ولدي الحبيب للكاتب عبدالوهاب السيد الرفاعي

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-02-18

ولَدي الحبيب 

 

 

تحكيها: جود

 

 

 

 

 

 

 

عزيزي القارئ ..

قصتنا الأولى ستكون مع (جود) وهي فتاة تبلغ ال 20 من العمر .. أي أنها في أواخر فترة المراهقة .. لكن (جود) هذه متزوجة .. ولديها ولد صغير فقدته في حادث مروع .. حيث مرت بعدها بتجربة غريبة جدا أثارت لدي تساؤلات كثيرة لم تنته حتى الآن .. حتى لتستحق أن تكون (حالة نادرة) بالفعل.

لقد كانت (جود) تحتاج إلى من (تفضفض) له بما حدث لها في تلك التجربة من تفاصيل تثقل كاهلها .. وقد اختارتني أنا كطبيب نفسي كي أستمع إليها .. فوجدت نفسي لا شعوريا أنظر إليها مصدوما من غرابة ما سمعته .. حتى أنني رجوتها أن تكتب قصتها هذه وأن تسمح لي بنشرها .. آملا أن تجذب أحداثها اهتمامكم كما حدث معي .. فلنقلب الصفحة .. ونقرأ أحداث القصة .. تماما كما كتبتها (جود). 

 

 

 

 

 

 

 

منذ وفاة ولدي الحبيب الذي لم يتجاوز عمره السنتين وأنا أعيش في عالمي الخاص

.. لا زلت عاجزة عن استيعاب فكرة موته رغم أنني رأيته يموت أمامي .. رأيته وهو يغرق في حوض السباحة في ذلك النادي اللعين أمام عيني !!! .. حاولت أن أنقذه .. قفزت في الماء بكامل ثيابي ورحت أسبح بجنون كي أصل إليه .. لكني كنت متأخرة .. وصلت إليه بعد أن فارق الحياة.

يا إلهي .. لا يمكن أن أنسى تلك اللحظات المخيفة وأنا أرى ولدي ممدا أمامي بعد أن أخرجناه من حوض السباحة جثة هامدة .. فبدا لي وكأنه دمية صغيرة مبللة خالية من الحياة.

كنت أصرخ بهستيريا* دون توقف .. وقد التم الناس حولي في محاولات يائسة لتهدئتي .. لكني ظللت أصرخ وأقول لهم أن ولدي هو كل ما أملك .. هو كل حياتي .. لقد ظل في أحشائي 9 شهور جوار قلبي .. بل أن جزءا من روحي موجودا في روحه .. روحه التي خرجت ولن تعود !!!.

لقد شعرت للحظة أنني سأصاب بانهيار عصبي لا محالة .. خاصة بعد أن رأيت رجال الإسعاف ينقلون جثة ولدي إلى سيارتهم وقد تمت تغطية جسده بالكامل .. مشهد مخيف رهيب يصيبنا بقشعريرة لو رأيناه يحدث لشخص لا نعرفه .. فما بالكم لو حدث لطفل صغير ؟؟! .. ماذا سيحدث لوالدته وهي ترى كل هذا أمام عينيها ؟؟!! .. الأمر متروك لخيالكم !!!.

 

*في الواقع أن لفظة هستيريا مشتقة من كلمة (رحِم) باللغة اللاتينية .. حيث كان الناس في السابق يظنون أن المرض مقصورا على النساء فقط .. واعتقدوا أن الرحم سببه .. وبالطبع لم يكن هذا الكلام صحيحا .. فالهستيريا كما يعرفها علم النفس الحديث هي هروب من ضغط نفسي شديد تتعرض له شخصية غير ناضجة .. وقد يصل الأمر إلى أسوأ صورة فيصاب الإنسان بنوع من انفصام الشخصية .. أو يصاب بصداع هستيري .. عمى هستيري .. أو حتى شلل هستيري .. فيتصلب تماما وكأنه جثة هامدة .. مما يتطلب إسعافه فورا كي لا تحدث أي مضاعفات أخرى.

 

لقد كان هذا المشهد هو آخر ما رأيته قبل أن أشعر أن الدنيا تدور بي وأن الدماء تتوقف في دماغي لأقع على الأرض فاقدة الوعي.

أتذكر جيدا حين أفقت بعد ذلك لأجد نفسي في المستشفى .. حيث رحت أنظر إلى العالم بعينين حمراوين تدوران حول محجريهما والدموع تنهمر منهما دون توقف .. فقضيت هناك ساعات طويلة اطمئن فيها الأطباء على صحتي قبل أن يسمحوا لي بالخروج برفقة زوجي .. لكنهم لم يفحصوا حالتي النفسية بالطبع .. ولم يعرفوا إلى أي مدى كنت أشعر بالانهيار .. فأبكي للحظات .. ثم أضحك للحظات أخرى شاعرة أنني أقترب كثيرا من الجنون وفي زمن قياسي !!!.

لتأتي بعد كل هذا أيام العزاء الكئيبة .. عندما كان جميع الأقارب والأصدقاء متواجدين حولي .. وكان زوجي يحاول أن يبدو قويا متماسكا أمام الجميع لكني كنت أرى دموعه تغالبه بين الحين والآخر حين يظن أن أحدا لا يراه .. أما أنا فكنت أنظر إلى جميع أقاربي دون اكتراث .. عالمة أن لحظات التعاطف والحزن هذه ستنتهي بعد نهاية العزاء !!!.

هكذا تسير أيام العزاء دائما .. في أول يوم يعيش أهل المتوفى الصدمة وقد قتلتهم اللوعة .. في اليوم الثاني نجد هناك جواً من الهدوء والقبول بالنصيب مع ابتسامات حذرة حزينة .. في آخر أيام العزاء تجدهم يضحكون ويمرحون وقد نسوا كل شيء عن الفقيد العزيز واستعدوا للعودة إلى حياتهم الطبيعية !!!.

أما أنا .. فكنت واثقة تماما أن أحزاني لن تنتهي ولن أتقبل أمر وفاة ولدي الحبيب على الإطلاق .. إذ رحت أقضي الوقت كله في غرفته .. ألعب في ألعابه .. أنام بالقرب من سريره .. أقرأ له القصص .. أعامله كأنه موجود .. فأتخيل وجوده في الغرفة 

وأتحدث معه وأتجاوب بحنان مع كلماته القليلة التي كان يتعلم نطقها قبل وفاته .. أتحدث مع صوره التي أتلفتها دموعي .. بل ورحت مع مرور الأيام أشتري له الهدايا في الأعياد .. وأشتري له بين الحين والآخر ثيابا تتناسب مع عمره لو كان حيا !!!.

كنت أفعل هذا دون توقف .. حتى بدأ زوجي يخشى على حالتي النفسية كثيرا .. وأخبرني صراحة أنه يخشى أن أكون في طريقي لفقدان عقلي !!! .. فحاول المسكين أن يخرجني من تلك الدوامة وأن يساعدني لأتجاوز محنتي وأقبل في قضاء الله وقدره .. فاقترح أن نتبرع بثياب ولدي إلى الأسر المحتاجة .. وأن نعطي ألعابه لمن يريد من أطفال أقاربنا .. على أن نسافر بعد ذلك بعيدا عن كل شيء لنشحن طاقاتنا لحياة جديدة.

ماذا كانت ردة فعلي تجاه كلامه ؟؟!! .. لقد أغلقت الباب في وجهه بقسوة وغلظة .. ورحت أطلب منه بصراخ هستيري أن يتركني وحدي في غرفة ولدي .. فأنا لم أحتمل اقتراحاته تلك ولم أقبل حتى مناقشتها .. بل اتخذت بالمقابل جانبا عدائيا من زوجي .. حتى تشاجرت معه بعد مرور 3 شهور على وفاة ولدي وطردته من الشقة في خلافنا الأخير .. فشعر باليأس من حالتي كما يقول .. ورحل عني حزينا مهموما .. بل وأرسل لي ورقة الطلاق بعدها ببضعة أسابيع .. خاصة بعد أن عزلت نفسي عن العالم بأكمله .. ورفضت تماما فكرة الذهاب إلى طبيب نفسي كما كان الجميع يقترح.

والواقع أنني لم أكترث إطلاقا لحمل لقب (مطلقة) في هذا العمر المبكر .. إذ كنت أريد البقاء مع روح ولدي فحسب .. أعيش في غرفته .. في ذكراه .. وكنت سعيدة راضية بذلك .. ولا أنسى أن أذكر أن والدي وأشقائي قد طلبوا مني أن أترك الشقة للإقامة في بيت العائلة بعد طلاقي .. لكني رفضت تماما .. ووقفت بوجه الجميع في عناد غريب لم أظن يوما أنني أمتلكه .. فكيف أترك المكان الذي يحوي ذكريات ولدي الحبيب ؟؟! .. كيف ؟!!.

مرت بعدها أياماً طويلة على حدوث الطلاق دون أن يتغير شيئا في حياتي التي اخترتها لنفسي والمحصورة في ذكرى ولدي فحسب .. قبل أن أجد نفسي أمام أحداث جديدة  وتطورات خطيرة جعلتني أنزلق إلى عالم غامض مجهول لم أعرفه من قبل !!!.

كان هذا عندما بدأت تلك الأحلام الغريبة بالظهور في منامي وباتت تتكرر في كل ليلة بإصرار غريب !!! .. نعم .. إذ راح ولدي يظهر لي في أحلامي باستمرار دون توقف .. حيث كان يظهر لي دوماً حزينا يبكي بأسف يقتلني قتلا ويزيدني لوعة في كل مرة أستيقظ فيها من النوم وأتذكر تفاصيل الحلم.

كنت واثقة أن روحه تزورني في عالم الأحلام لتوجيه اللوم لي !!! .. إنه يلومني على إهمالي الذي جعله يقع في حوض السباحة دون أن أنتبه .. قد يقول بعضكم أنني يجب ألا ألوم نفسي كثيرا .. وأننا جميعا قد نخطئ أحيانا .. لكني أقول لكم أن بعضنا قد ينسى مفاتيحه بمكان ما .. وبعضنا ربما يضيع هاتفه النقال .. أما أن تنسى الأم ولدها الصغير بالقرب من حوض السباحة في ذلك النادي اللعين وتنشغل مع صديقاتها في الحديث عن أمور نسائية تافهة ؟؟!! .. فهذا لا يغتفر على الإطلاق !!!.

والواقع أن تلك الأحلام لم تكن آخر الأحداث .. بل بدايتها فحسب .. فقد كانت مجرد مقدمة لتطورات أخرى مذهلة لا تصدق .. كيف ؟! .. تابعوا معي.

كنت في ذلك اليوم - كعادتي مؤخرا - أعيش في عالمي الخاص الذي صنعته لنفسي منذ وفاته .. أتحدث إلى الهواء متخيلة وجود ولدي بجانبي .. أمسك بأحد ألعابه 

.. عندما سمعت فجأة ذلك الصوت !!! .. نعم .. لا مزاح في الأمر .. إنني لم أمزح مع أحد منذ زمن طويل .. لقد كان هذا صوت ولدي دون شك .. كنت أسمع بكاءه بوضوح شديد !!! .. ليس في الأحلام هذه المرة .. بل في عالم الواقع .. رغم أنني وحيدة في الشقة ولا يوجد أحد هنا غيري كما علمتم.

لقد توقف قلبي للحظة .. أو هذا ما بدا لي .. والتفت بلهفة مجنونة وأنا أقسم في قرارة نفسي أنني سمعت صوت بكاءه جيدا .. حتى أنني رحت أركض بلوعة شديدة في كل مكان في الشقة بحثا عن مصدر ذلك الصوت دون أن أشعر بأي خوف أو حتى أفكر بموضوع الأشباح الذي لا شك أنه قد طرأ في أذهانكم جميعا !!! .. لقد أحسست للحظة أن الله سبحانه وتعالى قد أعاد ولدي إلي !!! .. ولا يلومني أحد على هذا الإحساس .. فهو التفسير الوحيد للصوت الذي سمعته.

لكن .. لم أجد أحداً في الشقة رغم أنني بحثت في كل مكان .. خاصة حيث مصدر الصوت وهو غرفة نومي كما ظننت !!! .. فتوقفت أخيرا في الغرفة مشدوهة .. أنظر حولي بيأس .. ثم نظرت إلى الدولاب .. مهلا .. أعتقد أن الصوت كان مكتوما وكأنه منبعث من الدولاب !!!.

اتجهت ناحية الدولاب وأنا ألهث .. فتحت الباب سريعا لأصطدم بثيابي ولا شيء سواها .. رحت أنبش بين الثياب .. دون أن أعثر على شيء بالطبع .. لقد بدأ يراودني ذلك الشعور الغريب لأول مرة في حياتي وهو الاقتناع أنني في طريقي إلى الجنون كما قال زوجي السابق !!! .. يبدو أنه لا مناص من الاعتراف .. إنني أفقد عقلي فعليا .. لا يوجد تفسير آخر غير هذا.

تدور تلك الخواطر المتضاربة في ذهني ورأسي لا يزال في الدولاب حيث أبحث في كل جوانبه بيأس شديد .. لأمر بعدها بموجة حزن جديدة أجهشت فيها بالبكاء .. وهو أمر معتاد أمر به كثيرا منذ وفاة ولدي .. الدموع تنهمر من عيني دون توقف وتتلف ثيابي المعلقة .. قبل أن يقع بصري بالصدفة على ألبوم الصور العائلية الموجود في زاوية الدولاب .. يااااه .. ذلك الألبوم .. إنني لم أفتحه منذ فترة طويلة !!! .. لقد غطّت عليه فساتيني الطويلة حتى نسيت أمره تماما قبل أن أراه الآن .. وهذا يحدث كثيرا كما تعلمون .. فأخرجت الألبوم بأسى وأنا أمسح دموعي .. وتوجهت به إلى فراشي لأطلع عليه وأستذكر الصور الموجودة فيه.

رحت أتصفح الألبوم ودموعي لم تجف بعد .. أستذكر تلك الأيام الجميلة .. منذ حوالي 8 سنوات .. حين كنت في ال 12 من العمر وفي بدايات سن المراهقة .. وحين كانت العائلة تذهب في أغلب أيام الإجازات إلى منتزه (الخيران) الشهير .. فكانت معظم الصور الموجودة في الألبوم قد تم التقاطها هناك .. حيث أرى صوري المتعددة وكل ما فيها يوحي بالسعادة .. يا لها من أيام لا تنسى وذكريات بعيدة كأن من عاشتها فتاة أخرى .. فأنا الآن مجرد جسد بلا حياة بعد أن رحل ولدي عن هذا العالم .. و .. وجدت نفسي أبتسم بألم !!! .. إنها المرة الأولى التي أعترف فيها بموت ولدي في قرارة نفسي .. لقد كنت أتصرف دائما وكأنه موجود حولي .. حتى أنني خسرت كل شخص حاول أن يؤكد لي عكس ذلك.

قمت بعدها بوضع الألبوم في مكانه بعد أن تأخر الوقت .. وذهبت لأدس نفسي تحت اللحاف في غرفة ولدي كعادتي منذ وفاته .. حيث بدأت أتحدث إلى الهواء وأتخيل وجوده متدثرا باللحاف إلى جانبي في مشهد قد يخيف البعض كونه يدل دلالة واضحة على جنوني .. وربما يثير شفقة البعض الآخر .. حتى راح عقلي يغيب شيئا فشيئا في عالم الأحلام عالمة أنني سأحلم بولدي مرة أخرى ليظهر لي معاتبا حزينا .. لقد أصبح هذا أمرا معتادا كما تعلمون !!!.

ولكن .. في تلك الليلة تحديدا .. حلمت مرة أخرى بولدي بالفعل .. لكنه لم يظهر لي باكيا معاتبا فحسب كما حدث طوال الأيام السابقة .. بل حلمت به هذه المرة وهو ممسكا بألبوم الصور ذاته .. نعم .. ألبوم صور العائلة في منتزه (الخيران) الذي كنت أتصفحه قبل نومي بقليل !!!.

كانت هذه هي المرة الأولى التي أراه فيها في الحلم وهو ينظر إلي بجدية لا تتناسب أبدا مع سنه الصغيرة !!! .. لقد بدا لي وكأنه يحاول أن يخبرني بأمر هام .. أو يحذرني من شيء ما .. شيء يتعلق بألبوم الصور هذا كما يبدو .. ويحاول أن يجذب اهتمامي إليه لسبب مجهول !!!.

هذا يتجاوز الحلم بكل تأكيد .. لا شك أن ولدي يتواصل معي ليخبرني بأمر ما ويريدني أن أفعل شيئا بالمقابل .. وإلا لماذا كان يظهر لي كثيرا في أحلامي في السابق دون أن يفعل شيئا سوى النظر إلي حزينا معاتبا ؟!! .. ثم يأتي الآن فجأة ويظهر لي ممسكا بذلك الألبوم ؟؟!.

لكن .. حتى لو كان كل كلامي صحيحا .. فماذا يريد أن يخبرني برسالته ؟؟! .. ولماذا منتزه (الخيران) تحديدا ؟! .. ليتني أفهم ما يحدث لي .. ليتني أفهم !!! .. لقد تصفحت الألبوم أكثر من مرة حال استيقاظي من النوم .. ودققت النظر في صفحاته كثيرا أيضا دون أن أجد شيئا يستحق الذكر .. مجرد صور عائلية لا حصر لها والجميع ينظر إلى الكاميرا ويبتسم ببلاهة.

ظلت تلك التساؤلات تسيطر على عقلي بضعة أيام .. ثم راحت تكبر .. وتكبر .. خاصة مع ظهور ولدي المتتالي في أحلامي ممسكا بذلك الألبوم تحديدا .. الغريب أنه في كل مرة كان يبدو أكثر إصرارا .. وكأنه يريدني أن أكون هناك في موعد محدد يخشى أن أفوته !!!.

نعم .. إنه يريدني أن أكون في منتزه (الخيران) بأسرع وقت ممكن لسبب ما .. لا يوجد تفسير آخر كما ترون .. لقد قادني صوت بكاءه - الذي شككت للحظة أنه وهما - إلى الدولاب حيث عثرت فيه على ألبوم الصور هذا .. ثم بدأ بعدها يظهر في أحلامي في الأيام التالية ممسكا بالألبوم ذاته .. الأمر واضح ولا يخضع لأي تفسير آخر.

لكن .. يجب الاعتراف أولا أن الأمر ليس سهلا على الإطلاق .. لم أكن أملك البال الرائق لترك شقتي حيث ذكريات ولدي الحبيب وأذهب وحيدة إلى مكان يقضي فيه الناس إجازاتهم.

إلا أنني في النهاية حسمت أمري أخيرا .. وقررت الذهاب إلى منتزه (الخيران) كما طلب مني ولدي في أحلامي !!! .. بل واتممت إجراءات الحجز فعليا .. على أن أكون هناك في منتصف الأسبوع القادم .. أي بعد 3 أيام من الآن.

فجلست بعدها في شقتي أنتظر اليوم الموعود دون أن يحدث أي شيء يذكر في الأيام القليلة التي سبقت ذهابي .. سوى تكرر الأحلام ذاتها .. وظهور ولدي ممسكا بألبوم الصور ذاته .. مع زيادة نظرات الإصرار والترقب في عينيه .. وكأن الموعد يقترب .. لكن أي موعد ؟!! .. موعد ذهابي ؟!! .. موعد آخر أجهله ؟!! .. لا أعلم.

جاء اليوم الموعود أخيرا .. يوم الذهاب إلى المنتزه .. وبالطبع لم أخبر أحدا من العائلة بأمر ذهابي إلى هناك أو أحلامي المتواصلة كي لا يتم اتهامي بالجنون بشكل رسمي هذه المرة ويأخذوني مجبرة إلى مستشفى الطب النفسي.

أتذكر جيدا عندما وصلت إلى المنتزه حيث كانت الساعة لا تتجاوز الثالثة عصرا .. فوضعت حقيبتي في صالة الشاليه الصغير الذي حجزته لنفسي .. وجلست بعدها في غرفتي أنظر حولي بضياع .. ترى .. ماذا يريد ولدي ؟؟! .. لماذا كنت أرى في عينيه نظرات الإصرار وهو يمسك بالألبوم وكأنه يستحثني للمجيء إلى هنا ؟؟!!.

خرجت من الشاليه .. ورحت أمشي وحيدة في شوارع المنتزه حيث بدا لي هادئا وخاليا إلى حد ما .. فنحن في موسم الاختبارات النهائية .. وأغلب الناس منشغلين باختبارات أبناءهم .. أما أنا فكنت في عالم آخر .. أفعل أشياء معاكسة لما قد يفعلها البشر العاديون .. وبالطبع لا أنسى أن أذكر أنني بكيت مرات عديدة - كحالي دائما منذ وفاة ولدي - وأنا أمشي في شوارع المنتزه الصغيرة .. غير مبالية بنظرات الاستغراب التي يمطرني بها كل من يراني .. حتى عمال وموظفي المنتزه !!! .. أعلم أن كل هذا البكاء والحزن قد أصبح مملا .. لكني أكتب لكم ما حدث بكل دقة وأمانة.

ظللت على هذه الحالة إلى أن مر اليوم الأول بسلام .. فتوجهت عائدة إلى الشاليه .. ودسست نفسي تحت اللحاف .. ثم فتحت التلفاز ورحت أشاهد أحد الأفلام العربية القديمة منتظرة لحظات النعاس آملة أن تأتي بسرعة .. حتى أنني لم آكل شيئا منذ الغداء .. لكني اعتدت على هذا .. إن وزني يتناقص باستمرار دون أن أكترث.

تمر تلك الخواطر في ذهني وأنا أشاهد الفيلم بدون تركيز .. حتى شعرت أن عيناي قد ثقلتا فجأة بعد أن تأخر الوقت كثيرا .. وأنني أتثاءب وأغرق شيئا فشيئا في عالم الأحلام.

لا أعرف متى استيقظت من النوم .. ربما كانت الساعة لا تتجاوز العاشرة صباحا .. لكني أتذكر جيدا ما أيقظني .. كان هذه المرة صوت صراخ .. نعم .. صراخ ولدي !!! .. يا إلهي .. إنه يصرخ هذه المرة .. بل يبكي بأعلى صوت !!! .. مهلا .. مهلا .. يا إلهي .. هذا ليس حلما .. هذا الصوت أسمعه جيدا .. تماما كما سمعته في شقتي .. إنه صوت قريب من هنا .. أقسم أنني كدت أن أجن فعليا هذه المرة .. فقد شعرت أن ولدي الميت يحتاج مساعدتي .. جملة متناقضة للغاية لكن هذا ما بدا لي !!! .. إنه يصرخ ويبكي .. وقلبي يحترق فعليا وأنا أستمع إلى كل هذا عاجزة عن التصرف.

نهضت من مكاني كالملسوعة .. ورحت أبحث بفزع في كل مكان في الغرفة .. أحاول التركيز قليلا لمعرفة مصدر الصراخ .. لا .. إنه يأتي من الخارج .. خارج الشاليه !!! .. ارتديت ثيابي سريعا وقد طار كل أثر للنوم من عيني .. ولم أكترث لأشعة الشمس التي آذت عيني كثيرا كوني قد استيقظت للتو .. ولم أكترث لحرارة الجو الشديدة أيضا .. كنت فقط أبحث عن مصدر الصراخ .. صراخ ولدي .. لماذا يبكي بهذه الحرقة ؟؟! .. حتى لو كنت واهمة .. لا أستطيع أن أتجاهل هذا الوهم !!!.

رحت أنظر حولي ملتاعة باحثة عن ولدي وأشعة الشمس تحرق عيني .. قبل أن .. قبل أن أعثر عليه !!!! .. لا .. لم يكن ولدي بالطبع .. بل طفل آخر لا أعرفه .. طفل لمحته في البحر وقد جرفته الأمواج !!! .. كان يحاول أن يصرخ .. لكن وجود الأطفال حول الشاطئ مع ضجيجهم قد أخفى صراخه تماما .. كيف سمعته أنا ؟!! .. هل كان صراخ ولدي هو ما قادني إلى ذلك الطفل ؟!! .. لا أعلم .. لم أجد الوقت لأفكر .. ولم أجد الوقت لأستغيث بأحد .. بل قفزت مسرعة إلى البحر بكامل ثيابي أمام نظرات الاستغراب من الجميع .. ورحت أسبح كالمجنونة وألهث بكل قوتي قبل أن أصل إليه أخيرا وهو على وشك الغرق !!! .. إنه مشهد مكرر .. عشته منذ شهور قليلة عندما سبحت بكامل ثيابي لأنقذ ولدي لكني فشلت .. وها أنا الآن أسبح أيضا بكامل ثيابي وبكل قوتي لأنقذ ذلك الطفل .. و .. أمسكت به بكل قوتي وهو يكاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة !!!.

احتضنته بشدة .. يا إلهي .. وكأنني أحتضن ولدي نفسه .. لكن .. يجب إنقاذه أولا .. فسبحت مسرعة عائدة إلى الشاطئ حيث أرى قلة من الناس وقد تجمهروا بعد أن انتبهوا لما يحدث أخيرا .. أستطيع أن ألمح أهله وصراخهم .. في حين لمحت والدته وهي تركض آتية من داخل أحد الشاليهات وتصرخ بلوعة حقيقية !!!.

وصلنا إلى الشاطئ أخيرا .. فوضعت الطفل على الأرض سريعا ورحت أحاول عمل التنفس الصناعي وأضرب صدره بقوة .. هكذا رأيتهم يفعلون في الأفلام .. هذا المشهد يتكرر كثيرا حين يتم إنقاذ شخص من الغرق .. لكني لم أراه يحدث في عالم الواقع .. آمل أن يحدث .. أرجوك .. يا رب .. يا رب .. لا تجعلني أعيش المأساة مرتين .. أتوسل إليك .. لن أحتمل صدمة ثانية يا رب .. الناس حولي حتى حجبوا عني الشمس تماما لكن لم يتجرأ أحد منهم على الاقتراب من الطفل بما فيهم والدته نفسها !!! .. و .. سعل الطفل بقوة .. وبدأ يلتقط أنفاسه أخيرا .. فتعالت الأصوات من حولي وراح الجميع يطمئنون على سلامته في حين راحت والدته تضمه بقوة إلى صدرها وهي تجهش في البكاء.

أما أنا .. فرحت أنظر إليهم ببلاهة غير مصدقة ما حدث وما قمت بفعله للتو !!! .. أنظر إلى الأم وإلى طفلها الذي أنقذته .. يا إلهي .. إنه في عمر ولدي !!! .. في عمر ولدي تماما .. لحظات قليلة قبل أن تترك الأم ولدها وتأتي إلي لتحتضنني بقوة وتقبل رأسي ويدي وتشكرني بحرارة وتقسم أنها مدينة لي بحياتها .. وأنها لن تنسى أبدا هذا الجميل .. وراحت تخبرني باسمها ومكان سكنها وأنها ستعتبرني أغلى صديقاتها من الآن فصاعدا .. بل وأقسمت أنني سأتناول العشاء معهم الليلة .. يحدث كل هذا دون أن أبدي أي استجابة أو ردة فعل .. بل كنت أهز رأسي وأغمغم بكلمات لم أفهمها أنا نفسي.

و .. شيئا فشيئا .. ابتعد الناس عنا .. وتركتهم بدوري متجهة إلى الشاليه كي أستبدل ثيابي المبللة والتساؤلات تلتهم عقلي التهاما وأنستني كل شيء آخر !!! .. هل كان ولدي يريد تحذيري مما سيحدث ؟؟! .. هل اتصل بي في أحلامي وفي وعيي أيضا أثناء وجودي في الشقة كي آتي إلى هنا وأنقذ ذلك الطفل ؟؟!! .. أم أنني قد جننت فعليا وجنوني هو من قادني إلى هنا لأعثر على الطفل بالصدفة وأنقذه قبل غرقه ؟؟!! .. لا أعلم.

المهم أنني أخذت حماما ساخنا .. وجلست في الشاليه مسترخية أمام شاشة التلفزيون شاعرة براحة نفسية غريبة لم أشعر بها منذ وفاة ولدي .. حتى مر الوقت سريعا .. لأنتبه فجأة أن الساعة تقترب من الثامنة مساء .. فارتديت بعدها ثياب الخروج .. وخرجت تلبية لدعوة والدة الطفل .. ليستقبلني الجميع بترحاب هائل وكأنني نجمة سينما يراها عشاقها على الطبيعة لأول مرة .. الغريب أنني وجدت نفسي أبتسم لأول مرة أيضا منذ مدة طويلة للغاية وأندمج معهم في الحديث حول قضايا الساعة .. ومن ثم الحديث حول الأزياء والموضة .. وكل ما تتحدث بشأنه النساء عادة.

ولا أنسى بالطبع ذلك الطفل الصغير الذي أنقذته .. إذ جاء ليلقي علي التحية ويشكرني بنفسه بكلمات متلعثمة بريئة .. فاحتضنته بحرارة بالغة .. بل وبكيت بحرارة أيضا أمام أعين الجميع حتى سالت الدموع منهم دون أن يعرف أحد سبب بكائي الحقيقي .. إذ لم أخبرهم شيئا عن حياتي الخاصة وعن فقداني لولدي.

وهكذا مرت الساعات سريعة حتى شعرت أن موعد النوم قد حان أخيرا بعد أن بدأ النعاس يداعب عيني .. فشكرتهم كثيرا على لطفهم وكرمهم ووعدتهم أن نكون على اتصال دائم .. لأخرج بعدها عائدة إلى الشاليه حيث شعرت أن جفوني قد ثقلت تماما .. لكن هذا لم يمنعني من التفكير دون توقف بما حدث لي .. هل كان هناك اتصال نفسي غامض تم مع ولدي حيث أرشدتني روحه لإنقاذ ذلك الطفل ؟؟!! .. أم أن الأمر قد تم بالصدفة البحتة ؟؟!! .. لم أجد الإجابة على هذا السؤال. 

أبدلت ثيابي حال وصولي إلى الشاليه .. ودسست نفسي تحت اللحاف .. لأغرق بعدها سريعا في عالم الأحلام من شدة الإرهاق .. قبل أن يظهر ولدي مرة أخرى .. نعم .. لقد زارني هذه المرة أيضا في أحلامي .. لكن .. لكن .. هذه المرة تحديدا كان يبتسم !!! .. يا إلهي .. كان يبتسم بالفعل ولأول مرة منذ ظهوره في أحلامي !!! .. واحتضنني بحرارة في الحلم لأول مرة أيضا .. فاحتضنته بدوري شاعرة بارتياح نفسي لم أشعر به في حياتي.

لقد اتضحت الصورة كاملة الآن .. إذ كان ولدي الحبيب يحذرني طوال الأيام الماضية  ويريدني أن أنقذ ذلك الطفل .. وكأنه يريد مساعدتي لأعيد اعتباري لنفسي .. وأعتقد أنه نجح في ذلك إلى حد كبير .. نجح حين أوصلني إلى منتزه (الخيران) وجعلني أنقذ حياة الطفل بنفسي !!!.

لقد استيقظت في اليوم التالي شاعرة أنني أفضل حالا بكثير .. ولأول مرة منذ بضعة شهور .. أجد نفسي أبتسم أمام المرآة في الحمام .. شاعرة أنني سأتجاوز تلك المحنة وسأعيش حياتي مرة أخرى .. فقد رضي عني ولدي الآن .. إنني واثقة من ذلك .. هذا ما رأيته بنفسي في الحلم.

وبالطبع .. لم تنتهي القصة عند هذا الحد .. فقد تفاجأ جميع أفراد عائلتي بوجودي بينهم مرة أخرى بعد انقطاع تام عن العالم .. رآني الجميع وقد بدأت أعود لحالتي الطبيعية وأعانقهم واحدا تلو الآخر وأطلب منهم المغفرة على سوء معاملتي لهم جميعا  .. بل أنني اتصلت بزوجي بعد ذلك .. ورجوته أن يسامحني بعد أن حاول كثيرا في السابق إنقاذي من محنتي والبقاء إلى جانبي .. لكني كنت أصده دائما وأبعده عني كما علمتم.

لقد توسلت إليه أن يتقدم للزواج مني مرة أخرى وأقسمت له أننا سنعيش في سعادة وسأكون له خير زوجة .. المسكين .. لقد كان يحبني بحق .. فقد انفرجت أساريره .. ولم يفرط في فرصة إعادتي .. ليتم كل شيء بسرعة .. ونتزوج مرة أخرى .. لتبدأ عجلة حياتي بالدوران بعد أن توقف الزمن طويلا بالنسبة لي.

ماذا ؟! .. تسألون إن كنت قد حلمت في ولدي مرة أخرى ؟؟! .. لا .. لم يحدث هذا .. لقد كانت لديه رسالة يريد إيصالها إلي فحسب .. وقد فعل .. فساعدني لأرد اعتباري لنفسي .. وأنقذ حياة ذلك الطفل كما رأيتم .. بل وحياتي نفسها .. ليرحل عني أخيرا .. لكنه رحل هذه المرة وأنا راضية تماما بقضاء الله وقدره .. شاعرة أنني لست مجرد امرأة سيئة فاشلة سمحت لولدها أن يموت أمامها بسبب إهمالها .. فقد أنقذت بالمقابل روحا أخرى حتى وإن لم تكن روح ولدي .. إن ما فعلته قد أرضى ولدي وهو ما يرضيني تماما.

المعذرة .. لقد نسيت أن أذكر نقطة هامة جدا لم تثر انتباهي في بداية القصة .. فنحن نحلم في الموتى كثيرا .. حتى وإن تكررت أحلامهم على نحو غريب كما حدث معي .. لكن ما أثار انتباهي هو سماعي لصوت ولدي أكثر من مرة أثناء يقظتي كما ذكرت سابقا .. ولا ننسى صراخه الذي أيقظني من النوم في ذلك اليوم في الشاليه لإنقاذ ذلك الطفل .. فقد عرفت فيما بعد أن هناك ظاهرة غريبة من ظواهر ما وراء الطبيعة يطلق عليها اسم ؟ظاهرة سماع /çwat almwto" /w (clairaudient) ..ة  وكما هو واضح من الاسم .. فإن هذه الظاهرة عبارة عن سماع الإنسان لأصوات مجهولة بوسيلة مجهولة أيضا .. وغالبا ما تكون تلك الأصوات هي لموتى وتكون متعلقة برؤية المستقبل .. تماما كما حدث معي في هذه القصة العجيبﯿ !! .. كيف يعرف الموتى بالمستقبل كما عرف ولدي ما كان سيحدث حين حذرني لإنقاذ ذلك الطفل ؟؟! .. إنه سر لن أعرف إجابته على الأرجح .. إلا أنني أعرف الآن يقينا أن هذه الظاهرة حقيقية .. ربما لن يصدقني أحد .. لكن هذا لن يهمني كثيرا .. المهم ما حدث .. وما عشته بنفسي وكيف أثر كل هذا على حياتي وجعلني أحيا من جديد.

*هذا ما يقوله الباحثين حول تلك الظاهرة والتي تسمى باللغة العربية (الجلاء السمعي) .. حيث تعتبر واحدة من أشهر ظواهر علم نفس الخوارق (الباراسيكولوجي) .. وكما هو موضح في سياق القصة .. فإن هذه الظاهرة تتمثل بالقدرة على الحصول على معلومات عن أحداث أو أشخاص من خلال حاسة سمعية داخلية ليس لها علاقة بحاسة السمع التقليدية .. وقد أجريت أبحاثا كثيرة حول تلك الظاهرة وتجارب لا تحصى .. ومن الممكن أن تجد العديد من تلك الأبحاث في الانترنت .. لكن نتائجها لا زالت محل جدل حتى الآن .. ولا زال هناك الكثير من المشككين الذي يربطونها بأوهام وتهيؤات مرتبطة بأمراض نفسية.

لقد عرفت أيضا أن هناك قصص مذهلة عن الارتباط النفسي الرهيب بين الأم وأبناءها .. إن الأطفال هم قطعة من روح الأم انفصلت عنها .. لذا فالاتصالات النفسية بين الأم وأطفالها قابلة للحدوث .. فمن منا لم يمر بموقف كهذا ؟؟! .. تتألم وتحزن ثم تعود لوالدتك .. فتصارحك أنها كانت تشعر بانقباض شديد في الوقت نفسه الذي مررت فيه أنت بتجربتك السيئة .. بل أن هناك حادثة شهيرة في (الولايات المتحدة الأمريكية) عن أم شعرت بآلام حادة في بطنها .. وفي المستشفى بحثوا عن التهاب في زائدتها الدودية لكنهم لم يعثروا عليه أبدا .. وبعد ساعات قليلة .. رن جرس الهاتف وكانت ابنتها تخبرها بأنها أجرت جراحة الزائدة الدودية منذ قليل وأنها الآن بخير* !!!.

تمر تلك الأفكار في ذهني وأنا أشاهد صورة ولدي الحبيب مرة أخرى .. لكني كنت مبتسمة هذه المرة وأنا أقول لصورته:

إنك لم تنقذ حياة ذلك الطفل فقط يا عزيزي .. بل أنقذت حياتي أنا .. أنقذت عقلي من الجنون .. لقد عرفت أخيرا بفضلك وحدك .. أن الصراخ الذي كنت أسمعه حولي لم يكن من عقل مريض مكدود مضطرب .. بل هو صراخ حقيقي يأتي منك لينقذني وينقذ ذلك الطفل .. أشكرك يا ولدي الحبيب .. إنك جزء من روحي .. وستظل في قلبي وعقلي ما حييت !!.

أقول لنفسي هذا الكلام .. وزوجي يحيطني بذراعيه بعد أن عاد إلي .. مستغربا من عودتي إلى الحياة على حد قوله بعد أن يأس تماما من إخراجي من دوامة الحزن والاكتئاب التي سيطرت على حياتي .. لكني كنت أبتسم فحسب أمام نظراته المتسائلة دون أن أخبره بتفاصيل ما حدث خوفا ألا يصدقني .. لكن بعد تفكير .. وجدت أن لا ضرر هناك من كشف السر وكتابة قصتي حتى يقرأها الجميع - وإن لم يصدقها أحد 

*واقعة حقيقية

 

بمن فيهم زوجي - ليعلموا كيف تسبب إهمالي بموت ولدي غرقا .. وكيف زارني في أحلامي وكأنه يريد منحي فرصة أخرى لأرد اعتباري وأنقذ ذلك الطفل من الغرق .. وها قد فعلتها وأنقذته بالفعل .. والفضل كله يعود لولدي .. ولدي الحبيب.

 

 

((إنه لأمر جلل أن تقرر إنجاب طفل، فهذا يعني أنك تقرر السماح لقلبك بأن يحوم خارج جسدك إلى الأبد)).

 

إليزابيث ستون

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا