مجزرة عائلية للكاتبة ميعاد راشد

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-07-20

مجزرة عائلية 

هناك دماء على الباب!..

صرخ أحد المتصلين على هاتف شريف المنطقة في ولاية إبداهو الأمريكية. كان ذلك في يوم الاثنين الذي بدا وكأنه كان يوما عاديا حتى تسلم الشريف تلك المكالمة. كان المتصل أحد سكان الحي الذي كان يتمشى فيه عندما لاحظ بقع دماء على الباب الأمامي لمنزل أحد العوائل. علم الرجل أن هناك شيئاً ليس على ما يرام فلم يتورع عن الاتصال من فوره بالطوارئ. فانطلق الشريف من فوره نحو العنوان الذي زوده به المتصل.

ذلك المنزل تملكه امرأة تدعى "بريندا غروني" تبلغ من العمر أربعين عاما، تعيش برفقة صديقها "مارك ماكنزي" ذي السبعة والثلاثين عاما، وأطفالها الثلاثة سليد ذو الثلاثة عشر عاما، وديلان ذو التسعة أعوام، وأخيراً شاستا ذات الثمانية أعوام.

كان الشريف يعرف ذلك المنزل جيدا، فقد كان دوما ما يبهج قلب شاستا بإعطائها ملصقات الدورية.. ولطالما كان يشبع فضول الأطفال بالسماح لهم برؤية سيارة الدورية الخاصة به من الداخل. ولكن لحظة وصوله في ذلك اليوم ورؤيته لذلك الباب علم أن هنالك أمراً خطأ قد حدث.

لقد كان هناك سكون مروع وغريب يعم المكان على غير العادة، وبينما كنت أمشي نحو الباب رأيت بقع الدماء عليه. كانت رائحة المكان والآثار.. ثم استطرد الشريف قائلا: لو كنت تعمل في القانون مدة كافية، لعلمت أن تلك كان رائحة الموت.

تجول الشريف حول المكان وحينما وصل إلى الفناء الخلفي للمنزل رأى الباب الخلفي وقد كان مفتوحا جزئياً وملطخا بالدماء عندها.. اتصل من فوره لطلب المساعدة من وحدات الدورية الأخرى.

وحين وصلت المساعدة، دخلت الشرطة المنزل مصوبين أسلحتهم استعداداً لأي هجوم مفاجئ. لا صوت.. هدوء تام داخل المنزل. لولا بقع الدم التي كانت هنا وهناك لقلت إن المكان كان يعم بسلام. حين التفتت نحو الركنية. كان هناك جسد ملقي يبدو وكأنه شاب مقيد ورأسه مطأطئ نحو الأسفل، قريب منه.. كان هناك جسد امرأة على حال الرجل نفسه كانت مقيدة ورأسها نحو الأرض. كان يبدو وكأن رأسيهما قد شوها! هذا ما قاله الشريف.

اقترب أحد رجال الشرطة من جسد الرجل، ذلك المسكين.. تم ضربه بقوة بالغة على رأسه حتى كادت تختفي ملامحه. لم يكن هناك جسدان فقط، بل ثالث أيضاً وهو جسد سليد الذي قتل تماما مثل بريندا ومارك. كلهم قتلوا نتيجة الضرب المبرح على الرأس بقع الدم كانت في جميع أرجاء المنزل.

غرفة ديلان وشاستا كانت أيضاً تحتوي على بقع دم من دون أدنى أثر للطفلين.

ليس الصغار، ليس الصغار. هذا ما كان يردده الشريف وهو يتخيل ما قد يكون حدث لشاستا وأخيها. لا أثر لهما، تساءل رجال الشرطة عم إذا قد واجه الصغار المصير لعائلتهما أم لا. لا أثر.. فقد بحثوا في أنحاء المنزل وفنائه. واعتقدت الشرطة على أمل أن الصغيرين استطاعا بطريقة ما أن ينجوا بجلدهما ويهربا نحو الأدغال القريبة من المنزل.

ديلان! شاستا!

صرخ رجال الشرطة في الغابة. ولكن لا إجابة.

للأيام القادمة، أحاطت الشرطة المنطقة بأكملها بحثا عن الصغار ولكن لا فائدة. الباب الأول الذي طرقه المحققون كان منزل والد الطفلين ستيفن غروين الذي كان قد نفصل عن والدتهما قبل ذلك بكثير. الأب المسكين، فقد أحد أبنائه واثنان منهم مفقودان. كان جليا أن ستيفن لم يكن له يد في موضوع اختفاء الصغار ولا في مقتل العائلة، فصرفت الشرطة النظر عنه مقدمين تعازيهم الحارة له.

قامت الشرطة بخطوة موفقة وهي نشر صورة كل من شاستا وديلان على الملأ! على التلفاز.. وملصقات الجدران وفي المحال التجارية. وفي لحظات لم يسبق لها مثيل، تعاون المحليون مع الشرطة في البحث عن الصغار في المناطق المجاورة في هذه الأثناء التي كان فيه مسرح الجريمة قيد التحليل.

القاتل.. أو قد يكون أكثر من شخص، كان حذراً جداً فيما يتعلق بالأثر، فلم يترك خلفه أدنى تلميح قد يدل عليه أو على مكان وجود الصغار.

في جريمة قتل اعتيادية، تعثر على بصمات.. ملابس ملطخة بالدماء، أو على شاهد معين.. ولكن في هذه القضية لم يكن أي من هؤلاء موجوداً. فأفضل شي يمكننا فعله الآن هو أخذ ملومات على قدر المستطاع حول الضحايا قد تقودنا إلى المجرم.. هذا ما قاله أحد المحققين الذي كان يعمل في القضية.

خلال أيام قليلة اشتبهت الشرطة بغير شخص، من بينهم ابنا ستيفن غروني الكبير اللذان كان لديهما سجل إجرامي، لكن مع التحقيقات واختبارات كشف الكذب لم يكن لأي منهما يد في الجريمة.

مطرقة، هذا ما أدت إليه نتائج الطب الشرعي لاكتشاف سلاح الجريمة. لقد تم قتل الثلاثة بوساطة مطرقة استخدمت في هشم رؤوس الضحايا.

أيا كان من قام بتلك الجريمة فهو ليس متهما فقط بجريمة قتل بل بجريمة اختطاف وقد يكن هناك مزيد في هذه القضية. لم أكف عن التفاؤل أبداً في هذه القضية. كنت على أمل دائما بأننا سنجد الصغار على الرغم من أنه غالبا في قضايا غير اعتيادية مثل هذه، تكون النهاية ليست سعيدة - الشريف.

ولعل أمل الشريف في العثور على الصغار أحياء هو تحاليل الدماء التي وجدت في مسرح الجريمة. فبعد التحليل، لم يكن هناك أي بقعة دم تعود إلى كلمن شاستا أو ديلان. كان دم سليد في كل أرجاء المنزل، ولم يكن أي من تلك البقع يعود إلى الصغار، وهذا ما جعل المحققين يتنفسون الصعداء على أمل العثور عليهما أحياء.

لكنهم لا يزالون في حيرة من أمرهم ومتسائلين عم إذا هرب الأطفال من عند أنفسهم خوفا من أن يلحقهم المصير نفسه، أم أنهما خطفا من قبل الشخص الذي أقدم على مقتل عائلتهما وهذا هو الاحتمال الأرجح.

بعد أربعة أيام من مقتل العائلة واختفاء الطفلين، أي في العشرين من أيار عام 2005م، أظهرت نتائج تحليل السموم في جسد الضحايا أن كال من بريندا ومارك كانا قد دخنا الماريجوانا قبل ساعات قليلة من مقتلهما. هذه النتائج قادت إلى منعطف آخر في القضية، لتنهال بعدها الاحتمالات بتورط العائلة مع عصابة مخدرات! وعنها أخذ المحققون البحث الجاد عن العصابات المجودة في المنطقة، ويؤسفني القول إنه لا جدوى من كل ذلك. فلم يستطع المحققون العثور على عصابة قد تكون لها علاقة بالأمر.

كان الأمر أشبه بالطريق المسدودة، وما إن يعثرون على أمل جديد حتى تقفل في وجههم جميع أبوابه.

مرت أسابيع طويلة على المحققين وهم متشبثون بحبل الأمل. كانت القضية باردة. لا أدلة ولا أي خيوط تدل على الفاعل. قضية متعبة ومحيرة.. حتى ذلك اليوم الذي تسلم فيه مركز الشرطة القضائية مكالمة في الساعة الثانية بعد منتصف الليل.

كان المتصل نادلة تعمل في احد المطاعم التي تفتح أربعا وعشرين ساعة، تقول إنها رأت في المطعم طفلة تشبه شاستا شبها كبيراً. الطفلة كانت مطأطئة رأسها لا تكاد ترفعه واضعة كفيها بين ساقيها وقد بدت حزينة جداً. كانت لغة جسد تلك الطفلة تصرخ: النجدة6، كان جليا أنها خائفة. تقدمت النادلة نحو تلك المنضدة قد كان مع الطفلة رجل بدا وكأنه رجل صارم لا يعرف كيف يبتسم. أخذت النادلة طلباتهما وهي على علم أن هناك شيئاً ليس على ما يرام يجري مع تلك الطفلة التي قد تكون شاستا التي شاهدتها النادلة مراراً على شاشة التلفاز. أبلغت النادلة مديرها في العمل الذي أمرها أن تبلغ الشرطة من فورها.

عندما وصلت الشرطة، دخلوا إلى المطعم بحذر وهدوء واقتادوا الرجل نحو سيارة الشرطة. سحبني من يدي رجل الشرطة وقال: كوني معها هذا ما قالته النادلة. فسألت النادلة الفتاة ما اسمك؟ فترد الصغيرة.. شاستا غروني.! ثم بدأت بالبكاء.

لا تزال الأسئلة تتدفق في ذهن المحققين عمن يكون ذلك الرجل الذي جدت شاستا معه؟ أهو متورط في الجريمة أم رآها فقام بمساعدتها؟ والأهم من هذا كله.. أين هو شقيقها ديلان؟

كان ذلك الرجل يدعى جوسيف دونكن، ويبلغ من العمر اثنين وأربعين عاما. لم يطل الأمر كثيراً حين بحث المحققون عن سجل جوسيف الإجرامي حتى أظهرت النتائج من فورها أن جوسيف هو مرتكب جرائم جنسية من الدرجة الثالثة.

وإذا كنت قد تساءلت عزيز القارئ على ماذا تعود الدرجة الثالثة من مرتكبي الجرائم الجنسية، فإليك الجواب: إن الدرجة الثالثة هي أخطر درجة يصنف بها مرتكبو الجرائم الجنسية، فلم يصل هذا المرتكب إلى هذه الدرجة إلا بسبب كثرة جرائمه الجنسية التي افتعلها والتي تجعله خطراً على المجتمع وينبغي الحذر منه.

أول جريمة جنسية قام بها جوسيف هي عندما كان في الخامسة عشرة من عمره في عام 1978م. وبعد سنتين من ذلك عاد إلى السجن لتحرشه الجنسي بأحد المراهقين.

بعد ذلك أظهر جوسيف سلوكا جيداً حتى توقع الناس أنه قد تغير جذريا. ولكن الأمر كان عكس ذلك تماما، ففي عام 2004م تم القبض عليه بتهمة التحرش الجنسي بطفل يبلغ من العمر ستة أعوام. ولكن جوسيف لم يكن على استعداد للعودة إلى حياة السجون، فاستطاع توفير 15 ألف دولار لكفالته، ثم بعد ذلك غادر المدينة وفي البحث عن حياة جوسيف وأفكاره، اكتشف المحققون أنه كان لديه ازدراء قوي نحو المجتمع ونظرة المجتمع حول مرتكبي الجرائم الجنسية، وقد كان هدفه أن يؤذي المجتمع قدر الإمكان!

لكن هذا لم يكن محط اهتمام المحققين بذلك القدر، حيث إن جوسيف في قبضتهم ولكنهم لا يزالون قلقين حول موضوع ديلان. لذا بدؤوا من فورهم بالتحقيق معه، ولكن لم يكن لدى جوسيف أدنى نية للإدلاء بأي شيء قد يقودهم إلى مكان ديلان.

فما كان من المحققين سوى التوجه إلى الشخص الوحيد الذي قد يملك المعلومات. شاستا التي بدأت بسرد ما حدث لهما، لم يكن هنالك قصة أشد حزنا من قصة هذه الصغيرة التي تقول إنه في تلك الليلة استيقظت على صوت والدتها وهي تناديها هي وأخاها ديلان إلى غرفة المعيشة. وعندما وصلت هناك رأت جوسيف ونكن واقفاً وراء والدتها ومارك ومعه بندقية.

فأخذ جوسيف كلا من ديلان وشاستا وقادهما من الباب الخلفي إلى سيارته. لم يكن جوسيف يريد أن يشاهد الصغار ما الذي كان سيقوم بفعله لعائلتهما. وعندما انتهى من فعلته، قاد الصغار بسيارته نحو منطقة للتخييم تبعد 95 ميلا عن منزلهما.

وهناك، بدأ اعتداءه الجنسي على كل منهما. وبعد ستة أسابيع من احتجازه لهما، قام جوسيف بقتل ديلان بطلقة نارية أمام شقيقته، ثم أحرق جثته بعيداً.

بعد أن واجه قام المحققون جوسيف بكل الأدلة التي وجودها، اعترف أخيراً، أراد جوسيف بكل ما أوتي من قوة أن يعلم المجتمع أنه سيئ جداً سوءاً يفوق الوصف.

وبعد ذلك أخبر المحققين كيف خطط لهذه الجريمة أياما، فقد كان يراقب منزل العائلة قبل أن يقوم بفعلته، ونال كل من شاستا وديلان 

على إعجابه إعجابا جعله يخطط فيه تلك الليلة لاقتحام المنزل وقتل العائلة ثم اختطاف الصغيرين.

وفي السادس عشر من تشرين الأول عام 2006م، تم إثبات جميع تهم القتل والخطف والاعتداء عليه، وحكم عليه بستة أحكام سجن مؤبد. وبعد ثلاث سنين أيضاً، أضيف إلى الحكم ثلاثة أحكام بالإعدام.

وهو الآن كالشيطان قابع خلف قضبان السجن في انتظار إعدامه.

وشاستا.. بحسب ما يقول والدها: الحمد لله أنها الآن تتصرف تصرفا طبيعيا، ولم يؤثر ذلك الماضي المروع في تصرفاتها.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا