التأهيل المهني ومشكلة الطفل السارق

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2025-02-12

9. التأهيل المهني 

أثناء خدمتي الإلزامية في الجيش فقدت يدي اليسرى وسرحت منه، وقد واجهت مشكلة نفسية كبيرة هي عدم قبولي من جديد في عداد الناس المنتجين، إنني قوي الإرادة والعزيمة وأريد أن أكون فرداً منتجاً وأن لا أعيش عالة على غيري.

فكيف يكون لي ذلك في خضم هذا المجتمع.

صياح. د

كثيراً ما يصاب الفرد بعاهة تقعده عن أن يزاول عمله كالسابق، كما حدث لك أثناء تأدية خدمتك في الجيش أو في أصابات العمل أو الحوادث الأخرى .. الخ. أو قد يكون الإنسان معوقاً بحالته الراهنة عن أن يجد عملاً يحقق فيه الكفاية الإنتاجية اللازمة لتحقيق مستوى مناسب من الكسب. وهنا يأتي دور التأهيل المهني، حيث يجمع بين التوجيه والتدريب المهني ليخدم فلسفة تقوم على أساسين: أحداهما تحقيق ذاتية العامل وكرامته وإنسانيته، وثانيهما تعبئة كافة المجتمع لخدمة الإنتاج.

أما مهمة الإخصائي النفسي في مجال التأهيل المهني فهي دراسة الفرد المصاب بالعاهة من حيث إمكانياته وقدراته الجسمية والنفسية الخاصة ليوجهه إلى العمل الذي يرى إنه مناسب له بحالة عجزه الراهنة، ثم مساعدته في التدريب على هذا العمل لإجادته. ويتخلل ذلك تقديم جوانب أخرى من العون مثل المساعدة عن طريق الإرشاد والعلاج النفسي على تقبل حالة العجز والقليل من آثارها على حالته النفسية، ومثل مساعدته على الالتحاق بالعمل الذي يختاره له، ومتابعته بعد تعينه في هذا العمل لمساعدته على حل ما يجابهه من مشكلات في توفقه المهني.

ويعتبر التأهيل المهني في المرتبة الأولى خدمة إنسانية إذ يحقق للفرد استمراره في العمل والإنتاج فيحفظ له كرامته كإنسان يبغي العمل لكسب العيش ولتحقيق الذات، ومن جانب آخر نجد أن الدراسات والتقارير التي كتبت عن الكفاية الإنتاجية والتوافق المهني لذوي العاهات تشير إلى إنهم يحققون مستوى مرضي في كليهما.

ومن بحث جرى على 4000 عامل من ذوي العاهات و6500 عامل من الأسوياء في 47 مؤسسة تبين أن ذوي العاهات كانوا أكثر إنتاجاً بنسبة 2ْپ، وأن سجلات حوادث ذوي العاهات كانت أفضل بدرجة واضحة من سجلات حوادث الأسوياء. كما قام أحد الباحثين بدراسة على 1008 عاملاً من ذوي العاهات في 63 مؤسسة تبين منها أن كفايتهم الإنتاجية فوق المتوسط بسبب تقارير أصحاب الأعمال، وأن نسبة تعرضهم للحوادث غير ملحوظة وأنهم أكثر انتظاماً في العمل من زملائهم الأسوياء. ويمكن الخروج من هذه الدراسات بنتيجة هامة، مؤداها أن كفاية ذوي العاهات وأهليتهم للعمل متشابهة لتلك الخاصة بالأسوياء ولا تختلف عنها.

وهكذا لا تؤدي عملية التأهيل المهني خدمة للعامل فقط، حيث تعيد لأولئك الذين ساءت حظوظهم فأصيبوا بالعجز صلاحيتهم للعمل وقدرتهم على الإنتاج فلا يصبحون عالة على المجتمع، بل وأيضاً تؤدي خدمة جليلة للإنتاج حيث يستفيد من تعبئة كافة الطاقات البشرية لخدمته فلا يستثنى منها حتى من إصابة عاهة معوقة.

* * *

 

10. مشكلة الطفل السارق

إنني خجلة من عرض مشكلة ابني عليكم

فأنا سيدة في الثامنة والعشرين من العمر، رزقت بثلاثة أولاد صبيان. ابني الكبير البالغ التاسعة يحيرني بما يقوم به من أعمال مخالفة للشرع والقانون!

فهو لا يفتأ يسرق من هنا وهناك بدون وعي منه أو عن وعي.

وربما يكون الأمر هيناً لو أن ذلك يحدث في بيتنا فقط.

فإن صحبته معي إلى إحدى صديقاتي أو أقربائنا فإنه يستغل انشغالي عنه بالتفتيش عن غرض ما أو نقود لسرقتها.

وهذا الأمر جعل الكثير من هؤلاء المعارف يتجنبونه ويحذرون أولادهم منه.

لهذا أصبحت أخشى على مستقبل ولدي ولا أعلم كيف أعالج الأمر؟

ريما. ص

من كثرة تجاربه، استطاع عالم النفس الدكتور آليزر، أن يعين لنا على ضوء دراسته وتجاربه مشكلة سرقة الأطفال بالدوافع والحوافز التالية:

1. أن الحوافز التي تحفز الطفل على السرقة هي أن الطفل من ناحية يريد أن يلعب دوراً له أهميته في الحياة، ولكنه من ناحية أخرى عنده شعور متأصل في نفسه بأنه عاجز عن تحقيق ذلك الدور بالطرق العادية الإيجابية، لذلك يلجأ إلى إشباع رغبته بتمثيل أفعال البطولة التي تثير الإعجاب في نفوس زملائه، والسرقة أفضل مثال لتلك الأفعال يستطيع بها أن يفاخرها ويعلو عليهم. والواقع أن الطفل كثيراً ما يسرق ليس حباً بالسرقة ذاتها ولا من أجل الشيء المسروق بالذات وإنما يسرق للحصول على شيء ما، قد يكون المال أو غيره، يستطيع به أن يجمع الأطفال حوله ويربطهم إليه، فالطفل الذي لا يستطيع أن يجتذب إعجاب زملائه به عن طريق تفوقه في اللعب أو العمل مثلاً قد يستطيع أن يشتري ذلك الإعجاب بوسائل أخرى قد تكون شاذة.

2. هناك حافر آخر غير طبيعي يعتبر من أهم الحوافز التي تدفع الطفل إلى السرقة وإلى السلوك المشكل على العموم، وهذا الحافز هو التذاذ الطفل وسروره من الشرور التي يقوم بها، وهذا الحافز يظهر في صور وأشكال عديدة. فالطفل الذي تعود السرقة مثلاً يقنع نفسه - كما يقنع الآخرين - بأنه عاجز تمام العجز عن أن يتقدم من الناحية الخلقية وأن كل إصلاح في هذه الناحية لن يجدي شيئاً، وهذا القول الأخير قول كثير ما تردد في الحقيقة على مسمع من الطفل. وفي هذه الحالة يكون موقف الطفل قريباً كل القرب من حالات العصابات القهرية لأن الطفل يحس بدوافع قوية لا يستطيع قهرها ولا مقاومتها تدفعه على السرقة وعلى أن يستولي على أشياء قد لا يعرف كيف يفيد منها. ثم أن السرقة توجد عنده نوعاً من التلطيف أو الرضا المؤقت إذا أخفق الطفل في أن يشارك غيره من الأطفال في بعض اللذات الأخرى، فهو بالسرقة يتيح لنفسه لذة مؤقته عابرة، حتى ولو تعرض أمره للانكشاف وتعرض هو بالتالي للعقوبة.

والواقع أن جزءاً كبيراً من سلوك الطفل الصعب الغرض منه الانتقام، فالأطفال الذين يسرقون يعتقدون أنهم بالسرقة ينتقمون لأنفسهم من آبائهم، لأن السرقة على الخصوص تعتبر من أشد الآثام إيلاماً لنفوس الوالدين، فالطفل يشعر بأن السرقة سوف تسبب لوالديه وللعائلة كلها الخزي والعار، وبذلك يقتص لنفسه، وهذا يظهر بوضوح من أن كثيراً من الأطفال يسرقون من البيت أشياء ليسوا في حاجة إليها ويخفونها، لا لشيء إلا لأنهم يعرفون أن أبويهم يعتزان بها، فالسرقة بذلك تكون أداة لتسبب الألم للوالدين، كما أنها تكون بمثابة تعبير عن اتجاه لا شعوري ثوري ضد المعاملة السيئة، وهذا يحدث في الأغلب للأطفال الذين يخضعون لنظام قاس من التربية يعاقب فيه الطفل على أتفه الأخطاء، ففي هذه الحالة يستوي في نظر الطفل الخطأ البسيط والذنب الكبير ما دام الجزاء في كلا الحالين واحداً، إذا انكشف أمر السرقة بطبيعة الحال.

ويلاحظ إنه كثيراً ما يصحب الشذوذ العقلي عند الطفل اضطراب خلقي، فيميل الطفل إلى السرقة والتخريب والهروب، ويكون ذلك في الغالب نتيجة لما يعانيه من وسائل الضغط المختلفة من قبل الآباء والمربين. فيضطره إلى كبت غرائزه، ولكن قوة الضغط لا تلبث أن تؤدي إلى الانفجار فيندفع الطفل تاركاً لغرائزه العنان فتنحرف به إلى طريق التخريب. ولذلك فإن أمثل الطرق لعلاج هذه الحالة تنحصر في رفع وسائل القمع المختلفة. وفي ذلك تقول مدام جريت معبرة عن رأي سيريل بيرت (إن أحسن وسيلة لتخفيف النزعة للجريمة هو أن نهيئ للطفل فرصة لاستنفاد حدته الغريزية الخطرة بوسائل لأخطر منها بدلاً من أن تضطره إلى كبتها تحت ضغط التربية العقيمة. فالطفل إذا كان حاد المزاج سريع الغضب لا يستطيع أن يغير طبيعته ولكننا بوسائل تعليمية تساير مزاجه وتهيئ له الوسائل لاستخدام نشاطه الفياض نستطيع أن نحدث في نفسه التوازن المطلوب لكبح جماح نفسه الثائرة).

ومن الوسائل التي يشير بها بيرت والتي اقتبستها نظم التربية الحديثة أن نعهد بكثير من النقود للطفل الميال للسرقة، وأن نهيئ لمحبي التشرد والهروب الفرصة لإشباع هوايتهم وحبهم للمخاطر عن طريق الكشافة والرحلات مثلاً. كل هذه الوسائل تحول دون النزعة للفساد إلى نزعة اجتماعية. ويشرح لنا كلاباريد طريقة هذا التحول أو التسامي بقوله: (من المحتمل أن إحلال النزعة الطيبة محل النزعة الضارة لا يكون ممكناً إلا إذا عرفنا الوظيفة التي كانت تؤديها تلك النزعة الضارة أو بمعنى آخر الحاجة الملحة التي كانت تشبعها. ففي الواقع يجب ألا ننسى أن الدوافع المختلفة التي تدفع الكائن الحي تكون غايتها دائماً إشباع حاجاته. فيجب على المربي إذاً أن يعني بإبدال النزعة الفاسدة بنزعة طيبة تقوم بنفس الدور الذي كانت به تلك من تلبيتها لحاجات الكائن الحي من حيث النمو الطبيعي والنفساني). وقد أطلق فرويد على هذا النوع من الأبدال الذي يحدث عادةً تحت تأثير الوسط التسامي. وإلى عهد قريب جداً كانت تربية الطفل المتمرد تنحصر في كسر شوكته وإخماد حركته وتكميمه، ولا داعي للقول بأن هذه الطريقة تحكم على هؤلاء المساكين بالموت أحياء. وقد حان الوقت لكي يتجرد الكبار من غطرستهم ويتعلموا كيف يستخدمون قوة الاندفاع عند الطفل على أن يوجهوها توجيهاً صالحاً قويماً.

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا