التخاطر وقراءة الأفكار
التخاطر أو altlbaôi", (Telepathy) هو مصطلح صاغه فريدرك مايرز عام 1882 ويشير إلى المقدرة على التواصل ونقل المعلومات من عقل إنسان لآخر، أي أنه يعني القدرة على اكتساب معلومات من أي كائن واعي آخر، وقد تكون هذه المعلومات أفكاراً أو مشاعر أو غير ذلك، وقد استخدمت الكلمة في الماضي لتعبر عن انتقال المعلومة.
إن الكثير من الدراسات قامت لسبر أغوار هذه الظاهرة النفسية والتي لا تزال في موضع جدال علمي، فالناقدون لهذه الظاهرة يقولون بأنها لا تملك نتائج متكررة ناجحة عندما تطبق في بحوث متعددة، وهذه الظاهرة شائعة الاستخدام في أفلام الخيال العلمي والعلوم الحديثة. ولكن بفضل تقنية التصوير العصبي صار من الممكن قراءة الأفكار داخل المخ. _n klmâ (Telepathy) هي من أصل يوناني تعود لكلمة من مقطعين بمعنى (التأثير عن بعد). ويعد التخاطر أحد مظاهر الحاسة السادسة أو الإدراك خارج الحواس، وللحاسة السادسة مظاهر أخرى مثل الاستبصار، والمعرفة المسبقة.
يقول العلماء بأن أصل مفهوم التخاطر يرجع إلى القرن التاسع عشر. بناءً على ما قاله (روجر لوكهرست), كان المجتمع العلمي غير مهتم بعلوم "المخ" قبل هذا القرن وبعد التقدمات العلمية الكبيرة في مجال العلوم الفيزيائية، تم تطبيق بعض هذه العلوم لفهم الظواهر السيكولوجية الغريبة. وهكذا تم التمهيد لمفهوم التخاطر.
وحسب كلام بعض الباحثين فإنهم يظنون أن مفهوم التخاطر لا يختلف كثيراً عن ظاهرة "وهم إدخال الأفكار أو انتزاعها من المخ". التشابه بين الظاهرتين ربما يشرح نشأة مفهوم التخاطر. "إدخال الأفكار أو انتزاعها" هي من أحد أعراض انفصام الشخصية. بعض المرضى النفسيين المصابين بالفصام يعتقدون بأن بعضاً من أفكارهم ليست لهم بتاتاً ويعتقدون بأن أحد البشر أو المخلوقات الأخرى وضعوا تلك الأفكار فيهم (هذا هو إدخال الأفكار). أما بعض المرضى الآخرين فيعتقدون بأن هناك أفكاراً تنزع منهم نزعاً. هذه الأعراض من الممكن تخفيف حدتها عبر المهدئات. هذه الظواهر قادت العلماء لتقديم مفهوم التخاطر. أو التواصل عن بعد.
ولكن رويت حالات تخاطر كثيرة وغريبة في التاريخ كحالات تناقل أفكار أو أحداث بين بعض الأشخاص مثل حادثة يا سارية الجبل وروي أن عمر بن الخطاب كان يخطب على المنبر في المدينة خطبة الجمعة، فالتفت من الخطبة ونادى بأعلى صوته: يا سارية بن الحصن "الجبل الجبل"، فلما سئل عن تفسير ذلك، قال: وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا وركبوا أكتافهم وأنهم يمرون بجبل فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوه وظفروا وإن جاوزوه هلكوا فخرج مني هذا الكلام "ثم قال الراوي للحديث: جاء البشير بعد شهر فذكر أنهم سمعوا في ذلك اليوم وفي تلك الساعة صوتاً يشبه صوت عمر بن الخطاب يقول: يا سارية ابن الحصن الجبل الجبل فعدلنا إليه ففتح الله علينا".
وقد قال ابن عثيمين في ذلك: يستفاد من ذلك ثبوت كرامات الأولياء وهي كل أمر خارق للعادة يجريه الله - تبارك وتعالى - على يد ولي من أوليائه تكريماً له وتصحيحاً لمنهجه الذي يسير عليه. ولكن من هو الولي؟ الولي هو المؤمن التقي قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62 - 63].
والكرامة قد تكون لتخليص الولي من شدة وقد تكون إعزاز لما يدعو إليه من دين الله من جهة أخرى.
وفي فترة الاتحاد السوفيتي سخرت الدولة الشيوعية الكثير من المقدرات المالية والبشرية لإثبات القدرات العقلية غير الطبيعية من دون نتائج.
ولقد ذكر ابن خلدون في مقدمته بعض الكرامات التي يمنحها الله لبعض عباده لغرض لا يعلمه إلا هو.
ويضم التخاطر أنواعاً كثيرة منها:
التخاطر المتأخر: انتقال الأفكار يأخذ فترة طويلة بين الانتقال والاستقبال.
التخاطر التنبؤي والماضي: انتقال الأفكار في الماضي أو الحاضر والمستقبل بين إنسان إلى آخر.
تخاطر العواطف: عملية انتقال الأفكار والأحاسيس.
تخاطر الوعي اللاطبيعي: يتطلب علم اللاوعي للوصول إلى الحكمة الموجودة عند بعض البشر.
بالرغم من كون ظاهرة التخاطر ليست علماً معتمداً في الوقت الحالي، إلا أن هناك أناس يدرسون ما يسمى بالسيكولوجية غير الطبيعية. وبعض هؤلاء الباحثين يجزمون بأن ظاهرة التخاطر هي ظاهرة علمية وصحيحة. على الرغم من ذلك، بعض النقاد ينفونها ويعتقدون بأن الإيمان بها هو نتيجة أوهام شخصية. وعلى الرغم أنه في السابق قام بعض السحرة بتنفيذ طرق تشبه التخاطر ولكن بدون استخدام أياً من الظواهر غير الطبيعية، لكن تبقى المشكلة الأهم لظاهرة التخاطر كما سبق أنها لا تملك نتائج مكررة صحيحة في الأبحاث. وهذا ما يقود النقاد إلى دحض هذه الظاهرة في الوقت الحالي لغياب الدليل.
ولكن دحضهم لظاهرة التخاطر لمجرد أنها لا تملك نتائج متكررة غير منطقي وليس منهجاً سليماً حسب رأيي، لأنني أعتقد أنها ظاهرة تلقائية تحدث نتيجة إلهام أو شيء ما ورائي عبر مدد وفترات متقطعة وفي أزمنة مختلفة وشخصيات متنوعة، فبأي منطق تعتمدون على التكرار فقط في إثبات مثل هذا الشيء!
بل الظاهرة موجودة بأدلة وشواهد كثيرة ولكن بطريقة مفاجأة وليس بطريقة مكررة عبر فترات محددة كما يريدون.
أحبابي الكرام دعونا نتعرف على عالمين: العالم الحسي والعالم الروحي.
يعيش الإنسان في عالمين:
1. العالم المادي (الفيزيقي) بجسده.
2. العالم اللامادي (الميتافيزيقي) بروحه.
فأولهما معروف وهو الذي تهيمن عليه الإدراكات الحسية، كالسمع والبصر والذوق واللمس والشم، ويطلق عليه أيضاً عالم الحس، والآخر هو العالم الروحي أو كما يحلو للعلماء تسميته بعالم اللاوعي، وهو الذي تهيمن عليه أبجدية غير معروفة لحد الآن ويتخبط العلماء في فك رموزها، وبمعنى آخر لو استعملنا مصطلحات الباراسيكولوجي فهو يعرف بعالم الاستشفاف، وهو العالم الذي تتجلى فيه جميع الظواهر الروحية والقدرات غير الحسية، وكلا العالمين يعيشان جنباً إلى جنب، في حياة الناس، ويطغى بعضها على بعض حسب طبيعة الشخص ومقدراته الروحية أو الحسية، وطبيعة البيئة التي يعيش فيها والعوامل المؤثرة التي يخضع لتأثيراتها، فالتواصل مع الآخرين عن طريق التخاطر، يحدث عندما يهيمن عالم الاستشفاف على عالم الحس، (أي انخفاض قدرات عالم الحس وانكفاءه), ولا علاقة بين القدرة اللاحسية من جهة والذكاء والأمور الغيبية، من جهة أخرى.
رغم كل الجدل حول التخاطر إلا أنه موجود في الحياة اليومية ومعظم الناس إن لم نقل كل شخص قد اختبره، على سبيل المثال حين يفكر شخص بشخص ما وبعد مدة قد لا تزيد عن دقائق يجده يتصل به أو يدق جرس الباب أو قد يصله أخبار عنه، أو عندما تشعر الأم بخوف أو بتغير بدقات قلبها وكأن أحداً أخبرها بمكروه ما قد أصاب أحد أولادها، والأمثلة كثيرة.
ولكن المقتنعين بعلوم الطاقة يظنون أنه من الممكن التحكم بظاهرة التخاطر وتوجيهها بشكل واعي وإرسال رسائل فكرية حسية بترددات من المشاعر إلى أحدهم ومن ثَمَّ تلقي الإجابة بشكل ما عبر مجموعة من التمارين والخطوات ومع الكثير من التركيز والصور الذهنية الواضحة ومع درجات عالية من الاسترخاء، ويفضل أن يتم التخاطر حسب كلامهم عندما تكون السماء صافية وفي الليل بحيث يكون الشخص المُرسَل إليه نائم وعقله اللاواعي في أوج عمله، أما نجاح الأمر برمته حسب علوم الطاقة فيتعلق بالحالة النفسية للمُرسِل وإيمانه بنجاح الأمر فلو كان يعمل على التخاطر كتجربة فمن المرجح أنه لن ينجح فيه أما لو كان على ثقة من نجاحه فالإجابة لا بد لها أن تظهر وحتى لو تأخرت قليلاً.
وأنا غير مقتنع بكل ما يقوله رواد علوم الطاقة، فأنا مؤمن أن هذه الظاهرة تحدث فعلاً ولكن بشكل مفاجئ إلهامي للإنسان وبدون التحكم فيها، لكن أن يقولوا إننا نستطيع التحكم في ذلك، فهذا رأيهم والله أعلم بالحقيقة.
لكن الظاهرة موجودة وصعب إنكارها ولها شواهد كثيرة.
أشكال التخاطر:
أن تكون تفكر بشخص ما وتتمنى أن تكلمه وتتفاجأ بأنه يتصل بك.
أو عندما تفكر بشيء معين ويقوم شخص آخر بالتكلم عنه بنفس الوقت.
أو أن تردد أنت وشخص آخر نفس العبارة في الوقت ذاته.
وهنا لا بد من التأكيد أن كل إنسان قادر على التخاطر لكن بنسب متفاوتة، وهذه ميزة موجودة عند كل منا، لكن تختلف بحسب كل شخص ومدى صفاء ذهنه، فهي أشبه بقدرة جاذبة للأفكار والمشاعر، ويقال إنها يمكن تنميتها عبر العديد من التمارين ولكن الله أعلم، ولكن حتى لو افترضنا أنه يمكن تنميتها عبر أشياء معينة فأنا أقترح أن تكون عبر ممارسة العبادات والصلاة والأذكار والتأمل في ملكوت الله، وليس عبر التمارين التي يقول عنها مدربو الطاقة فهي علوم بشرية.
والبعض يفرق بين توارد الأفكار وبين التخاطر، فإذا كان هناك صديقان يعرفان تفاصيل حياة بعضهما البعض سيكون من السهل على الصديق أن يكتشف ما يفكر فيه صديقه وفقاً لمعاينته لواقعه ويومياته ومشاكله وسلم أولوياته، أما التخاطر فهي حالة ترتبط أكثر بالشعور لا بالعقل، وتؤثر على شعور الشخص الآخر الذي تفكر به وتنتقل إلى ما يسمى بالعقل، فمثلاً قدرتك على التفكير بأحدهم والتخاطر معه سيجعل هذا الشخص يتواصل معك من دون سبب، فقط لأنه يشعر بشيء مختلف حصل معه أو شعور معين انتابه في لحظة، أنك كنت تفكر به وتحاول التواصل معه، من خلال التخاطر.
هذا هو ما يعرف بتخاطب الأرواح فيما بينها أو التخاطر الذهني، وهو علم يدرس الآن وبالذات في منطقة الصين وبدأ ينتشر إلى أوروبا وأمريكا..
ومن أشهر الأحداث التاريخية التي حدثت في عالمنا الإسلامي عن هذا العلم هو قصة سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع سارية الجبل، التي ذكرناها سابقاً.
ويقال أيضاً إن الإنسان إذا كان شديد التعلق بأحد وشدة الحب والتفكير المركز فإن الأرواح تكون معلقة أيضاً ببعضها وأنها تتنقل لتتخاطب مع بعضها البعض.
بل إنهم حتى أخذوا توأماً من الأطفال الصينيين كانا شديد التعلق ببعضهما، ووضعوا أحدهما في بلد وأخذوا الآخر إلى بلد آخر يبعد آلاف الأميال. وجدوا بعد فترة أنه إذا مرض أحد الأخوين يمرض الآخر وإذا غضب أحدهما يتعب الآخر وتتغير نفسيته. ومن هنا بدأوا بدراسة هذا العلم.
إذاً فمسألة تخاطب الأرواح مع بعضها البعض غير معترفة بحدود مكانية ولا زمنية، بل وبدأ علم جديد الآن مستقى من قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر: 42].
ومن أذكار النوم "اللهم إني وضعت جنبي فإن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرجعتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين".
من هذا الذكر استنتج عدد من العلماء أن الروح تخرج من الإنسان لحظة منامه ولذا يسمونها ميتة صغرى.. ولكننا وقفنا نحن المسلمين عند هذا الحد، بينما الغرب أكملوا دراستهم في الموضوع حتى اكتشفوا طريقة يمكن للإنسان فيها أن يتخاطب مع من يريد حول العالم عن طريق الروح..
وهو بطريقة استرخاء تامة وقبل أن يصل إلى درجة النوم، ويفكر في إنسان معين وبعدها تبدأ الرحلة.. وفي الحقيقة إنه علم شديد التعقيد والصعوبة ولم ينتهوا من نتائجه بعد (البرمجة اللغوية العصبية).
ولكنهم يدخلون في هذه الأمور أشياء خاطئة أيضاً ويلبسون الحابل بالنابل.
لذا لا تستغرب عندما تتصل بأحد فيقول لك "سبحان الله الآن جئت على بالي".
أو عندما تتذكر شخصاً عزيزاً فيتصل بك. أو حتى - وهذا الأكثر غرابة - عندما تمر بموقف تقول لنفسك الموقف هذا مر عليَّ من قبل.. كأنني أتذكر هذا الموقف.
أو تكون بحدث وكأنك قد عشته من قبل وتستطيع التكهن بما سيحدث الآن وتتوقعه وترى أنه بالفعل يحدث ما قد توقعته.
فما حدث مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في قصة سارية تفسيره معروف، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب". متفق عليه.
قال المناوي في (فيض القدير),َ (مُحَدَّث) أي ملهم أو صادق الظن، وهو من ألقى في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى، أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد، أو تكلمه الملائكة بلا نبوة، أو من إذا رأى رؤيا أو ظن ظناً أصاب كأنه حدث به وألقى في روعه من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له. وهذه كرامة يكرم الله بها من شاء من صالح عباده وهذه منزلة جليلة من منازل الأوليا...ء
قال القرطبي: قوله "فإن يكن" دليل على قلة وقوعه وندرته، وعلى أنه ليس المراد بالمحدثين المصيبون فيما يظنون، لأنه كثير في العلماء، بل وفي العوام من يقوى حدسه فتصح إصابته فترتفع خصوصية الخبر وخصوصية عمر، ومعنى الخبر قد تحقق ووجد في عمر قطعاً، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم بالوقوع، وقد دل على وقوعه لعمر أشياء كثيرة كقصة الجبل: يا سارية الجبل. وغيره، وأصح ما يدل على ذلك شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك حيث قال: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه. اه.
فهذه القصة من باب المكاشفة والإلهام، كرامةً من الله - تعالى - لعمر بن الخطاب، ومما يزيد الأمر وضوحاً وأنه من الكرامات، أن الأمر لم يقتصر على مجرد معرفة عمر لحال سارية وجيشه، بل زاد الأمر إلى بلوغ صوت عمر لسارية وانتفاعه بذلك بانحيازه بالجيش إلى الجبل بالفعل.
ولا أحد يعلم، فربما يكون كلام النبي سليمان - عليه السلام - مع الهدهد والنملة وغيرها من الكائنات هي عن طريق التخاطر بينهم وفهم لغتهم بقدرات خارقة أعطاها الله له.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا