حدث ولم يحدث 12 للكاتبة حصة العبدالرزاق

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-06-29

(2) 

"صدفة في المصعد"

خرجت بخيبة أمل وقلبٍ مكسور، استقليت مصعد البرج الذي يقطن فيه المكتب، واتصلت بشقيقي (خالد) لأخبره بما حدث -وأثناء اتصالي به معي رجل في المصعد-، رد عليّ وأخبرته بكل ما حدث وأنا لا أستطيع الكفَ عن البُكاء وأشرح له كم هو مؤلم الشعور بأن نجاحاتي تتحطم ورأى أحلامي تتبعثر أمام عيني، فهدّأ من روعي وطلب مني العودة للمنزل لنجد حلاً لما حدث، وأثناء إغلاقي للهاتف، خرجت من المصعد وخرج خلفي الرجل الذي كان معي، استوقفني قائلاً: 

- المعذرة يا آنسة، هل فُصلت من عملك في مكتب التصميم الهندسي؟

قلت بغضب: 

- نعم، وأعتقد أن أمراً كهذا لا يعنيك!!

- المعذرة، لم أقصد مضايقتك، لكنني رغبت في مساعدتك فحسب ..!

مسحت دموعي وأنا أشعر بأن الأمل قد عاد إلى قلبي من جديد وقلت له: 

- كيف؟؟

- تفضلي لشرب كوب قهوة في المقهى المجاور للبرج لتهدئة لأعصابك وسأشرح لك كل شيء. 

- هززت رأسي كناية عن الموافقة، وذهبنا معاً ..

ذهبنا للمقهى سيراً على الأقدام لقربه من البرج، وعندما وصلنا طلب لي ؟...) قهوةً و...

المعذرة! لم أعرفكم باسمه لأنني لم أعرفه بعد، لكنه رجل اتضح من رزانته أنه في أواخر العشرينات أو في بداية الثلاثينات من عمره، كان فارع الطوق، أبيض البشرة، مرتدياً الزي الكويتي الرسمي .. 

جَهَزَت القهوة وأحضرها لي، وجلس في الكرسي المقابل، وشرع في بدء حديثه قائلاً: 

- أعرفكِ بنفسي قبل كلٍ شيءٍ، اسمي (راشد محمد ال ..) وعمري تسعة وعشرون عاماً وحيداً ليس لدي أشقاء، أعيش في منزل حالته ممتازة مع والديّ وسعيد برعايتهما، كنت في البرج الذي انفصلت عن عملك فيه، أبحث عن مكتباً أستأجره لأقوم بحساب تكلفة مشروعي الذي سأبدأ به ... و...

أعتذر عن الارتجال، لم أعرف منكِ ما هي شهادتك وما هي الوظيفة التي فُصلتِ منها؟

- بدايةً، اسمي (لولوة ال ..) أبلغ من العمر خمسة و

عشرون عاماً، حصلت على (بكالوريوس "التصميم الداخلي" من جامعة الكويت} وكنت أعمل في قسم التصميم الداخلي في ذلك المكتب، كنت ملتزمة ومجتهدة ومثابرة وأحب عملي كثيراً، وكان  دائماً ما يختارني المدير للمهام الرسمية والدورات التدريبية في الخارج، إلا أنه ولسوء الحظ في رحلتي الأخيرة أضعت محفظتي وتذكرة دخول الطائرة في المطار، وحين أبلغت المدير في الأمر غضب مني وثار في وجهي وفصلني من العمل لهذا السبب التافهة، حاولت أن ...

قاطعني (راشد) قائلاً: 

- صدفة جميلة، وفصلكِ من هذه الوظيفة أمر جميل أيضاً حديث لصالحكِ ..!!

- ماذا تقصد؟ 

قال بابتسامة: 

- لقد تخرجت من قسم "الهندسة المعمارية" منذ ثلاثة أعوامٍ تقريباً وأعمل في وظيفة حكومية، ولكن العمل الحكومي ممل جداً ولا يمكنني أن أنجز به وأرضي وأحقق ذاتي، كما إنني لي ميول في التصميم الداخلي، لذلك أنا أخطط لفتح شركة مختصة بهندسة التصميم الداخلي، وكنت أبحث عن شريك لهذا المشروع ذو شهادة وخبرة في هذا المجال، وأظن أن جميع هذه المواصفات تنطبق عليك يا آنستي!

شعرت بان الحياة تبتسم لي والسعادة تدب في عروقي مرة أخرى، وقلت له وأنا لا أستطيع مقاومة ابتسامتي العريضة التي ظهرت رغماً عني: 

- فعلاً صدفة جميلة، فأنا منذ يومين فقط، كنت أفكر في مشروعي الخاص أيضاً!!

قال ضاحكاً، ولَم أفهم ما قاله: 

- هل هو "توارد خواطر" كما يقولون دائماً؟ إنها صدفة جميلة فعلاً كما قلتِ، يبدو أن حياتي ستمتلئ بالصدف!

- المعذرة، لم أفهم ما المقصود من كلامك!!

- لا تكترثي للأمر، هل أنت موافقة على المشروع؟

- حقيقة أنا بحاجة لأخذ مشورة أشقائي ووالديّ، ولكن اعتبرني موافقة مبدئياً ..

- انحلت عقدة الشريك الذي كنت أبحث عنه، سنلتقي هنا بعد يومين بنفس الموعد، لنبدأ بتفاصيل المشروع ..

- موافقة! إلى اللقاء ..

خرجت بسعادة لم تغمرني من قبل، على الرغم من أن حلم الوظيفة -التي كنت اطمح في الارتقاء بها-، تلاشى أمام عيني قبل ساعات قليلة ولسبب تافه، ولكني واثقة بأن القادم أجمل ..

عدت إلى المنزل، وبعد غداءٍ شهي من صُنع يدي أمي، أخبرت شقيقي (خالد) بما حدث ..  

وسرعان ما تلاشى غضبه من أمر إنهاء الوظيفة -كما حدث معي- حين علم بأمر المهندس (راشد} وكان يرى أن الأمر مناسباً ويلائم طموحاتي وشغفي للتصميم، وأبدى موافقته، ووالديّ أيضاً، وكان الجميع يشجعني ويحفزني ويطمئني أن القادم أجمل، وإنني سأقبل على حياة مليئة بالنجاحات وأنهم واثِقون من قدراتي ..

وكان لشقيقي (خالد) تشجيع من نوع آخر مميز، فهو لم يكتف بالتشجيع المعنوي، بل وعدني بأنه سيمدني بمبلغ جزء من رأس المال، لأبدأ به المشروع مع (راشد) ..

إنه ساعدني على النهوض بنفسي وأنا لم أسقط بعد !!

 

(3)

"اللقاء الثاني"

وبعد يومين، تزينت وكنت بكامل أناقتي ورفعت شعري الطويل الكثيف، واتجهت إلى حيث اتفقنا، وكان (راشد) بانتظاري، طغت على ملامحه ابتسامة عريضة حالما رآني، وما إن اقتربت منه همّ واقفاً ورحب بي، وسرعان ما بدأ بالحوار ودون مقدمات، قلت في قرارة نفسي *كم هو متحمس ومتسرع*، وقطع تفكيري قائلاً: 

- انشغل عقلي في اليومين الماضيين بفكرة جديدة من نوعها ولم يسبقني بها أحد في هذا المجال!

- ما هي؟

- أن تكون الشركة تراعي الحالة المادية للأشخاص محدودي الدخل حديثي الزواج، حيث تقدم لهم أفصل التصاميم بأسعار رمزية ..

- بادرة خيّرة ونقطة تُحتسب لصالحنا في التسويق ..

- صحيح! التسويق .. فعلاً أُوافقك الرأي، في حال قمنا بالتسويق لهذا الأمر تحديداً، هذا سيختصر لنا مراحل تسويقية كثيرة. 

- متى سنبدأ؟

- يعجبني حماسكِ واندفاعك للعمل، سنبدأ حالما يتوفر رأس المال ..

- بمناسبة بدء هذا المشروع، أهداني شقيقي الأكبر (خالد} مبلغ لأساعدك به كجزء من رأس المال، ليتحقق معنى "شريك" الذي كنت تبحث عنه.

- جميل جداً، إنكِ محظوظة بشقيق رائع، بعد إصدار الرخصة التجارية، سنبدأ بتجهيز الديكور وستكون مهمتك بالطبع!

قلت بابتسامة عريضة: 

- بكل تأكيد. 

- خطر في ذهني أن أقيم حفل افتتاح بسيط للشركة، ندعو به أقاربنا وأصدقاؤنا، ونعلن به عن فكرتنا الجديدة، وبهذا سيكون التسويق عن طريقهم !!

- أفكارك الرائعة لا تنضب، يبدو أنك ستصبح رجل أعمال ناجح.

- بمساعدكِ طبعاً، على الأرجح سيكون الافتتاح بعد شهر من الآن وسنقوم بالترتيبات خلال هذا الشهر. 

- أتمنى أن يتم كل شيء كما نخطط له ..

"على الرغم من حزني لخسارة وظيفتي وحلمي الكامل الذي تلاشى أن أنجز أكثر من خلاله وأحقق ذاتي".

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا