غسيل الدماغ

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-05-08

20. غسيل الدماغ 

لي صديق رفيق عمري، كان متديناً إلى أقصى التدين ونحن في عمر المراهقة. وفي إحدى الأيام تعرف صديقي على معلم مدرسة فتوثقت العلاقات بينهما، حيث كانت لهذا المعلم شخصية جذابة وثقافة عالية. وانقطع الصديق عن زيارتي لمدة تقارب السنة، وحين رأيته أخيراً شعرت أن أفكار معتقداته قد تغيرت كثيراً عما كانت عليه وأصبح يناقض مثله العليا السابقة، وأخبرني أن تأثير العلاقات المتبادلة بينه وبين صديقه المعلم هي التي غيرت أفكاره!

فكيف نغير أفكارنا ومثلنا التي بيناها على مدى السنوات؟

سليم. ج

ما حصل لصديقك يقال له في علم النفس (غسيل الدماغ) ويقصد بذلك كل وسيلة تقنية مخططة ترمي إلى الفكر أو السلوك البشري ضد رغبة الإنسان أو إرادته أو سابق ثقافته وتعليمه .. ولما كان ذلك الاصطلاح يحمل معاني آلية أو ميكانيكية أو قسرية، فقد استبدل باصطلاحات أعم وأشمل وأكثر وضوحاً مثل إعادة تقويم الأفكار أو التحوير الفكري، أو المذهبية أو الأقناع الخفي.

وعلينا أن نذكر دوماً أن كل فرد منا يدخل في (معمل) أو دورة تدريبية يكتسب فيها أفكاره واتجاهاته ومثله وآماله. أليس البيت والأسرة هما المعمل الأول؟ البيت المدرسة هو المعمل الآخر الذي يقوم - بتؤدة ومثابرة ومنهاج - على تلقي الطفل شتى الدروس والمعلومات ليجعل منه فرداً اجتماعياً مثقفاً؟ أليست المناهج الدراسية هي تربية وتقويماً فكرياً؟ يقول أحد الكتاب (لقد أدركت عملية غسل الدماغ منذ أن أصبحت في الصف الثاني من المدرسة العمومية التي انتميت إليها. فالتلميذ الذي يدخل المدرسة يتعرض إلى أنواع من التمارين والتدريب والإرشادات الذهنية والاجتماعية بحيث يصبح الفرد فرداً منسجماً مع هيئة وآلية تلك المدرسة).

واصطلاح غسل الدماغ ظهر في النصف الأول من هذا القرن حين ألف صحفي أمريكي يدعى إدوارد هنتر كتاباً عن الموضوع على أثر الحرب الكورية والفضيحة التي روعت وزارة الدفاع والحكومة الأمريكية. فقد انتهت الحرب بعد الهدنة، ورجع الأسرى إلى أوطانهم. ولكنهم رجعوا وهم باتجاه آخر، ويدلون بآراء غريبة على مواطنيهم، بل أن بعض الأسرى الأمريكان على وجه الخصوص رجعوا مؤمنين بالمبادئ المناقضة لهم، متحمسين لعدوهم السابق، داعين إلى المحبة والسلام، ناقمين على حكومتهم الاستعمارية، مبدين أعجابهم وامتنانهم من معاملة الكوريين لهم، وكان أكثر (المتقلبين) من الأسرى من مجندي الولايات المتحدة الأمريكية يليهم أسرى إنكلترا فنيوزيلنده. وتبين أن من كل ثلاثة أسرى أمريكان أدين واحد منهم بعدئذ بسبب تعاونهم مع العدو، وذلك أما بكتابتهم اعترافات أو بتصريحاتهم ضد الولايات المتحدة الأمريكية .. أو بأخبارهم عن زملاء لهم في المعتقل، أو لقبولهم إذاعة رسائل عيد الميلاد إلى ذويهم، أو لأنهم عاملوا زملاءهم بقسوة أو اعتدوا عليهم بالضرب والقتل .. كما وسرح آخرون لاحتمال كونهم عملاء أو جواسيس.

وقد اشتق هذا الصحفي مصطلحه من الاصطلاح الصيني (هسي ناو الذي يعني (تنظيف الدماغ). والحق يقال بعد كل ما ذكرناه، أن كل مفكر مرب ورجل دين ومبشر فيلسوف وطبيب نفساني لا يألوا جهداً للحصول على أيسر وأنجع السبل للتأثير في الناس واعتقادهم وتوجيه أفكارهم في الناحية التي تصبو إليها. إلا أن توعية الاتجاه وأخلاقية التحوير تتوقف على الظروف والمسببات والنتائج. أن بعض المفكرين يقيس كل تحوير فكري وأقناع بنتائجه وغاياته. وبعضهم يستنكر أي تدخل في العقل البشري مهما كان .. والبعض الآخر يعتبر الدعاية التجارية نفسها لا أخلاقية أيضاً وتقوم مقام غسيل المخ من حيث تجعل الشخص يستعمل المادة الفلانية بدل الأولى نتيجة الإعلان ومغرياته.

وهكذا أصبح صديقك. واقفاً تحت تأثير غسل دماغه من قبل صديقه (المعلم) وهو بحق (معلم) بما فعله.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا