– لا أعلم، ربما حفره الكلب!
لقد أصبح يكذب الآن بسهولة وبدون أن يرتبك أو يرتجف صوته، فقد أتقن أخيراً ما يتقنه أهل بلده من خبث بالسليقة وما كان سائق التاكسي ذاك يتفاخر به..
وكان بالطبع يعلم لمن، لكنه استمر بالتظاهر بالجهل والبراءة:
تظاهر بالجزع من ذلك الاتهام:
ودفع ببعض الدموع إلى عينيه ثانية:
وأكمل وقد بدأ بالنشيج وترك بعض الشهقات تقطع كلماته:
استمر بالكلام وقد اندمج في أداء دوره حتى كاد يصدق نفسه:
واستغرق في البكاء والنحيب وقد ترك الدموع تغرق وجنتيه..
رق قلب الحارس وعاوده الشعور بالذنب «يا لقسوة قلبي! ألم يكفني أني بإهمالي قد تسببت بإفزاع هذا المسكين حتى أتهمه أيضاً بالتقاعس في أداء وظيفته!»
وبقي الحارس صامتاً للحظات وهو مستغرق في التفكير، فيما انهمك الحفار في البكاء وهو ينظر للحارس بطرف عينه بين الفينة والأخرى منتظرا أن يقطع صمته ويقول شيئاً ليعلم هل صدقه أو لا..
وأكمل الحارس كلامه وقد بدا قانعاً بالاستنتاج الذي توصل إليه، فيما بقي الحفار صامتاً وهو يحس كأن هماً ثقيلاً كان ينزاح عن كتفه رويداً رويداً مع كل كلمة من كلمات الحارس:
قال الحارس أخيراً للحفار بصوت حاول أن يجعله حازماً، ولكن الحفار استطاع بخبثه أن يستشف نبرة الحنان التي حاول الحارس إخفاءها بقسوة كلماته..
تظاهر بأنه يمسح دموعه فيما كان مستمراً في النشيج، وأمسك رفشه وأخذ يردم القبر كما كان وقد ترك الحزن المفتعل يبطئ حركاته حتى ابتعد الحارس عن نظره، وعندها نفض باقي الدموع من عينيه وأتم عمله بعجلة وجرى إلى غرفته مسرعاً.
لقد نجا مرة أخري! كان يحدث نفسه وقلبه يكاد يطير من الفرح، لقد نجا ولم يترك تمثيله المتقن أي ذرة من الشك في قلب الحارس، و استلقي في فراشه وغطى جسده المقرور بالغطاء الصوفي وهو يبتسم بسعادة...
ولكن ما كاد الدفء يسري في جسده حتى تذكر ما كان قد خرج لأجله، وتلاشت فرحته بالنجاة عندما إلي ذهنه ما خسره..
ضرب الفراش بقبضة يده غاضباً، فلولا ذلك الكلب لتمكن من قضاء الليلة مستمعاً بذلك الجسد الفتي، وها هو الآن وحده وقد عاد جوع جسده يقض مضجعه وهو يرتجف من البرد، وقد ضاعت للعبث بذلك الجسد هذه الليلة، بل وربما إلي الأبد، فلا بد أن الحارس سيشدد من قبضة حراسته بعدما حدث الليلة، ومن يعلم، فلربما تمكن من أقناع الموظف بالبدء في ترميم السور بسرعة لتمتلئ المقبرة بالعمال في الأيام القادمة...
وتقلب فراشه والغيظ يتآكله، فلن يتمكن من لمس ذلك الجسد البديع لفترة طويلة، ومن يعلم ماذا سيحدث للجسد بعدها، فقد كان يعلم بخبرته أن كل ذلك الجمال سيتلاشى ويفني، وسيأكل الدود ذلك الجسد الغض قبل أن تسنح له الفرصة للاستمتاع به.
حاول تعزية نفسه بأن سرعة فناء الأجساد تتفاوت من جسد لآخر، ربما كان محظوظاً و بقي ذلك الجسد الذي يشتهيه محتفظاً بجماله لفترة أطول، وخاصة أن الجو في هذا الفصل بارد جداً وقد تحفظ البرودة الجسد بوضعه الذي دفن به لبضعة أيام.
وغلبة النعاس وهو يتمني أن تمتلأ السماء بالغمام في الأيام القادمة ويهطل المطر حتى تحجب الغيوم حرارة شمس هذا البلد المحرقة في كل فصول السنة، ثم عاد وتذكر أن هطول المطر قد يعطل أعمال الترميم للسور وبذلك سيبقى العمال فترة أطول قد يتعفن خلالها جسده المنشود، وتلاطمت الأمنيات المتناقضة فيرأسه فلم يعد يدري ما يتمنى وهو يستسلم للنوم.
كان موظف المقبرة ينفخ بتأفف وسأم، فلم يتوقف الحارس الصامت عادة عن الكلام منذ الصباح الباكر إلا لالتقاط أنفاسه، وأخذ يعيد بتكرار ممل إخباره عن ما حصل ليلة أمس وعن ضرورة البدء بتصليح السور فوراً، بل إنه استدعى الحفار ليشهد بما حدث في الليلة الماضية، وبالطبع كانت دموع الحفار تسبق كلماته كما هو معهود من أهل بلده الذين يسارعون بالبكاء لأدنى سبب متظاهرين بالذل والمسكنة.
واستكمل كلامه ببرود : - هذه الإجراءات قد تستغرق أسابيع وربما أشهر، ومن يدري؟ ربما تكون هناك إجراءات أخرى لا أعلمها قد تستغرق وقتاً أكثر..
فزع الحفار وهو يحس بأن أمله بنيل ذلك الجسد يتلاشى أمام عينيه، وليس هذا فقط، فلا بد أن الحارس سيربض قرب ذلك السور كما فعل بالأمس حتى يتم إصلاحه، وبذلك لن يتمكن من تنفيذ الأعمال التي توكله بها صديقاته الساحرات لفترة طويلة، ولربما سئمن من انتظاره وتوجهن إلى مقبرة أخرى وجف معين الأموال التي كانت تتدفق عليه منهن.
وجالت الأفكار السوداء في رأسه، كيف سيستكمل بناء بيته، ومن أين سيدفع لأبيه الذي لا تنتهي طلباته، وماذا عن زوجته التي دفع حتى الآن الكثير من المال لعلاجها ولازالت إلي المزيد حتى تتعافي...
وأخيراً قرر أن يستجمع شجاعته ويتكلم، وابتلع ريقه بصعوبة وهو يحاول أن لا يتلعثم:
قاطعه الموظف صائحاً:
ارتجف من الخوف، فلم ينس بعد الصفعة التي تلقاها من ذلك الموظف ولا البصقة التي تبعتها عندما تدخل في ما لا يعنيه، ولكنه حاول التغلب على خوفه وعاد إلى الكلام متسلحاً بقناع من الذل رسمه على وجهه:
قاطعه الموظف وقد جحظت عيناه من الغضب:- ماذا تقول ؟
ثم توجه بنظره إلى الحارس:
أحني الحارس رأسه، فقد تعمد أن يتغاضى عن ذكر ذلك الجزء مما حدث حتى لا يعرض نفسه للوم والاتهام بالتقصير، إذ اعتقد أن مجرد تمكن الكلب من الدخول للمقبرة وتهديده لحياة الحفار سيكفي لإقناع الموظف...
قال أخيراً باستسلام، وقد قرر أن المحافظة على مقبرته العزيزة وعلى سلامة الأجداث التي أوكل بحراستها أهم من الحفاظ على وظيفته..
كرر الموظف والغضب يصبغ وجهه بالاحمرار.. : - وأين كنت أنت؟
قال الحارس وهو لا زال يحني رأسه..
قال الحارس وهو يغالب دموعه، فقد أحزنه أن يهان بهذا الشكل وهو في هذه السن الكبيرة، وخاصة أن ذلك يجري أمام الحفار الذي كان دائماً يحدثه باحترام ويهابه ويخشاه، واستمر الموظف في الصراخ والحارس يحس أن كرامته تتمزق أكثر في كل لحظة..
ولكن الحفار لم يكن معنياً في تلك اللحظة بكرامة الحارس، فقد أقلقه تصاعد الأحداث وخشي أن يفقد الحارس عمله ويتم استبداله بآخر، وما يدريه كيف سيكون ذلك الحارس الجديد؟ فلربما كان شاباً نشيطاً وأفسد عليه الحرية التي يتمتع بها الآن في التجول ليلاً بين المقابر ونبش أي قبر يشاء.. وقرر أن يخاطر مرة أخرى بمخاطبة الموظف:
قال الموظف والشرر يتطاير من عينيه وقد حول غضبه إلى الحفار..
ورغم خوفه فقد أحس الحفار وهو ينظر إلى عيني الموظف بأن غضبه كان نابعاً من خشيته أن يحمله رؤساؤه جريرة ما حدث، فتشجع للاستمرار في الكلام، واقترب من الحارس المسن وأحاط كتفه بذراعه متظاهراً بالتعاطف معه، وكاد يفتح فمه عندما فاجأه الحارس ودفعه بعيداً بلا شعور فقد كان يكره أن يلمسه احد...
اقترب الحارس من الموظف وواجهة ويحدق في عينيه بلا خوف، فقد ذكره ما قال الحفار بأنه لم يقصر في أداء وظيفته وليس لديه ما يخجل منه:
تدخل الحفار في الحديث مرة أخري متشجعاً بصمت الحارس و بخفوت وتيرة الغضب في صوت الموظف:
أيد الحارس ما قاله الحفار:
وعاد الحفار للحديث مستغلاً ما كان يعتبره نقطة الضعف التي تعلم بخبرته أن أهل هذا البلد لا يتمالكون أنفسهم أمامها، وهي قوة إيمانهم:
خفض الموظف رأسه مستسلماً، وأخذ يبحث بين الأرقام الموجودة في هاتفه حتى وجد الرقم الذي كانت لديه تعليمات مشددة بعدم استخدامه إلا للضرورة القصوى، فقد اقتنع أن الوضع يتطلب تجاوز رؤسائه المباشرين والتوجه مباشرة إلى من يستطيع اتخاذ قرار سريع متجاوزا كل الإجراءات الروتينية المعتادة:
وابتعد الموظف عن مرمى بصرهما وهو مستمر في الحديث وشرح الموقف، وتنهد الحفار بارتياح، لقد ضمن بقاء وضعه على ما هو عليه، ولن تمر عدة أيام حتى يتم إصلاح السور ويأمن هجوم ذلك الكلب أو سواه، ولا بد أن الحارس سيعود بعدها إلى، موعد نومه المعتاد ويتمكن هو من أن يجول في المقبرة كما يشاء ..
لقد فقد الفرصة ليتمتع بذلك الجسد، ولكن لا بأس ستكون هناك أجساد كثيرة غيره، ربما لن تكون بجمال جذعه المذهل، لكنها بالتأكيد ستكون سليمة الأطراف والوجه، وسيجد متعة أكثر في لمسها وتحسسها والعبث بها كما يشاء دون أن يفزعه منظر وجه ممزق كذلك الوجه.
وقبل أن ترتفع شمس الظهيرة لذلك اليوم كانت المقبرة قد امتلأت بالعمال، ولعدة أيام بعدها كان الحفار يتسلى بمراقبة العمال خلال عملهم، وكالعادة لم يرغب أحد منهم بمحادثته ولكنه لم يكترث، فقد أعجبه منظر خلاطة الإسمنت التي كانت تدور باستمرار وهي متوقفة خلف الجانب الآخر للسور وكان لا يمل من مشاهدتها..
وكان مفتوناً بصرخات العمال المستمرة التي كانت تعكر هدوء المقبرة، فقد بدا أن هؤلاء العمال يستعينون بالصراخ بدل الحديث، كان يحاول تعلم كلماتهم ويكررها وراءهم حتى صاح به أحدهم ظاناً أنه يستهزئ بهم، ولكنه استعان بالابتسامة البلهاء التي تمرس الآن على رسمها على وجهه حين الحاجة ليقنعهم بحسن نيته..
وتوقف العمال بعدها عن نهره كلما اقترب منهم، وخاصة أنه كان يحضر لهم الشاي ويجرى لمساعدتهم في وضع الأحجار الثقيلة مكانها دون أن يطلب أحد منه ذلك، فقد كان يريدهم أن ينتهوا من عملهم ويرحلوا بأسرع وقت، بينما ظنوا أنه يفعل ذلك لطيبته وسذاجته.
وقبل أن ينتهي الأسبوع كان العمل في السور قد انتهى وعاد إلى سابق عهده، ووقف مع الموظف والحارس يتأملون بسعادة الحائط الجديد، ولكن لا أحد كان بسعادته، فالآن سيخلو له الجو بعد أن تعود المقبرة إلى هدوئها الذي اشتاق إليه.
وكما توقع فقد عاد الحارس بعد إصلاح السور للنوم في موعده المعتاد وأصبح يتجول بعدها في المقبرة كما يشاء.
ودفعه الفضول يوماً لنبش قبر تلك المتوفاة الشابة ليرى ما حل بجسدها، وكم كانت خيبة أمله عندما كشف الكفن عنها، فقد تحول ذانك النهدان البارزان المتحديان إلى ما يشبه بالونين خاويين من الهواء، وتدليا على جانب جسدها ولم يشعر عند لمسهما إلا بالنفور يغمر نفسه، فقد كان ملمس جلدهما المترهل البارد مثيراً للاشمئزاز.
أما ذلك البطن المستوي المسطح فقد انتفخ وضاعت الحدود التي كانت مرسومة رسماً بين خصرها ووركها، وهزل فخذاها الممتلئان كأنما كانا منفوخين بالهواء وتم إفراغهما، ونظر إلى وجهها ليستكمل خيبته فقفز فجأة مرعوباً فقد ظن أنه رأى عينيها تتحركان، ودقق النظر بعد أن هدأ فزعه ليرى أن هناك دودة تتجول داخل حدقتيها.
أعاد ردم القبر وهو يتأسف بشدة على ذلك الجسد الذي ضاع هباء منثوراً وتحول إلى جيفة نتنة دون أن يستمتع به، وأخذ يلعن نفسه لتردده في نبش القبر منذ اليوم الأول وتضييعه لتلك الفرصة.
تعود بعدها أن ينصت باهتمام أكثر من المعتاد عندما يخبره الموظف بعدد القبور المطلوب حفرها للمتوفيات من النساء، وكان يسأل عن أعمارهن متصنعاً الحزن والأسى عندما يكن صغيرات في السن، ولكنه منذ رأى تلك الجيفة المقرفة كان قد فقد الرغبة في لمس الميتات أو نبش قبور أحد منهن.
وحتى من تم دفنهن حديثاً لم يكن قد وجد الجرأة بعد للاقتراب من قبورهن، واكتفى بأحلام اليقظة التي كان يسلي بها لياليه، والتي كان يتخيل فيها أجساد المتوفيات الشابات جاعلا جميع تلك الأجساد كذلك الجسد الذي لم ير في حياته أجمل منه.
وكان قد حاول عدة مرات أن يحوم بالقرب من غرفة تغسيل النساء منتظراً أن تستدعيه تلك المغسلة ليساعدها مرة آخري، ولكن ذلك لم يحدث، وخاب أمله فقد عاد جوع جسده يلح عليه في لياليه الخاوية، وكان يأمل أن يرى ما يستعين به خياله ليشيد تلك الأحلام ويجدد فيها.
وانتبه خلال جولاته الخائبة قرب تلك الغرفة لوجود نافذة طويلة أعلاها، حاول مرة في ظلام الليل أن يستكشف ما يمكنه رؤيته منها ولكنها كانت عالية جداً، وهداه تفكيره إلى الاستعانة بالأحجار التي تركها العمال خلفهم للوصول إليها.
أخذ ينقل الأحجار بحذر يوماً بعد يوم، وفرق تلك الأحجار قرب الحائط وباعد بينها حتى لا يشك أحد بسبب وجودها، جرب أن يرصها فوق بعضها عدة مرات حتى توصل إلى العدد الذي يمكنه من رؤية ما يدور في تلك الغرفة دون أن يراه أحد، وكان يحرص على إعادة تفريقها بعد أن ينتهي حتى لا يثير منظرها انتباه أحد من الموظفات أو أهل المتوفيات.
والآن أ صبحت المعلومات التي يمده بها الموظف دون أن يقصد ثمينة أكثر، فقد كان يتسلل بهدوء في الفجر ليشبع نظره برؤية أجساد المتوفيات الشابات اللواتي يتم تغسيلهن في ذلك الوقت ليتم دفنهن صباحاً، فقد كان هذا هو الوقت الوحيد الذي يضمن فيه أن لا يراه أحد.
وأدمن تلك المتعة المريضة حتى اضطرته قلة عدد المتوفيات الصغيرات في السن إلى خفض معايير الجمال لديه، وأصبح يتخذ مكانه عند تلك النافذة حتى لو كانت المتوفاة قد جاوزت سن الشباب، ولسعادته فقد اكتشف أن بعضهن كن يحتفظن بجمال أجسادهن حتى بعد تجاوزهن للخمسين، وخاصة إذا لم يسبق لهن الحمل والولادة ولم يمتهن الأطفال أجسادهن ويفسدوا أثداءهن.
ولا بد أن ذلك الحفار كان أحد السعداء القلائل بانتشار العنوسة في ذلك البلد، فقد كانت هنالك العديد من المتوفيات العوانس اللواتي تجاوزن سن الشباب وتجعدت وجوههن فيما ظلت أجسادهن مشدودة وفتية نسبياً، وكان هذا يهمه فلم تكن تعنيه الوجوه، بل كان الجسد هو كل ما يشتهي النظر إليه.
ومع الوقت لم يعد النظر يكفيه ولم تعد أحلام اليقظة تفيده، وعاد شيطان شهوته يزين له فتح القبور وافتراس الأجساد المدفونة فيها، حتى استسلم لشيطانه في أحد الليالي الحارة فتجرأ على نبش قبر إحدى المتوفيات التي كانت في الأربعين من عمرها، كان قد راقب المغسلات وهن يغسلنها في فجر ذلك اليوم فسلب عقله منظر جسدها الممتلئ وصدرها العامر..
هجم على ذلك الجسد ما إن وصل إلى الكفن، ولم تفلح برودة ذلك الجسد العاجز ولا جمود أطرافه وتصلبها في ردعه، وكم كانت فرحته عندما وجدها عذراء، إذن هكذا يكون شعور من يحصل على عذراء، ولم يضطر للزواج ولا دفع المال لرجل كذلك الذي قتله ليحصل عليها ..
وخرج من القبر والابتسامة ترتسم على وجهه وهو يهنئ نفسه، كم هو محظوظ بعمله، واعتاد بعدها أن يسأل الموظف متظاهرا بالحزن عما إذا كان للمتوفاة أولاد متأملاً أن يفوز بعذراء أخرى، وقادته فطنته التي خلقها خبثه وطول الفترة التي قضاها في العبث بأجساد الموتى دون عقوبة إلى السؤال أحياناً عن عدد أولاد المتوفين من الرجال أيضا حتى لا يشك الموظف بأمره.
كان يحرص على انتقاء ضحاياه بعناية ويترك فترات كافية بينهن يجلس فيها في غرفته بهدوء، فقد كان الحارس يتجول أحيانا في المقبرة قبل أن يخلد للنوم بعد تلك الحادثة، فكان يتظاهر بالاستغراق في النوم فور أن يراه قادما وربما حتى تصنع الشخير، وكان يتعمد ترك ستارة نافذته مفتوحة ليضمن أن الحارس قد رآه.
واكتشف مع الوقت أن الأجساد الطازجة التي تدفن بسرعة تبقى صالحة لفترة أطول، فقد كان أفضلها من تدفن في نفس يوم مماتها، ويا حبذا لو تم الدفن عصرا ليسعد هو بالحصول عليها ما أن ينتصف الليل، أما الأجساد التي تصل المقبرة مجمدة بعد وضعها في ثلاجة الموتى فقد كان الخراب يسري فيها بشكل أسرع.
وفي أحد الأيام دفعته رغبة لم يعد يستطيع مقاومتها في تجربة جسد طري إلى أن يتهور ويدخل غرفة تغسيل النساء، وكانت الموظفات مشغولات بغسل متوفاة في غرفة أخرى، كان سعيداً عندما عبث بالجسد الطري للمتوفية التي وقعت بين يديه، وكان خوفه من اكتشاف أمره في تلك اللحظات القصيرة التي انتهزها يضيف إلى متعته، فقد كان ذلك الجسد أدفاً من أي جسد حصل عليه يوماً...
وفجأة سمع خطوات المغسلات وهن يتجهن إلى الغرفة التي كان فيها، ولم يسعه الوقت للهروب، فاختبأ بسرعة تحت طاولة تغسيل الموتى التي كانت مغطاة بقماش مشمع كبير يفيض ليستر كل جوانب الطاولة اختبأ تحته وهو يرتجف، وظل صامتا كالفأر حتى انتهت المغسلات من عملهن وعدن إلى الغرفة الأولى..
خرج مسرعاً وهو يهنئ نفسه بالنجاة وقد عزم أن لا يعيد الكرة بعدها، ما أهمية أن لا يحصل على الجسد إلا بعد أن يبرد؟ المهم أن يشعر بالأمان وهو ملتحف بأستار الظلام وهل وع الليل وأن لا يخاطر بافتضاح أمره.
ورغم كل الانحطاط الذي تردى فيه، وحتى في أيام القحط التي لا تموت فيها إلا العجائز من النساء اللاتي أكل الدهر على أجسادهن وشرب، فلم يفكر يوما أن يقترب من أجساد الرجال، وقد صرخ غاضباً على تلك الساحرة الشابة عندما،أحضرت له يوماً فيلماً اكتشف بعد مشاهدته أنه لا يحوي إلا رجالاً:
وانفجرت الساحرة الشابة بالضحك:
قال وهو يتذكر باشمئزاز ما حدث له في ذلك اليوم الذي خرج فيه من المقبرة عندما حاول ذلك الرجل الحقير الاعتداء عليه..
قال يستعجلها فقد بدأت الشمس بالشروق وكان يخشى أن يمتلئ الشارع المعزول الذي يلتقيان به عادة بالناس، فقد كانت الفترة التي يلتقي فيها بها وبغيرها من الساحرات قصيرة جداً، إذ كان يستغل الدقائق القليلة بين انصراف المصلين من صلاة الفجر حتى شروق الشمس، والتي يخلو فيها ذلك الشارع من المارة والسيارات.
سألها وقد غلبه الفضول بعد أن صمت لعدة دقائق حتى يستوعب ما تعنيه..
غرقت الساحرة الشابة في الضحك من جديد ثم تمالكت نفسها وقالت:
خرج من سيارته وأخذ يتوسل إليها حتى لا تخبر أحداً بما رأت، ولكنها كانت مشغولة بالضحك على أكتافه العريضة العارية وعلى منظر صدره المكسو بالشعر تحتها الذي ضغطه بشدة تحت قميص ذا لون صارخ.
أخذ الحفار الصرة التي أعطتها له وودعها ليعود إلى المقبرة، وانهمك في عمله وهو لا زال يضحك في سره على تلك القصة الغريبة، كان دائماً ينتظر بشوقي مقابلاته مع تلك الساحرة، فقد كانت تمتعه دوماً بأحاديثها الطريفة ومرحها الدائم، آه لو كان يستطيع مغادرة المقبرة ليجلس معها لفترة أطول ويشبع من حديثها الشجي، ولكن لا بأس، ففي هذه المقبرة الحبيبة كل ما يريد وأكثر، ولا ضير في أن يضحي بمتعة بسيطة مثل الحديث الطويل مع ساحرته المحبوبة في سبيل كل ما يحصل عليه من فوائد.
التعليقات
للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا