وجل - قال: (كنت عينه التي يبصر بها) أي أن الله يتحكم في قانون الضوء فيجعل عبده يرى على البعد، وكذلك حال القوى الخارقة لليد والرجل، (كنت يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها) وهكذا وهو تفسير ديني للظواهر البشرية الخارقة. 

فيكون العبد الصالح لأو الولي هذا مأمون على قانون القدرة لا قانون الذات والله - تعالى - يريد منا في مسألة الخوارق أن نؤمن بها وبإمكانيتها أي نؤمن بأنها ممكنة ويصح أن تحدث ما دامت المسألة موكلة إلى القدرة الإلهية فإيمانك لا بد أن يتسع لها وبعد ذلك تأتي مسألة تحقق الوقوع وفي هذا لا حجة من أحد على أحد من رأى فهو حجة على نفسه وإذا أخبر بها فصدقها من عدمه يكون على قدر الثقة في قائلها، والمقصود من الخوارق البشرية تثبيت إيمان ويقين من يراها لا كل الناس، هي مصنوعة لإيمان واحد أو اثنين أو أكثر لعل الله يقوِّم بها عقيدة زائغة.

فالكرامة حجة على من رآها فقط وعلينا أن نستقبل كرامات من أفاض الله عليهم فإذا حدثك أحد عن كرامة أحد وأنت استقرأتها بالنسبة للقوانين هل هو صادق أو كاذب فليس هذا هو المطلوب منك، فليس مطلوب منك أن تصدقه وتؤمن بما قال ولا أن تكذبه لأنها ليست مصنوعة لك، المصنوع لك هو الكرامة التي تراها بعينك أنت لتعطي لك طاقة من الإيمان.

إذن فالكرامة والخوارق على هذا القدر وبعض الناس يستقبلها بالاستهزاء وبعضهم يستقبلونها بالتفريط، وهو الذي حدثت له والذي رآها بعينه أما أنت يا من لم تر بعينك فأنت حر في أن تصدق أو تكذب لأنك خارج عن هذا النظام. (كان هذا الكلام الأخير هو رأي فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي في مسألة كرامات الأولياء).

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا