أبعاد الحب

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-04-04

أبعاد الحب الحقيقي؟ 

أنا طالبة في الصف الرابع بكلية الهندسة، موفقة في دراستي

ما يؤرقني إنني أحببت أكثر من مرة ولكن من طرفي فقط

لم أجد استجابة من أحد مع إنني على خلق ممتاز ومن عائلة محترمة جداً

أخشى أن يفوتني القطار خصوصاً أن بنات دفعتي تقريباً كلهن خطبن لزملاء أو مهندسين كبار

أما أنا فللآن لم أعرف شاب ولم أكتب خطاباً لأحد

سيدي

ما هو حدود الصداقة بين أسوار الجامعة؟ ربما أكون أخطأت بين الصداقة والحب؟ وما هي أبعاد الحب الحقيق؟ ستكون كلماتك نبراسا في طريق المستقبل

هيام. 

على ما أعتقد العلاقات داخل الجامعة هي علاقات زمالة منزهة عن الأغراض الشخصية والمشاغل العاطفية أكثر مما هي صداقة، فللصداقة مفهوم خاص يتلخص إنك قد تعرفين آلاف الأشخاص ولكن من تكون صديقتك ربما لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، لا بل انتقاء الصديقة هو برأيي أصعب من انتقاء الزوج. فأي منا بإمكانه أن يتزوج من يشاء، أما أن يعقد صداقته - بكل معنى الكلمة - على هذا أو ذاك فهذا مستحيل

هذا هو الفارق الحاسم بين الصداقة والحب، فالصداقة تسوى بين الزملاء والزميلات، أما الحب فعاطفة شخصية هدفها الاتصال الانفرادي بواحد من الجنس الآخر، ولو على نية الزواج. الحب نفس يهب من أعماق شخصيتنا، وهو ليس شيئاً جامداً بل هو دفعة نحو المحبوب، وهو فعل انفعالي ووسيلة فعالة للمشاركة في وجود الآخر حباً بهذا الوجود لذاته. ويمس من يحب في أعماق كيانه باتحاد كلي مع محبوبه فيؤلفان كلا وجودياً حيوياً .. أن الحب اندفاع نحو الكمال

ومما يضفي على الحب هذا السحران من يحب شفافاً بالنسبة إلى نفسه بالمعنى الميتافيزيقي لهذه الكلمة. فهو يبلغ غاية الرضى باتحاده التام مع المحبوب فتفقد الحياة في مثل حالة الرحمة، هذه كل ما فيها من ثقل وإذا بالحب يبتسم لكل رفاقه من سائر الناس وقد ملأه حلم سيد كبير

أن الشخصية النموذجية في الحب تنسجم مع نفسها حتى ليصبح الوفاء في نهاية الأمر وفاء منا نحو أنفسنا. وإذا كان الاستمرار نادراً ما يحدث فليس سبب ذلك أن الإنسان أضعف من أن يلبي بصورة مناسبة طلبات طبيعته الأساسية بل سبب ذلك أيضاً أن جميع العلاقات الإنسانية لا تدوم إلا مدة محدودة من الزمن تنتهي معها. وهكذا تصطدم الرغبة الصادقة الحارة في دوامها بقضاء محتوم يضع لها حداً

ومن هنا تنشأ ألوان النزاع المؤلمة. وتصح نظرية الوفاء هذه على الحب قبل كل شيء، لأن معنى الحب هو أن يكون خالداً. غير أن هناك التجربة المشتركة التي تناقض هذا الشرط المثالي. فمهما كان الحب صادقاً فإن مصيره في النهاية إلى الموت. فهل يجب القول بأنه لم يكن سوى علاقة سطحية؟ يستحيل التدليل على ذلك أو الإيمان به. وكل ما يمكننا فعله هو أن نرى ما إذا كان في طبيعة الحب أو المحبين عناصر تجعل من هذه العاطفة مصيره إلى الزوال كما تجعل نهايتها ضرورية. وهناك أسباب أساسية تعمل في هذا الميدان

1. من معالم الحب الرئيسية عدم اهتمامه التام بجميع الصفات السطحية في الشخص المحبوب. وليس أصدق من ذلك من المرحلة الأولى في الحب وهي مرحلة الهيام، غير أنه من السهل المحافظة على عدم الاهتمام هذا في معترك الحياة اليومية وما يتخللها من هموم تحيط بنا. ومع ذلك لا يؤثر ذلك في روح الحب. ومهما كان الأمر فليس هناك سوى صورة للحب لا تتأثر بالحوادث وهو حب الأم. فسواء كان الطفل صالحاً أم طالحاً فإنه يظل ابن أمه. ولا تستطيع المرأة، في أية علاقة أخرى، الشعور بمثل هذا الحب الأعمى. وهناك خطر آخر يهدد ألوان الحب وهو عدم استحقاق المحبوب للحب حين يأخذ المحب باكتشاف ذلك مؤخراً وبصورة تدريجية

ويموت الحب لسبب أهم من هذه الأسباب، لأن مهمته الأساسية هي أن يفتح نفس المحبين وينمي إمكانياتهما، غير أن هذه الوظيفة الخلاقة تكف بالضرورة حين تنتهي قوة المحبين على الخلق

الحب يتطلب المبادلة فإذا ما أصبح من جانب واحد أمسى عذاباً أليماً فيحول المحب، كما فعل سيزيف، امتلاك محبوبه أو المحافظة عليه. فإذا ما فشل تحول حبه إلى هم ملازم وكراهية، فيموت في بعض الأحيان من الضنى أو يؤدي بحياته وحياة شريكته البريئة

2. هناك حالات، نادرة حقاً، يكون فيها انفصال المحبين وداعاً لكثير من النساء أكثر من أن يكون وداعاً لامرأة معينة. وتعزية مثل هذا المحب الولهان بالقول بأن الزمن يضمد الجروح وأن المرأة، على خلاف ما يقال (لا تساوي الثريا) لا يغنيه. لأن المرأة ليست شيئاً مهملاً إلى هذا الحد عند كل الرجال، والعكس في كلا منا هو ما تقوله المرأة مثلاً

ولهذا فإن كل كائن نموذجي يحتاج لشيء ضروري لا غنى عنه في حياته احتياجه إلى الهواء الذي يتنشقه. فإذا ما فقده أصبح وجوده هوة لا قعر لها وفقدت حياته كلها هدفها ومعناها

3. تستطيع أن نحب الحب حتى أقصاه، ومع ذلك لا يكون الحب كل التجربة الإنسانية ولا يحقق جميع ما في العلاقات الجنسية الإنسانية من ثراء، كما إنه لا يستهلكها جميعها. وذلك لأن الحب ليس سوى شرط للزواج، والزواج هو العلاقة الجنسية الكلية التي يجب على الحب فيها أن يستمر ليستقر إلى الأبد

إذا قلنا أن الحب لا يكون جوهر الزواج، فيجب علينا التدليل على ذلك. وتقوم الحجة، التي يمكننا الاعتماد عليها، على المقارنة بين العاشقين والزوجين. فنجد الفروق النفسية والمسلكية كثيرة، ولهذا لن نذكر إلا قليلاً عدداً منها. تدلنا اللغة، وهي مستودع الكلمة الأزلية، على أهم فرق وهو قولها (نقع) في الحب بينما تقول (نعقد) الزواج و(نلتزم به). هذا يعني أن الحب لا مفر منه فهو كالمصير يباغتنا على حين غرة، بينما الزواج هو خاتمة قرار حر. ولهذا كان عبورنا بالحب محزناً بينما الفشل في تجربة الزواج خطيئة

وللتذكير، يكون كل من الحب والزواج عالمين منفصلين. فعالم الحب (مغلق) وعالم الزواج (متفتح), وأن كانت هذه الألفاظ اعتبارية، ولكنها مع ذلك، تشير إلى الاختلاف بين العالمين. وهكذا يستغرق العاشقان كل منهما في الآخر دون سائر الأشياء. وهما لا يسعيان إلا إلى الكمال في كل ما يساعدهما عليه الحب من تقدم، لأن الرباط الوحيد الذي يربط بينهما هو رباط الحب، فإذا تذكر أحدهما، لسوء الحظ، وجود عالم آخر، خارج حبهما أحس الآخر بأن ذلك تعريض به، وعلم الزواج عالم آخر. فهو لم يشغل الناس عن نشاطهم الخارجي، بل هو يساعدهم، على العكس، على اللصوق بالعالم الذي يعيشون فيه. وهكذا، بدلاً من أن تضيق حرية الرجل، تصبح المرأة وسيطاً بين الرجل والعالم، فيستغني الرجل الذي يستطيع الاعتماد على تقدير امرأته، عن كل تقدير آخر. بينما الرجل الذي يلقي أذناً صاغية عند امرأته فإنه يحس بأن ينادي في الخلاء. وبهذا يمكن القول بأن رباط الزواج يحد من رباط الأمومة على مستوى عال. ولا يدري الرجال، الذين يرفضون الزواج، خوفاً من فقد حريتهم، معنى ما يقولون وهم يكونون بين أمرين: إما أن يروا أن الحرية تكون في الابتعاد عن المسؤوليات والاستغناء عن تقدير الآخرين، وأما إنهم لا يدركون مغزى الزواج ومهمته، لأن الرجل الحر هو الرجل الذي التزم بزواج حقيقي. فيشعر إنه واثق من نفسه، وليس رضاه ضرباً من التخمة، بل هو يعيش في سلام مع نفسه ومع العالم

ويقوم الحب، وإن لم يكن أساس الزواج، بدور مهم في جميع مراحل الحياة الزوجية الخطيرة. فهو الذي يميز بين جموع الأزواج. والزوج الذي اختارته الأقدار، لأنه يحس بقيمة الشخص الصميمة. ولن يكون الرجل أو المرأة اللذان يتلاءمان مع أوضاع علاقة غرامية ناجحة حقاً، زوجاً أو زوجة مثاليين، غير أنه من الضروري أن نحب سابقاً، الشخص الذي نريد الزواج منه. وإذا أردنا استعمال صورة تستخدم دائماً كرمز على الزواج لقلنا بأن الحب هو الذي يشعل الموقد. كما أن الحب هو الذي يحمل إلى حياة الزوجين، بعد توطد الاتحاد عن طريق الزواج، تجدد الحياة وتلألؤها. فإذا ما انتظرت الزوجة الشابة من زوجها، كما يحدث غالباً، أن يدللها، فليس ذلك دليلاً على نزعة طفولية أو نفس سطحية بحاجة إلى الأحاسيس الناعمة، لأن الحب والرغبة الجنسية، ظاهرتان عابرتان إذا ما أفضيا إلى حياة منفصلة. بيد أن الإغراء الجنسي يستمر في الحب كما أن الحب في اتحاد الزوجين

وبعد .. هل تمثل هذه المجموعة من الكلمات والجمل وصفاً مطابقاً حقاً لهذا الحب الذي حلمت به يوماً فعشتيه وإذا بك الآن تذكريه بحزن

سأقول لك .. أن ما تذكرينه ليس كل شيء عن الحب، فالحب لا تستوعبه الكلمات ولا الفصول ولا المجلات. ونحن حين مررنا بتجربة الحب سابقاً بعد أن وقعنا في أسر المحبوب لم نشعر بأية رغبة في تحليل عواطفنا. أما الآن وقد عدنا من رحلتنا إلى رحاب الحب العجيبة فإن ذكرياتنا أشبه بالخرق يضيئها نور الصباح الباهت البارد. لأن الحياة تأبى أن تحدد في الكلمات، ولهذا كان كل تحليل نفسي للحب أشبه بالكتابة على قبر الميت. وقد قال وليم تاكري: شيء جميل أن تحب وتظفر، ويليه جمالاً أن تحب وتخسر .

.؟.........:....ف؟:.....

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا