السيد مسرور للكاتب فارس عاشور

  • الكاتب : q8_failaka
  • / 2024-12-20

1. السيد مسرور 

بعض الظواهر لا يمكن تفسيرها؛ ولذلك سميت ب (الخارقة). 

قد تكون فوق إدراكنا، وقد تكون - أصلا أمامنا طوال الوقت؛ ولكنها أسرع من حواسنا؛ فلا نراها. 

لا أحد يعلم. 

قد نرويها... قد نستمتع بها، ولكنها كانت في فترة من الفترات معاناة لمن عاشوها. 

ومع ذلك، ما زلنا سنقولها على أي حال؛ لأنها في الواقع... مُخيفة. 

بدأ الأمر عندما قام صبي بزيارة طبيب نفسي خاص بالأطفال مع والديه، هذا الطفل يتحدث باستمرار عن أحد (أصدقائه المفضلين0؛ كان صديقًا خياليا، وهذا طبيعي بالنسبة للأطفال وللأطباء النفسيين وللوالدين - أيضا - نظرًا لخيال الأطفال الواسع. 

هذا الصبي جاء بالأساس لأنه يعاني من الاكتئاب ونوبات العصبية المفرطة التي تصل للتكسير والصراخ والانعزال على عكس طبيعة الطفل التي اعتادها الوالدين. 

كان الطفل طوال الجلسة وحياته الطبيعية يتحدث عن صديقه الخيالي (السيد مسرور) وهذا اسمه؛ لأنه - دائمًا- مسرور ومبتسم، إلا أنَّه في هذه الحالة وعلى غير طبيعة الأطفال، لم يرضَ الطفل بالاعتراف بأن هذا الصديق خيالي؛ بل كان يصر على وجوده. 

قال له هذا الطفل إنه حين يعاني من نوبات الغضب والاكتئاب كان يرى (السيد مسرور) فورًا، كان يعطيه شعورًا بالأمان وبأنَّ كلّ شيءٍ على ما يرام، وكلّ الغضب والحزن يختفيان. 

ومع ذلك هو لم يسمع يومًا (السيد مسرور) يتكلم، كان يقف أمام السرير عند قدمي الطفل ويحدق به ويبتسم فقط، له رائحة جميلة مثل حلوى غزل البنات، وبوجوده هناك شعر الصبي بالهدوء والأمان. 

افترض الطبيب النفسي أن هذا الصديق الخيالي كان نوعا من آلية التكيف التي طورها الصبيُّ للتعامل مع المشكلات في المنزل والتي أدت إلى مزاجه العنيف، ولم يُفكر كثيرًا في ذلك. 

ولكن الصدمة حين جاءت هذه المرة فتاة صغيرة بعمر التسع سنوات تتحدث عن صديقها (السيد مسرور).

ثم صبي في السابعة من عمره. 

ثم صبي في الثانية عشرة من عمره. 

ثم فتاة في الحادية عشرة من عمرها. 

في المجمل، عشرون طفلا مريضا منفصلا بدأوا في التحدث معه عن (السيد مسرور), ومعظمهم الأعراض نفسها من العصبية والحزن. 

الاسم نفسه الوصف نفسه، مكان الوقوف نفسه، المشاعر نفسها، والرائحة نفسها، رائحة الحلوى، وجميعهم لم يرضوا بتسميته بالخيالي أو الوهمي. 

بدأ الطبيب يشعر بالقلق، وطلب المزيد من التفاصيل. 

كل واحد منهم وصفه بالطريقة نفسها، باستخدام الكلمات نفسها بالضبط. 

المرعب أنه لم يكن هناك أية وسيلة تمكن جميع هؤلاء الأطفال من أن يتواصلوا فيها مع بعضهم البعض، خمسة منهم كانوا يتلقون تعليمهم في المنزل، ولم يغادروا المنزل قط. 

الأمر الذي قاد الطبيب إلى نتيجة مزعجة للغاية، لقد تحدَّثَ على انفراد مع والدي كل من الأطفال واحدا تلو الآخر. 

حاول عدم الدخول في التفاصيل، لكنه أخبرهم أن شيئًا مثيرا للقلق قد ظهر في الجلسات وأنه يعتقد أن هناك احتمال أن يكون طفلهم في خطر، وطلب الإذن منهم بمناقشة الأمور مع السلطات، وأعطى أولياء الأمور موافقتهم بشرط أن يتم إبقاؤهم على اطلاع بما يجري. 

في الأسبوع التالي، جاءت الشرطة وتحدثت مع الأطفال عن (صديقهم الخيالي). 

لقد سألوا عن تفاصيل حول مظهره، والذي يبدو أن الأطفال لم يستطيعوا وصفه باستثناء الابتسامة وأنه (ليس مثلهم), وهذا كل ما استطاعوا قوله. 

كما لم يستطع أي من الأطفال الإجابة عن: 

كيف دخل إلى منزلهم؟ 

وماذا كان يقول؟ 

أو ماذا فعل أثناء وجوده هناك؟ 

آنذاك، كان الطبيب والشرطة والآباء لا يفكرون بشيء سوى أنه رجل حقيقي، وهذا ما جعل الشرطة تستنفر، لعله مريض مهووس بالأطفال يدخل للبيوت ليلا، وهذه مصيبة. 

كانوا مقتنعين جميعا بأن (السيد مسرور) كان حقيقيًا وخطيرًا للغاية؛ ولهذا قامت السلطات بالتحقق للتأكد من عدم وجود أحد يحوم حول المنازل ليلا ومن جميع من لديهم سوابق في قضايا التحرش وغيرها. 

لم يعلم أي من الأطفال كيف دخل إلى غرفهم، قالوا إنهم يستيقظون في منتصف الليل ويجدونه ينظر إليهم عند آخر السرير بالقرب من أقدامهم ويبتسم، أحيانًا كان يغني ويهمهم ولكن ليس باللغة الإنجليزية بدا وكأنه تهويدة للنوم، والغريب أن هذا جعلهم يشعرون بالأمان؛ مما يدفعهم للنوم مجددًا. 

وأخيرًا طلب من الأطفال أن يرسموا (السيد مسرور) بما أنهم لم يتمكنوا من التعبير عن شكله بالكلمات، تم عمل هذه التجربة مع كل طفل على انفراد. 

التقط كلُّ واحد من الأطفال قلم تلوين أسود وشرع في تلوين الصفحة بأكملها حتى أصبحت الكراسة مجرد مستطيل من اللون الأسود. 

وعندما سُئلوا عن هذا أصروا على أنهم رسموا (السيد مسرور), وعندما سُئلوا عن مكان رأسه وذراعيه وساقيه، أصروا على أنهم رسموها؛ بل زعموا أنهم رسموا صورة مثالية للرجل الموجود أسفل أسرتهم. 

قال لهم الطبيب بأنهم قاموا ببساطة بتلوين الصفحة ولم يرسموا أي شيءٍ على الإطلاق، غضبوا بشدة، وشعروا أنهم متهمون بالكذب وأصروا على أن ما رسموه هو صورة الرجل الذي رأوه. 

قرر الطبيب أن يُغير خطته، أحضر كراسة أحد الأطفال وأراها لأطفال آخرين وسألهم عن ماهية هذه الرسمة؛ فأجابوا جميعهم بأنها صورة (السيد مسرور). 

تم وضع كاميرات وأجهزة مراقبة للأطفال في غرف الأطفال؛ حتى تمكن مراقبتهم، لقد توقف العديد من الآباء عن النوم تماما، وظلوا مستيقظين طوال الليل محدقين في الشاشات التي تعرض الأسرة التي ينام فيها أطفالهم.

لم يدخل أو يخرج أحد من غرف النوم تلك، ولم يتم سماع أية أصوات باستثناء الشخير أو التحدث أحيانًا أثناء نومهم عبر أجهزة مراقبة الأطفال. 

لا أثر لوجوده، لقد اختفى (السيد مسرور). 

وبعد ما يقرب من أسبوعين على هذا الحال، عادت الثقة لمعظم أولياء الأمور، بدأ الكثير منهم يشككون في وجود (السيد مسرور) أصلا. 

ولم يستطع أحد من الأطباء تفسير الأمر وخلصوا جميعهم إلى أن الأمر برمته هو وهم مشترك غريب، واقترح البعض أنه ربما يكون هذا (السيد مسرور) يشبه شيئًا شاهدوه في برنامج تلفزيوني أو فيلم؛ مما دفعهم جميعًا إلى الحلم بشيء مماثل. 

كان كلامًا مُقنعا والجميع ارتاح لهذا الرأي، ولكن يبدو أن (السيد مسرور) له رأي آخر. 

ففي أحد الأيام وبعد أسبوعين من المراقبة بالكاميرات اختفى أحد الأولاد، كانت الكاميرا الموجودة في غرفته قد توقفت عن العمل في حوالي الساعة الثانية صباحًا، ركضت والدته للاطمئنان عليه لتجد غرفته فارغة. 

لقد استغرق الأمر أقل من دقيقة للوصول إلى غرفته، ولم يكن هناك مخرج أو طريقة ممكنة له للمغادرة (أو أن يتم اصطحابه) والابتعاد عن أنظارها والخروج في هذه الدقيقة. 

المصيبة أنَّ الأم اشتمت الرائحة، كانت الغرفة مليئة برائحة حلوى القطن الساخنة وكأنها أعدت للتو. 

لم يسفر البحث عن الصبي عن شيء في الأيام التالية؛ بالرغم من انتشار الدوريات والمنشورات، ولم ير أحد أي شيء غريب أو غير عادي في جميع أنحاء المنزل قبل أو أثناء الاختفاء ولم يتم العثور على أي أثر له على الإطلاق. 

وبعد أقل من أسبوع، اختفت إحدى الفتيات بعد أن قالت لوالدها أن (السيد مسرور) أصبح غاضبًا. 

ثم اختفى صبي آخر، ثم آخر... 

حتى بقي أربعة فقط. 

بدأ الأطفال الأربعة المتبقون في الحديث (كل منهم على انفراد) عن أن (السيد مسرور) صار غاضبًا وسيأتي لأخذهم قريبًا، وحين سئلوا إن كانوا يعلمون مكان الأطفال الآخرين، قالوا إن هناك الكثير من الأطفال معه بالفعل، وأنه أخذهم للمكان السعيد وهناك كل شيء جميل. 

وقد علموا بذلك لأن (السيد مسرور) تحدَّث معهم أخيرًا وللمرة الأولى، ولكنه لم يتحدث بفمه؛ لأنه لا يستطيع الكلام؛ بل سمعوا صوته في عقولهم. 

بدأت الأمور تصبح مزعجة بشكل متزايد، وتم تشديد المراقبة على الأولاد الأربعة المتبقين لحمايتهم، ولم تتوقف الجهود الأمنية للبحث عن هذا المختطف، كانت الشرطة لا تؤمن بالأشباح وهي متيقنة أن الخاطف شخص ملموس وحقيقي. 

بعد بضعة أسابيع من المراقبة المشدّدة، بدأ الأطفال يشكون من الصداع والغثيان أفادت مدارسهم أنهم يعانون من الهلوسة وبدأ اثنان منهم يشتكيان من أنهما لا يُحبان المكان الذي يعيش فيه (السيد مسرور). 

حتى وصل الأمر بأحد الأطفال - وكان الأكثر ضررًا بينهم - بالصراخ لمدة نصف ساعة مطالبا بتوقف الأصوات في رأسه وأنه يشعر بأنه سينفجر. 

قال طفل آخر: إن (السيد مسرور) بعد أن كان صامتا صار الآن يتحدث إليهم في رؤوسهم طوال الوقت بشكل مزعج، فهو لا يسكت، إنه يُخبرهم بأمور فظيعة عن قتل أنفسهم والحضور إليه؛ لكنهم لم يقووا على عمل ذلك؛ لأن آباءهم سيعلمون بالأشياء الفظيعة - أيضًا - وسيحزنون. 

طلب منهم الطبيب النفسي أن يكتبوا ما كان يقوله (السيد مسرور), ووعدهم بأنه لن يُظهر كتابتاهم لأحد، وتمكن من كسب ثقة أحد الأولاد - بدرجة كافية - حتى وافق وكتب فعلاً. 

قال الطبيب إنه صُدِمَ مما قرأه أشياء مقززة ومزعجة لم تكن أبدًا لتصدر من طفل لم يتجاوز التاسعة. 

محتويات الكتاب معروفة لهذا الطبيب وللسلطات فقط، ولكن عندما يُسألون عنها، فإنهم يصمتون تماما. 

في النهاية توقف الأطفال عن النوم تماما. 

أظهرت لقطات من الكاميرات الأمنية أنهم يجلسون على طرف السرير في وضع مستقيم جدًا وكأنهم آلات، وأعينهم غير مغمضة ويحدقون في الحائط دون أن يتحركوا أو يصدروا صوتا لساعات وساعات حتى الصباح. 

المهدئات لم تفعل شيئًا، بدأت إحدى الفتيات في رسم علامات دائرية غريبة على جلدها بينما توقف اثنان من الصبية عن التواصل باللغة الإنجليزية تماما، لم يتم تحديد اللغة التي يتحدثون بها قط، وعلى الرغم من مطالبة العديد من الأشخاص بالاستماع إليهم، إلا أنهم حين يجلسون معهم لا يتمكنون من ترجمة ما يقولونه، والصادم هو أن هذين الطفلين جمعا - ولأول مرة - في غرفة وتحدثا سويًا هذه اللغة، وكانا يفهمان بعضهما البعض جيدا، وغنا أغنية غريبة سويًا بهذه اللغة كذلك. 

بحلول بداية عام 1999م، كان الأطفال الأربعة قد اختفوا في الهواء. 

لم تظهر عمليات البحث شيئًا حتى يومنا هذا، ما إذا كان هؤلاء الأطفال أحياء أم أموات، وقد رحلوا بأسي ذويهم، ولم يكن هناك أي أثر لمن أخذهم، وبقي (السيد مسرور) لغزًا لم يفهمه أحد. 

(السيد مسرور) لم يعد مجددًا، ولم يتحدث عنه أي طفل مرة أخرى. 

كان لغزًا حيّر الأطباء وأولياء الأمور ورجال القانون، وسقطةً لا يُريد أحد تذكرها. 

تمت

 

التعليقات

للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول اولا