الحاسة السادسة

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-07-03

الحاسة السادسة والفراسة 

هل من صوت داخلي قوي يخبرك أحياناً بالأمور التي ستحدث قبل وقوعها؟ ألا يباغتك الإحساس بحدوث شيء معين، لكن لا تعلم من أي جزء في كيانك صدر، أو لماذا توقّعت ذلك؟

الحاسة السادسة هو تصوُّر خارج الحواس، يُعرف àlmia; baxtçar (ESP) يتجاوز حواسنا الخمسة المعترف بها - السمع والذوق والبصر والشم واللمس. وعادة ما يشير الاستخدام العامي لمصطلح "الحاسة السادسة" إلى قدرتنا على إدراك شيء لا يبدو أنه موجود أو ملموس، مثل أن يُراودك شعورٌ ما بأن الشخص الذي يجلس إلى جانبك في محطة القطار قد ارتكب جريمة لتوهّ! أو شعورك بأنك لا بد أن تكون نسيتَ شيئاً في المنزل بعد خروجك منه. 

يعتقد علماء النفس أن كل شخص يملك حواس خفية موازية للحواس العادية الملموسة. على سبيل المثال، يُمكنك أن تقطف زهرة وتشم رائحتها عبر حاسة الشم، بينما يُمكنك أن تشم رائحة زهرة غير موجودة اعتماداً على الحاسة الخفية لديك، الموازية لحالة الشم. وحيث إن هذه القدرة على إدراك الحواس الخفية لا يستشعرها الجميع، لكنها موجودة عند كل الناس، وبحاجة لتفعيل قبل أن يتمكّنوا من استخدامها.

أما الحاسة السادسة من وجهة نظر علماء النفس، فيعتقدون أنها تكون على عدة أشكال، أكثرها شهرة هي قدرة الشخص على توقّع الحدث القادم بناءً على ربط أحداث منطقية في التوقيت الحاضر. هذا التنبّؤ مبني على الواقع وبعيد عما يُعرف بالوساطة الروحية أو الاطلاع على الغيبيّات. ولكن ورغم ذلك، هذا التنبؤ لا يُعتبر صادقاً أو مضموناً مائة في المائة.

إن فسّرنا المقصود بالحاسة السادسة بأنها القدرة على الانتباه وإدراك أمور غير واضحة، فنعم، جميعنا نملك هذه الحاسة، وإن كانت غير مفعّلة لدى البعض. لكن ما يُفسّره بعض المنجّمون والمشعوذون بأن الحاسّة السادسة هي القدرة على إدراك أمور خارقة للعادة، وتفسير أحداث ما وراء الطبيعة.

فالحواس هي الوظائف الموجودة في الجسم من إبصار وسمع وذوق وشم ولمس، والتي يتعرف المرء عن طريقها بما يجري حوله من أمور، وقال بعض الباحثين إن الإحساس بالحقيقة خارج إطار الحواس الخمس لا يحدث بطريقة خارقة، وأنه إنما يأتي نتيجة قيام الدماغ باختزان معلومات عديدة ومتنوعة عن الموضوع ذاته في أوقات وأزمنة مختلفة، وقال آخرون إن الحاسة السادسة هي القدرة على التوقع أو الشعور أو ما وراء النفس، وأنها تختلف من فرد لفرد، وأنها زائدة على الحواس الخمس. 

وأما المسلمون فيسمون هذا النوع من الشعور فراسة، وقد قال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة: العزيز في يوسف حيث قال لامرأته: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [يوسف: 21`، وابنة شعيب حين قالت لأبيها في موسى: {اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26`، وأبو بكر في عمر - رضي الله عنهما - حين استخلفه. 

والفراسة أنواع منها:

فراسة إيمانية: سببها نور يقذفه الله في قلب عبده يفرق به بين الحق والباطل والصادق والكاذب. 

فراسة الرياضة: وهي تعتمد على تجرد النفس من العوالق، وتكون مشتركة بين المؤمن والكافر.

جاء في مجموع الفتاوى: سئل ما الحكمة في أن المشتغلين بالذكر والفكر والرياضة ومجاهدة النفس وما أشبهه يفتح عليهم من الكشوفات والكرامات وما سوى ذلك من الأحوال - مع قلة علمهم وجهل بعضهم - ما لا يفتح على المشتغلين بالعلم ودرسه؟

فقال بعد كلام طويل: وهو أنه ليس كل عمل أورث كشوفاً أو تصرفاً في الكون يكون أفضل من العمل الذي لا يورث كشفاً وتصرفاً، فإن الكشف والتصرف إن لم يكن مما يستعان به على دين الله وإلا كان من متاع الحياة الدنيا، وقد يحصل ذلك للكفار من المشركين وأهل الكتاب، وإن لم يحصل لأهل الإيمان الذين هم أهل الجنة، وأولئك أصحاب النار. 

ففضائل الأعمال ودرجاتها لا تتلقى من مثل هذا، وإنما تتلقى من دلالة الكتاب والسنة، ولهذا كان كثير من الأعمال يحصل لصاحبه في الدنيا رئاسة ومال فأكرم الخلق عند الله أتقاهم. 

وثمة أنواع أخرى من الفراسة... لكن ما يمتلكه عامة الناس من بين هذه الأنواع هو فراسة الرياضة التي تحدث عنها الكثير من الباحثين باسم الحاسة السادسة.

وبالتالي من الممكن الاستعاضة عن مفهوم الحاسة السادسة بمفهوم الفراسة، فالفراسة تعني: الّظن الصّحيح الناتج عن تدقيق وتمحيص النّظر في ظاهر الأمر لإدراك باطنه، وتقسم إلى ثلاثة أنواع، وهي: 

فراسةٌ إيمانيةٌ: يستطيع الفرد التمييز بين الصدق والكذب والحق والباطل، وهي نورٌ وبصيرةٌ يُلقيها الله في قلب المؤمن، وهي أصدق أنواع الفراسة، قال أبو الفوارس الكرماني: "من غضَّ بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات، وعمَّر باطنه بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنة، وعوَّد نفسه أكل الحلال لم تخطئ له فراسة".

وفراسة رياضية: أو ما يُطلق عليها بفراسة الجوع والسهر، فيجب أن يتخلص الفرد من مكدّرات النفس وأيّ شيء يعيق تفكيره، وهذه الفراسة موجودة لدى جميع الناس سواء المؤمنين والكافرين تُكتسب اكتساباً، لا تكشف عن منفعةٍ ولا تدلّ على صوابٍ، توجد لدى الجُهّال والرّهبان ومفسّري الأحلام.

والفراسة الخَلقيّة: وهي فراسة الأطباء، بها يستدلّون على أخلاق الخلق، فمن كانت خلقته سويةً معتدلةً، اعتدلت أخلاقه وتصرّفاته.

صفات الحاسة السادسة إدراك ما لا يدركه الآخرون. رؤية ما لا يراه الآخرون. الإحساس بالأمر قبل وقوعه.

وتؤثّر الكثير من العوامل في تنمية الحاسة السادسة لدى الفرد، ومنها: هدوء الأعصاب، صفاء الذهن، اعتدال المزاج، فكلّما كانت الحالة النفسية للفرد جيّدة تَنشط الحاسة السادسة، والعكس عندما يكون مزاجه سيء تَضعُف الحاسة السادسة لديه. ومن الجدير بالذكر أن الحاسة السادسة لا تعتمد على الذكاء؛ إذ إن الذكاء يدخل في التفكير التحليلي المنطقي الذي يُعتقد بأن البُلهاء والبدائيين القدماء لا يستخدمونه، وإنما لديهم قدرات خارقة أقوى من غيرهم كما يعتقد العلماء.

ولقد حيّرت الحاسة السادسة العلماء والباحثين في مجالها؛ حيث اختلفوا في حقيقة وجودها فعلياً لدى الإنسان، أهي حقيقية أم أنها ضربٌ من الخيال والوهم، فبعضهم عمد إلى كونها أحاسيس وهميّة لا تُغني ولا تُسمن من جوعٍ، وآخرون رجّحوا احتمالية وجودها لدى الإنسان لكنه لا يكاد يشعر بها ولا يستخدمها إلا في حالة شعوره بالخوف والخطر، ويُطلق العلماء مسمى الحاسة السادسة على شعور الفرد بالخوف والقلق، والحب والكره، والفرح والحزن، وفيما يلي آراء بعض العلماء في الحاسة السادسة:

يرى الدكتور محمد السقا مُدرس علم الاجتماع في جامعات مصر أن الحاسة السادسة ليست سوى منحةٌ ربانيةٌ يهبها الله - عز وجل - لمن يشاء من عباده، فبعض الناس يمتلكون شفافيةً غريبةً يعرفون من خلالها أموراً مخفيةً، وهذا ما تحدّث عنه علم التلباثي؛ وهو شعور الفرد بما يحدث لشخص يحبه أو يقربه ويبادله نفس المشاعر والأحاسيس بغض النظر عن بُعد المسافة بينهما، وهذه مكرمةٌ من الله لعباده، فتلاقي الأرواح أمراً قدّره الله - تعالى - للناس، بعيدٌ كل البعد عن أمور الغيب والتكهن؛ فهي تُبصر أشياء وتتوقع مواقف بعيدة عن محيط الغيبيات يشعر بها من يمتلكها ويُعرَف بحدسِه القوي. 

ويفسر الدكتور وائل أبو الحسن أستاذ العلوم الصحية أن الحاسة السادسة تكون بتفاعل الإنسان مع الآخرين عن طريق حواسه الخمس الطبيعية، فيكتسب ويتعلّم، ويحصل على مخزونٍ كبيرٍ من المعلومات والخبرات التي تمكنه من تفعيل وتقوية حدسه، وبالتالي يمتلك ما يُسمى بالحاسة السادسة، وينكر بأن هناك ثمة فرقٍ بين حدس الرجال والنساء، ولكن الفرق في المواقف والمعلومات التي يختزنها الفرد. أما الدكتور عاطف سمير المختص في الأمراض النفسية والعصبية، فينوهّ إلى فهم الناس الخاطئ للحاسة السادسة ومقدرة الفرد على الاستنتاج من خلال خبرته ومعلوماته المكتسبة من تجارب الحياة المختلفة، فالحدس إلهامٌ وهبةٌ من الله - جل وعلا -، وينكر أيضاً اختلاف حاسة المرأة عن حاسة الرجل، ويعزو ذلك إلى عاطفية المرأة التي تتميز بها وتنفرد عن الرجل الذي يعتمد على الواقع والمنطق، ولا يوجد اختلافٍ بينهما في الإلهام والحدس الإلهي، بل هو رزقٌ من الله يختص به من يشاء.

أما عن الدكتور عبد الله مختار فينكر وجود الحاسة السادسة ويستعيض عنها بالحدس الذي عرّفه على أنه الجزء الذي يوجد فيه جلاء السمع والبصر، وقد عرّف كلاً منهما على حدة؛ فالجلاء السمعي هو سماع أصواتٍ لا يمكن للناس سماعها بسمعهم الطبيعي، أما الجلاء البصري فعرّفه على أنه رؤية ما لا يراه الغير سواء الأشياء القريبة أو البعيدة، وهو هبةٌ من الله - تعالى - يلقيها على قلب العبد، فيجلي الغشاء عن القلب ويرى بنور الله.

وأختم هذه الفقرة بالكلام عن عمر - رضي الله عنه - فما قال شيئاً وقال الناس شيئاً إلا نزل القرآن موافقاً لما قال؛ وقد شهد له المصطفى صلى الله عليه وسلم بالموهبة الخارقة حين قال: "إنه كان فيما خلا قبلكم من الأمة ناس محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر بن الخطاب" رواه البخاري - والمحدث هو الملهم يلقى الصواب في روعه!

ومن حوادث التخاطر أو الفراسة - حين خطب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالناس الجمعة ثم توقف فجأة وقال: "يا سارية بن حصن.. يا سارية بن حصن.. الجبل الجبل ومن استرعى الذنب ظلم". ولم يفهم المصلون معنى كلامه حتى سأله علي بن أبي طالب: ما هذا الذي ناديت به؟ قال: أو سمعته؟ قال: نعم أنا وكل من في المسجد. قال عمر: وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا (بقيادة سارية بن حصن) وركبوا أكتافهم وإنهم يمرون بجبل فإن احتموا به ظفروا وإن جاوزوه هلكوا فخرج مني هذا الكلام. وبعد شهر جاء البشير من جيش سارية وأخبرهم أنهم في ذلك اليوم سمعوا صوت عمر مجلجلاً يقول: يا سارية بن حصن الجبل، الجبل، فعدلنا إليه ففتح الله علينا!! 

أيضاً من نماذج الإحساس الخارق ما كان يتمتع به عثمان بن عفان - رضي الله عنه - من صدق الفراسة؛ فقد كان يوماً بين أصحابه فدخل عليه رجل فتغير وجهه وقال "يدخل عليَّ أحدكم والزنا بين عينيه" فذهل الرجل وقال: أأوحي بعد رسول الله؟ فقال عثمان: لا، ولكن فراسة صادقة!!

ويمكن القول عموماً إن فراسة الصالحين تأتي كتطبيق حي لأحاديث نبوية كثيرة تحدثت عن فراسة المؤمن مثل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" و"إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم" وأيضاً "إن لكل قوم فراسة وإنما يعرفها الأشراف (يعني المؤمنين)".

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا